ما هو المعيار الصحيح لتقييم دور أي مؤرخ أو عالم ؟ هل هو غزارة مؤلفاته أم اللقب العلمي الذي يحمله أم إنتمائه الى هذا المجمع أو ذاك ؟ ولكن هذه كلها معايير مثيرة للجدل ، ولا يعتد بها كثيراً ، خصوصاً في الأوساط العلمية الرصينة .
أعتقد أن ثمة معياراً موضوعياً ، برهن تأريخ الفكر على صوابه ولا خلاف عليه ، هو معيار الريادة في مجال معرفي معين ، حيث تقاس أهمية أي مؤرخ أو عالم بمدى تأثيره فى جيله والأثر الذى يتركه بعد رحيله.
شرف خان البدليسي : رائد حقيقي وكبير من رواد التأريخ الكوردي ، رغم أن مؤلفاً واحداً فقط من مؤلفاته وصل الينا وهو كتاب (الشرفنامة ) الذي يعد من أهم مصادر التأريخ الكردي الوسيط والبداية الحقيقية لتدوين تأرخ الكورد وكردستان . وكذلك المؤرخ الكبير محمد أمين زكي ( 1880 - 1948 ) الذي ألف العديد من الكتب العسكرية والتأريخية باللغتين التركية والكوردية ، ولكنه معروف في المقام الأول بكتابيه :
" مشاهير الكورد وكردستان " و " تأريخ الدول والأمارات الكوردية ، وهو الجزء الثاني من كتاب " تأريخ الكورد وكردستان " . اذن العبرة ليست بغزارة الأنتاج ولا بالمناصب الرسمية ، بل بالعطاء العلمي الأصيل والريادة الحقيقية .
المؤرخ زبير بلال اسماعيل ، مؤرخ رائد من رواد التأريخ الكوردي ، وسنحاول الإبانة عن هذه الحقيقة بأيجاز في الفقرات اللاحقة
1– تأريخ أربيل :
كتاب " تأريخ إربل " لأبن المستوفي ( المتوفى سنة 637 هـ/ 1239 م ) ، المسمى " نباهة البلد الخامل بمن ورده من الأماثل " مخطوطة من عدة أجزاء تحتفظ مكتبة " جيستر بيتي " في دبلن بجزئها الثاني ، الذي يعود الفضل في اكتشافه الى المستشرق البريطاني آربري ، في أثناء توليه مهمة إعداد فهرس للمخطوطات العربية في المكتبة المذكورة .وقد قام السيد سامي بن السيد خماس الصقار بتحقيق هذا الجزء ،وصدر في كتاب عن وزارة الثقافة في بغداد سنة 1980 .ولقد تبين أن مخطوطة ابن المستوفي ليس كتاباً في تأريخ أربيل ، كما يوحي العنوان بذلك ، بل أشبه بموسوعة عن العلماء والأدباء والشعراء الذين زاروا أربيل في عهد ازدهارها في ظل الحكم الأتابكي .
وثمة مخطوطة أخرى تحمل عنوان " تأريخ أربيل " بقلم أحد القساوسة وقد نشرت المخطوطة قبل عدة سنوات وتبين أنه كتاب في اللاهوت ولا علاقة لها بتأريخ أربيل ،لا من قريب ولا من بعيد .
ونرى على هذا النحو أن كتاب " أربيل في أدوارها التأريخية " للمؤرخ زبير بلال إسماعيل الذي صدر في النجف الأشرف في عام 1971 ، هو أول كتاب في تأريخ أربيل وأنحائها ، ويتناول بالبحث والدراسة والتحليل تأريخ هذه المدينة الموغلة في القدم.
وتكمن أهمية الكتاب فى أعطاء صورة عامة وشاملة عن تأريخ المنطقة المحصورة بين الزابين وبخاصة مدينة أربيل العريقة خلال أربعة آلاف عام ، أى منذ ان وجدت الكتابة وحتى العام 1917. وهذه الصورة كانت غائبة تماما قبل صدور الكتاب ، أو لنقل يكتنفها الغموض الى حد كبير . كانت هنالك نتف وأشارات متفرقة فى بطون الكتب والمخطوطات العربية من العصر الوسيط عن أقليم الجبال وبضمنها منطقة أربيل، في مؤلفات بعض ( المؤرخين ) العرب . وما دونه هؤلاء عن الشعب الكوردى كان مجرد أوهام وخرافات لا يصدقها أى عاقل . ولم يكتبوا شيئاً ذا قيمة، أضافة الى ان تلك الكتابات كانت عابرة ومشتتة فى ثنايا مؤلفاتهم المكرسة أصلا لتأريخ شعوب أخرى.
فتح كتاب " أربيل في أدوارها التأريخية " الباب واسعاً أمام كل من درس تأريخ أربيل وأنحائها في السنوات اللاحقة ، وسهّل عليهم كتابة أطاريحهم العلمية وأرشدهم الى المصادر والمراجع المهمة عن التأريخ الكوردي .
الفصول المكرسة لتاريخ المنطقة القديم ، في غاية الأهمية ، لأن دراسة تأريخ الكورد وكوردستان القديم عموماً مهمة في غاية الصعوبة حتى في يومنا هذا ، لندرة المصادر في هذا المجال ، فما بالنا بعام 1960 حين شرع المؤرخ الراحل بتأليف كتابه ، الذي أحدث ضجة عند صدوره ووصفته صحيفة التآخي الغراء بالموسوعة التأريخية التي ينبغي لكل مثقف أن يطلع عليها . وأصبح هذا الكتاب أحد المصادر العلمية للعديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات العراقية والأجنبية .
وعنما توافرت لدى مؤرخنا معلومات جديدة ، استقاها من دراسة اللقى الأثرية ونتائج التنقيبات والأكتشافات الجديدة ، وخاصة في مجال تأريخ كردستان القديم ، أعاد النظر بكتابه " أربيل في أدوارها التأريخية " وجدد معلوماته وأضاف اليه فصولاً جديدة ، وقد إنتهى من تأليف كتابه الجديد " تأريخ أربيل " في عام 1986 ، بيد أن الرقابة رفضت السماح بنشره ، ولم يصدر الكتاب الجديد الّا في شباط عام 1999 في أربيل ، أي بعد وفاته بحوالي شهرين . وقد أقامت وزارة الثقافة ندوة – كانت الأولى من نوعها - للأحتفال بصدور الكتاب وألقي الراحل الكبير فلك الدين كاكائي ، وزير الثقافة آنذاك ، كلمة مؤثرة ، قال فيها : " ان هذا الكتاب ينبغي أن يترجم الى اللغة الأنجليزية واللغات العالمية الأخرى ، ليعرف العالم أي تأريخ مجيد للشعب الكوردي ، كما طالب بتدريس الكتاب في أقسام التأريخ في جامعات كوردستان ، وقد شارك أبرز الكتاب والمثقفين في العاصمة أربيل في القاء الضؤ على أهمية الكتاب ، وطالب العديد منهم بأقامة نصب تذكاري للمؤرخ الراحل .
2 - علماء ومدارس في أربيل :
كان المؤرخ الجليل موسوعة أربيل بحق ، يعرف عن مدينته ما لا يعرفه الآخرون . ليس في المجال التأريخي البحت ، فقد كان ينظر الى التأريخ نظرة أرحب وأوسع ، وكان شديد الأهتمام بتأريخ أربيل العلمي والثقافي ، ودور العبادة والعلم والأدب فيها ، وأبرز وجوهها الأدبية والدينية ، وله عدة مؤلفات في هذا المجال معظمها مخطوط ، منها " أولى المدارس في أربيل " و " مساجد وتكايا أربيل " وغيرها . وبعظها مطبوع منها ، كتابه " علماء ومدارس في أربيل " عن التراث الثقافي الكوردي في أربيل وأنحائها ،الصادر في الموصل عام 1984 ، على نفقة المؤلف . وقد أثار الكتاب عند صدوره إهتماماً واسعاً لدى المثقفين الكورد .
استهل المؤلف كتابه هذا بمقدمة قيمة جاء فيها : " إن التراث الثقافي في منطقة كردستان ، طالما أثار إنتباهي وتاقت اليه نفسي ، وقد دفعني باعث الوفاء له وللتأريخ معاً على أن أفتح وأشرح الصفحة المطوية على قدر ما وسعني وبلغت اليه يد الأمكان ، فتألف من كل ذلك هذا الكتاب الذي بين يديك . أنجبت المنطقة أسراً عديدة ، نبغ بينها رجال برزوا في رحاب العلم والأدب ، ... ومن هذه الأسر أسرة أبي بكر الأربلي ، والأسرة الحيدرية ، وأسرة جلي زادة ، وإبن آدم البالكي ، وملا رسول الله الكراوي ، ومصطفى الزيارتي ، والعمر كنبدي ، والهرشمي ، وملا محمد أمين البتواني وغيرها في منطقة أربيل . والأسرة القزلجية والقره داغية والكورانية والبرزنجية ، والخربانية في منطقة السليمانية ، وأسرة أبي السعودي العمادي ( محمد بن محمد ) ، وملا يحيى المزوري ، وعبدالله الربتكي ( مزوري ) المعروفة اليوم بأسرة المدرس ، وأسرة الملاطة ، والشيخ أحمد الشرانشي (زاخو) وغيرها في محافظة دهوك . " ويقول في موضع آخر : " وكثيراً ما لمعت أسماء قرى متواضعة في بنيانها ، شهيرة بمدارسها وعلمائها ، وتمتاز المنطقة هذه الميزة الملفتة للنظر ، ويعزى ذلك ، من جملة ما يعزى ، الى مكانة العلم في نفوس أهلها وتبجيلهم للعلماء والأدباء ".
ويستطرد المؤلف قائلاً : " على جباه الجبال وفي وديانها الخضراء ، وبين الظلال الوارفة الهادئة تفتحت قرائح صافية وعقول نيرة ونفوس قوية مؤمنة ، وأرواح تهفو الى العلم والمعرفة ، فكانت تلك الفصيلة العاملة للعلم والفضيلة ، التي اتخذت من مدارسهم المساجدية المتواضعة مراكزا للأشعاع الثقافي أنارت ما حولها من المدن والقصبات ، وانتشلت من براثن الجهل والتخلف جماعات فربتها وهذبت نفوسها لتكون أهلاً لحمل رسالة العلم النبيلة الى النفوس الظامئة الطامحة "
في هذا الكتاب الفريد توثيق علمي دقيق للسير الحياتية والعلمية لأبرز علماء وأدباء كردستان الجنوبية . لقد أصبح هذا الكتاب مرجعاً أساسيا في بابه ، لا يستغني عنه كل من له اهتمام بتأريخ الثقافة الكوردية.
3 – الشيخ جولي :
هذا كتاب فريد في بابه ، ذلك لأنه يعتمد على جهد المؤلف الميداني ، وذلك لشحة المصادر عن هذا المتصوف الجليل .
ويعد أول كتاب عن الشيخ جولي ، و زاخر بالمعلومات . وقد واجه المؤلف صعوبات جمة في تأليفه، وتغلب عليه بجهده الدؤوب المتواصل . ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب : " لقد بذلت في تدوين سيرته ( يقصد الشيخ جولي ) ومناقبه وأخباره المبعثرة جهداً مثابراً ومتابعة مستمرة في تقصي المعلومات المتصلة بحياته قبل سلوكه وبعده . وتم خلال ذلك الألتقاء بعدد من الأفاضل الذين كان أجدادهم من خلفاء الشيخ أو من مريديه ومنسوبيه ، وبعدد آخر من ذوي قرابته ، فضلاً عن مراجعة جملة من كتب التصوف .
ان مواد البحث تستند في غالبيتها الى الروايات الشفهية المتواترة ، تناقلتها الناس جيلاً بعد جيل . ولكن هذه الروايات على اختلاف رواتها متفقة على نقاط أساسية وان تنوعت اساليب التعبير عنها . ان استحصال مفردات أحوال الشيخ وسيرته كان عسيراً ، الجأني أحيانا الى عقد مقارنات تأريخية كثيرة ، وخاصة فيما يتعلق بمعرفة السنوات المهمة في حياته . كل ذلك من اجل بيان ورسم الملامح الصحيحة لهذه الشخصية الصوفية البارزة والأقتراب من دنياه وحياته الروحية ، ولكي نبين البيئة التي ولد في أحضانها ونشأ فيها في اطار تقاليدها الأجتماعية والصوفية .
ويرسم الكتاب ملامح هذه الشخصية الصوفية البارزة ويتناول بالبحث والتحليل حياته الروحية ، والمصطلحات الصوفية الشائعة في أوساط أمثاله ومعاصريه من المتصوفة ، ويستعرض أسماء خلفائه ومريديه . .ويشير المؤلف الى أن الكتاب يسهل الوقوف على سيرة هذا المتصوف الكبير وتأريخ مسجده الشهير وفي احياء ذكراه العطرة وجانب من التراث الصوفي في أربيل .
والكتاب لا يدرس سيرة الشيخ الجليل وحسب بل يتناول سيرة الشيخ في اطار " التصوف في الأسلام وتطوره ومصطلحاته " ويؤرخ لنشأة التصوف في أربيل وأشهر المتصوفة والزوايا في العصور الوسطى وفي العصر الحديث "
ان هذا الكتاب ، كتاب مؤسس وثمين ، و الوحيد حتى يومنا هذا عن سيرة وحياة هذا الشيخ الجليل .
أعتقد أن ثمة معياراً موضوعياً ، برهن تأريخ الفكر على صوابه ولا خلاف عليه ، هو معيار الريادة في مجال معرفي معين ، حيث تقاس أهمية أي مؤرخ أو عالم بمدى تأثيره فى جيله والأثر الذى يتركه بعد رحيله.
شرف خان البدليسي : رائد حقيقي وكبير من رواد التأريخ الكوردي ، رغم أن مؤلفاً واحداً فقط من مؤلفاته وصل الينا وهو كتاب (الشرفنامة ) الذي يعد من أهم مصادر التأريخ الكردي الوسيط والبداية الحقيقية لتدوين تأرخ الكورد وكردستان . وكذلك المؤرخ الكبير محمد أمين زكي ( 1880 - 1948 ) الذي ألف العديد من الكتب العسكرية والتأريخية باللغتين التركية والكوردية ، ولكنه معروف في المقام الأول بكتابيه :
" مشاهير الكورد وكردستان " و " تأريخ الدول والأمارات الكوردية ، وهو الجزء الثاني من كتاب " تأريخ الكورد وكردستان " . اذن العبرة ليست بغزارة الأنتاج ولا بالمناصب الرسمية ، بل بالعطاء العلمي الأصيل والريادة الحقيقية .
المؤرخ زبير بلال اسماعيل ، مؤرخ رائد من رواد التأريخ الكوردي ، وسنحاول الإبانة عن هذه الحقيقة بأيجاز في الفقرات اللاحقة
1– تأريخ أربيل :
كتاب " تأريخ إربل " لأبن المستوفي ( المتوفى سنة 637 هـ/ 1239 م ) ، المسمى " نباهة البلد الخامل بمن ورده من الأماثل " مخطوطة من عدة أجزاء تحتفظ مكتبة " جيستر بيتي " في دبلن بجزئها الثاني ، الذي يعود الفضل في اكتشافه الى المستشرق البريطاني آربري ، في أثناء توليه مهمة إعداد فهرس للمخطوطات العربية في المكتبة المذكورة .وقد قام السيد سامي بن السيد خماس الصقار بتحقيق هذا الجزء ،وصدر في كتاب عن وزارة الثقافة في بغداد سنة 1980 .ولقد تبين أن مخطوطة ابن المستوفي ليس كتاباً في تأريخ أربيل ، كما يوحي العنوان بذلك ، بل أشبه بموسوعة عن العلماء والأدباء والشعراء الذين زاروا أربيل في عهد ازدهارها في ظل الحكم الأتابكي .
وثمة مخطوطة أخرى تحمل عنوان " تأريخ أربيل " بقلم أحد القساوسة وقد نشرت المخطوطة قبل عدة سنوات وتبين أنه كتاب في اللاهوت ولا علاقة لها بتأريخ أربيل ،لا من قريب ولا من بعيد .
ونرى على هذا النحو أن كتاب " أربيل في أدوارها التأريخية " للمؤرخ زبير بلال إسماعيل الذي صدر في النجف الأشرف في عام 1971 ، هو أول كتاب في تأريخ أربيل وأنحائها ، ويتناول بالبحث والدراسة والتحليل تأريخ هذه المدينة الموغلة في القدم.
وتكمن أهمية الكتاب فى أعطاء صورة عامة وشاملة عن تأريخ المنطقة المحصورة بين الزابين وبخاصة مدينة أربيل العريقة خلال أربعة آلاف عام ، أى منذ ان وجدت الكتابة وحتى العام 1917. وهذه الصورة كانت غائبة تماما قبل صدور الكتاب ، أو لنقل يكتنفها الغموض الى حد كبير . كانت هنالك نتف وأشارات متفرقة فى بطون الكتب والمخطوطات العربية من العصر الوسيط عن أقليم الجبال وبضمنها منطقة أربيل، في مؤلفات بعض ( المؤرخين ) العرب . وما دونه هؤلاء عن الشعب الكوردى كان مجرد أوهام وخرافات لا يصدقها أى عاقل . ولم يكتبوا شيئاً ذا قيمة، أضافة الى ان تلك الكتابات كانت عابرة ومشتتة فى ثنايا مؤلفاتهم المكرسة أصلا لتأريخ شعوب أخرى.
فتح كتاب " أربيل في أدوارها التأريخية " الباب واسعاً أمام كل من درس تأريخ أربيل وأنحائها في السنوات اللاحقة ، وسهّل عليهم كتابة أطاريحهم العلمية وأرشدهم الى المصادر والمراجع المهمة عن التأريخ الكوردي .
الفصول المكرسة لتاريخ المنطقة القديم ، في غاية الأهمية ، لأن دراسة تأريخ الكورد وكوردستان القديم عموماً مهمة في غاية الصعوبة حتى في يومنا هذا ، لندرة المصادر في هذا المجال ، فما بالنا بعام 1960 حين شرع المؤرخ الراحل بتأليف كتابه ، الذي أحدث ضجة عند صدوره ووصفته صحيفة التآخي الغراء بالموسوعة التأريخية التي ينبغي لكل مثقف أن يطلع عليها . وأصبح هذا الكتاب أحد المصادر العلمية للعديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات العراقية والأجنبية .
وعنما توافرت لدى مؤرخنا معلومات جديدة ، استقاها من دراسة اللقى الأثرية ونتائج التنقيبات والأكتشافات الجديدة ، وخاصة في مجال تأريخ كردستان القديم ، أعاد النظر بكتابه " أربيل في أدوارها التأريخية " وجدد معلوماته وأضاف اليه فصولاً جديدة ، وقد إنتهى من تأليف كتابه الجديد " تأريخ أربيل " في عام 1986 ، بيد أن الرقابة رفضت السماح بنشره ، ولم يصدر الكتاب الجديد الّا في شباط عام 1999 في أربيل ، أي بعد وفاته بحوالي شهرين . وقد أقامت وزارة الثقافة ندوة – كانت الأولى من نوعها - للأحتفال بصدور الكتاب وألقي الراحل الكبير فلك الدين كاكائي ، وزير الثقافة آنذاك ، كلمة مؤثرة ، قال فيها : " ان هذا الكتاب ينبغي أن يترجم الى اللغة الأنجليزية واللغات العالمية الأخرى ، ليعرف العالم أي تأريخ مجيد للشعب الكوردي ، كما طالب بتدريس الكتاب في أقسام التأريخ في جامعات كوردستان ، وقد شارك أبرز الكتاب والمثقفين في العاصمة أربيل في القاء الضؤ على أهمية الكتاب ، وطالب العديد منهم بأقامة نصب تذكاري للمؤرخ الراحل .
2 - علماء ومدارس في أربيل :
كان المؤرخ الجليل موسوعة أربيل بحق ، يعرف عن مدينته ما لا يعرفه الآخرون . ليس في المجال التأريخي البحت ، فقد كان ينظر الى التأريخ نظرة أرحب وأوسع ، وكان شديد الأهتمام بتأريخ أربيل العلمي والثقافي ، ودور العبادة والعلم والأدب فيها ، وأبرز وجوهها الأدبية والدينية ، وله عدة مؤلفات في هذا المجال معظمها مخطوط ، منها " أولى المدارس في أربيل " و " مساجد وتكايا أربيل " وغيرها . وبعظها مطبوع منها ، كتابه " علماء ومدارس في أربيل " عن التراث الثقافي الكوردي في أربيل وأنحائها ،الصادر في الموصل عام 1984 ، على نفقة المؤلف . وقد أثار الكتاب عند صدوره إهتماماً واسعاً لدى المثقفين الكورد .
استهل المؤلف كتابه هذا بمقدمة قيمة جاء فيها : " إن التراث الثقافي في منطقة كردستان ، طالما أثار إنتباهي وتاقت اليه نفسي ، وقد دفعني باعث الوفاء له وللتأريخ معاً على أن أفتح وأشرح الصفحة المطوية على قدر ما وسعني وبلغت اليه يد الأمكان ، فتألف من كل ذلك هذا الكتاب الذي بين يديك . أنجبت المنطقة أسراً عديدة ، نبغ بينها رجال برزوا في رحاب العلم والأدب ، ... ومن هذه الأسر أسرة أبي بكر الأربلي ، والأسرة الحيدرية ، وأسرة جلي زادة ، وإبن آدم البالكي ، وملا رسول الله الكراوي ، ومصطفى الزيارتي ، والعمر كنبدي ، والهرشمي ، وملا محمد أمين البتواني وغيرها في منطقة أربيل . والأسرة القزلجية والقره داغية والكورانية والبرزنجية ، والخربانية في منطقة السليمانية ، وأسرة أبي السعودي العمادي ( محمد بن محمد ) ، وملا يحيى المزوري ، وعبدالله الربتكي ( مزوري ) المعروفة اليوم بأسرة المدرس ، وأسرة الملاطة ، والشيخ أحمد الشرانشي (زاخو) وغيرها في محافظة دهوك . " ويقول في موضع آخر : " وكثيراً ما لمعت أسماء قرى متواضعة في بنيانها ، شهيرة بمدارسها وعلمائها ، وتمتاز المنطقة هذه الميزة الملفتة للنظر ، ويعزى ذلك ، من جملة ما يعزى ، الى مكانة العلم في نفوس أهلها وتبجيلهم للعلماء والأدباء ".
ويستطرد المؤلف قائلاً : " على جباه الجبال وفي وديانها الخضراء ، وبين الظلال الوارفة الهادئة تفتحت قرائح صافية وعقول نيرة ونفوس قوية مؤمنة ، وأرواح تهفو الى العلم والمعرفة ، فكانت تلك الفصيلة العاملة للعلم والفضيلة ، التي اتخذت من مدارسهم المساجدية المتواضعة مراكزا للأشعاع الثقافي أنارت ما حولها من المدن والقصبات ، وانتشلت من براثن الجهل والتخلف جماعات فربتها وهذبت نفوسها لتكون أهلاً لحمل رسالة العلم النبيلة الى النفوس الظامئة الطامحة "
في هذا الكتاب الفريد توثيق علمي دقيق للسير الحياتية والعلمية لأبرز علماء وأدباء كردستان الجنوبية . لقد أصبح هذا الكتاب مرجعاً أساسيا في بابه ، لا يستغني عنه كل من له اهتمام بتأريخ الثقافة الكوردية.
3 – الشيخ جولي :
هذا كتاب فريد في بابه ، ذلك لأنه يعتمد على جهد المؤلف الميداني ، وذلك لشحة المصادر عن هذا المتصوف الجليل .
ويعد أول كتاب عن الشيخ جولي ، و زاخر بالمعلومات . وقد واجه المؤلف صعوبات جمة في تأليفه، وتغلب عليه بجهده الدؤوب المتواصل . ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب : " لقد بذلت في تدوين سيرته ( يقصد الشيخ جولي ) ومناقبه وأخباره المبعثرة جهداً مثابراً ومتابعة مستمرة في تقصي المعلومات المتصلة بحياته قبل سلوكه وبعده . وتم خلال ذلك الألتقاء بعدد من الأفاضل الذين كان أجدادهم من خلفاء الشيخ أو من مريديه ومنسوبيه ، وبعدد آخر من ذوي قرابته ، فضلاً عن مراجعة جملة من كتب التصوف .
ان مواد البحث تستند في غالبيتها الى الروايات الشفهية المتواترة ، تناقلتها الناس جيلاً بعد جيل . ولكن هذه الروايات على اختلاف رواتها متفقة على نقاط أساسية وان تنوعت اساليب التعبير عنها . ان استحصال مفردات أحوال الشيخ وسيرته كان عسيراً ، الجأني أحيانا الى عقد مقارنات تأريخية كثيرة ، وخاصة فيما يتعلق بمعرفة السنوات المهمة في حياته . كل ذلك من اجل بيان ورسم الملامح الصحيحة لهذه الشخصية الصوفية البارزة والأقتراب من دنياه وحياته الروحية ، ولكي نبين البيئة التي ولد في أحضانها ونشأ فيها في اطار تقاليدها الأجتماعية والصوفية .
ويرسم الكتاب ملامح هذه الشخصية الصوفية البارزة ويتناول بالبحث والتحليل حياته الروحية ، والمصطلحات الصوفية الشائعة في أوساط أمثاله ومعاصريه من المتصوفة ، ويستعرض أسماء خلفائه ومريديه . .ويشير المؤلف الى أن الكتاب يسهل الوقوف على سيرة هذا المتصوف الكبير وتأريخ مسجده الشهير وفي احياء ذكراه العطرة وجانب من التراث الصوفي في أربيل .
والكتاب لا يدرس سيرة الشيخ الجليل وحسب بل يتناول سيرة الشيخ في اطار " التصوف في الأسلام وتطوره ومصطلحاته " ويؤرخ لنشأة التصوف في أربيل وأشهر المتصوفة والزوايا في العصور الوسطى وفي العصر الحديث "
ان هذا الكتاب ، كتاب مؤسس وثمين ، و الوحيد حتى يومنا هذا عن سيرة وحياة هذا الشيخ الجليل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق