1 - المقدمة :
شوقي وما أدراك ما شوقي بالنسبة لي؟!! ومتى توثقت علاقتي به ، وبشعره الرائع الجميل ، البليغ البسيط ، السهل الممتنع ؟!! ومع كل ذلك أفضل الجواهري عليه ، وأصرّ ، وأجادل ، وأناقش ، وأتلي بالحجج ، كأنه خصمي العنيد ...!!
أنتم - وأعني معظم قرّائي الكرام - تعرفون أنا ابن النجف الأشرف ومن مواليد 1946م / 1365هـ ، يعني قريب لعصر شوقي وبهرجته ، وإمارته وشهرته ، ومعاصر لشيخنا الجواهري ، وماذا بالنجف في عصرنا غير الكتب والمكتبات ، لا ملاهي ، ولا نوادي ، ولا يجوز بمثل سنّنا أن يرتاد المقاهي ....نعم المكتبات العامة ، كمكتبة أمير المؤمنين ، وهي من أكبر المكتبات في العراق ، والوطن العربي ، والمكتبة العامة ، ومكتبة الحكيم ، وفي طرفنا ( البراق) مكتبة آل حنوش ، ونحن - مع بعض الأصدقاء - أسسنا مكتبة الحجة ، وتوجد قيصرية لمكتبات تبيع الكتب ، وفي يوم الجمعة يقام مزاد علني لبيع الكتب في المكتبة الحيدرية في القيصرية نفسها لصاحبها الشيخ محمد كاظم الكتبي ، وكنت أشتري بعض الكتب منها بما تيسر لي من نقود ، أجمعها من يومياتي ، أو من العيديات المتراكمة عندي ، هذا الكلام إبان بداية دراستي في المتوسطة ، قل في بدايات حكم عبد الكريم قاسم ، وشرعت حينها بتأسيس مكتبة خاصة لي ،ربما عندما غادرت النجف 1965م إلى بغداد للدراسة في كلية طب الأسنان ، قد جمعت ما يقارب ألفي كتاب، ومن بعد هذا التاريخ لم أعد لمدينتي كمقيم دائمي ، بل أعود إليها غبّاً حتى هجرتي النهائية 1978م.
أقول في تلك الأيام ، وكان خالي من محبي الأدب والشعر ، رغبني ، وشجعني على قراءة الشوقيات لأحمد شوقي ، ولعل هو الذي قرّبني للجواهري أكثر ، ولا أعلم الآن بدقة ، هل الجواهري عنده هو الأعظم عن دراية تامة بالشعر وفنونه ، أم لأن الجواهري نجفي ؟!!
المهم ما أطيل عليك ...أقتنيت الشوقيات منذ بدايات دراستي المتوسطة حتى الآن وقد شارفت السبعين وبجنبي ، يدور معي البلدان أنّى درت وأدور !!، يتمزق وأبدل ، أبدل ويتمزق ...وكنت أحفظ معظم شعره ، واستشهد به ، ولا تتخيل أنني سأذكر لك فقط عناوين قصائده ، بل أتغنى ببعض ما أحببت منذ الطفولة ، قبل أن أدخل عالمه الشعري معك، والتسلسل حسب ما تجود به الذاكرة
2 - الصورة الأولى :
فمن قصيدته (انتحار الطلبة)، وقد نظمها إثر انتحار الطلبة بعد سقوطهم بالامتحانات ، وقد أرجعها لصعوبة الأسئلة ، وغلظة الأساتذة ....، وأنا عندما كنت تلميذا في كل مرحلة الثانوية ، عندما أحنق على أستاذ لسوء تصرف ، ممن ؟ لا أدري ! ، أو لصعوبة الأسئلة ، أو هكذا أرى ! ألجأ لهذه القصيدة ، أحدو بها ، واعتبر منها ، ولله في خلقه شؤون !! من البحر الرمل :
ناشئٌ في الوردِ من أيامِهِ :
ناشئ في الورد من أيامه *** حسبه الله أبالورد عثر
سدد السهم إلى صدر الصبا *** ورماه في حواشيه الغرر
بيد لا تعرف الشر ولا *** صلحت إلا لتلهو بالأكر
بسطت للسم والحبل وما *** بسطت للكأس يوما والوتر
غفر الله له ما ضره *** لو قضى من لذة العيش الوطر
لم يمتع من صبا أيامه *** ولياليه أصيل وسحر
يتمنى الشيخ منه ساعة *** بحجاب السمع أو نور البصر
كل يوم خبر عن حدث *** سئم العيش ومن يسأم يذر
قال ناس صرعة من قدر *** وقديما ظلم الناس القدر
ويقول الطب بل من جنة *** ورأيت العقل في الناس ندر
ويقولون جفاء راعه *** من أب أغلظ قلبا من حجر
وامتحان صعبته وطأة *** شدها في العلم أستاذ نكر
لا أرى إلا نظاما فاسدا *** فكك الغلم وأودى بالأسر
ودروس لم يذلل قطفها *** عالم إن نطق الدرس سحر
ولقد تنهكه نهك الضنى *** ضرة منظرها سقم وضر
تضمر اليأس من الدنيا وما *** عندها عن حادث الدنيا خبر
فيم تجنون على آبائكم *** ألم الثكل شديدا في الكبر
وتعقون بلادا لم تزل *** بين إشفاق عليكم وحذر
فمصاب الملك في شبانه *** كمصاب الأرض في الزرع النضر
ليس يدري أحد منكم بما *** كان يعطى لو تأنى وانتظر
فلك جار ودنيا لم يدم *** عندها السعد ولا النحس استمر
روحوا القلب بلذات الصبا *** فكفى الشيب مجالا للكدر
عالجوا الحكمة واستشفوا بها *** وانشدوا ما ضل منها في السير
واطلبوا العلم لذات العلم لا *** لشهادات وآراب أخر
كم غلام خامل في درسه *** صار بحر العلم أستاذ العصر
ومجد فيه أمسى خاملا *** ليس فيمن غاب أو فيمن حضر
قاتل النفس لو كانت له **** أسخط الله ولم يرض البشر
لا تموت النفس إلا باسمه **** قام بالموت عليها وقهر
3 - الصورة الثانية :
كانت لشوقي قصيدة جميلة مغناة من ( مجزوء الكامل) ، الشجي والجميل ، ومطلعها رائع ، ، وعنوانها ( بين الحجاب والسفور) ، قالها مخاطباً كنارياً ، وضعه في قفص من ذهب في حديقة داره في الجيزة ، و كنّى به عن المرأة المسجونة بدارها وحجابها ، وفضل وضعها الخانق على أن تقع فريسة بيد الرجل الخانق ...!!! واستطرد شوقي بها الناريخ العربي الإسلامي ، والرجل - مثل بقية المصريين - له تعلق ، وعشق لأل بيت النبوة ، فلذا تراه يناصر الإمام في قضية التحكيم بيوم الجندل الشهير ، لمهم وضع آمنة ابنته في حضنه ، وابنه علي عن يمينه ، وابنه حسين عن يساره ، اقرأ منها ، وتمتع بشوقينا وأشواقنا :
صدّاح يا ملك الكنا **** ر ويا أمـــــير البلبلِ
قد فزت منك بمعبدٍ ** ورزقت قرب الموصلي
وأتيح لي داود مـــــز **** ماراً وحسن ترتلِ
فوق الأسرة والمنـــــا ***** بر قط لم تترجلِ
تهتز كالدينار فـــي ****** مرتج لحظ الأحول
وإذا خطرت على الملا *****عبِ لم تدع لممثلِ
ولك ابتداءات الفرز *****دق في مقاطع جرولِ
يا ليت شعري يا أسيرَ******شـجٍ فؤادك أم خلِ
وحليف سهد أم تنــا****** م الليل حتى ينجلى
بالرغم منى ما تعا *****لج في النحاس المقفلِ
حرصي عليك هوىً ومن *****يحرز ثمينا ينجلِ
والشح تحدثه الضرو ****رة في الجواد المجزلِِ
أنا إن جعلتك فـــــي نضا **** ر بالحريــر مجللِ
ولففته في سُوســــــنٍ ****** وحففته بقَــــرنفلِ
وحرقت أزكى العود حو *****لَيهِ وأغلى الصندلِ
وحملته فوق العيو ***** نِ وفوق رأس الجدولِ
وأمرت بابني فالتقا ***** كَ بوجهــــــهِ المتهللِ
بيمينه فالـــــــــوذجٌ ****** لــــم يهدِِ للمتوكلِ
وزجاجة من فضـــــةٍ ****** مملؤة مــن سلسل
ما كنت يا صدّاح عنـ ******ـدك بالكريـم المفضلِ
شهد الحياة مشوبــــةٌ ***** بالـرقِّ مثل الحنظـلِ
والقيد لو كان الجمــــــا ***** ن منظما لم يحملِ
يا طير لولا أن يقـــــو **** لوا جُـــــن قلـت تعقلِ
اسمع فرب مفصــــــلٍ **** لك لــــم يفدك كمجملِ
صبراً لما تشقى بـــــــه ******أو ما بدا لك فافعلِ
أنــــــت أبن رأى للطبيـ ******عـة فيك غير مبدلِ
صداح حق ما أقـــــــول**** حفلـــت أم لـــم تحفلِ
يا طـــير والأمثـــــال تضــرب *** للبيــب الأمـثلِ
دنيـــــاك مـــــن عـــــاداتها ***ألا تكـــون لأعــزلِ
أو للغبـــــيِّ وإنْ تعلْـ ****** لَلَ بالزمــــان المقبلِ
إن طرت عن كنفي وقعْـ*** تَ على النسور الجـهَّـلِ
جُعلـــــت لحـــيٍّ يبتلى *** في ذي الحـياة ويبتلـي
أسمعتَ بالحكمينفي الـ***** ـإسلامَ يــــوم الجندلِ؟
في الفتنة الكبرى ، ولو***** لا حكمـــة لم تُشـعلِ
رضي الصحابة يــــوم َ ذ *** لكَ بالكتاب المنــزل
وهم المصابيح ، الروا **** ةُ عن النبي المرســلِِ
قالوا الكتاب وقــــام كـــ**** ــلُّ مفسرٍ ومــــؤولِ
حتى إذا وسعت معــا**** ويةً وضـــاق بها علـي
رجعوا لظـــلمٍ كالطبا *****ئعِ في النفوس مؤصّلِ
نزلـــــوا على حكم القويِّ،****وعند رأي الأحـيَلِ
صدّاح حقٌّ ما أقـــــو****** ل حفلـت أم لم تحفلِ
جاورت أندى روضةٍ****** وحللتَ أكـــــرم منزلِ
بين الحفاوة من "حسينٍ"** والرعاية من "عـلي"
وحنان "آمنة" كأمـّـ*** ـك فــــي صـــباك الأولِ
صحْ بالصباح وبشّر الـ ***** ـأبنــاء بالمستقـبلِ
واسأل لمصر عنايةً ***** تــأتي وتهبط مــن علِ
قل ربّنا افتح رحمة ****** والخيــر منــك فأرسل
أدرك كنانـــــتك الكريـــــ ****** ـمة ربّـنا وتقــبلِ
4 - الصورة الثالثة :
غاندي وثورته الهندية ، ملئت الدنيا وشغلت الناس ، ففي مدينتنا بالنجف الأشرف ، نظم الشاعر المعروف ، الشيخ صالح الجفري ، وهو من آل كاشف الغطاء ، وانتسب لجده الشيخ جعفر الكبير ، ثم نزع العمامة ، وأصبح مدرساً أفندياً ، أقول إبان ثورة الهند ضد السلطات الإنكليزية نظم قصيدة كافرة رهيبة ، يناصر الهنود ، ويستهزأ بأهم أركان الإسلام وهو الحج بقوله :
قف في "منى" واهتف بمزدحم القبائل والوفودِ
حجّوا فلســـــتم بالــــــغين بحجّكم شرف الهنودِ
حجوا إلى استقلالـــهم وحججــــتم خوف الوعيدِ
فعبادة الأحـــرار أشرف من إطاعـــــــــات العبيدِ
ثار عوام النجف ، بل وخاصتهم ، وهموا بقتله
نشرها في صحيفة "الفجر الصادق" وبعض الصحف النجفية ، فهاج العامة ، بل وبعض الخاصة ، وكتب رجال الدين مقالات بتكفيره ، ولكن الذي أنقذه من موت محقق المرجع الديني الكبير الأمام أبو الحسن الموسوي ، فدافع عنه عنه ، وعن حرية رأيه ، والشعراء يقولون ما لا يفعلون ، فابتعد عنه المحرضون عنه !!!
"مهاتما غاندى" اسم حين نقرأه أو نسمعه نتذكر قصة كفاح قادها فرد لنيل استقلال بلاده. نتذكر سياسة "اللاعنف" التى دعا إليها باعتبارها الوسيلة السلمية الوحيدة التى ستمكنه من طرد الاستعمار البريطانى من أراضى الهند. اسمه بالكامل "مُهندس كرمشاند غاندى" ولقبهُ أبناء قرية بور بندر الهندية، بالـ"مهاتما غاندى"، والتى تعنى القديس صاحب النفس العظيمة، وكان من أبرزها الكتاب الذى ألفه عنه الأديب الراحل عباس محمود العقاد "مهاتما غاندى..روح عظيم"، والقصيدة التى أهداها إليه الشاعر أحمد شوقى بمناسبة مروره من قناة السويس وجاء فى أبياتها الكتاب الذى ألفه عنه المؤرخ إسماعيل مظهر والذى روى فيه حياة غاندى وقصة نضاله ضد العنصرية ، اغتيل الرجل سنة 1948م .
لما غادر الزعيم الهندي الغاندي بلاده لحضور مؤتمر الدائرة المستديرة في لندن سنة 1931 م ، مرّ بسويس مصر ، فنظم شوقي هذه القصيدة تحية له ، ومنها :
بني مصر، ارفعوا الغار *** وحيوا بطل الهندِ
وأدوا واجباً، واقضوا *****حقوق العلم الفردِ
أخوكم في المقاساة *****وعرك الموقف النكد
وفي التضحية الكبرى ** وفي المطلب، والجهد
وفي الجرح،وفي الدمع **وفي النفي من المهدِ
قفوا حيوه مــن قرب *** على الفلك، ومن بعدِ
وغطوا البر بالآس **** وغطوا البحــر بالوردِ
***
نبي مثل (كونفشيو ****س) ، أو من ذلك العهدِ
قريب القول والــفعل **** مـــن المنتظر المهدي
شيبه الرسل في الذود *** عن الحق، وفي الزهد
ونادى المشـــرق الأقصى **** فلبـــاه من اللحد
وجاء الأنفس المرضى **** فداواها مـــن الحقد
دعا الهندوس والإسلا **** م للألفــــة والـــــود
وسلطان من النفس ********يقوي رائض الأسد
***
سلام النيل يا غندي **** وهذا الزهر مــن عندي
وإجلال مـــن الأهـرا *** م ، والكرنك، والـــبردي
ومن مشيخة الــوادي ***** ومن أشبــــاله المرد
سلام حالب الشـــــاة ****** سلام غـــــزل البــرد
ومن صد عن الملــح **** ولم يقـــبل على الشهد
ومن تركب ساقيـــــه ***** مــــن الهند إلى السند
وفي زاوية الســـــجن ***** وفي سلســـــلة القيــد
ولاقي العبقرييـــــــــن ***** لقـــــاء النــــد للنــــــدِ
وقل : هاتوا أفاعيـــــكم ***** أتى الحاوي من الهند!
فهذا النــجم لا ترقـــــى ***** إليـــــه همّـــة النقــــد
ورد الهنــــــد للأمّـ ****** ـة من حــــدٍّ إلــــى حـــدِّ
5 - الصورة الرابعة :
كنت أحبّ قصائد أحمد شوقي في ابنته أمينة ، وخصوصا في تلك الأيام الخوالي في عهد عبد الكريم قاسم ، أحمل ابنة أختي وعمرها سنة ، وألاعبها مردداً قصائد شاعرنا الأمير بحقّ ابنته ، وأنا أعلم علم اليقين أن أمينةهانم الشوقية بعمر جدتي ، والحق دوّن شوقي كل تواريخ قصائده السياسية والدينية والاجتماعية ، ولكن عندما يصل إلى باب الخصوصيات لم نعثر على أي تاريخ ، بل الرجل وهو من مواليد ( 1868م) - سنأتي على حياته في الحلقة الثانية - لم يتظرق لا هو ، ولا من أرخ له عن تاريخ زواجه ، وميلاد ولديه علي وحسين ، وأختهما الأمينة ، ومن أسماء أبنائه ، وقصائده النبوية الخالدة كنهج البردة وولد الهدى يتجلى مدى إجلاله للدين الحنيف ، ومحبته لآل البيت ، وعلى أغلب ظني كان الرجل أقرب للطرب والكأس منه للتمسك الشديد بالدين ، فهو من عاشقي أبي نؤاس، حتى منزله القديم بالمطرية ، ، وفي سنة 1920 م بناه على نيل الجيزة سمّاه كرمة أبن هانئ ، وفي سنة 1972 م حوّل إلى متحف له ، يعني هو صاحب :
رمضان ولى هاتِها يا ساق *** مشتاقةً تسعى إلى مشتاقِ
ما كان أكثرهُ على أُلافِهـــــا ******وأقلُهُ في طاعة الخلاقِ
الله غفار الذنوبِ جميعه ***** إن كان ثمَّ من الذنوب بواقي
بالأمس قد كنا سجيني طاعة *****واليوم منّ العيد بالإطلاقِ
ضحِكت إليّ من السرور ولم تزل* بنت الكروم كريمة الأعراقِ
هات اسقنيها غير ذات عواقبٍ ****حتى نُراع لصيحةِ الصفّاقِ
حمراءَ أو صفراءَ إن كريمَها ******كالغيدِ، كـــل مليحةٍ بمذاقِ
وحَذارِ من دمها الزكيّ تريقُهُ ******يكفيك يا قاسي دمُ العشاقِ
وكما خرج منها أستاذنا الشيخ صالح الجعفري بتفهم من السيد أبو الحسن الأصفهاني - كما مرّ علينا سالفاً ، أيضاً تفهم الشيخ محمد الشعراوي عذر شاعرنا الشوقي أحمد ، حين تعلل بالآية الكريمة :( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ).
مهما يكن نرجع لسالفتنا ، لم نعثر على أي تاريخ لمواليد ولديه وابنته ، ولكن على أغلب ظني أواخر القرن التاسع عشر ، وبالتحديد عقد التسعينات منه ، ولم يبق ذكر لأولاد شوقي وأحفاده في زمننا المعاصر سوى في سنة 2012م زارت مصرليلى الدمرداش حفيدة الشاعر وبصحبتها ابنتها أمينة، وتعتبر ليلى هي الحفيدة الثالثة لأمير الشعراء حيث أنها ابنة نعمة الله رياض ابنة خديجة رياض ابنة أمينة أحمد شوقي ، وهذه الليلى تجيد الإنكليزية والفرنسية والأسبانية والبرتغالية ، ولا تتكلم العربية إلا بعدة كلمات مكسرة ..!!
نعود لأيام طفولتنا وكنا نردد قصائد شوقي في أمينته ( أرجوزة ) :
يا حبذا أمينة وكلبها *******تحبه جداً كما يحبها
أمينتي تحبو إلى الحولين **وكلبها يناهز الشهرين
لكنها بيضاء مثل العاج ****وعبده أسود كالدياجي
يلزمها نهارها وتلزمه ****ومثلما يكرمها لا تكرمه
فعندها من شدة الإشفاقِ ***أن تأخذ الصغير بالخناق
في كل ساعة له صيـــاحُ *****وقلما ينعم ، أو يرتاحُ
وهذه حادثة لها معه ***تنبيك كيف استأثرت بالمنفعه
جاءت به إلي ذات مرةِ ****تحمله وهــــي بــه كالبره
فقلت:أهلاً بالعروس وابنها* ماذا يكون يا ترى من شأنها؟
قالت: "غلامي يا أبي جوعان *****وما له كما لنا لسان
فمر همو يأتوا بخبز ولبن *****ويحضروا آنيةً ذاتَ ثمن
فقمت كالعادة بالمطـــــلوب ***** وجئتها أنظر من قريب
فعجنت في اللبن البـــــــابا ******كما ترانا نطــــعم الكلابا
ثم أرادت أن تذوق قبلـــــــه ** فاستطعمت بنـت الكرام أكله
هناك ألقت بالصغير للـــــورا *** واندفعت تبكي بكاء مفترى
تقول: بابا، أنا (دحا) وهو (كخ) ** معناه: بابا، لي وحدي ما طبخ
فقل لمن يجهل خطب الآنية ** ***قد فطر الطفل على الأنانية
الموت حقٌّ ، وكلّ من عليها فان ، ولا يبقى إلا وجه ربّك ذي الجلال والإكرام ، وهو عظة لكلّ إنسان ، والدنيا دولٌ ، أمدها قصير ، ودربها عسير ، وإن بدى لحينٍ يسير ، والله يخرج الحيّ من الميت ، وهو على كلّ شيء قدير ، ولكن من عجائب الدنيا ولغزها وغرائبها ، أن يطلَّ عليها حفيد جديد ، ويودّعها جدٌّ عتيد في نفس الليلة ، وذات الساعة ، وهذا ماحدث لشاعرنا ،فكانت ولادة ابنته (أمينة) ووفاة والده في ساعة واحدة، فقال في ذلك شعراً مؤثراً بليغاً ، طالما كررناه ، كأنما نرثي أنفسنا ، قبل أن نفقه ما الرثاء !! من البحر السريع :
ياليلةً سميتها ليلتي******* لأنّها بالنــاس مامرت
أذكرها والموت في ذكرها**على سبيل البث والعبرة
ليعلم الغافل ماأمســـــه *** مايومه مامنتهى العيشة
نبّهني المقدور في جنحها***وكنت بين النوم واليقظة
الموت عجلان إلى والدي**والوضع مستعص على زوجتي
وتلك في مصر على حالها **وذاك رهن الموت والغربة
هذا فتى يبكى على مثــــــله*****وهذه فــي أول النشأة
والقلب مابينهما حـــــائرٌ ****مـــن بلدة أسري إلى بلدة
حتى بدا الصبح فولى أبـــــي ***وأقبلت بعد العناء ابنتي
فقلت أحكامك حزناً لهـــــــا*** يا مخرِج الحيِّ من الميت
له العديد من النتف والمقطوعات والقصائد في باب الخصويات عن ابنه علي وابنته أمينة وعن ديوان (شوقياته) ، وعن بعض أصدقائه كأحمد مظلوم وإسماعيل صبري ، وخليل مطران وحمزة فهمي .... ولكن هذه القصائد ما كنت أكررها في طفولتي كثيراً ، ونترك غيرها من القصائد التي أخذت أحدو بها وأنشدها في مرحلة الإعدادية ( المرحلة العليا من الثانوية) كنهج البردة ، ولد الهدى ، يوم المولد ، أبو الهول ، معارضات أبي نؤاس والبحتري وابن زيدون ... وطرائفه ومحجوبياته ، وحكمه على لسان حيواناته إلى حلقات قادمة بعد الحديث عن مسيرة حياته الحياة ، وكلّ قريب آت...!!
أتلانتا المحروسة الثاني من حزيران 2016 م ليلاً
كريم مرزة الأسدي
شوقي وما أدراك ما شوقي بالنسبة لي؟!! ومتى توثقت علاقتي به ، وبشعره الرائع الجميل ، البليغ البسيط ، السهل الممتنع ؟!! ومع كل ذلك أفضل الجواهري عليه ، وأصرّ ، وأجادل ، وأناقش ، وأتلي بالحجج ، كأنه خصمي العنيد ...!!
أنتم - وأعني معظم قرّائي الكرام - تعرفون أنا ابن النجف الأشرف ومن مواليد 1946م / 1365هـ ، يعني قريب لعصر شوقي وبهرجته ، وإمارته وشهرته ، ومعاصر لشيخنا الجواهري ، وماذا بالنجف في عصرنا غير الكتب والمكتبات ، لا ملاهي ، ولا نوادي ، ولا يجوز بمثل سنّنا أن يرتاد المقاهي ....نعم المكتبات العامة ، كمكتبة أمير المؤمنين ، وهي من أكبر المكتبات في العراق ، والوطن العربي ، والمكتبة العامة ، ومكتبة الحكيم ، وفي طرفنا ( البراق) مكتبة آل حنوش ، ونحن - مع بعض الأصدقاء - أسسنا مكتبة الحجة ، وتوجد قيصرية لمكتبات تبيع الكتب ، وفي يوم الجمعة يقام مزاد علني لبيع الكتب في المكتبة الحيدرية في القيصرية نفسها لصاحبها الشيخ محمد كاظم الكتبي ، وكنت أشتري بعض الكتب منها بما تيسر لي من نقود ، أجمعها من يومياتي ، أو من العيديات المتراكمة عندي ، هذا الكلام إبان بداية دراستي في المتوسطة ، قل في بدايات حكم عبد الكريم قاسم ، وشرعت حينها بتأسيس مكتبة خاصة لي ،ربما عندما غادرت النجف 1965م إلى بغداد للدراسة في كلية طب الأسنان ، قد جمعت ما يقارب ألفي كتاب، ومن بعد هذا التاريخ لم أعد لمدينتي كمقيم دائمي ، بل أعود إليها غبّاً حتى هجرتي النهائية 1978م.
أقول في تلك الأيام ، وكان خالي من محبي الأدب والشعر ، رغبني ، وشجعني على قراءة الشوقيات لأحمد شوقي ، ولعل هو الذي قرّبني للجواهري أكثر ، ولا أعلم الآن بدقة ، هل الجواهري عنده هو الأعظم عن دراية تامة بالشعر وفنونه ، أم لأن الجواهري نجفي ؟!!
المهم ما أطيل عليك ...أقتنيت الشوقيات منذ بدايات دراستي المتوسطة حتى الآن وقد شارفت السبعين وبجنبي ، يدور معي البلدان أنّى درت وأدور !!، يتمزق وأبدل ، أبدل ويتمزق ...وكنت أحفظ معظم شعره ، واستشهد به ، ولا تتخيل أنني سأذكر لك فقط عناوين قصائده ، بل أتغنى ببعض ما أحببت منذ الطفولة ، قبل أن أدخل عالمه الشعري معك، والتسلسل حسب ما تجود به الذاكرة
2 - الصورة الأولى :
فمن قصيدته (انتحار الطلبة)، وقد نظمها إثر انتحار الطلبة بعد سقوطهم بالامتحانات ، وقد أرجعها لصعوبة الأسئلة ، وغلظة الأساتذة ....، وأنا عندما كنت تلميذا في كل مرحلة الثانوية ، عندما أحنق على أستاذ لسوء تصرف ، ممن ؟ لا أدري ! ، أو لصعوبة الأسئلة ، أو هكذا أرى ! ألجأ لهذه القصيدة ، أحدو بها ، واعتبر منها ، ولله في خلقه شؤون !! من البحر الرمل :
ناشئٌ في الوردِ من أيامِهِ :
ناشئ في الورد من أيامه *** حسبه الله أبالورد عثر
سدد السهم إلى صدر الصبا *** ورماه في حواشيه الغرر
بيد لا تعرف الشر ولا *** صلحت إلا لتلهو بالأكر
بسطت للسم والحبل وما *** بسطت للكأس يوما والوتر
غفر الله له ما ضره *** لو قضى من لذة العيش الوطر
لم يمتع من صبا أيامه *** ولياليه أصيل وسحر
يتمنى الشيخ منه ساعة *** بحجاب السمع أو نور البصر
كل يوم خبر عن حدث *** سئم العيش ومن يسأم يذر
قال ناس صرعة من قدر *** وقديما ظلم الناس القدر
ويقول الطب بل من جنة *** ورأيت العقل في الناس ندر
ويقولون جفاء راعه *** من أب أغلظ قلبا من حجر
وامتحان صعبته وطأة *** شدها في العلم أستاذ نكر
لا أرى إلا نظاما فاسدا *** فكك الغلم وأودى بالأسر
ودروس لم يذلل قطفها *** عالم إن نطق الدرس سحر
ولقد تنهكه نهك الضنى *** ضرة منظرها سقم وضر
تضمر اليأس من الدنيا وما *** عندها عن حادث الدنيا خبر
فيم تجنون على آبائكم *** ألم الثكل شديدا في الكبر
وتعقون بلادا لم تزل *** بين إشفاق عليكم وحذر
فمصاب الملك في شبانه *** كمصاب الأرض في الزرع النضر
ليس يدري أحد منكم بما *** كان يعطى لو تأنى وانتظر
فلك جار ودنيا لم يدم *** عندها السعد ولا النحس استمر
روحوا القلب بلذات الصبا *** فكفى الشيب مجالا للكدر
عالجوا الحكمة واستشفوا بها *** وانشدوا ما ضل منها في السير
واطلبوا العلم لذات العلم لا *** لشهادات وآراب أخر
كم غلام خامل في درسه *** صار بحر العلم أستاذ العصر
ومجد فيه أمسى خاملا *** ليس فيمن غاب أو فيمن حضر
قاتل النفس لو كانت له **** أسخط الله ولم يرض البشر
لا تموت النفس إلا باسمه **** قام بالموت عليها وقهر
3 - الصورة الثانية :
كانت لشوقي قصيدة جميلة مغناة من ( مجزوء الكامل) ، الشجي والجميل ، ومطلعها رائع ، ، وعنوانها ( بين الحجاب والسفور) ، قالها مخاطباً كنارياً ، وضعه في قفص من ذهب في حديقة داره في الجيزة ، و كنّى به عن المرأة المسجونة بدارها وحجابها ، وفضل وضعها الخانق على أن تقع فريسة بيد الرجل الخانق ...!!! واستطرد شوقي بها الناريخ العربي الإسلامي ، والرجل - مثل بقية المصريين - له تعلق ، وعشق لأل بيت النبوة ، فلذا تراه يناصر الإمام في قضية التحكيم بيوم الجندل الشهير ، لمهم وضع آمنة ابنته في حضنه ، وابنه علي عن يمينه ، وابنه حسين عن يساره ، اقرأ منها ، وتمتع بشوقينا وأشواقنا :
صدّاح يا ملك الكنا **** ر ويا أمـــــير البلبلِ
قد فزت منك بمعبدٍ ** ورزقت قرب الموصلي
وأتيح لي داود مـــــز **** ماراً وحسن ترتلِ
فوق الأسرة والمنـــــا ***** بر قط لم تترجلِ
تهتز كالدينار فـــي ****** مرتج لحظ الأحول
وإذا خطرت على الملا *****عبِ لم تدع لممثلِ
ولك ابتداءات الفرز *****دق في مقاطع جرولِ
يا ليت شعري يا أسيرَ******شـجٍ فؤادك أم خلِ
وحليف سهد أم تنــا****** م الليل حتى ينجلى
بالرغم منى ما تعا *****لج في النحاس المقفلِ
حرصي عليك هوىً ومن *****يحرز ثمينا ينجلِ
والشح تحدثه الضرو ****رة في الجواد المجزلِِ
أنا إن جعلتك فـــــي نضا **** ر بالحريــر مجللِ
ولففته في سُوســــــنٍ ****** وحففته بقَــــرنفلِ
وحرقت أزكى العود حو *****لَيهِ وأغلى الصندلِ
وحملته فوق العيو ***** نِ وفوق رأس الجدولِ
وأمرت بابني فالتقا ***** كَ بوجهــــــهِ المتهللِ
بيمينه فالـــــــــوذجٌ ****** لــــم يهدِِ للمتوكلِ
وزجاجة من فضـــــةٍ ****** مملؤة مــن سلسل
ما كنت يا صدّاح عنـ ******ـدك بالكريـم المفضلِ
شهد الحياة مشوبــــةٌ ***** بالـرقِّ مثل الحنظـلِ
والقيد لو كان الجمــــــا ***** ن منظما لم يحملِ
يا طير لولا أن يقـــــو **** لوا جُـــــن قلـت تعقلِ
اسمع فرب مفصــــــلٍ **** لك لــــم يفدك كمجملِ
صبراً لما تشقى بـــــــه ******أو ما بدا لك فافعلِ
أنــــــت أبن رأى للطبيـ ******عـة فيك غير مبدلِ
صداح حق ما أقـــــــول**** حفلـــت أم لـــم تحفلِ
يا طـــير والأمثـــــال تضــرب *** للبيــب الأمـثلِ
دنيـــــاك مـــــن عـــــاداتها ***ألا تكـــون لأعــزلِ
أو للغبـــــيِّ وإنْ تعلْـ ****** لَلَ بالزمــــان المقبلِ
إن طرت عن كنفي وقعْـ*** تَ على النسور الجـهَّـلِ
جُعلـــــت لحـــيٍّ يبتلى *** في ذي الحـياة ويبتلـي
أسمعتَ بالحكمينفي الـ***** ـإسلامَ يــــوم الجندلِ؟
في الفتنة الكبرى ، ولو***** لا حكمـــة لم تُشـعلِ
رضي الصحابة يــــوم َ ذ *** لكَ بالكتاب المنــزل
وهم المصابيح ، الروا **** ةُ عن النبي المرســلِِ
قالوا الكتاب وقــــام كـــ**** ــلُّ مفسرٍ ومــــؤولِ
حتى إذا وسعت معــا**** ويةً وضـــاق بها علـي
رجعوا لظـــلمٍ كالطبا *****ئعِ في النفوس مؤصّلِ
نزلـــــوا على حكم القويِّ،****وعند رأي الأحـيَلِ
صدّاح حقٌّ ما أقـــــو****** ل حفلـت أم لم تحفلِ
جاورت أندى روضةٍ****** وحللتَ أكـــــرم منزلِ
بين الحفاوة من "حسينٍ"** والرعاية من "عـلي"
وحنان "آمنة" كأمـّـ*** ـك فــــي صـــباك الأولِ
صحْ بالصباح وبشّر الـ ***** ـأبنــاء بالمستقـبلِ
واسأل لمصر عنايةً ***** تــأتي وتهبط مــن علِ
قل ربّنا افتح رحمة ****** والخيــر منــك فأرسل
أدرك كنانـــــتك الكريـــــ ****** ـمة ربّـنا وتقــبلِ
4 - الصورة الثالثة :
غاندي وثورته الهندية ، ملئت الدنيا وشغلت الناس ، ففي مدينتنا بالنجف الأشرف ، نظم الشاعر المعروف ، الشيخ صالح الجفري ، وهو من آل كاشف الغطاء ، وانتسب لجده الشيخ جعفر الكبير ، ثم نزع العمامة ، وأصبح مدرساً أفندياً ، أقول إبان ثورة الهند ضد السلطات الإنكليزية نظم قصيدة كافرة رهيبة ، يناصر الهنود ، ويستهزأ بأهم أركان الإسلام وهو الحج بقوله :
قف في "منى" واهتف بمزدحم القبائل والوفودِ
حجّوا فلســـــتم بالــــــغين بحجّكم شرف الهنودِ
حجوا إلى استقلالـــهم وحججــــتم خوف الوعيدِ
فعبادة الأحـــرار أشرف من إطاعـــــــــات العبيدِ
ثار عوام النجف ، بل وخاصتهم ، وهموا بقتله
نشرها في صحيفة "الفجر الصادق" وبعض الصحف النجفية ، فهاج العامة ، بل وبعض الخاصة ، وكتب رجال الدين مقالات بتكفيره ، ولكن الذي أنقذه من موت محقق المرجع الديني الكبير الأمام أبو الحسن الموسوي ، فدافع عنه عنه ، وعن حرية رأيه ، والشعراء يقولون ما لا يفعلون ، فابتعد عنه المحرضون عنه !!!
"مهاتما غاندى" اسم حين نقرأه أو نسمعه نتذكر قصة كفاح قادها فرد لنيل استقلال بلاده. نتذكر سياسة "اللاعنف" التى دعا إليها باعتبارها الوسيلة السلمية الوحيدة التى ستمكنه من طرد الاستعمار البريطانى من أراضى الهند. اسمه بالكامل "مُهندس كرمشاند غاندى" ولقبهُ أبناء قرية بور بندر الهندية، بالـ"مهاتما غاندى"، والتى تعنى القديس صاحب النفس العظيمة، وكان من أبرزها الكتاب الذى ألفه عنه الأديب الراحل عباس محمود العقاد "مهاتما غاندى..روح عظيم"، والقصيدة التى أهداها إليه الشاعر أحمد شوقى بمناسبة مروره من قناة السويس وجاء فى أبياتها الكتاب الذى ألفه عنه المؤرخ إسماعيل مظهر والذى روى فيه حياة غاندى وقصة نضاله ضد العنصرية ، اغتيل الرجل سنة 1948م .
لما غادر الزعيم الهندي الغاندي بلاده لحضور مؤتمر الدائرة المستديرة في لندن سنة 1931 م ، مرّ بسويس مصر ، فنظم شوقي هذه القصيدة تحية له ، ومنها :
بني مصر، ارفعوا الغار *** وحيوا بطل الهندِ
وأدوا واجباً، واقضوا *****حقوق العلم الفردِ
أخوكم في المقاساة *****وعرك الموقف النكد
وفي التضحية الكبرى ** وفي المطلب، والجهد
وفي الجرح،وفي الدمع **وفي النفي من المهدِ
قفوا حيوه مــن قرب *** على الفلك، ومن بعدِ
وغطوا البر بالآس **** وغطوا البحــر بالوردِ
***
نبي مثل (كونفشيو ****س) ، أو من ذلك العهدِ
قريب القول والــفعل **** مـــن المنتظر المهدي
شيبه الرسل في الذود *** عن الحق، وفي الزهد
ونادى المشـــرق الأقصى **** فلبـــاه من اللحد
وجاء الأنفس المرضى **** فداواها مـــن الحقد
دعا الهندوس والإسلا **** م للألفــــة والـــــود
وسلطان من النفس ********يقوي رائض الأسد
***
سلام النيل يا غندي **** وهذا الزهر مــن عندي
وإجلال مـــن الأهـرا *** م ، والكرنك، والـــبردي
ومن مشيخة الــوادي ***** ومن أشبــــاله المرد
سلام حالب الشـــــاة ****** سلام غـــــزل البــرد
ومن صد عن الملــح **** ولم يقـــبل على الشهد
ومن تركب ساقيـــــه ***** مــــن الهند إلى السند
وفي زاوية الســـــجن ***** وفي سلســـــلة القيــد
ولاقي العبقرييـــــــــن ***** لقـــــاء النــــد للنــــــدِ
وقل : هاتوا أفاعيـــــكم ***** أتى الحاوي من الهند!
فهذا النــجم لا ترقـــــى ***** إليـــــه همّـــة النقــــد
ورد الهنــــــد للأمّـ ****** ـة من حــــدٍّ إلــــى حـــدِّ
5 - الصورة الرابعة :
كنت أحبّ قصائد أحمد شوقي في ابنته أمينة ، وخصوصا في تلك الأيام الخوالي في عهد عبد الكريم قاسم ، أحمل ابنة أختي وعمرها سنة ، وألاعبها مردداً قصائد شاعرنا الأمير بحقّ ابنته ، وأنا أعلم علم اليقين أن أمينةهانم الشوقية بعمر جدتي ، والحق دوّن شوقي كل تواريخ قصائده السياسية والدينية والاجتماعية ، ولكن عندما يصل إلى باب الخصوصيات لم نعثر على أي تاريخ ، بل الرجل وهو من مواليد ( 1868م) - سنأتي على حياته في الحلقة الثانية - لم يتظرق لا هو ، ولا من أرخ له عن تاريخ زواجه ، وميلاد ولديه علي وحسين ، وأختهما الأمينة ، ومن أسماء أبنائه ، وقصائده النبوية الخالدة كنهج البردة وولد الهدى يتجلى مدى إجلاله للدين الحنيف ، ومحبته لآل البيت ، وعلى أغلب ظني كان الرجل أقرب للطرب والكأس منه للتمسك الشديد بالدين ، فهو من عاشقي أبي نؤاس، حتى منزله القديم بالمطرية ، ، وفي سنة 1920 م بناه على نيل الجيزة سمّاه كرمة أبن هانئ ، وفي سنة 1972 م حوّل إلى متحف له ، يعني هو صاحب :
رمضان ولى هاتِها يا ساق *** مشتاقةً تسعى إلى مشتاقِ
ما كان أكثرهُ على أُلافِهـــــا ******وأقلُهُ في طاعة الخلاقِ
الله غفار الذنوبِ جميعه ***** إن كان ثمَّ من الذنوب بواقي
بالأمس قد كنا سجيني طاعة *****واليوم منّ العيد بالإطلاقِ
ضحِكت إليّ من السرور ولم تزل* بنت الكروم كريمة الأعراقِ
هات اسقنيها غير ذات عواقبٍ ****حتى نُراع لصيحةِ الصفّاقِ
حمراءَ أو صفراءَ إن كريمَها ******كالغيدِ، كـــل مليحةٍ بمذاقِ
وحَذارِ من دمها الزكيّ تريقُهُ ******يكفيك يا قاسي دمُ العشاقِ
وكما خرج منها أستاذنا الشيخ صالح الجعفري بتفهم من السيد أبو الحسن الأصفهاني - كما مرّ علينا سالفاً ، أيضاً تفهم الشيخ محمد الشعراوي عذر شاعرنا الشوقي أحمد ، حين تعلل بالآية الكريمة :( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ).
مهما يكن نرجع لسالفتنا ، لم نعثر على أي تاريخ لمواليد ولديه وابنته ، ولكن على أغلب ظني أواخر القرن التاسع عشر ، وبالتحديد عقد التسعينات منه ، ولم يبق ذكر لأولاد شوقي وأحفاده في زمننا المعاصر سوى في سنة 2012م زارت مصرليلى الدمرداش حفيدة الشاعر وبصحبتها ابنتها أمينة، وتعتبر ليلى هي الحفيدة الثالثة لأمير الشعراء حيث أنها ابنة نعمة الله رياض ابنة خديجة رياض ابنة أمينة أحمد شوقي ، وهذه الليلى تجيد الإنكليزية والفرنسية والأسبانية والبرتغالية ، ولا تتكلم العربية إلا بعدة كلمات مكسرة ..!!
نعود لأيام طفولتنا وكنا نردد قصائد شوقي في أمينته ( أرجوزة ) :
يا حبذا أمينة وكلبها *******تحبه جداً كما يحبها
أمينتي تحبو إلى الحولين **وكلبها يناهز الشهرين
لكنها بيضاء مثل العاج ****وعبده أسود كالدياجي
يلزمها نهارها وتلزمه ****ومثلما يكرمها لا تكرمه
فعندها من شدة الإشفاقِ ***أن تأخذ الصغير بالخناق
في كل ساعة له صيـــاحُ *****وقلما ينعم ، أو يرتاحُ
وهذه حادثة لها معه ***تنبيك كيف استأثرت بالمنفعه
جاءت به إلي ذات مرةِ ****تحمله وهــــي بــه كالبره
فقلت:أهلاً بالعروس وابنها* ماذا يكون يا ترى من شأنها؟
قالت: "غلامي يا أبي جوعان *****وما له كما لنا لسان
فمر همو يأتوا بخبز ولبن *****ويحضروا آنيةً ذاتَ ثمن
فقمت كالعادة بالمطـــــلوب ***** وجئتها أنظر من قريب
فعجنت في اللبن البـــــــابا ******كما ترانا نطــــعم الكلابا
ثم أرادت أن تذوق قبلـــــــه ** فاستطعمت بنـت الكرام أكله
هناك ألقت بالصغير للـــــورا *** واندفعت تبكي بكاء مفترى
تقول: بابا، أنا (دحا) وهو (كخ) ** معناه: بابا، لي وحدي ما طبخ
فقل لمن يجهل خطب الآنية ** ***قد فطر الطفل على الأنانية
الموت حقٌّ ، وكلّ من عليها فان ، ولا يبقى إلا وجه ربّك ذي الجلال والإكرام ، وهو عظة لكلّ إنسان ، والدنيا دولٌ ، أمدها قصير ، ودربها عسير ، وإن بدى لحينٍ يسير ، والله يخرج الحيّ من الميت ، وهو على كلّ شيء قدير ، ولكن من عجائب الدنيا ولغزها وغرائبها ، أن يطلَّ عليها حفيد جديد ، ويودّعها جدٌّ عتيد في نفس الليلة ، وذات الساعة ، وهذا ماحدث لشاعرنا ،فكانت ولادة ابنته (أمينة) ووفاة والده في ساعة واحدة، فقال في ذلك شعراً مؤثراً بليغاً ، طالما كررناه ، كأنما نرثي أنفسنا ، قبل أن نفقه ما الرثاء !! من البحر السريع :
ياليلةً سميتها ليلتي******* لأنّها بالنــاس مامرت
أذكرها والموت في ذكرها**على سبيل البث والعبرة
ليعلم الغافل ماأمســـــه *** مايومه مامنتهى العيشة
نبّهني المقدور في جنحها***وكنت بين النوم واليقظة
الموت عجلان إلى والدي**والوضع مستعص على زوجتي
وتلك في مصر على حالها **وذاك رهن الموت والغربة
هذا فتى يبكى على مثــــــله*****وهذه فــي أول النشأة
والقلب مابينهما حـــــائرٌ ****مـــن بلدة أسري إلى بلدة
حتى بدا الصبح فولى أبـــــي ***وأقبلت بعد العناء ابنتي
فقلت أحكامك حزناً لهـــــــا*** يا مخرِج الحيِّ من الميت
له العديد من النتف والمقطوعات والقصائد في باب الخصويات عن ابنه علي وابنته أمينة وعن ديوان (شوقياته) ، وعن بعض أصدقائه كأحمد مظلوم وإسماعيل صبري ، وخليل مطران وحمزة فهمي .... ولكن هذه القصائد ما كنت أكررها في طفولتي كثيراً ، ونترك غيرها من القصائد التي أخذت أحدو بها وأنشدها في مرحلة الإعدادية ( المرحلة العليا من الثانوية) كنهج البردة ، ولد الهدى ، يوم المولد ، أبو الهول ، معارضات أبي نؤاس والبحتري وابن زيدون ... وطرائفه ومحجوبياته ، وحكمه على لسان حيواناته إلى حلقات قادمة بعد الحديث عن مسيرة حياته الحياة ، وكلّ قريب آت...!!
أتلانتا المحروسة الثاني من حزيران 2016 م ليلاً
كريم مرزة الأسدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق