حكاية عروس اسمها فلسطين لن ننساها 12/ موسى مرعي

جرى حوار بين والولايات المتحدة الامريكية وقيادات العالم العربي وتبين للعرب أن الولايات المتحدة عازمة على تسليم فلسطين لليهود لان كانت تستمع لطرف واحد . مما دفع العرب الى السير في في طريق الجفاء المتزايد يوما بعد يوم مع أمريكا وقد سمي الحوار بحوار الطرشان . ومع ان الدول العربية كانت قد انتظمت في اطار الجامعة العربية , غير أنها كانت أبعد ما تكون قادرة على العمل الجماعي لان كانت الجامعة عبارة عن رابطة كونفيدرالية فضفاضة , وما زالت في طور طفولتها المبكرة . وكان معظم دول العالم العربي لم تزل ترزح تحت نيردول الاستعمارالفرنسي والبريطاني , وكانت الاسرتان المالكتان في المملكة العربية السعودية ومصر , في نزاع مع الاسرتين المالكتين في العراق وشرق الاردن كما كان امير شرق الاردن حينذاك يطالب بحقوق السيادة على سوريا ولبنان , ولم تتمكن سوريا ولبنان الا في سنة 1946 من تخليص نفسيهما من آخر جندي فرنسي تبقى منذ نظام الانتداب , ودول المغرب العربي أيضا كانت ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي . كما كانت مصر والعراق وشرق الاردن مرتبطة ببريطانيا بمعاهدات غير متكافئة , قيدت كثيرا قدرتها على التحرك في الميادين العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية ومع أن العراق كان ينتج النفط منذ بعض الوقت , الا أن عائداته النفطية كانت طفيفة بسبب استغلال البريطانيين لثروات العراق وبالطبع هذا هو حال الدول الاستعمارية سرقة ثروات الشعوب وخيراتهم  باسم الديمقراطية ونشر ثقافتهم . اما المملكة السعودية التي أسستها بريطانيا كانت تقف وقتها على عتبة الانتاج النفطي . ومع كل هذا كانت الدول العربية تشعر بقلق عميق نتيجة التطورات في فلسطين وفي بداية الامر كانت الجامعة العربية متعاطفة مع الشعب العربي وبالاخص مع الفلسطينيين . كان حجر الزاوية في استراتيجية جامعة الدول العربية طوال فترة ما بعد     الحرب , يتمثل في الضغط على بريطانيا لالتزام بالكتاب الابيض لسنة 1939 وقد مورس هذا الضغط من خلال الدبلوماسية والمفاوضات الهادئة . وطالب بعض الدول العربية بفرض عقوبات اقتصادية ضد المصالح النفطية الغربية , انتقاما من السياسة الامريكية المناصرة للصهيونية وردعا لها , لكن للاسف قد تعذر التوصل الى اجماع عربي رسمي في شأن هذا الموضوع وكانت استراتيجية الجامعة العربية تقضي بتحاشي التورط في القتال داخل فلسطين بين الصهاينة والبريطانيين , وحاولوا أيضا العمل على تشجيع المصالحة الوطنية بين الفئات الفلسطينية ودعم اللجنة العربية العليا التي اعيد تشكيلها بعد أن وافق البريطانيون أخيرا على السماح لها بممارسة نشاطها سنة 1945 . كذلك أنشأت الجامعة العربية صندوقا زراعيا لتقديم السلف الى المزارعين الفلسطينيين , ومن ثم كبح حركة الاستحواذ على الاراضي من قبل الصهاينة . كان هناك افتقار كامل في الجانب العربي الى أي استعداد عسكري لمواجهة الصهاينة . وقد واجهت الجامعة العربية هذا الامر أول مرة في أيلول سيبتمبر 1947 , لكن حتى في ذلك الوقت لم تكن الاجراءات التي تقررت وافية أو جدية . وكان اغفال العرب للبعد العسكري يعود الى اعتقاد في غير محله وبريطانيا كانت تخادع العرب على أنها حليفة للعرب بكونها الدولة المنتدبة لعدة دول عربية ( هي انتدبت نفسها بجبروتها ) لكنها وجدت نفسها عند مفترق عدة ضغوط تمارسها الولايات المتحدة الامركية والصهاينة من جانب آخر وجامعة الدول العربية من جانب آخر واذا بها ألآن تجني حصاد وعد بلفور سنة 1917 , ولما كانت عاجزة على سحق التمرد الصهيوني وكانت غير راغبة بتطبيق أحكام الكتاب الابيض لسنة 1939 , وقد حاولت بريطانيا أول الامر اشراك الولايات المتحدة الامريكية في اتخاذ قرار بشأن فلسطين كوسيلة لتخفيف التحيز الامريكي الى مصلحة الصهيونية . وفي تشرين الثاني 1945 , اقترحت تأليف لجنة تحقيق أنغلو _ أمريكية , فضلا عن لجنة مشتركة اخرى من الخبراء لمتابعة نتائج لجنة التحقيق , وقد فشل هذا المسعى لان الرئيس الامريكي ترومان لم يوافق الا على تلك التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الانغلو_ أمريكية الصادر في أيار1946  والتي أبدت وجهة نظر الصهيونية . كما أن خطة اللجنة المشتركة الصادرة في تموز 1946 لايجاد حل فيدرالي للمشكلة الفلسطينية , وهو الحل الذي رفضه العرب والصهاينة معا , قد تلقت الضربة القاضية عندما اعتمد الرئيس ترومان في آب أغسطس 1946 خطة الصهيونية الرامية الى التقسيم . وحين تقدمت بريطانيا بخطة اخرى في شباط فبراير 1947 , اعتمادا على مفهوم الاستقلال الذاتي الاقليم وهي خطة رفضها الصهاينة والعرب أيضا فاحيلت الى الامم المتحدة . وبحلول ذلك الوقت أصبح واضحا أن خطة التقسيم التي تنص على انشاء دولة يهودية في القسم الأكبر من فلسطين , هي الحل  الوحيد المقبول لدى الصهاينة , كما اتضح أيضا طوال عشرة سنوات سابقة أن مثل هذا الحل كان بغيضا في نظر الفلسطينيين , للاسباب نفسها التي دعتهم الى شن قتالهم المستبسل ضد التقسيم بين سنة 1937 و1939 . وكانت بريطانيا هي الحائل الوحيد دون الاصطدام المباشر بين الطرفين المتنازعين . في نيسان وأيار سنة 1947 , عقدت الجمعية العامة التابعة للامم المحدة جلسة خاصة قررت فيها ايفاد لجنة تحقيق اخرى الى فلسطين وفي شهر أيلول سيبتمبر من السنة نفسها , أصدرت اللجنة تقريرا وافق عليه أعضاؤها بالاغلبية , يؤيد فكرة التقسيم وتقريرا آخر وافقت عليه ألاقلية من أعضاء اللجنة , يوصي بالاخذ بالحل الفيدرالي . وفي 29 تشرين الاول  اكتوبر سنة 1947 , وأوضحت بريطانيا أنها ستسحب قواتها من فلسطين في غضون ستة أشهر , اذا لم يتم التوصل الى تسوية مقبولة  من جانب الصهاينة والفلسطينيين , وهي مدركة أكثر من غيرها لاستحالة تحقيق هذا الشرط . كانت بريطانيا تفسح الطريق لانفجار عام في فلسطين بينما تبتعد هي نفسها عن ساحة المعركة الفاصلة القادمة , والتي خلقت ظروفها وعناصرها بالسياسة التي اتبعتها في البلاد منذ اعلانها وعد بلفور سنة 1917 ألوعد المشؤم              يتبع
معلومات موثقة في الارشيف الفلسطيني : نشرتها مفوضية سيني المستقلة : الحزب السوري القومي الاجتماعي    / موسى مرعي            


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق