أطفالنا.. وهوس وهستيريا الإحتلال/ راسم عبيدات

من النتائج المباشرة للهبة الشعبية الجماهيرية المتواصلة،منذ أكثر من مئة يوم،انها أربكت حكومة الإحتلال،وقلبت حسابات اجهزته الأمنية،وادخلت المجتمع الإسرائيلي في مأزق وحالة من الخوف والقلق والهستيريا والإضطراب النفسي،حيث وصلت الأمور بمستوطني الإحتلال التصور بأن ظلهم يحمل سكاكيناً،وكذلك هو الحال بجنود الإحتلال.

هذا الواقع الجديد وفشل حكومة الإحتلال في كيفية التعامل مع هذا الواقع وإخماد جذوة الإنتفاضة المتواصلة والمستمرة،دفع بها الى سن قوانين وتشريعات واتخاذ قرارات مغرقة في العنصرية والتطرف ومتعارضة ليس فقط مع حقوق الأطفال،بل مخالفة لكل القوانين والمواثيق والإتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الطفل..فما يسمى بوزيرة العدل الصهيوني المتطرفة والعنصرية "شاكيد" سنت قوانين وتشريعات تشدد العقوبات على راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة من الأطفال تصل الى عشرين عاماً،وكذلك شرعت الإعدامات الميدانية بحقهم،تحت ذريعة تهديد حياة رجال الأمن والشرطة والجيش والمستوطنين الإسرائيليين...ولم تقف الأمور عند هذا الحد حيث عمدت المتطرفة "شاكيد" الى سن قوانين تجيز اعتقال الأطفال من هم دون الرابعة عشرة ومحاكمتهم،ومن الأمثلة على ذلك المحاكم المتواصلة للأطفال علي ومعاوية علقم(11،13) عاماً،كذلك الطفل احمد مناصرة (14) عاماً،والذي رأينا ما تعرض له من ترهيب وتخويف وتهديد في مقطع ال"فيديو" المسرب من محضر التحقيق معه من قبل محققي الإحتلال في مركز تحقيق المسكوبية "المسلخ"،لحمله على الإعتراف بأنه   شارك الى جانب ابن عمه الطفل الشهيد حسن المناصرة في عملية طعن احد المستوطنين، وتمديد اعتقال الطفلين محمد ويوسف الشويكي وغيرهم من أطفال شعبنا.


ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن اعتقال واحد او اكثر من أطفالنا على يد قوات الإحتلال واجهزتها الأمنية  بحجة حيازتهم لسكاكين او مفكات او شفرات او مقصات في إطار محاولة إرهاب اطفالنا وترويعهم وكسر إرادتهم وإمتهان كراماتهم عبر تفتيشات مذلة ومهينة وحاطة بالكرامة الإنسانية،حيث يتعمد جنود الإحتلال الإستفزاز والتنكيل بالأطفال الذين يجري تفتيشهم،ولا غرابة انه مع بداية الهبة الشعبية قبل مئة يوم بأن عدد الأطفال الذين جرى اعتقالهم قد تجاوز (860) طفلاً،منهم (105) اعمارهم من (7- 14) عاماً،وقد احسن صنعاً اهل العيساوية عندما جلبوا معهم الى مقر شرطة صلاح الدين وحفاضات وحليب كخطوة احتجاجية على إعتقال الطفل مجد عبيد (8) سنوات ،الذي جرى اعتقاله أمس السبت 9/1/ 2016  مع الطفل محمد بدر (12) عاماً بحجة وذريعة رشق الحجارة على قوات الإحتلال في بلدة العيساوية...هذا قمة الإرهاب يا من تدعون محاربة الإرهاب،هو إرهاب دولة منظم بحق أطفال عزل لا تجيز لا القوانين ولا الشرائع السماوية ولا الدنيوية اعتقالهم او محاكمتهم،ولكن في عهد وزمن "تعهير" القوانين والإتفاقيات والمواثيق الدولية والإنتقائية في تطبيقها،وتوفير الحماية لإسرائيل من قبل أمريكا والغرب الإستعماري في المؤسسات الدولية من مجلس حقوق الإنسان الى مجلس الأمن الدولي فالجمعية العامة وغيرها ضد أي قرارات او عقوبات قد تتخذ بحقها او تفرض عليها كنتاج لتطاولها وخرقها الفاضح للقانون الدولي والدولي الإنساني الخاص بحماية الأطفال،يثبت بأن هؤلاء شركاء لدولة الإحتلال في الجرائم المرتكبة بحق اطفالنا،هؤلاء الأطفال الذين يجري اعتقالهم بطرق وحشية إما من خلال إنقضاض وحدات القوات الخاصة ووحدات ما يسمى بالمستعربين عليهم في الحارات والشوارع أو إختطافهم من أبواب وداخل مدارسهم،حيث يتعرضون للضرب المبرح والتنكيل بهم قبل وصولهم الى مراكز التحقيق،أو قيامها بإعتقالهم في ساعات الفجر الأولى من النهار خلال عمليات ترويع وتخويف وترهيب،حيث يتم محاصرة منازلهم بقوات مدججة بالسلاح،أغلبها مقنعة الوجوه،تعمد الى التكسير والتحطيم والتفجير لأبواب البيت المقتحم،بالإضافة الى الإعتداء على أفراد أسرة الطفل المعتقل بالضرب وتوجيه الشتائم والكلمات والعبارات البذيئة لهم،واحياناً يتعمدون ضرب الطفل امام عائلته ووالديه،إمعاناً في الإذلال والإهانة.

أما في مراكز التحقيق فهناك تمارس معهم كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي دون مراعاة لكونهم اطفال،وفي كثير من الأحيان لا يسمح لوالديهم ومحاميهم بمرافقتهم في التحقيق،بل يجري تهديدهم بجلب أمهاتهم او اخواتهم الى مراكز التحقيق،وغالباً ما يجري تهديدهم بالإعتداء الجنسي عليهم،او على احد أفراد أسرهم.

والأطفال الذين يبقون في المعتقل او الأطفال المفرج عنهم بشروط الحبس المنزلي او الإبعاد عن منازلهم الى مناطق وبلدات اخرى،يترك ذلك عليهم الكثير من الآثار النفسية والسلوكية والإجتماعية،سواء لجهة الخوف والفزع  من الجيش والمخابرات،او القلق الدائم وعدم النوم بشكل طبيعي وحتى التبول اللا إرادي،وكذلك ربما يصبح الطفل إنطوائي لا يحب مخالطة الناس والأصدقاء،أو التسرب وخسارة المدرسة،أو التوجه نحو سلوكيات إجتماعية تأخذ طابع إنحرافي،ناهيك عن أن الطفل المسجون منزلياً،يجعل من كل العائلة رقيباً عليه،لكي لا يخرق شروط الحبس المنزلي،وهذا بحد ذاته حبس جماعي للعائلة باكملها،وما يخلقه من ضغوطات وتوترات إجتماعية ونفسية.

نحن نعرف ونعلم جيداً بان المجتمع الدولي لم ينصف شعبنا منذ ثمانية وستين عاماً،حيث نكبته ما زالت مستمرة،وما زال أكثر من نصفه يعيش في مخيمات اللجوء في ظروف تفتقر الى ادنى شروط الحياة الإنسانية،فالقرار الأممي (194) الذي اكد على حقه في العودة الى دياره التي طرد وشرد منها قسراً على يد العصابات الصهيونية انذاك،لم يجر تنفيذه بالمطلق،بل كثير من دول الظلم والإستكبار تتآمر على هذا الحق لكي تفرغه من مضمونه أو تنجح في إلغاءه.

واليوم تحت سمع وبصر كل المؤسسات الحقوقية والإنسانية،وكل من يدعون الدفاع عن حقوق الطفل والإنسان،ممن يسمى بالعالم الحر،تجري انتهاكات صارخة بحق اطفالنا على يد حكومة الإحتلال وجيشها ومستوطنيها،من حيث الإعدامات الميدانية ،وعمليات الإعتقال الوحشية لهم،وما يتعرضون له من تعذيب نفسي وجسدي في مراكز شرطة وتحقيق الإحتلال،وما يتركه ذلك عليهم من آثار نفسية وإجتماعية ترافقهم لفترات طويلة وقد تكون دائمة.

هؤلاء الأطفال يجب توفير الحماية والرعاية لهم،لكي يعيشوا حياتهم ويلتحقوا بمدارسهم،أسوة بباقي أطفال العالم، لا أن يتصيدهم جنود الإحتلال بالقنص،او الإعتقال والضرب والتفتيشات المذلة والمهينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق