"ينبغي على السياسي ألا يلزم نفسه بأي قسم، اذا كان مثل هذا الولاء يتناقض مع مصالحة"
نيكولاوس ميكافيلي (1469-1517)
عندما أطاح مالكوم تيرنبول بسلفه طوني ابوت، تعهد أن تمضي حكومته ولايتها كاملة ، أي انه لن يذهب الى انتخابات مبكرة قبل ايلول عام 2016.
رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول، والذي عاش فترة شهر عسل سياسي طويل مع الناخبين، كانت كل استطلاعات الرأي منذ توليه السلطة في ايلول 2015 تميل لصالحه كرئيس مفضل للوزراء وبفارق كبير عن زعيم المعارضة بيل شورتن الذي تدنت شعبيته الى 14% فقط. هذا بالأضافة الى تحسن وضع الحكومة الانتخابي متقدمة على حزب العمال، حيث اصبحت بوضع انتخابي أفضل كما اظهرت استطلاعات الرأي.
الكل يعرف أن شهر العسل السياسي لا يدوم، فرئيس الوزراء الذي كان قد تعهد بأن يضع التحالف (الاحرار- الوطني) على سكة النجاح بدأت المشاكل تطل برأسها من داخل حكومته التي خسرت اثنين من وزرائها قبل نهاية العام الماضي وهما جيمي بركس وزير شؤون المدن ومال براف وزير الدولة لشؤون الولايات، الاول بسبب فضيحة تحرش جنسي بإحدى الموظفات، والثاني بسبب طلبه الحصول على مفكرة رئيس البرلمان الأسبق بيتر سليبرز في ما عُرف"بفضيحة اشبي" نسبة الى الموظف جيمس اشبي الذي كان يعمل سكرتير في مكتب سليبرز.
على المستوى الحزبي، واجه رئيس الوزراء مشكلة حزبية عندما انشق وزير الصناعة السابق ايان ماكفرلين عن حزب الأحرار وحاول الإلتحاق بالحزب الوطني الشريك الأصغر في الإئتلاف الحكومي. محاولة ماكفرلين باءت بالفشل بسبب تصويت أعضاء الحزب الوطني ضد التحاق ماكفرلين بحزبهم بالرغم من ترحيب قيادات بارزة في الحزب الوطني بالخطوة خصوصاً رئيس الحزب ونائب رئيس الوزراء وارن تراست والذي يحتمل تقاعده من العمل السياسي قريباً، هذا بالأضافة الى استمرار جناح اليمين في حزب الأحرار والمؤيد لرئيس الوزراء السابق طوني ابوت بالضغط على رئيس الوزراء لتوزير ابوت في حال اجراء اي تعديل حكومي، وقد جاءت المطالبة من السينتور اريك آبتز أحد اقوى مؤيدي ابوت والذي خسر منصبه الوزاري بعد انقلاب تيرنبول على ابوت، وقد سارع تيرنبول لرفض فكرة توزير ابوت مباشرة لأنه وحسبما قال بحاجة الى دماء جديدة وتعزيز الحضور النسائي في حكومته.
اما على المستوي السياسي الوطني فهناك الوضع الإقتصادي، تراجع النمو ووضع الميزانية، حيث وحسب المراجعة النصف سنوية للميزانية زادت نسبة العجز لتصل الى 37.4 مليار دولار. لإعادة الفائض للميزانية فهي تحتاج الى إصلاحات إقتصادية وتغيييرات ضريبية خصوصاً في ظل تراجع أسعار المواد الخام التي تصدرها استراليا كالحديد والفحم، والمعلوم أن هناك نقاش على نار سياسية وإنتخابية حامية على المستوى الوطني لتعديل قوانين الضرائب في البلاد بما فيها ضريبة السلع والخدمات (جي أس تي)، نظام معاش ألادخار التقاعدي (السوبر)، الضرائب على الشركات الكبرى، ألأرباح على رأس المال والضرائب الشخصية وغيرها.
لا شك ان رئيس الوزراء الذي لم يأخذ إجازة لمناسبة الأعياد، يدرس كل الإحتمالات ومنها طبعاً حاجته الى تفويض شعبي يضفي الشرعية على اي إجراء تريد ان تقدم عليه حكومته سواء في القطاع الصحي او التربوي او الضريبي وقوانين أماكن العمل وغيرها. تيرنبول بحاجة ماسة للتخلص من إرث طوني ابوت في ما يتعلق بقضايا المناخ وتعديل قوانين الزواج الفيدرالية والتي تشكل عبئاً لا يستهان به، هذا بالإضافة الى ضغط المعارضة الفيدرالية في اكثر من مجال خصوصاً فيما يتعلق بفضيحة الوزيرين بركس وبراف، وتعديل علاوة الأجور لنهاية الأسبوع والعطل الرسمية. تستعمل المعارضة أسلوب الهجوم المباشر للنيل من مصداقية تيرنبول الذي وصفته المعارضة بأنه ابوت بثياب تيرنبول!
هذا من جهة المشاكل التي تعاني منها الحكومة، لكن ليست كل الأمور بهذه السوداوية. فهذه هدية الأعياد والعام الجديد تأتي من اللجنة الملكية الخاصة بمكافحة الفساد في نقابات العمال، التي قدمت تقريرها الأسبوع الماضي والذي يشتمل على 79 توصية في ما يتعلق بنشاطات النقابات الغير شرعية والإستقواء والبلطجة والغش والسرقة وغيرها مما يعطي للحكومة زخماً من أجل تغيير قوانين عمل النقابات وهذا ما اشارت اليه وزيرة العلاقات الصناعية ميكاييل كاش. في حال رفض المشروع تؤمن الحكومة شرعية الحل المزدوج للبرلمان بمجلسيه (النواب والشيوخ). هذا وقد اعربت الحكومة عن نيتها تبني كافة التوصيات وتمديد فترة عمل اللجنة حتى كانون الأول من العام 2016، وقد دعت الحكومة المعارضة الى التعاون معها لتعديل قوانين نقابات العمال. وحسب صحيفة (ذي سدني مورننغ هيرالد 31/12/2015 ص 3 ) أشار رئيس الوزراء الى نية حكومته التشهير بتاريخ زعيم المعارضة في نقابات العمال حتى موعد الإنتخابات القادمة وما بعدها، علماً ان اللجنة الخاصة التي مثل أمامها بيل شورتن برّأته من اي تهمة.
يشار الى ان المعارضة الفيدرالية والنقابات تتهم اللجنة بأنها مسيّسة، وتوعَّد زعيم المعارضة الحكومة بأنه على الإستعداد لخوض الإنتخابات حول قوانين أماكن العمل كما فعل حزب العمال والنقابات في انتخابات العام 2007 حيث خسر أنذاك رئيس الوزراء الأسبق جان هاورد الإنتخابات ومقعده في البرلمان.
إذن، من هنا يتبادر الى الذهن بعض الأسئلة ، هل سيذهب تيرنبول الى انتخابات مبكرة ويستثمر رأس ماله السياسية ويخلف بالوعد الذي قطعه على نفسه بتمضية فترة ولاية الحكومة الحالية كاملة؟ هل سيلقي بالحجة على الناخبين بأن الحكومة بحاجة الى تفويض من أجل معالجة الوضع الإقتصادي والحفاظ على المستوى المعيشي في البلاد من خلال تمرير مشاريع القوانين التي تعرقلها المعارضة والنواب المستقلين في مجلس الشيوخ؟
برأيي أن رئيس الوزراء سيعمل بنصيحة ميكافيلي (المثبتة في أول المقال) ويذهب الى إنتخابات مبكرة رغم بعض المخاطر، وقد يكون ذلك في أذار أو أيار القادمين لتلافي وضع ميزانية قد تكون غيرشعبية ولها مردود سلبي في صناديق الاقتراع، خصوصاً أن حزب العمال له بالمرصاد، وعلينا ان لا ننسى المشاكل الحزبية داخل حزب الأحرار التي تقدم ذكرها.
أخيراً، اذا استطاع رئيس الوزراء أن ينتظر من العام 2009 أو من شباط 2015 للعودة الى رئاسة الحزب والحكومة، فإن كل الدلائل تشير الى أنه أي رئيس الوزراء لا يملك رفاهية الإنتظار حتى ايلول القادم لأن الناخب الأسترالي أثبت ولأكثر من مرة وعيه وحتى قرفه إن صح التعبير من تناحر السياسيين وانه بحاجة لفترة هدوء سياسية!
نعم، إنها الديمقراطية الاسترالية، والكل يلعب اللعبة الديمقراطية حسب القوانين المرعية سواء كانت الحكومة او المعارضة او الأحزاب الصغيرة والمستقلين!
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com
نيكولاوس ميكافيلي (1469-1517)
عندما أطاح مالكوم تيرنبول بسلفه طوني ابوت، تعهد أن تمضي حكومته ولايتها كاملة ، أي انه لن يذهب الى انتخابات مبكرة قبل ايلول عام 2016.
رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول، والذي عاش فترة شهر عسل سياسي طويل مع الناخبين، كانت كل استطلاعات الرأي منذ توليه السلطة في ايلول 2015 تميل لصالحه كرئيس مفضل للوزراء وبفارق كبير عن زعيم المعارضة بيل شورتن الذي تدنت شعبيته الى 14% فقط. هذا بالأضافة الى تحسن وضع الحكومة الانتخابي متقدمة على حزب العمال، حيث اصبحت بوضع انتخابي أفضل كما اظهرت استطلاعات الرأي.
الكل يعرف أن شهر العسل السياسي لا يدوم، فرئيس الوزراء الذي كان قد تعهد بأن يضع التحالف (الاحرار- الوطني) على سكة النجاح بدأت المشاكل تطل برأسها من داخل حكومته التي خسرت اثنين من وزرائها قبل نهاية العام الماضي وهما جيمي بركس وزير شؤون المدن ومال براف وزير الدولة لشؤون الولايات، الاول بسبب فضيحة تحرش جنسي بإحدى الموظفات، والثاني بسبب طلبه الحصول على مفكرة رئيس البرلمان الأسبق بيتر سليبرز في ما عُرف"بفضيحة اشبي" نسبة الى الموظف جيمس اشبي الذي كان يعمل سكرتير في مكتب سليبرز.
على المستوى الحزبي، واجه رئيس الوزراء مشكلة حزبية عندما انشق وزير الصناعة السابق ايان ماكفرلين عن حزب الأحرار وحاول الإلتحاق بالحزب الوطني الشريك الأصغر في الإئتلاف الحكومي. محاولة ماكفرلين باءت بالفشل بسبب تصويت أعضاء الحزب الوطني ضد التحاق ماكفرلين بحزبهم بالرغم من ترحيب قيادات بارزة في الحزب الوطني بالخطوة خصوصاً رئيس الحزب ونائب رئيس الوزراء وارن تراست والذي يحتمل تقاعده من العمل السياسي قريباً، هذا بالأضافة الى استمرار جناح اليمين في حزب الأحرار والمؤيد لرئيس الوزراء السابق طوني ابوت بالضغط على رئيس الوزراء لتوزير ابوت في حال اجراء اي تعديل حكومي، وقد جاءت المطالبة من السينتور اريك آبتز أحد اقوى مؤيدي ابوت والذي خسر منصبه الوزاري بعد انقلاب تيرنبول على ابوت، وقد سارع تيرنبول لرفض فكرة توزير ابوت مباشرة لأنه وحسبما قال بحاجة الى دماء جديدة وتعزيز الحضور النسائي في حكومته.
اما على المستوي السياسي الوطني فهناك الوضع الإقتصادي، تراجع النمو ووضع الميزانية، حيث وحسب المراجعة النصف سنوية للميزانية زادت نسبة العجز لتصل الى 37.4 مليار دولار. لإعادة الفائض للميزانية فهي تحتاج الى إصلاحات إقتصادية وتغيييرات ضريبية خصوصاً في ظل تراجع أسعار المواد الخام التي تصدرها استراليا كالحديد والفحم، والمعلوم أن هناك نقاش على نار سياسية وإنتخابية حامية على المستوى الوطني لتعديل قوانين الضرائب في البلاد بما فيها ضريبة السلع والخدمات (جي أس تي)، نظام معاش ألادخار التقاعدي (السوبر)، الضرائب على الشركات الكبرى، ألأرباح على رأس المال والضرائب الشخصية وغيرها.
لا شك ان رئيس الوزراء الذي لم يأخذ إجازة لمناسبة الأعياد، يدرس كل الإحتمالات ومنها طبعاً حاجته الى تفويض شعبي يضفي الشرعية على اي إجراء تريد ان تقدم عليه حكومته سواء في القطاع الصحي او التربوي او الضريبي وقوانين أماكن العمل وغيرها. تيرنبول بحاجة ماسة للتخلص من إرث طوني ابوت في ما يتعلق بقضايا المناخ وتعديل قوانين الزواج الفيدرالية والتي تشكل عبئاً لا يستهان به، هذا بالإضافة الى ضغط المعارضة الفيدرالية في اكثر من مجال خصوصاً فيما يتعلق بفضيحة الوزيرين بركس وبراف، وتعديل علاوة الأجور لنهاية الأسبوع والعطل الرسمية. تستعمل المعارضة أسلوب الهجوم المباشر للنيل من مصداقية تيرنبول الذي وصفته المعارضة بأنه ابوت بثياب تيرنبول!
هذا من جهة المشاكل التي تعاني منها الحكومة، لكن ليست كل الأمور بهذه السوداوية. فهذه هدية الأعياد والعام الجديد تأتي من اللجنة الملكية الخاصة بمكافحة الفساد في نقابات العمال، التي قدمت تقريرها الأسبوع الماضي والذي يشتمل على 79 توصية في ما يتعلق بنشاطات النقابات الغير شرعية والإستقواء والبلطجة والغش والسرقة وغيرها مما يعطي للحكومة زخماً من أجل تغيير قوانين عمل النقابات وهذا ما اشارت اليه وزيرة العلاقات الصناعية ميكاييل كاش. في حال رفض المشروع تؤمن الحكومة شرعية الحل المزدوج للبرلمان بمجلسيه (النواب والشيوخ). هذا وقد اعربت الحكومة عن نيتها تبني كافة التوصيات وتمديد فترة عمل اللجنة حتى كانون الأول من العام 2016، وقد دعت الحكومة المعارضة الى التعاون معها لتعديل قوانين نقابات العمال. وحسب صحيفة (ذي سدني مورننغ هيرالد 31/12/2015 ص 3 ) أشار رئيس الوزراء الى نية حكومته التشهير بتاريخ زعيم المعارضة في نقابات العمال حتى موعد الإنتخابات القادمة وما بعدها، علماً ان اللجنة الخاصة التي مثل أمامها بيل شورتن برّأته من اي تهمة.
يشار الى ان المعارضة الفيدرالية والنقابات تتهم اللجنة بأنها مسيّسة، وتوعَّد زعيم المعارضة الحكومة بأنه على الإستعداد لخوض الإنتخابات حول قوانين أماكن العمل كما فعل حزب العمال والنقابات في انتخابات العام 2007 حيث خسر أنذاك رئيس الوزراء الأسبق جان هاورد الإنتخابات ومقعده في البرلمان.
إذن، من هنا يتبادر الى الذهن بعض الأسئلة ، هل سيذهب تيرنبول الى انتخابات مبكرة ويستثمر رأس ماله السياسية ويخلف بالوعد الذي قطعه على نفسه بتمضية فترة ولاية الحكومة الحالية كاملة؟ هل سيلقي بالحجة على الناخبين بأن الحكومة بحاجة الى تفويض من أجل معالجة الوضع الإقتصادي والحفاظ على المستوى المعيشي في البلاد من خلال تمرير مشاريع القوانين التي تعرقلها المعارضة والنواب المستقلين في مجلس الشيوخ؟
برأيي أن رئيس الوزراء سيعمل بنصيحة ميكافيلي (المثبتة في أول المقال) ويذهب الى إنتخابات مبكرة رغم بعض المخاطر، وقد يكون ذلك في أذار أو أيار القادمين لتلافي وضع ميزانية قد تكون غيرشعبية ولها مردود سلبي في صناديق الاقتراع، خصوصاً أن حزب العمال له بالمرصاد، وعلينا ان لا ننسى المشاكل الحزبية داخل حزب الأحرار التي تقدم ذكرها.
أخيراً، اذا استطاع رئيس الوزراء أن ينتظر من العام 2009 أو من شباط 2015 للعودة الى رئاسة الحزب والحكومة، فإن كل الدلائل تشير الى أنه أي رئيس الوزراء لا يملك رفاهية الإنتظار حتى ايلول القادم لأن الناخب الأسترالي أثبت ولأكثر من مرة وعيه وحتى قرفه إن صح التعبير من تناحر السياسيين وانه بحاجة لفترة هدوء سياسية!
نعم، إنها الديمقراطية الاسترالية، والكل يلعب اللعبة الديمقراطية حسب القوانين المرعية سواء كانت الحكومة او المعارضة او الأحزاب الصغيرة والمستقلين!
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق