فشل التحالف السعودى برئاسة الولايات المتحدة فى اليمن وسوريا/ الدكتور حمدى حمودة

ظن حكام الجزيزرة العربية أن الحرب لاتعدوا عن كونها طائرات وصواريخ وقنابل من كل الأنواع الجرثومية والعنقودية والفتاكة ، ظنوا انها ابادة للمساكن والمساجد والكنائس ولكل شيئ يمت للتراث والحضارة ، لم يرقى لفهمهم أن الحروب تكتيك وخطط واستراجيات على مستوى رفيع منم الجهوزية والدقة ، الحروب التى عنونتها واشنطن وتل أبيب بعناوين لم تكن اعتباطية ، الا انهم كانوا يعلمون ماذا يفعلون وبماذا يريدون من وراء هذه الحروب ، ربما فشلت واشنطن فى حربها على فيتنام وافغانستان والعراق وسوريا ، ولكنهاكانت تعلم ماذا تريد من وراء مخططاتها واهدافها سواء كانت استعمارية أولأسقاط أنظمة واحلالها بأنظمة تابعة لها لتنفيذ مصالحها ، فالولايات المتحدة منذ 1945 هى التى ابتكرت فكرة ( لعبة الأمم )  للتتدخل فى شئون الدول المستقلة وغير المستقلة لتنفيذ مآربها ، واول تجاربها كانت فى سوريا عندما طبقت عليها هذه اللعبة لتوجد من ينقلب على حكم مشيل غفلق ويحل محله ، وقد كان وحدث لها ماأرادته ، الا ان الرئيس الذى اختارته لهذه المهمة سرعان ما انقلب عليها وخسرت قدما لها بسوريا ، ثم لعبة هذه اللعبة فى مصر عندما نما لها فكرة مايدور فى الكواليس سرا بمحاولة جريئة للأنقلاب على الملك فاروق ، فاشتركت فى اللعبة واتصلت بالخلية التى تنوى الأنقلاب عليه ، وبالفعل أزاحت فاروق ونجح الأنقلاب الذى ما لبث أن أخذ شكل الثورة التى كتب الله لها النجاح فكانت ثورة 1952 للضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر وفى الواجهة محمد نجيب رئيسا لها ، وهكذا استمرت لعبة الأمم حتى وقتنا هذا تمارسها وتجيد فنون خططها واستراجيتها واشنطون فى كل من آسيا وافريقيا حتى افريقيا السوداء ، الى أن نهجت نفس النهج بعض الدول العربية فى الماضى أبرزها مصر عندما فكر عبد الناصر أن يجمع شمل الأمة العربية ، وعندما لعبت معه واشنطن لعبة ( اعلان ايزنهاور ) الذى نتج عنه " حلف بغداد " الذى ضم كل من العراق فى عهد نورى السعيد والأردن فى عهد الملك حسين ولبنان غى عهد كميل شمعون ، وذلك ليكونوا" خارجين " على عبد الناصر فى محاولته لجمع شمل الأمة العربية التى لم يطمع أبدا فى أن يكون رئيسا لها كما ادعى البعض ، وذلك بشهادة المقربين له من أبرز الساسة الأمريكين فى ذلك الوقت ( مايلز كوبلاند ) السابق فى المخابلاات المركزية الأمريكية ومؤلف كتاب لعبة الأمم والذى عاصر عبد الناصر من قبل أن تقوم الضباط الأحرار بالأنقلاب الذى نمى بعد ذلك الى ثورة حققت ما حققت من أهداف عظمى ، هذا الذى اضطر عبد الناصر أن يسمى هؤلاء" بالخوارج" وكان لزاما عليه أن يسقط هذا الحلف فاشترك فى " لعبة الأمم " فانقلب عبد الكريم قاسم على نورى السعيد فى العراق وعاد الملك حسين الى حظيرة عبد الناصر بعد محاولة خروج رئيس الوزراء عليه وخسر شمعون رئاسة لبنان بالأنقلاب عليه وبذلك يكون قد نجح عبد الناصر فى تفكيك الحلف .
والتاريخ منذ ذلك الحين يشهد على تطبيق " لعبة الأمم " التى تمسكت بها الولايات المتحدة حتى اليوم والتى أرادت الدوحة وأميرها السابق أن يطبقها بموافقة واشنطن فى كل من سوريا ومصر وتونس واليمن وليبيا ، واتحدت معها الرياض ودبى والكويت فكان" الحريق العربى " الذى أسقط النظام فى هذه الدول ، الا أن سوريا كانت عصية عليهم فلم يستطيعوا النيل منها حتى الآن وقبل أن تتدخل حلفائها بشكل رسمى سواء كانت روسيا أو ايران أو حزب الله ، الا أن بعد مرور عامين ونصف على الحرب المستعرة بسوريا وبتمكين الرياض والدوحة وأنقرة وواشنطن من ضخ أكثر من مائة ألف أو يزيد مسلح تكفيرى من أربعة وثمانون دولة عربية وأجنبية لقلب النطام فيها ، وبعد ان تصدى لهم الجيش العربى السورى بكل امكاناته ، اضطر حزب الله اللبنانى بقيادة حسن نصر الله الى التدخل فى سوريا لمساندة الجيش، وبعدها تدخلت ايران التنى أمدت سوريا بالخبراء والسلاح حتى اذا ما تأزمت الأمور وتمكنت " داعش " والنصرة" من احتلال أجزاء كبيرة من الأراضى السورية ، خاصة التى يوجد بها النفط وسرقته وبيعه الى تركيا بأرخص الأثمان ، والعبث بالتراث والحضارة التدمرية ، جاءت موسكو فى الأشهر الأخيرة من 2015 وحتى تاريخ كتابة هذه المقالة فى شهرمارس 2016 بالخبراء وأحدث الأسلحة من طائرات وصواريخ ومعدات لم يسبق الأعلان عنها فاجأت بها تل أبيب وواشنطن والرياض وأنقرة ، وبعد ان تحالفت كل من موسكو وواشنطن للتخلص من التكفيرين والأرهابين على كل مسمياتها بعد شعورهم بالخطر على بلادهم من هذه الجماعات التكفيرية خاصة الدول الأوروبية ومنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، وبعد أن انقلبت أيضا انقرة حليفتهم عليهم لكونها لم تستطيع تحقيق مآربها بسوريا وهو قلب النظام فيها واحتلال الشمال ، وذلك بتدخل الأطلسى الذى رفض الأشتراك معها فى ضرب سوريا مثلما رفضت واشنطن ذلك فى 2013 وأحبططت كل من الرياض وأنقرة والدوحة مما أدى بانسحاب تدريجى للدوحة وأميرها الذى تنحى بعدها ونصب ابنه حاكما على قطر .
اذن نعود الى فشل الرياض فى احتلال اليمن اذا كان هذا هو الهدف ، فأنا أستبعد ذلك لكونهم محتلين اليمن منذ نصف قرن ، هم محتلين أهم ثلاثة بلدان فى اليمن التى يوجد بها آبار البترول ، كما انها محتلة أجزاء من قطر والأمارات ، هى ارادت أن تلعب لعبة الأمم بقيادة واشنطن فى قلب أنظمة الدول التى تم ذكرها من قبل فنجحت فى التخلص من معمر القذافى الذى كانوا يخافون شره وتسلط لسانه ، وتخلصوا من حليفهما حسنى بمصر وعبدالله صالح باليمن وجاؤوا بهادى لخدمتهم كتابع لهم ومنفذ لأوامرهم ، الا أن الشعب رفض الهيمنة لأنه هو من قام بالثورة على الحاكم السابق وأزاحوه ليستعيد اليمن عافيته ولايكون تابع للرياض أو لواشنطن ، وهكذا حدث فى مصر فقد جاؤا بالأخوان المسلمين الا ان الشعب انقلب واستعاد انقلابه بانقلاب آخر وتحقق له مايريد ، لكن اليمن لم تسلم من هذا التحالف المزعوم والغوغائى الذى شنته الرياض عليها دون أية أهداف غير استعراض للقوة ، لكنها خسرت ووقعت فى الوحل ولم تستطيع بعد مرور عام كامل وهى تغوص فى مستنقع الوحل اليمنى أن تحقق أى نصر غير انها تمكنت من تدمير كل شيئ حتى العجزة والمسنين والمعوقين وكل ما يتصل بالحضارة بصلة ، وبقى الأنسان اليمنى شامخ الرأس منتصرا على هؤلاء الغوغائيين الذين قاموا بكل ما قامت به تل أبيب فى حربها على لبنان وغزة ،حيث حرقت الأخضر واليابس والحيوانات لم تسلم شرورها ولا الشجر ولا النبات ولا الجماد .
والان وبعد أن حاولت منظمات حقوق الأنسان أن توقظ ضمائر حكام العالم وشعوبها بعد القتل الوحشى والتهجير والجفاف الذى أصاب ملايين الأطفال والموت الجماعى وتدمير البنية التحتية لليمن ، قام مجلس الأمن ببعث مندوبه لعمل مشاورات بين الرياض وبين أنصار الله ، وبعد أن أجهزت الرياض على هذه المباحثات فى جنيف واحد وجنيف اثنين قبل عدة شهور أصرت فيها الرياض على الأستمرار فى الغوغائية بعد أن وعدت حلفائها باحتلال صنعاء بعد دخولها عدن التى سيطرت عليها الجماعات الأرهابية وقتلت من القيادات ما قتلت ودمرت مادمرت من منشئات ومنعت هادى ووزارؤه من دخول عدن ، وفشل هادى وحلفه التابع له من أن يعود حاكما لليمن كما كان يتمنى آل سعود ، أما صنعاء أصبحت أبية عليهم ولم يستطيعوا على شعبها ولا جيشها ولا عشائرها مهما كانت قوة التدمير لها .
هذا الذى أدى بآل سعود بالبحث عن طرق بدلية لتسوية الأمر بينها وبين جماعة أنصار الله والحزب الديمقراطى الذى حاولوا أن يوقعوا بينه وبين أنصار الله ، الا أنهم فشلوا مرات ومرات ، فعادوا لعمل جسور للمصالحة سرا منذ اسبوعين بوسطات غير معروفة حتى الآن وبعيدا عن مجلس الأمن الذى أدان العدوان السعودى أخيرا على اليمن ومنظمات حقوق الأنسان ، خاصة منظمة الأغذية العالمية ، فماذا أفادت " لعبة الأمم " الرياض بعد هزيمتها النكراء فى كل من سوريا واليمن والعراق ، لن تتجزأ هذه الدول ولن تتفكك كما أرادوا وتمنوا لها وستبقى هذه الدول شامخة حرة مستقلة ذات سيادة مهما كان رغبتهم فى تنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد الذى تعد له العدة واشنطن وتل أبيب منذ 1965 فى الكتاب الذى حاكه " كيسنجر " وزير خاجية الولايات المتحدة السابق .

Dr_hamdy@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق