حكاية عروس اسمها فلسطين لن ننساها ـ الجزء العاشر/ موسى مرعي

تنقسم الفترة الواقعة ما بين نهاية الثورة الفلسطينية الكبرى وأحداث سنة 1948, الى مرحلتين : أولى هي سنوات الحرب ( 1939 – 1945 ) في حين تتمثل الثانية في السنتين اللاحقتين لانهاء الحرب ( 1945 – 1947 ) وكان الفلسطينيون خلال المرحلة الاولى هادئين بصورة عامة . ويمكن أن تنسب سلبيتهم الى وحشية القمع البريطاني للثورة من جهة , والى ما نص عليه الكتاب الابيض لسنة 1939 من عبارات مطمئة نسبيا بشأن الهجرة اليهودية والاستحواذ على الاراضي , من جهة ثانية ومن الدواعي الاخرى أيضا , ما صاحب الحرب من ازدهار اقتصادي تمثل في ازدياد مستوى الانفاق من جانب قوات بريطانيا والحلفاء في الشرق الاوسط , وما فاه به وزير الخارجية البريطاني أنطوني ايدن من تصريحات محبذة للوحدة العربية بعد أن تضع الحرب أوزارها , وهي قضية لها جاذبيتها في أنظار الوطنيين الفلسطينيين والعرب الآخرين .                                                                  
أما عن سنوات الحرب التي كنت شرحتها في البداية , وعلى الرغم من الكتاب الابيض لسنة 1939 وتصريحات ايدن فقد واصلت بريطانيا حظرها المفروض على اللجنة العربية العليا , وجميع الانشطة السياسية الفلسطينية الاخرى . وظل كبار الزعماء الفلسطينيين مختبئين أو منفيين أو معتقلين , لكن تمكن الحاج أمين الحسيني من الافلات من الاعتقال وما هو أسوأ في نظر البريطانيين الذين تآمروا على اغتياله وهو في منفاه في العراق : أنه فر سنة 1941 الى دول المحور حيث أمضى هناك بقية سنوات الحرب . بالاضافة الى ذلك واصل البريطانيون احتجازهم للآلاف من المجاهدين الفلسطينيين في معسكرات الاعتقال , واستمرا في حملتهم لنزع سلاح الاهالي الفلسطينيين .                                                   
في تشرين الاول / اكتوبر جرت محادثات تمهيدية للبحث في موضوع الوحدة العربية , في مدينة الاسكندرية , وبعد ذلك بخمسة أشهر في آذار شهر مارس سنة 1945 , تشكلت جامعة الدول العربية من مصر والعراق ولبنان والمملكة السعودية وسوريا وشرق الاردن واليمن وقد تعهدت الجامعة العربية البريطانية التركيب بحماية عروبة فلسطين . ومع اقتراب الحرب من نهايتها , تطلع فلسطينيون كثيرون الى الجامعة طلبا للعون منها في الايام التالية .       
وقد توترت العلاقات الأنغلو – صهيونية بصورة عامة زمن الحرب نتيجة الكتاب الابيض لسنة 1939 . لكن التهديدات النازية , ولا سيما الحملة الالمانية في شمال أفريقيا ضد مصر خففت حدة العداء الصهيوني لبريطانيا , باستثناء ما ظهر في حالة المنظمة الارهابية المنشقة المعروفة بعصابة شتيرن  . وقد انضم نحو 27000 يهودي من المستوطنين في فلسطين الى القوات البريطانية , واتسعت القاعدة الصناعية اليهودية في فلسطين كثيرا لتفي بحاجات بريطانيا زمن الحرب . وقد ظل الكتاب الابيض لسنة 1939 هدفا لنيران الاستراتيجية السياسية الصهيونية , سواء عند بداية المرحلة الاولى أو طوال المرحلة الثانية . فحاولت الزعامة الصهيونية زعزعة مضمون الكتاب الابيض من خلال السعي لتنظيم الهجرة غير الشرعية الى فلسطين على نطاق واسع , أي من دون التقيد بالحصص التي حددها الكتاب الابيض , وكان رد بريطانيا على ذلك تقديم فرص الاقامة البديلة للمهاجرين غير الشرعيين خارج فلسطين طوال مدة الحرب لكن هذا الاجراء اثار حفيذة الصهاينة , الذين زعموا ان الكتاب الابيض 1939 قد حال دون انقاذ اليهود من همجية النازية , كما سبق أن أوضحت ذلك , لم تهتم استراجية الهجرة الصهيونية في فترة ما قبل الحرب قط بالضغط على الدول ذات القدرة الاستيعابية الكبيرة مثل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ومستعمراتها من أجل السماح للعدد الاقصى من اللاجئين اليهود من اوروبا بدخول أراضيها , وبالاضافة الى ذلك نجد أن سرعة وتيرة التطورات العسكرية في اوروبا وعواقبها الفظيعة على الجاليات اليهودية في الدول الاوروبية قد أدت الى عدم تمكن الزعامة الصهيونية _ في وقت لاحق من الاستفادة حتى من تأشيرات الدخول التي أجاز الكتاب الابيض العمل بها طوال سنوات الخمس من نيسان أبريل 1939 حتى نيسان أبريل 1944 . ولهذا السبب قررت بريطانيا في تشرين الثاني نوفمبر 1943 تمديد فترة السنوات الخمس الى ما بعد نيسان أبريل 1944 من دون الحصول على موافقة الفلسطينيين كما نص على ذلك الكتاب الابيض . فان تاشيرات الدخول التي بلغت 75000 تأشيرة والتي تم السماح بها بمقتضى نصوص الكتاب الابيض  . لم تكن كلها قد استخدمت حتى قانون الاول / ديسمبر 1945 .                                 
ولعل أبرز الدلائل على انهيار الوفاق الانغلو – صهيوني ما حدث في أثناء سنوات الحرب ففي مستهل الحرب , قررت الزعامة الصهيونية في فلسطين تحريك مشاعر اليهود الامريكيين كوسيلة لاجتذاب تأييد الحكومة الامريكية للقضية الصهيونية , ولذا سافر دايفيد بن غوريون الزعيم الصهيوني العمالي مندوبا عن الوكالة اليهودية الى الولايات المتحدة الامريكبة حيث عقد في أيار مايو عام 1942 مؤتمر في فندق  يلتمور بنييورك . ودعا هذا المؤتمر الذي شهده عدد من كبار الصهاينة الامريكيين الى تحويل فلسطين بكاملها الى كومنولث يهودي وهو تعبير ملطف بديل عن تعبير الدولة اليهودية , وقد اشتمل هذا البرنامج المتطرف على هجوم مباشر ضد الكتاب الابيض لسنة 1939 بل ضد بلفور أيضا الذي اقتصر على الاشارة الى اقامة وطن يهودي في فلسطين . ومع انحصار موجة الحرب عن مصر وشمال افريقيا , لكن قبل هزيمة هتلر شنت منظمتا ايرغون تسفائي ليئومي وشتيرن حملة ارهاب ضد البريطانيين ولم يكن في تزايد الشعور العدائي الصهيوني ضد بريطانيا ما يعكس التأييد الأمريكي المتعاظم فحسب , وانما أظهر هذا التطور أيضا تحولا متراكما في ميزان القوى المحلي في مصلحة الصهاينة على حساب الفلسطينيين وهو التحول الذي رعته بريطانيا على مدة العقود الثلاثة السابقة . ولئن كان الصهاينة معتمدين اعتمادا كليا على بريطانيا لعام 1917  فان اعتمادهم هذا لم يعد مقتصرا على بريطانيا سنة 1945 (يتبع)
استحدرت المعلومات من مصادر فلسطينية موثقة بالاسماء والصور والتاريخ 
الحزب السوري القومي الاجتماعي / مفوضية سيدني المستقلة                  
أعدها الرفيق موسى مرعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق