من عناقيد الشعر الشعبي اللبناني يفتح الشاعر روميو عويس، صندوق قصائده المتجذرة في المكان/ هدلا القصار

من ايديولوجيا الشعر الشعبي اللبناني يفتح الشاعر اللبناني روميو عويس، "صندوق الحكايات" برغم المساف الفاصلة بين الزمن وقهر المشاعر المظللة بفطرة الشعر الشعبي اللبناني، الذي ما زال يتنقل وينتشر في بقع الارض، الى ان وصل الى اقصى القارات .... ليحي تراث الشعر الشعبي اللبناني على بساط مدينة "سيدني استراليا"، التي جمعت كوكبة لا باس بها من الجالية اللبنانية... من خلال مؤسسة "الغربة الاعلامية الثقافية " التي يراسها شاعر الماركة المسجلة الاديب اللبناني شربل بعيني، الذي جمع ادباء وشعراء المهجر في موْئِله الادبي، لتكريم من حالفه الحظ بالفوز " بجائزة شربل بعيني لعام 2016، "وكنت من بين الفائزين " حيث كان الجموع كأوتارِ عوداً يجمع من كل قطراً اغنية ترش عطر لبنان الذي لا ينتهي حبه والحديث عنه بفاصلة أو نقطة في آخر السطر، بل يظل غنجه يسيل من أقلام ادباء وشعراء الزجل اللبناني الذي ما زال يتلاقح وينموا  داخل الوطن وخارجه دون توقف .

ومن هذه الأوتار أستوقفنا وتر الشاعر اللبناني روميو عويس، الذي حمل صندوق عالمه على أجنحة نورس لا تهدئه فكرة، ولا ينام المراد في قلبً انهكه الركاض الى شوارع الشعر المتنوع الانفعالات والبحور .... وغيرهم من المسميات الشعرية، الخالية من عضلات اللغة وافتعال الصور ... بل اعتمدت نصوص الشاعر، على موسيقى الصوت واللفظ الاكثر تأثيرا...  بالموقف واللحظة والزمن الذي نسج التعبير عن الألم والغربة والحنين، وما يتفرع من اغصان المشاعر ... برؤية انسانة وجدانية ... لا تنفصل عن نراث الوطن الذي خرج منه الشاعر مجبرا، لكن المهجر لم يقوى على حبس انفاس روميو عويس، الذي غاب عن  جغرافية لبنان وجباله ... ليعود بزيارة الى مسقط رأسه  قرية "رشعين " ليرتشف من شهوة الحاضر ما تيسر من الحنين الى الماضي الجميل والولوج في جوهر الاشياء بتعبير صادق ... ورؤيةِ هادفة عميقة، تجمع صور القرى ومركبات  الحياة  في قصائد تشير الى تعلقه في مونيات المكان... بحكايات استولت على مشاعر موطن الالفة ، وما يحمل من اشجان وذكرى المكان، الذي حثنا على التأمل بأطباق الشاعر اللبناني روميو عويس، في حضوره الغني بموارد تراث الشعر اللبناني الذي لا ينضب ....

( جسر رشعين )

بيني وبينك .. يا "جسر رشعين"
عشرة عمر، عشرة صبا وسنين
بَعدها بتعن عَ بالي
وحلوتي الاغلا من الغالي
هَونيك كانت تقعد قبالي
ان غمَّضت عيني بشوفها لحالي
ول قاعد مْحَلّا ما بعرف مين!..

عشرين سنه عنك رحت لبعيد
والبعد يحرقني.. وشوقي يزيد
لارضي، لأمّي، لأخوتي، لبيي
لحباب ما عادو حواليي
للنبع، لرفاق الطفوليي
للكنت حـبّـا قَـدّ عـينيي
نْهار اللي شوفا يكون عندي عيد

وجَرَّبت اكتب شعر ع الفرقه
وامرق ع ذكرا بالشعر مَرْقه
عَ وَصف قَـدّا والخدود السمر
لعيون تقبرني، لشفايف خَمْر
من كتر شَوْقي وحرقتي والقَهر
تطلع كلام قصايدي من جَمْر
مين لْبيحطّ الجمر عَ ورقـه؟

لا لا ما رح افْضَح بقى اسرار
الماضي مضى وصرنا التنين كبار
كـان الهوى من زْمـان عاجقنا
نسرق الملقى ويسرقنا
ونخاف ما الايام تسبقنا
مَرّ العمر.. والبعد فَرَّقنا
الأمس غفله.. والعمر مشوار

هَونيك كنا نسبح ونرتاح
وهَون كنّا نْصَقّع التفاح
حجارة النهر تْفَجّم ركابي
ع الجسر دَق الحب عَ بابي
من فَوق ارمي الورد لحبابي
هونيك اتغَدّا مع صحابي
الله.. شو كانو سنين ملاح

يا جسر بَعدَك ملتقى الاحباب
كم جيل قَبلي عليك طَل وغاب؟
منغيب نحنا وانت بمْحَلَّك
لتمّك اللقمه بْتوصَلَّك
يا مخَلَّد ببالي رح بقلك
انشالله عَ طول العمر بتْضَلَّك
ملقى هَـنـا وعمرك ما تغلق باب
........
بأصوات تخرج من النص انتقل روميو عويس، من جسر رشعين الى ما يحمله عالمه ليتضرع البكاء على اماكن فقدت اسماء سكانها /عالمها اثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان فما كان من الشاعر الا ان يتمسك بسبحة ذكريات  تستعرض ليالي قرية "رشعين"  بمن فيها .... 

( رشعين )

رشعين؟.. انتي بكل احلامي
اللي بشوفها بها الليل بـمْنامي
بوعى!.براجع ذكريات سنين
ومطارح، واستعرض اسْامي
ناس بَعْدُن، ناس رجعو طين
نـاس مـا كانـو عَ ايّـامي..
ناس بـْكروم الـعنب والتين
وناس عم بيقَطّفو شامي
ونسوان عَ التنور معجوقين
قلُّن البركه.. تْضَيَّف طلامي

ومين ما بيعرف نبع رشعين؟
نهورا، عَلى ضْفافا القصب نامي
ونسمات، تنقُل عطر لبساتين
بْـنفسَـج، ولَـيْمـون، وخْـزامي
بلابل تْغَنّي، تـغَرّد حساسين
دواري على القَرميد وحمامي
وببن الدلب والحَـور والشربين
غَلّ القمر.. بـتْـفَكّـرو حْـرامـي

ودَق الجَرَس والناس قديسين
بيفزعو من يَوم لْقٌيامي!..

بلبنان؟ كل العالم محبين
درزي، مسيحي، خَي اسلامي
بس العَلَيْنا تآمرو شياطين
الارهاب عملو لشعبنا عْلامي
فَرَّقو باسم الحزب والدين
تجّار لحْروب البلا كْرامي

نشالله بوطنا نرجَع سلاطين
نكش العدا، لْما عندن شْهامي
ويبقى ارز لبنان عالي جبين
ورشعين؟ ارضا تحضن عْضامي
.....
ومن ثم يعود الشاعر ليستلهم الحنين لأهالي قرية رشعين  بالاسم والصورة وحكايات أصدقائه وجيرانه ومحبيه...  فكان الاقوى حضورا تلك اللحظات هو الجار و الصديق  والجدة والمنجد .... وما ربط بخيال الشاعر من فكاهيات، وبراءة التصرف، وسذاجة المواقف، في مجموعة ومضات  نختار منها ما قل ودل  ونترك البعض الآخر في نزهة اخر في ديوان الشاعر روميوا الذي يعيش مخاضه الاخير، لبدأ بـ  أبو حنا :

"ابو حنا"
يوسف النشمي الذي كهل وهو يدير
طا حونة البلدة، قلت عنه رحمه الله
بعدو ابو حنا ممشّى المطحنه
ختيار شَعرو كَلَّس وضَهْرو حني
من زْمان عن بيقول بَدّو يْوَقّفا
وكل سنه بيقول: اسّا هالسنه.
---------------------------
"منَجِّد"
فرش ولحف ومخدات كتبت:
مبارحه مْنَجِّد مَرَق عَ "جنفياف"
عَطْيِتو لحاف القطن ومْخَدّتو
طار المنَجّد بالمخَدّه واللحاف
وبرمت الضيعه كلّها وما لَقيِتو
-------------------------
العَمّه "حسيبه" بْصَوت عالي نْدورها
وندرت حفا.. كنيسة الضَّيعه تزورها
تـاري الفقيره عندها.. عَرْمة غَسيل
وانأرفت الابره.. وما شعِل ببّورها
-------------------------
بينما يستذكر  الشاعر بالمثل اللبناني الشائع  الذي يقول : (اللي بيبعد عن العيون بتنساه القلوب ) لكن الشاعر لم يقتنع بما يجول في افكار البشر بما انه عاش تجربة الغربة فترة لا بأس بها ليأتي  بالإجابة بقصيدة يقول فيها ما يؤكد ان من ما زرع في العيون نبت في القلوب
" بعدك بقلبي "

1_ مين قال انو البعد بِيوَلِّد قسا
بالقلب، والحب الكبير بينتسى؟
عنك بعدت، وكل ما بيمرق نهار
بحسّك قربتي، وزاد بقلبي الأسى

2_ عنّك بعدت وناطر لعندي تجي
تا ترجع الايام تضحك بِ وجي
ونرجع سوى ونعيش حلم بنفسجي
ويكون احلا من الصبح عِنّا المسا

3 _ بعدك بقلبي قد ما ابعد وغيب
وبعدك لروحي دوا وبعدك طبيب
صورتك شبَّعتها دموع ونحيب
يا ريت فيها تْخَبّرك شو ببوّسا

4 _ مين قال بنساكي انا مين قال مين
مهما المسافة تطول وتزيد السنين
بعدي بذات الشوق، دَوَّبني الحنين
كبّي الحكي وسيبي البشر وهواجسا

وكأن الشاعر يدعونا لاستحضار من كتبوا عن الامكنة وارتبطوا فيها كالشاعر(اسامة بن منقذ) الذي كتب عن المكان قصيدة "المنازل والديار" و الجاحظ  في قصيدة  "الحنين الى الاوطان" والشاعر" حبيب الحلبي" وقصيدة  " نسيم الصبا " ومن ثم " النابغة الذبياني " الذي قال  عن المكان ومن كان فيه من احباء :
 ( يا دارَ ميَّةَ بالعلياء، فالسند /أَقْوت، وطال عليها سالف الأبد /وقفتُ فيها أصيلًا كي أُسائِلها  /عيَّتْ جوابًا، وما بالرَّبعِ مِن أحد) .
وهكذا  يدعونا الشاعر لنعش معه على اطلال المكان وعلاقته بما يحمل من أشجان، وتعلقه بقصص ما استنطق عالم الشاعر من مواضعات بيئية حميمية متعلقة في المكان الذي لم يكن بالنسبة للشاعر مجرد هندسة طرقات مرسومة أو نبع ماء واشجار مثمرة .... بل كانت وما زالت تبع من شعور وحكايات حفرت في ذاكرة  طالت الملموس والحسي في قصائد الشاعر المتنقل من الزجل الى العتابا والميجانا حيث عصفور المكان يغرد :

يا ريتني عصفور بلبل حي كَي
اقضي وقاتي ع مفارق حيِّكي
من غزل روحي شال وَردي حَيّكي
ومن لحن حبي تْعَلَّمي اصول الغِنا
-----------------------------
زمان الحب ما بيخطر ع بالي
كتر ما هموم بِ قلبي عبى لي
كنت ع طول عاملتو عبا لي
شلحتو وع الهوى طويت الكتاب
------------------------------
لقطف الورد ياما غصون حَنّي
جَرَحْني الشَوك، دَيّي بْدَم حَنّي
حنّي عل هداكي الورد حنّي
ولجرح الشوك ما يحسب حساب
-------------------------------
علي لا تقسي والمواقف عَدّلي
وحكمك الظالم يا سمرا عدّلي
لما الطبيب جروح قلبي عَد لي
سَفَّق ع خَدّو وقال شو شايف انا
-------------------------------

ومن مطر الذكريات  سرد الشاعر ما ظل عالقاً في الذهن لقرية  "رشعين   التي كانت فيما مضى تعاني من مشكلات بسيطة سطحية لا تتعدى المكان ولفظ اللسان، او خطوط النقد البسيط الخالي من الحقد والكراهية، و اخبار السياسة وتقمات اهل الكراسي والرتب .... الذين هرب منهم  جميعا الى ذكريات القلب بقصيدة خالية من التكلف او الصنعه لما حمله لشهر تشرين  في قصيدة "انا وقلبي "

( انا وقلبي )
ببلادنا لما بيجي تشرين
بيقولو العام قرّب عالنهايه
وتشرين عمري بلّش من سنين
وكانون؟ طلّت جبهتو جايي
ولليوم بعدا لفتة الحلوين
بتفعل بقلبي فعلها كفاية
في ناس قالو: جهلة الستين
الستين؟ من مدّة مقفّاية
وعايش كأني بأول العشرين
عامل بعمري وشيبتي نكاية
ويا ما قلت: يا قلب حاج تلين
وترقص، وبترجّاه ترجاية
بقلّو: الطبيعة في لها قوانين
والعمر هيك فصول وحكاية
....................
وهكذا تتنازع المعاني برشفة الاشتياق والتلاقي والابحار في سواحل المحبين وما تجود به العين الممتلئة بصور لم تغب من مخيلة  الشاعر روميو عويس، الذي هاجر بالشوق لكن الروح ما زالت في بئر الوطن، حيث الحكايات والغزليات الممزوجة برقة الجدليات وروعة الذكريات تصطاد  صور الحلوين .... اللواتي لم يخرجن من ذاكرة الماضي الجميل :
   
 ( صُوَر حلوين )
بـكل مَـرّه.. بـالجرايـد يـنَّـشَـر
عنّك خبار، وينشرو معها صُوَر
كان النظر عَ صورتك مني يغيب
مدري شو فيكي يضل ملفت للنَظَر
وكل مَرّه؟، كل مَرّه شي عجيب
تبقى الصُّوَر بالبال ويضيع الخَبَر
ولما بسهرة فَن شفتك عن قريب
وصرت وجّ بوجّ قدّام القمر؟
لا تسألي بشو شعرت؟ والموقف رهيب
من زْمان هالاحساس عندي ما خَطَر
تتنقلي وجسم الغزال يفوح طيب
وشو ما حكيتي يطلع كلامك دُرَر
صرت بين معارفي متل الغريب
ومن دون خمر الكاس طيَّرني السَّكَر
مش حاسد بعمري حدا ولا بحب جيب
سيرة حَدا، ولا غرت مَرّه من بَـشَـر
لكن بعد ما شفتك ؟ شعرت بلهيب
غيره، وحَسَد قتّال من مطلق نَفَر.
حسدت اللي كان لو من الورد اوّل نصيب
ول داق اوّل شهد عَ شفافك قَطَر
والسنسله اللي مْعَلّقا فيها الصليب
وعطرك ، وكحلة عيونك، والكَمَر
من ساعة لْفارقتك وقلبي كئيب
مْهَوْدَس بْشَم الورد، بحلم بالثَّمَر
وما دام مَصدَر علّتي، هُوّي الطبيب
يداوي العلّه بالمفيد المُختَصَر
ليله بحياتو بَس، يحسبني حبيب
ويسيبني من بعد منها للقدَر.

بهذه الكلمات هز الشاعر عالمه  الذي بدى كأزهار  الربيع  ...  مدون  في رسائل مكشوفة  لعالم   يتذوق الكلمة الصادقة  والمشاعر الطيبة  التي حملها بين طيات الغنج والعشق المباح بكل بساطة وبراءة الموقف والمعرفة .... كما في قصيدة " ستك وجدي "

( ستك وجدّي )
حطّيت إيدك عَ الجرح، هَدّي
بظنّي صرت فهمان شو بدّي
الآكل حَدّي ومَيّتي من الجوع
وريقي مْنَشَّف.. والنبع حَـدّي
وما دام انتَ فاهم الموضوع
من خدود صارت حُمر بتنَدّي
من قلب عم بيخَبِّط عْلى ضْلوع
من جسم اكتر من شمس حَدّي
داوي عَ كيفك مطرح الموجوع
ريّح بحسَّك موضع الشدّه!..
ليلة عشيّي؟ سكبت نهر دموع
صارت مْوَيّة عين لمْخَدّه
بعد اللي رجَّعْتُن بِكَفّي طلوع
وبعد اللي نشفو من وهج خَدّي
بالحب!.. ما في مْحَرَّم، وممنوع
حوّا وآدم.. ستّك وجدّي.
.......
بالطبع لم ينسى الشاعر أن  يهدي القارئ  قبلة قصيدة تبحث عن سؤال يتجسد في مفاصل الانثى / الحبيبة .. التي دفعت الشاعر لاستدعاء  اناقة الشعور الانثوي ليرسم لنا لوحات تليق بالجمال  الذي يسال عن جواب بالمفيد المختصر فيقول :  

( لا تسأليني )
وبتسألي: انكَنّي بحبّك عن حقيق!..
وشو بحب فيكي؟ وشو بعينيي حِلي
وشو الخلّى العاطفه بقلبي تفيق؟
وليش شخصك بس عَ قلبي غلي؟
بشو بجاوبك؟ في كتير اشيا بالطريق
رح عدّها، وانتي ورايي سَجّلي
كرامتك.. رح افتح القلب الرقيق
وخَبّرك بالمختصر،.. لا تزعلي
ممكن لقيتك للدرب احلا رفيق
بدنيا الما عندو رفيق فيها مشكله
وتخمين مش هَيْدا.. تخمين الرفيق
شَدّو حلاكي للهوى والترغله
تخمين حَب العنق، ممكن حَب ريق
بيحلم بشهدو من شفاف مْعَسّله
وتخمين حب عيون كان لازم تفيق
تشوف الدني، والليل عتمو ينجلي
وتخمين حب النهد والخمر العتيق
عطشان ناطر والخوابي مْحَمَّلي
وتخمين حب الخد والقد الرشيق
وتخمين إشيا لو ذكرتا تخجلي..
وتخمين مش هيدا.. الهوى سرّو غميق
بشو بجاوبك؟ لا تحرجيني وتسألي.
**********
لم يشاء  الشاعر ان يترك المتلقي دون ان يغازله بوحمة امنياته  بفاكهة فنتازيا روح الشاعر الفكاهية الرطبة  :

{ ياريتني خياط }

يا ريتني خياط وتكوني
بآخر نْهاري آخر زبوني
انتي وانا وما في حدا من الناس
هَدّي تَ آخد عَ الهدا لقياس
ما بدق ايدي مطْرَح الحسّاس
باخد قياسات بعيوني
لا تفزعي الخزنات مأموني

بكرا ولمّا بتسألي البيّاع
عَ قماش، جيبي بس نص دراع
وشفّاف جيبي قماشتو بحبّا
رقيقه، حرام الكنز يتْخَبّا
خَلِّيا تلالي عْلامة الكُبّا
وكرزات حمر بطَعم لمْرَبّا
دَخلك تْوَقّي لا يلمسوني
من الوَهج حاسس رح يحرقوني

عليي تْركي فستانك الصيفي
بْفَصّلك الموديل عَ كَيْفي
شَوب الدني رح اعملو بلا كْمام
مْزَلَّط عَ ضَهْرِك اجمل الهندام
وفتحات عَ جنبين نحت رخام
وأرشتو عَ الصدر من قدّام
أحلى اذا بتبيّن القونه
من بين هل ريتُن يقبروني

ورح سَكِّر من تلصلص الجيران
عَ العري بيظبط احسَن الفستان
هَيك أرشاتو تحت باطك
لْهَوني بتوصَل ربطة قشاطك
شَعْرِك تْفَشكل حَضّري مشاطك
وعَ الهدا ما يطلع عْياطِك
عَ الهدا غَنّي يامجنونه
الجيران ان سمعو بيتهموني
وما بعود اقدر حَوِّش زبونه
************

هكذا يحول الشاعر تلك الحكايات التي تجذب  المتلقي لما في قلب الشاعر الذي أخذ حيز لا بأس به من عناوين منها " بعدك يا قلبي" وأنا وقلبي" وجع قلبي" في محطات وتعابير وحنين  بأشعار ومشاعر تتنقل من الغزل الى الالم،  ومن الخوف الى المكاشفة، لما يحمل قلب الشاعر الذي لم يشيخ نبضه حتى آتاه وجع القلب... مما دعا الشاعر الكشف عن من يسكن قلبه الذي ينبض بروحاً  فكاهية مرحة ... خالية من لعنات الكذب والنفاق...  كالحاضر الذي خلا من برائة الاشياء الروحية الثمينة ... فما كان من الشاعر الا ان يحول الالم والمحبة الى اغنية ذات ابعاد جمالية تمثل الروح وما اصاب وجع القلب بنشيد  انساني وجداني حيث ورود المحبة والخوف على من في القلب  ...

 ( وجع قلبي )
وخايف وجع قلبي ، بدوا ما يروح
ويطلع طبيب القلب، ويقلّي:
غير بْجراحة قلب مفتوح !..
بيبقى الوجع.. ومنفزع يعَلّي.
وبخاف قلّو: الجَرح مش مسموح
توصل لقلبي موس؟ ما بْخَلّي..
انتي بقلبي عايشه، وبالروح
لا يجرحك بالموس.. يا دلّي!..
او يلمحك جُوّا وبسرّي يبوح
وتزعل عَ سمعِة عطرها الفلّه
بيكون عَيَّشني بقلب مدبوح..
وزاد علّه.. ما شفي علّه.
يا ساكنه بِ قلب.. كلّو جروح
دَخلك انا.. من شي جرح طلّي
مشتقلك.. وتخمين عم بينوح
قلبي، من الحرمان.. والقلّه
شتاق ورد الحب.. عطرو يفوح
ينعش فؤادي، يرتوي غِلّي
شتاقت عيوني تشوف فجر يلوح
تْعبْت.. وتعب قلبي.. وانا صَلّي
ولو سكت قلبي؟
وليش هُوّي بيسكت ...؟
ميّت انا وعمري الم.. وسكوت
وهُوّي بِ صدري بيصرخ بحبّك
وما بيسكت دقيقه..لبَعد ما موت.

بعد هذه القراءة المصغرة، يمكننا ان نعترف ان الشاعر روميو عويس، جعلنا نستحضر الشاعر الكبير " امرئ القيس، حين بكى الحبيبة وفال: ( نبكِ مِن ذكرى حبيبٍ ومنزل بسِقْط اللِّوى بين الدَّخُول فحومَلِ  وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم)
وبعد هذا  البوح الصريح والغزل اللطيف، رتل الشاعر روميو عويس امنية عودة لبنان لايام المجد والحرية ... ممراً  لعنته على  الايادي التي سعت لتدمير لبنان الذي حفر في حلق كل لبناني غصة يستعرضها الشاعر في قصيدة :

 ( بحبك يا لبنان )
لبنان يا عايش بوجداني
حبَّك بِقلبي كل ايماني
يا ريتني تينه بكرم مَهجور
لا  صحاب عندي ولا ناطور
وتحمل غصوني طْواب حلياني
تاكل الناس، وياكل العصفور
وطابور يعزم عَ الأكل طابور
لكن ما يعزم غير لبناني

او كون كرمه محَمّله عناقيد
حلوه تشعشع متل زِينة عيد
وتتطاول أْيادي على غْصاني
يقطفوني، يعصروني نبيد
يصَيّروني خمر.. بقناني
يشرب دموعي كل هل بيريد
بكلمة عتب ما بينطق لساني
عَ شرط فرّح  روح لبناني
او كون بلبل بالجناين طير
وعَ نَغمتي وَعّي الدني بكّير
ألّف قصايد.. لَحّن غْناني
عَ نعمتي اشكر الهي كتير
الخَلّى بلاد الارز اوطاني
تَضَل رَتّل للدني مزامير
واحلى قصيد بصَوت رباني
غنّي نَشيد لارز لبناني
ولبنان يا احلى واغلا مْحَل ...
بَحرَك حلو وسواحلك والتَّل

ليتوقف الشاعر برهة تأمل  يستلهم  منها ألم الغربة  بتهنيدة اوجاع العمر وتناقضات الزمن ... وسقوط اقنعة البشر ... في حين كانت المبادئ في ذاك الزمن كانت مقدسة ورموز الحياة فيها لبنان سامية....  فيقول :

شَعْبَك من القلّة عم يعاني
وحكّام؟.. رَيتا ايدهُن تنْشَل
بيكَنْفِش الواحد على التاني
بيتناقرو عَ قسمة اللي ضَل
عَ لقمة الناس اللي جوعاني
 بـيـتـآمـرو عَ كـل لـبـنـانـي
لبنان مش مَي وجَبَل وسْهول
لبنان مَجدو بالدهب مصقول
بيت الكرامه وموطن الانسان
وكم زَلمه.. دَوَّخو اسطنبول
وارض اللي عَطيت للدني جبران
عنها انشا لله هالغمامه تزول
وتـعـود يـا لـبـنـان.. لبنانـي
ومن ذكريات الالفة والحنين  يدخل الشاعر في البكاء على وطن مسه شيطان الحروب التي افقدت الحياة البسيطة بكارة لبنان الذي ما زال يلاحقه الى مدينة "سيدني" الجميلة التي لم تؤثر على ذاكرة الشاعر لأن يحي الجيش اللبناني بكلمات تؤكد وفائه للوطن ،  الذي يتمنى له ان تزول غيمة المحاصصة ... وان يعود كل لبناني الى لبنانه الجميل اثناء الاحتفال بعيد الجيش الذي اقيم في مدينة "سيدني استراليا"  حيث غرد الشاعر الوطن بتوريات عالية ودفقات موسيقى صادقة تحمل ما في  قلب الشاعر من  صور وحنين وامنيات .. بقصيدة " يا ليالي العيد تنعادي "

( يا ليالي العيد تنعادي )

كل عيد وانتي بخير يا بلادي
ياجرح مستوطن بِ فؤادي
عيد مولد جيشك الجبّار
الصامد الحامي ارض وسياده
جينا نهني جنودك الاحرار
عَ تضحية، عَ شَرَف عَ مبادي
واللي انهَدَر دَمُّو عَ خَط النار
الارزات فادي، والعلم فادي.
شْتَقْنا يا مَوطنّا لشي مشوار
شْتَقْنا لهواك، لْجَوَّك الهادي
شْتَقْنا لعَبير الزنبق بْـنَوّار
للجبل، للسَّهل، للوادي
مش عم نْصَدِّق نَشرة الاخبار
البتقول انّو الوضع مش عادي
والجار عم يطعن برمحو الجار
والنار خَلَّت لونك رمادي،
مش عم نْصَدَّق ما بقى في دار
النا، ولا فَرشه، ولا وساده
ولا خَي ناطر رَجْعِة الطيّار
والاهل!.. اخدو الهَمّ زوّاده
بعدك بعينينا قمر نَوّار
وقَد كل الكون وزياده
ولا منبدلك بالكون مهما صار
ويا جيشنا ما بدّك شهاده
ووحدَك امَلنا انت يا مغوار
الشعب إلّا فيك ما يْنادي
يْتَوّجَك بِ كل نصر وغار
الله، ونرجع كلنا نغنّي
"يا ليالي العيد تنعادي"
..............

ومن الامنيات والجيش والوطن، وما أستدرج الشاعر من نغمات الغربة التي لم تمنعه من معاقرة الجمال واللذة  في قصيدة "الليمونة " التي خلع بذرتها من ارض لبنان،  ليزرعها في المهجر، وليظل متمسكاً بطعم خيرات الوطن، وليبقى تراث عطر الوطن معلقاً  بقميص حديقة الشاعر الذي حاول ان يزرع في حديقته حمضيات لبنان ليتجاوز  سرير التمني ... 
لكن ابت شجرة الليمون  اللبناني، ان تعيش بغير تربتها ....  لنرى كيف عالج هذه الوحمة التي حفرت علامة مميزة على اوراق الشاعر الذي صدقَ المشاعر وقول الحقيقة المؤلمة :

قصيدة " ليمون لبناني"

لما غصب جينا من الاوطان
وعالبحر يَلّا.. وناطر القبطان
حملت الشنط والكيس والصرّه
وجبت من بستان بو سليمان
طعْمَين "مَوَردي"و"ابو صّرّه"
زرعتُن بسيدني يزيّنو البستان
وتبقا عيوني عليهُن لبَرّا..
وحرَّمْت حَدُّن يمرقو الصبيان
وحتى الوراق تضل مخضَرّه
سَوِّد كَفو..عالوقت والاوزان
وعالترم اسقي واحسب الكَرّه
عا رَي شلشُن كم مَرَق عدّان
وان يوم شفت وراق مصْفَرّه
يصير فكري ملَبَّك.. وتعبان
واسأل لئلا برغشة مضرّه!..
او عالبراعم شي ضْريبه كان
وتا الزهر كَوَّن عالغصن غرّه
بقيت ناطر.. والسنين زمان
ورشّهُن.. مَرّه بعد مَرّه
بسموم.. للبرغش، وللدبّان.
عقدو وكبرو.. شوف وتمَرّا
الحَبّه ما شا لله رطل بالميزان
وبكل عز وفخر ومْسَرّه !..
ناديت اهل البيت.. والجيران
مين داق طَعْم الشهد وتْوَرّى ؟؟
هيدي الفواكي من شجر لبنان.
وشي بَلَّش الليمون يتْعَرّى
من قشرتو واللي مْخَبّى بان؟
طلع "البو صرّه" طعمتو مُرّه
وطلع"المَوَردي" مموْرق وبهتان
حملت منجَل حَدّها مْبَرّى !..
ورحت لَيْهُن ثاير وغضبان
صاحت الشجره: بحق بتبرّا
من الجرم، ليش الظلم والطغيان؟
اسمعني يا بو عينين محْمَرّه
يا مسبّب الآهات والحرمان
بدَّك فواكي عَسَل مشْقَرّه ؟
وطَعْمه شَهيّه واجمل الالوان؟؟
جبلنا التربه المسْمَرّه !..
من بلادنا، ونسمة هوا الوديان
ولو سقيتنا من مْويّتا جَرّه..   
افيَد لنا واطيَب لنا فهمان؟؟
راقت الرّوح لكانت مْشرّه
(يلعن ابو الغربه وابو الشيطان)
لبنان غالي.. وبالشرق دُرّه
الله بجمالو.. ما خَلَق بلدان
اذا لدينا الان ما يوثق من عناقيد حكايات الشاعر اللبناني روميو عويس، الذي حاكي صور الذكرى والذاكرة من خلال بريد قصائد تسعى الوصول للمتلقي بكل ما فيها من إحساس ومشاعر تحمل  اليقين والمعنى والمثول والحضور في كيانه الذي ظلل السطور ببساطة اللغة وبلاغة الرؤى  الموثقة بمضمون قصائده الانفعالية الصادقة  والتي تسير في سياقات اجتماعية ثقافية تستخلص صور ذهنية من اطار اللحظة الحاضرة في رؤية الشاعر الشعبي روميو عويس. 
 فبالتأكيد لن يكون بوسعنا الالمام بكل جوانب قصائد الشاعر اللبناني روميو عويس، بهذه العجالة، لكننا حاولنا  قدر الامكان ان نقف امام بعض ما لدينا من قصائد حملت دلالات نفسية وأيديولوجية، وظفت في فضاء عراقة الشعر الشعبي اللبناني، الذي ما زال يبحر ويبحر في حكايات الماضي وما يمر بخاطرة الشاعر كل لحظة وحين،  بتلقائية الشاعر السرياني روميو عويس، الذي ظل معلقا بحكايات المكان في الوطن الذي ربط الحاضر بالماضي، لنكتشف مكنون الشاعر الانساني الاعمق والابعد من مسافات الغربة التي لم  ولن تلد بديلا عن الوطن، الذي منحنا مادة للتأمل بجذور الشاعر روميو عويس، المتميز بتفرد نتاجه الادبي  ومخيلته الخصبة ... التي خطت مشاعر ابداعية مرهفة المشاعر... فهذا يكفي لان نقول ان الشاعر تمكن ان يستوقف ناقد امام تجربته التي وضعت بصندوق حكايات الشاعر الذي اتعبه الحنين لمن ظل في القلب يهزي ....  

هناك تعليق واحد:

  1. لن اجد الكلمات المعبّرة عن مدى شكري وامتناني مهما عظمَت للشاعرة والناقدة هدلا القصّار ، وبإيجاز التعريف عنها: فالاديبة الكبيرة حائزة على دكتوراه فخرية من المجلس الاعلى للاعلام فلسطين - فرع الاردن، ودخل اسمها في الجزء الاول من الموسوعة الكبرى لشعراء العرب عام2010 ، حاصلة على عضوية رابطة شعراء العالم من الشاعر التونسي يوسف رزوقة عام 2006 ، عضو اتحاد كتّاب العرب 2007 ، وعضو رابطة ادباء العرب 2008 ، وعضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين 2009 ، وعضو اتحاد المدونين العرب 2009/2010 وعضو كتاب الانترنت العرب 2010 ، وسفيرة البيت الثقافي العربي في الهند - فرع فلسطين ، ومديرة مركز ض للثقافة. الاديبة هدلا القصار التي تعيش في قطاع غزة من فلسطين المحتلة، وبالرغم من ويلات الحروب ومآسي ضيق الحصار استطاعت خرق كل جدار لتحصل على كل ما ذكرته آنفاً ، صارخة بوجه المحتل : نحن هنا شعب لا يموت ، قضيتنا لن تموت وحقنا في الحياة مقدس. هدلا القصار وبدافع شخصي من روحها النبيلة المفعمة بالانسانية خصتني مشكورة بهذه الدراسة والنقد والتحليل لشعري الذي اصطادته من تلفزيون ومجلة الغربة لصاحبه الاعلامي الشاعر شربل بعيني. لم اتشرف بمعرفة الناقدة هدلا القصار شخصيا ، انما عرفت روحها الطيبة وادبها الرفيع من خلال كتاباتها شعراً ونثراً. على امل ان اسعد بلقائها يوماً لالثم اناملها المبدعة شاكراً ما خصت به شعري من نقد وبدون طلب من احد انما بدافع الغيرة والمحبة للشعر والتقدير للكلمة. لها محبتي بلا حدود وعظيم تقديري والف الف تحية وسلام.

    ردحذف