كنت أود أن أعنون مقالي بعنوان"القرن الهزيل" نسبة للمسلسل التركي الشهير الذي يحمل عنوان "القرن العظيم" إلا أنني تراجعت عن ذلك نظرا لأنه في عالمنا العربي هناك قلة قليلة ممن تعرف العنوان الحقيقي لمسلسل الـ " Soap-opera" أو المسرحيات المتسلسلة (و التي اكتسبت اسمها بالإنجليزية نظرا لكثرة إعلانات الصابون التي تخللتها لأنها موجهة في الأساس لربات المنازل) الشهير و الذي لا يكاد أحد في عالمنا العربي يعرفه إلا بعنوان "حريم السلطان" طبعا، و ذلك لأنه أينما وجدت كلمة حريم في عالمنا العربي وجد الانتباه بالطبع.
على أية حال لم تنقضي الأيام الماضية إلا و طالعتنا الأنباء بحلقة جديدة من مسلسل القرن الذهبي الذي بطله السلطان رجب الأول بن الطيب بن أردوجان الأول، بعد عدة حلقات ساخنة تألق فيها البطل في نفس المسلسل بعناوين السلطان يتحدى القيصر، و من قبلها السلطان حامي حمى الأجواء السلطانية العثمانية، و من قبلها حلقة السلطان حامي حمى الإسلام، و السلطان و داعش، و الحلقات كثيرة. إلا أنه يبدوا أن المسلسل بات يكشف عن احباطات لمعجبيه، و بات يفصح عن وجه السلطان الحقيقي، و هو الوجه الذي لا نرى منه سوى الإصرار على الذاتية و الأنانية في تحويل تركيا ليس إلى دولة تسامح الإسلام بعد انقلاب "أتاتورك" و إنما إلى دولة جماعة متأسلمة ما و متحزبة تحت اسم "حزب العدالة – و الحرية" ـ التي لم يعد لها مكان في تركيا سوى بالعري و شرب الخمر و تجارتها بل و إنتاجها و الاستثمار الخارجي فيها، بينما لا يقمع السلطان حامي حمى الإسلام سوى المعارضين السياسيين حتى من ذوي الخلفية الدينية، و لا يقمع سوى الأكراد المسلمين السنة – على الرغم من رفضي الشخصي لتأسيس دولة كردية على أي أراضي عربية أو غير عربية – إذا أصبح المسلسل فجا صارخا و لم تعد حلقاته تكشف سوى عن رغبة محمومة ذات طبيعة متضاربة مع ما يروج له السلطان و رجاله و ما هو واقع، ذلك التضارب لا يشي سوى عن حب أردوجان في الحكم لا في الإصلاح الديني مهما تكلف الأمر على عكس ما يروج له نشطائه و أتباعه الذين لا يفتؤون إلا أن ينشروا فيديوهات له و هو يتلو القرءان الكريم و يخطب هنا و هناك.
بينما في نهاية المطاف قام السلطان حامي حمى الإسلام و باعث الدين و ناصر المؤمنين و أمير المجاهدين سليل بني عثمان الأشرفين، بالاعتذار لروسيا و الرئيس بوتين، و التطبيع مع إسرائيل في خطوة واحدة! بعد العزلة الدبلوماسية و الاقتصادية التي فرضها على بلاده بذكائه و حنكته السياسية الجبارة. لا تنم تلك الخطوات سوى عن انهزام و تقهقر مرتكز على شهوة الحكم و الانفراد به و تمجيد الذات التي ترى أنه لا إصلاح إلا ببقاء السلطان سلطانا و ليس إلا عن طريق السطوة و ليس الحوار و السماحة و نشر الفكر المعتدل بعيدا عن إراقة الدماء و إساءة استخدام السلطة. دعونا نوضح سريعا، بعد أن تحطمت أحلام السلطان ذات الطبيعة المزدوجة في إجبار أوروبا على منح تركيا بعضا من الحقوق التي تقرب تركيا ديبلوماسيا و عمليا إلى الإتحاد الأوروبي و هو الحلم التركي القديم المتواصل – و الذي لا يفصح سوى عن وجه الخداع الذي يتسم به السلطان – مستخدما في ذلك أزمة اللاجئين و الأوضاع في سوريا و رضي بالمنح المادية و توطين بعض اللاجئين و استضافة البعض مقابل تلك المنح، و مع الصدع الجسيم الذي أحدثه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و مع التدهورات الاقتصادية و الإجتماعية التي باتت تفتك بالغرب الذي أصبح في وضع لا يؤهله في هذه المرحلة ليتخذ سياسات أكثر عدائية تجاه روسيا التي تحداها السلطان معتمدا على الناتو و أمريكا و هي روسيا التي باتت تتقوي بفعل الانهيارات الغربية المتلاحقة بما يزيد بصورة نسبية من حجم القوة الروسية في أوروبا و الشرق الأوسط، و مع ازدياد عزلة تركيا السياسية و الاقتصادية عن المحيط الإقليمي و الذي خسرت فيه تركيا مؤازرة الكثير من المسلمين حتى في دول تعد ناطقة بالتركية و تربطها علاقات قديمة أزلية و عرقية بتركيا مثل دول وسط أسيا، و غير المسلمين من روسيا التي كانت تربطها به شخصيا علاقات حميمة سياسية و اقتصادية، و مع كره القبارصة و اليونانيين لسياساته، و عدائه لمصر و سوريا، و مع خسارته للسوق الروسي، و مشاريع مستقبلية هامة من " السيل التركي" للمحطات النووية الروسية و السياحة خاصة الروسية و التي تشكل نسبة كبيره من الدخل السياحي التركي، هذا كله مع هزيمته ديبلوماسيا في انتزاع تنازلات هامة من الاتحاد الأوروبي و الفشل في كبح جماح المد الإيراني في العراق.
أضف إلى ذلك كله، قطيعته أو شبه- قطيعته مع إسرائيل على خلفية أنه حامي حمى الإسلام الذي أراد أن يكسر حصار غزة بأسطول الحرية الشهير منذ سنوات إلا أنه فشل فشلا ذريعا و باتت خطبه و كلماته مجرد خطب رنانة بينما لا يكشف الواقع سوى عن عكس تلك الخطب، و لا تزال غزة تحت الحصار و لم يحرك ساكنا بل و جرى جري اللاهث ليطبع مع إسرائيل للخروج من أزماته مع روسيا التي اعتذر لها بعد أن كان ذلك دربا من المستحيل على حد ما فهم من تصريحاته، و ها هو قد باع غزة و القضية برمتها و كان من الممكن أن يستعيد العلاقات مع إسرائيل دون تطبيع، إلا أن ذلك لا يفصح ذلك سوى عن حبه للبقاء و أكثر المؤشرات على ذلك هو تغيير الدستور لمنح الرئيس سلطات جديدة و مدد أطول دون إصلاح أعمق للمجتمع التركي الذي يعد مسلما بالنسب ليس إلا و لا أنكر وجود مسلمين على قدر عالي من العلم هناك إلا أنها ليست سمة تركية حالية. ببساطة يرى بوضوح أنه أدرك أن شعبيته في انخفاض نظرا للمشاكل الاقتصادية، و الأمنية و لا يستبعد أن يكون الروس قد دعموا الأكراد دعما محدودا ليس لإقامة دولة كردية و لكن للإنتقام لمقتل طيارهم و لنفوذهم على الساحة الدولية و للإخضاع أردوجان و تأديبه – من وجهة نظرهم – و هكذا بات المواطن التركي يسحق تحت وطأة اقتصاد متباطيء، وعزلة دولية، و فشل سياسي و نفاق خطابي بدون جار أو سوق بديل أو مورد غاز، و سياحة، و محطات نووية ، و شركات حجمت في السوق الروسي، و لم يستطع رجل الأعمال التركي أن يوجد بدائل أوروبية، أو عربية، أو إسلامية لكل تلك الخسائر الفادحة نظرا لحالة الكراهية المتنامية للنظام التركي و عزلته عن محيطه الأوروبي و الإسلامي. ناهينا عن حالات الإنفلات الأمني التي جرها أردوجان على تركيا من أكراد وداعش نتيجة لسياساته المتضاربة التي يصورها على أنها بطولات -كلاما لا فعلا.
إذا لماذا باع أردوجان موقفه من إسرائيل و غزة؟ و كرامته العثمانية لروسيا؟ أليس لتهدئة الشارع و الصحافة التي أرقته و فضت مضجعه و التي دخلت معه في صدام حقيقي و التي قمعها بالفعل. أي حرية إذا و أي إسلام و إصلاح هذا! و أفسر بأن الشارع التركي و الصحافة لا يزال في انتظارهما الكثير من المفاجآت الإصلاحية السلطانية القمعية و التي لن تكون هناك مساحة لتحملها مع الاقتصاد المتباطئ و السياسات الفاشلة! و أزيد على هذا متعجبا من حال مصلح ليس له سياسة ثابتة له و لا ثوابت؟ و لا مبررات مبررات حقيقية صلبة، , أي اصلاح إسلامي في استباحة الدم المسلم بالدم المسلم في سوريا، كيف يعقل ذلك! كفانا كذبا، و كفاه فسادا، و على عكس ما تروجه دعايته السلطانية، و جماعته بأن الولايات المتحدة وراء ذلك الإنقلاب الفاشل ذي الخمس ساعات ، لكي أرد على مقامه السامي بماذا قد يدفع الولايات المتحدة إلى الإطاحة بأردوجان الحليف في الناتو، الذي يفتح قواعد بلاده العسكرية لضرب سوريا ليلا و نهارا، و له نفس الموقف الغربي من الرئيس بشار الأسد، و الذي قبل التعاون مع الغرب لوقف تدفق اللاجئين، و الذي طبع علاقاته مع إسرائيل! أجنون هو أن تنقلب الولايات المتحدة على سياساتها و هل يعقل أن تدبر و كالة الاستخبارات الأمريكية انقلابا فاشلا ينهزم بل و لا يهزم في خمس ساعات، و يفشل فشلا ذريعا في أقل من خمس ساعات ليكتب السلطان لنفسه "شيك على بياض" في قمع معارضيه من يمينيين و يساريين، هل تنتحر الولايات المتحدة سياسيا أم أن هناك غباء سياسي قد حط عليها، أم أنها في حاجة لمجازفة جديدة غير معلومة النتائج بعد تسوية الكثير من الأمور في المسار الذي تريده الولايات المتحدة نفسها. كنت قد رأيت انقلابات دعمتها الاستخبارات الأمريكية منها ما نجح و منها ما فشل، لكن لم أرى أنقلابا هزيلا و غير مرتب لهذا الحد قد نظمته الولايات المتحدة التي تملك الكثير جدا من أوراق الضغط على أردوجان من إسرائيل، و أكراد، و معارضة داخلية، و اتفاقيات تصنيع حربي و تعاون عسكري، و أمني، ملفات اقتصادية، و أقليات مهمشة في الداخل التركي و مشاكل مع الجيران و أراضي متنازع عليها مع جيرانه الأرمن، و قضية المذابح البشرية ضد الأرمن إبان الحكم العثماني، و هناك الكثير جدا من الملفات الساخنة التي لم تبرد بعد، و هناك قضية قبرص و اليونان و اللتان تنتميان للإتحاد الأوروبي، أي أن الواقع التركي مليء بالمشاكل الجسيمة التي تمكن دولة بحجم الولايات المتحدة من أن تضغط على النظام التركي إن أرادت حقا.
في النهاية أقول إن ما يحتاجه المسلمين ليس هو السلطان الذي هو الآخر يحلم حلما خرافيا مثل حلم خلافة داعش لكن عنوان حلمه هو السلطنة العثمانية التي اغتصبت لقب الخلافة و كانت أبعد من أن تكون خلافة - و قد يكون ذلك موضوع مقال لاحق، إن ما يحتاجه المسلمون بحق هو الإسلام ذاته ثم و أقول ثم من يخدم الإسلام للإسلام و بالإسلام و بذكاء الإسلام في الإدارة و السياسة و التطور البشري، بعيدا عن حب الذات و النفس و الشهوات. و السلام ختام و انتظروا السلطان في حلقة جديدة من مسلسل قرن الأوهام .
هادي حمودة
hady.hamdy@gmail.com
على أية حال لم تنقضي الأيام الماضية إلا و طالعتنا الأنباء بحلقة جديدة من مسلسل القرن الذهبي الذي بطله السلطان رجب الأول بن الطيب بن أردوجان الأول، بعد عدة حلقات ساخنة تألق فيها البطل في نفس المسلسل بعناوين السلطان يتحدى القيصر، و من قبلها السلطان حامي حمى الأجواء السلطانية العثمانية، و من قبلها حلقة السلطان حامي حمى الإسلام، و السلطان و داعش، و الحلقات كثيرة. إلا أنه يبدوا أن المسلسل بات يكشف عن احباطات لمعجبيه، و بات يفصح عن وجه السلطان الحقيقي، و هو الوجه الذي لا نرى منه سوى الإصرار على الذاتية و الأنانية في تحويل تركيا ليس إلى دولة تسامح الإسلام بعد انقلاب "أتاتورك" و إنما إلى دولة جماعة متأسلمة ما و متحزبة تحت اسم "حزب العدالة – و الحرية" ـ التي لم يعد لها مكان في تركيا سوى بالعري و شرب الخمر و تجارتها بل و إنتاجها و الاستثمار الخارجي فيها، بينما لا يقمع السلطان حامي حمى الإسلام سوى المعارضين السياسيين حتى من ذوي الخلفية الدينية، و لا يقمع سوى الأكراد المسلمين السنة – على الرغم من رفضي الشخصي لتأسيس دولة كردية على أي أراضي عربية أو غير عربية – إذا أصبح المسلسل فجا صارخا و لم تعد حلقاته تكشف سوى عن رغبة محمومة ذات طبيعة متضاربة مع ما يروج له السلطان و رجاله و ما هو واقع، ذلك التضارب لا يشي سوى عن حب أردوجان في الحكم لا في الإصلاح الديني مهما تكلف الأمر على عكس ما يروج له نشطائه و أتباعه الذين لا يفتؤون إلا أن ينشروا فيديوهات له و هو يتلو القرءان الكريم و يخطب هنا و هناك.
بينما في نهاية المطاف قام السلطان حامي حمى الإسلام و باعث الدين و ناصر المؤمنين و أمير المجاهدين سليل بني عثمان الأشرفين، بالاعتذار لروسيا و الرئيس بوتين، و التطبيع مع إسرائيل في خطوة واحدة! بعد العزلة الدبلوماسية و الاقتصادية التي فرضها على بلاده بذكائه و حنكته السياسية الجبارة. لا تنم تلك الخطوات سوى عن انهزام و تقهقر مرتكز على شهوة الحكم و الانفراد به و تمجيد الذات التي ترى أنه لا إصلاح إلا ببقاء السلطان سلطانا و ليس إلا عن طريق السطوة و ليس الحوار و السماحة و نشر الفكر المعتدل بعيدا عن إراقة الدماء و إساءة استخدام السلطة. دعونا نوضح سريعا، بعد أن تحطمت أحلام السلطان ذات الطبيعة المزدوجة في إجبار أوروبا على منح تركيا بعضا من الحقوق التي تقرب تركيا ديبلوماسيا و عمليا إلى الإتحاد الأوروبي و هو الحلم التركي القديم المتواصل – و الذي لا يفصح سوى عن وجه الخداع الذي يتسم به السلطان – مستخدما في ذلك أزمة اللاجئين و الأوضاع في سوريا و رضي بالمنح المادية و توطين بعض اللاجئين و استضافة البعض مقابل تلك المنح، و مع الصدع الجسيم الذي أحدثه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و مع التدهورات الاقتصادية و الإجتماعية التي باتت تفتك بالغرب الذي أصبح في وضع لا يؤهله في هذه المرحلة ليتخذ سياسات أكثر عدائية تجاه روسيا التي تحداها السلطان معتمدا على الناتو و أمريكا و هي روسيا التي باتت تتقوي بفعل الانهيارات الغربية المتلاحقة بما يزيد بصورة نسبية من حجم القوة الروسية في أوروبا و الشرق الأوسط، و مع ازدياد عزلة تركيا السياسية و الاقتصادية عن المحيط الإقليمي و الذي خسرت فيه تركيا مؤازرة الكثير من المسلمين حتى في دول تعد ناطقة بالتركية و تربطها علاقات قديمة أزلية و عرقية بتركيا مثل دول وسط أسيا، و غير المسلمين من روسيا التي كانت تربطها به شخصيا علاقات حميمة سياسية و اقتصادية، و مع كره القبارصة و اليونانيين لسياساته، و عدائه لمصر و سوريا، و مع خسارته للسوق الروسي، و مشاريع مستقبلية هامة من " السيل التركي" للمحطات النووية الروسية و السياحة خاصة الروسية و التي تشكل نسبة كبيره من الدخل السياحي التركي، هذا كله مع هزيمته ديبلوماسيا في انتزاع تنازلات هامة من الاتحاد الأوروبي و الفشل في كبح جماح المد الإيراني في العراق.
أضف إلى ذلك كله، قطيعته أو شبه- قطيعته مع إسرائيل على خلفية أنه حامي حمى الإسلام الذي أراد أن يكسر حصار غزة بأسطول الحرية الشهير منذ سنوات إلا أنه فشل فشلا ذريعا و باتت خطبه و كلماته مجرد خطب رنانة بينما لا يكشف الواقع سوى عن عكس تلك الخطب، و لا تزال غزة تحت الحصار و لم يحرك ساكنا بل و جرى جري اللاهث ليطبع مع إسرائيل للخروج من أزماته مع روسيا التي اعتذر لها بعد أن كان ذلك دربا من المستحيل على حد ما فهم من تصريحاته، و ها هو قد باع غزة و القضية برمتها و كان من الممكن أن يستعيد العلاقات مع إسرائيل دون تطبيع، إلا أن ذلك لا يفصح ذلك سوى عن حبه للبقاء و أكثر المؤشرات على ذلك هو تغيير الدستور لمنح الرئيس سلطات جديدة و مدد أطول دون إصلاح أعمق للمجتمع التركي الذي يعد مسلما بالنسب ليس إلا و لا أنكر وجود مسلمين على قدر عالي من العلم هناك إلا أنها ليست سمة تركية حالية. ببساطة يرى بوضوح أنه أدرك أن شعبيته في انخفاض نظرا للمشاكل الاقتصادية، و الأمنية و لا يستبعد أن يكون الروس قد دعموا الأكراد دعما محدودا ليس لإقامة دولة كردية و لكن للإنتقام لمقتل طيارهم و لنفوذهم على الساحة الدولية و للإخضاع أردوجان و تأديبه – من وجهة نظرهم – و هكذا بات المواطن التركي يسحق تحت وطأة اقتصاد متباطيء، وعزلة دولية، و فشل سياسي و نفاق خطابي بدون جار أو سوق بديل أو مورد غاز، و سياحة، و محطات نووية ، و شركات حجمت في السوق الروسي، و لم يستطع رجل الأعمال التركي أن يوجد بدائل أوروبية، أو عربية، أو إسلامية لكل تلك الخسائر الفادحة نظرا لحالة الكراهية المتنامية للنظام التركي و عزلته عن محيطه الأوروبي و الإسلامي. ناهينا عن حالات الإنفلات الأمني التي جرها أردوجان على تركيا من أكراد وداعش نتيجة لسياساته المتضاربة التي يصورها على أنها بطولات -كلاما لا فعلا.
إذا لماذا باع أردوجان موقفه من إسرائيل و غزة؟ و كرامته العثمانية لروسيا؟ أليس لتهدئة الشارع و الصحافة التي أرقته و فضت مضجعه و التي دخلت معه في صدام حقيقي و التي قمعها بالفعل. أي حرية إذا و أي إسلام و إصلاح هذا! و أفسر بأن الشارع التركي و الصحافة لا يزال في انتظارهما الكثير من المفاجآت الإصلاحية السلطانية القمعية و التي لن تكون هناك مساحة لتحملها مع الاقتصاد المتباطئ و السياسات الفاشلة! و أزيد على هذا متعجبا من حال مصلح ليس له سياسة ثابتة له و لا ثوابت؟ و لا مبررات مبررات حقيقية صلبة، , أي اصلاح إسلامي في استباحة الدم المسلم بالدم المسلم في سوريا، كيف يعقل ذلك! كفانا كذبا، و كفاه فسادا، و على عكس ما تروجه دعايته السلطانية، و جماعته بأن الولايات المتحدة وراء ذلك الإنقلاب الفاشل ذي الخمس ساعات ، لكي أرد على مقامه السامي بماذا قد يدفع الولايات المتحدة إلى الإطاحة بأردوجان الحليف في الناتو، الذي يفتح قواعد بلاده العسكرية لضرب سوريا ليلا و نهارا، و له نفس الموقف الغربي من الرئيس بشار الأسد، و الذي قبل التعاون مع الغرب لوقف تدفق اللاجئين، و الذي طبع علاقاته مع إسرائيل! أجنون هو أن تنقلب الولايات المتحدة على سياساتها و هل يعقل أن تدبر و كالة الاستخبارات الأمريكية انقلابا فاشلا ينهزم بل و لا يهزم في خمس ساعات، و يفشل فشلا ذريعا في أقل من خمس ساعات ليكتب السلطان لنفسه "شيك على بياض" في قمع معارضيه من يمينيين و يساريين، هل تنتحر الولايات المتحدة سياسيا أم أن هناك غباء سياسي قد حط عليها، أم أنها في حاجة لمجازفة جديدة غير معلومة النتائج بعد تسوية الكثير من الأمور في المسار الذي تريده الولايات المتحدة نفسها. كنت قد رأيت انقلابات دعمتها الاستخبارات الأمريكية منها ما نجح و منها ما فشل، لكن لم أرى أنقلابا هزيلا و غير مرتب لهذا الحد قد نظمته الولايات المتحدة التي تملك الكثير جدا من أوراق الضغط على أردوجان من إسرائيل، و أكراد، و معارضة داخلية، و اتفاقيات تصنيع حربي و تعاون عسكري، و أمني، ملفات اقتصادية، و أقليات مهمشة في الداخل التركي و مشاكل مع الجيران و أراضي متنازع عليها مع جيرانه الأرمن، و قضية المذابح البشرية ضد الأرمن إبان الحكم العثماني، و هناك الكثير جدا من الملفات الساخنة التي لم تبرد بعد، و هناك قضية قبرص و اليونان و اللتان تنتميان للإتحاد الأوروبي، أي أن الواقع التركي مليء بالمشاكل الجسيمة التي تمكن دولة بحجم الولايات المتحدة من أن تضغط على النظام التركي إن أرادت حقا.
في النهاية أقول إن ما يحتاجه المسلمين ليس هو السلطان الذي هو الآخر يحلم حلما خرافيا مثل حلم خلافة داعش لكن عنوان حلمه هو السلطنة العثمانية التي اغتصبت لقب الخلافة و كانت أبعد من أن تكون خلافة - و قد يكون ذلك موضوع مقال لاحق، إن ما يحتاجه المسلمون بحق هو الإسلام ذاته ثم و أقول ثم من يخدم الإسلام للإسلام و بالإسلام و بذكاء الإسلام في الإدارة و السياسة و التطور البشري، بعيدا عن حب الذات و النفس و الشهوات. و السلام ختام و انتظروا السلطان في حلقة جديدة من مسلسل قرن الأوهام .
هادي حمودة
hady.hamdy@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق