مع سلام إبراهيم/ د. عدنان الظاهر

الروائي الأستاذ سلام إبراهيم، أبو كفاح، هو خير مَنْ أفتتحُ به عام 2016 رغم شعوري الأكيد أني عاجز عن إيفائه حقه والوفاء له روائيّاً متميّزاً ورجلاً شجاعاً وفيّاً مُخلصاً لكل أمر ذي قيمة في الحياة. إنه قريب جداً من معارفه وأهله فضلاً عن أصدقائه مَن فارق الحياة منهم كلٌّ حسب الطريق الذي اختار قتيلاً شهيداً تحت تعذيب جلاّدي البعث وكلاب زمهرير صدام حسين أو قتيلاً في جهات الحروب أو شهيداً مقاتلاً في جبال كردستان العراق ومنهم مّنْ قضى حسب شرعة وقوانين الحياة مثل أحكام العمر والمرض وما إلى ذلك. إنه بينهم لا يغيب عنهم وهم عنه لا يغيبون ولا يفارقون مخيّلته صاحياً ونائماً.
سبق وأنْ كتبتُ ثلاث أو أربع مرّات عن بعض رواياته السابقة وحين قررتُ اليومَ الكتابة عن روايته الأخيرة " إعدام رسّام " (1) رأيت من الضروري الرجوع إلى تلك الروايات وإلى ما كتبتُ عنها. وأنا في أوضاعي الراهنة المقبول منها والغادر القاهر أجد صعوبة في العثور على تلك الروايات لأغني كتابتي الأخيرة هذه وما عساي سأقول فيها. أرجأتُ مراراً التفتيش وأرجأت محاولاتي مراراً فمتى أفلح في مسعاي وأعثر على ضالتي المنشودة ؟
تدور تفاصيل رواية " إعدام رسّام " حول محنته وما أصابه إثرَ إعدام أخيه كفاح الذي يصغره بثلاثة أعوام وكان أخوه يمارس الرسم رغم كونه طالباً في الجامعة التكنولوجية في بغداد ومن هنا جاء عنوان الرواية وأحسبُ من باب الحِدس ومعرفتي بالسيد سلام أنَّ سلاماً فكّر طويلاً قبل اقتناعه بهذا العنوان ففي السجع شئ من التكلّف المتعمد. وحين يقترب سلام من عالم المرأة وجسدها يفقد نفسه كلاًّ أحياناً وجزءاً أحياناً أخرى لكنه في كافة الحالات يُبدع ويسيح ويهيم ويحلم ويتخيّل حدّ الدنو من بعض المحذورات أو المحظورات. أقول هذا الكلام لأنه أفرد فصلاً خاصاً في روايته هذه أسماه " في متاهة الأعماق السحيقة " / الفصل الثاني وهو أطول فصول الرواية. خصصه للكلام عن زوج أخيه القتيل فانطلق على سجيته والطبع الذي جُبلَ به فخلط مأساة أخيه وقصته التي لا يعرفها أحد من أهله مع هذه الفتاة التي كشفت له ولأول مرة أنها قرينة أخيه كفاح.
نعم، خصص سلام فصلاً طويلاً كاملاً لهذه الفتاة لكنه واظب على ذكر أهله وناسه والده النجارعبد إبراهيم سوادي ووالدته المرحومة " عليّة عبّود " وزوجه الوفية المكافحة بطلة جبال كردستان وضحية أسلحة صدام الكيميائية السيّدة ناهدة جابر جاسم أم كفاح ... فضلاً عن ذكره لأسماء بعض شقيقاته وإحدى عمّاته التي غامرت بإيوائه في دارها وكتب في ذلك رواية مستقله أسماها " الأرسي " وقد كتبت عنها في حينه.
يبقى الطابع العام الطاغي في هذه الرواية هو عالم الشرود والسياحات السوريالية في طقوس وأحياء ودور وبنايات كثيرة الغرابة يرى سلام فيها كائنات مشوّهة أو ممزقة الثياب والأجساد ويختنق في دهاليز وسلالم حلزونية ويصطدم بأحجار وآجرّ بيوت وجدران رطبة كريهة الرائحة فما تفسير ذلك ؟ الهروب من هذه الحياة حيث الحروب والجوع والإختباء القسري والملاحقات والإغتيالات والإعدامات في جبهات الحروب أو الشنق أو الموت تحت التعذيب ؟ الغثيان والجزع ثم التخمة من الحياة وما فيها ؟ الجزع من عالم الفيزيك الثقيل الوطأة واللجوء إلى عالم الميتافيزيك الخفيف ؟ ما كان سلام عضواً في الحزب الشيوعي العراقي لكنه كان دوماً قريباً منه ومن أعضائه ثم اصطف معه أكثر حسب " القاعدة الزوجية " ذاك أنَّ السيدة أم كفاح شيوعية ملتزمة حتى كسر العظم. وجدتُ الكثير من أوجه الشبه في مثل هذه الكتابات الشرودية السياحية السوريالية سواء في هذه الرواية " إعدام رسّام " أو في غيرها من الروايات السابقة خاصة في رواية " رؤيا اليقين " وقد كتبت عنها. نرى في عالمه السوريالي الغامض المشوّش هذا رجال دين بعضهم يقرأ القرآن مُرّتلاً فيطربه ويسكره الترتيل أو يرى أحدهم مُصليّاً فيخشع سلام ويقع تحت تأثير هذه الأجواء الدينية ويرى طيوراً خُضراً وأضرحةً للأئمة وأولياء نعرفهم يذكر سلام أسماء بعضهم ويلوذ بهم بعبارات متداولة بين المتدروشين مثل ( مدد مدد ..... حيّ حيّ ... يا علي ... حي حي يا أبا الحسن يا داحي باب خيبر يا مُيسّر الحاجات و ..... ). وكما ذكر اسم مدينة النجف ذكر أسماء مدن عراقية فيها أضرحة أئمة آخرين مثل كربلاء والكاظمية. لم ذكر مدينة مشهد حيث مرقد وضريح الإمام الثامن علي بن موسى الكاظم  إبن محمد جعفر الصادق ومكة والمدينة. إنه تأثير الوالدات وأنا شخصياً أعرف ذلك وأتفهّمه ويا ما سحتُ وطوّفتُ مع والدتي في طفولتي كلما وحيثما ساحت وطوّفت. أذكر أرقام صفحات الرواية التي جاء فيها مثل هذا السرد وألفت النظر إلى أوجه التشابه في محتويات هذه الصفحات وأعني ما ورد فيها من تهويمات وسياحات سوريالية يتسربل سلام فيها بعالمي الدروشة والتصوف والبخور وروائح المِسك والكافور والبخور والعنبر : الصفحات 9 ـ 12 والصفحات 153 ـ 159 وفي الكتاب صفحات متناثرة أخرى شبيهة بما ورد في هذه الصفحات.
القتيل كفاح وواقعة الطف في كربلاء عام 61 للهجرة :
تكلم سلام عن فاجعة مقتل أخيه كفاح كأنه يصف ويتكلم عن حادثة مقتل الحسين بن علي في طفوف كربلاء. أبدع في وصف هذه الحوادث وكأن في رأسه بعض الصور المتداولة اليوم يظهر الحسين فيها حاضناً بعض أخوته وأبنائه القتلى مثل أخيه العباس وولده عليّ الأكبر أو حاملاً عالياً جسد طفله الرضيع عبد الله مذبوحاً بسهم. تساوى الحدثان المأساويان لديه إنساناً وشقيقاً وكاتباً وجذراً شيعيّاً مُنحازاً كباقي الشيعة للحسين وآله. ذكر الشمر بن ذي الجوشن الذي حزَّ رأس الحسين بعد مقتله كما قرأنا في بعض روايات التاريخ. الشَمِرُ حاز رأس الحسين هو صدام قاتل أخيه كفاح ووالدته وشقيقاته هنَّ زينب أخت الحسين. إنها الجذور وإنها التربية البيتية والمجتمع الذي يحيط بنا ونتكوّن ونتشكل فيه. هنا نجد الخلفية التأريخية لحادثة إعدام كفاح ولولاها لمرَّ الحدث أمامنا سريعاً تاركاً أثراً باهتاً فضحايا صدام وحروبه وغزواته ونزواته قد تتجاوز المليون ضحية من شباب العراق أو أكثر عسكريين ومدنيين. أُحيل القرّاء الكرام ( أقصد الجنسين بالطبع ) للصفحات 36 ـ 39 .
ملاحظة : في الكتاب بعض الهنات اللغوية الطفيفة على رأسها مشكلة سلام مع الهمزة فويلٌ للهُمَزةِ اللُمَزة ! عزيزنا سلام ، القاعدة بسيطة فخذ بها واتّبعها : في حالة الرفع توضع الهمزة على الحرف واو مثل رؤوف و امرؤ القيس و مراؤون و بؤس و سؤدد وغيرها . أما في حالة النصب فتوضع الهمزة على ألف أو تتُرك سائبة حُرّة كأي شلايتية دايحة مثل : جاءَنا و هزأَ بنا و طردتُ أعداءَنا ومثل هذا لا يُعد ولا يُحصى. أما في حالة الجر فتوضع الهمزة على كرسي لأنها ملكة تحب الراحة والأبّهة والجاه والسلطان مثل : في أحيائهم مرضٌ و في أكثر أهوائهم خبال و لدى مجيئهم هرب العدو و ملوك آبائهم شجعان وهكذا فاتبع يا سلام هذه القاعدة علماً أنَّ هناك حالات فيها بعض الإشكاليات وخلافات فالأخوة المصريون وبعض عرب شمال إفريقيا يكتبون " شئون " وأهل العراق يكتبونها " شؤون " وهذا هو الصحيح.
* إعدام رسّام . رواية لسلام ابراهيم . الناشر دار الأدهم للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2016 .    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق