تركيا من الإنقلاب الى التصفيات/ راسم عبيدات

واضح بأن الإنقلاب الفاشل الذي قادته رتب متوسطة من الجيش  وعدد  محدود من الرتب العسكرية الكبيرة،عبر ويعبر عن صراع محتدم ما بين الجيش العلماني،والذي يعتبر حامي وحارس القيم والتقاليد العلمانية التي غرسها كمال اتاتورك،وبين أردوغان الذي يحمل مشروعا سياسياً إسلاموياً،قد يؤدي به الى التصادم مع كل مكونات ومركبات المجتمع التركي،مشروع " الأخونة" لمؤسسات الدولة والحكم والسلطة والجيش والمجتمع،هذا المشروع الذي قاد الى سقوط مرسي في مصر،وأردوغان حاول أكثر من مرة تعديل الدستور نحو النظام الرئاسي الذي يمنحه سلطات دستورية مطلقة،ولكنه في فشل في الحصول على الأغلبية لذلك. وأردوغان في إطار رؤيتنا وموقفنا منه نحن لن ننطلق من العواطف والتمنيات او المواقف المسبقة،كون العثمانيين كانوا واحداً من أهم أسباب تخلف هذه الأمة وتمزيقها،ليصل الأمر حد التتريك وإقتطاع اجزاء من الأراضي العربية (لواء الإسكندرونة السوري)،بل الموقف والرؤيا ستستند الى تحليل ملموس لواقع ملموس بما فيه من انجازات واخفاقات...

على الصعيد الإقتصادي قفز أردوغان بالإقتصاد التركي قفزة كبيرة نقلته من الإقتصاد المتخلف الى اقتصاد قوي وحقق تنمية ونمو اقتصادي لا يستهان بهما،ساعده ذلك في ان يعزز من حضور حزبه وسيطرته في الداخل التركي،وعلى الصعيد الخارجي انتهج سياسة العودة الى الفضاء العربي- الإسلامي وتعزيز علاقاته مع محيطه بالتحديد سوريا والعراق  وايران،بعد شعوره بان حظوظ انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي ضعيفة جداً،ورفع شعار صفر مشاكل مع الجيران،ولكن هذه المقولة بدلاً من السعي الى تعزيزها وتطويرها،وجدنا بأن السياسة الخارجية التركية وتخبطاتها،مترافقة مع طموحات أردوغان وجنون عظمته بإستعادة امجاد الخلافة العثمانية على حساب الجغرافيا والدم العربي،هي التي ساهمت الى حد كبير في إستعداء الأمة العربية والكثير من الدول على تركيا،وخصوصاً بعد ما يسمى ب"ثورات " الربيع العربي،حيث دعم حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان،حركة الإخوان المسلمين كمشروع سياسي ممتد في العمق التركي،واحد اهم أركانه،وظهر ذلك من خلال الدعم اللامحدود لأنظمة الحكم التي قامت في مصر وتونس بعد تلك "الثورات" وحقق هذا المشروع إنجازات لا يستهان بها في اكثر من بلد عربي،وهذا دفع أردوغان لكي يطرح نفسه كخليفة،ووجد بأن فرصته ممكنة التحقيق عبر دعم القوى والجماعات الإرهابية "القوى الجهادية" من "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و" النصرة" وغيرها من القوى والتشكيلات الإرهابية  في سوريا والعراق وليبيا،ولذلك شكلت تركي ممراً مهماً لتلك الجماعات من أجل التمويل والتسليح والتدريب والقواعد الامنة والإقامات لقيادة تلك الجماعات،ناهيك عن ضخ الإحتياطي البشري الإرهابي الى سوريا،والرهان على اقتطاع جزء من الجغرافيا السورية ناهيك عن سرقة النفط السوري ومصانع حلب.

ولكن جملة من التطورات حطمت احلام وتطلعات أردوغان حصلت،ساهمت في تراجع الدور التركي وزيادة وتنامي حالة العداء لهذا النظام،حيث سقط نظام مرسي في مصر والذي شكل المركز والثقل الأساسي لحركة الإخوان في المنطقة،وبدأ هذا المشروع بالتصدع والتراجع في اكثر من ساحة ومنطقة،ناهيك عن توتر العلاقات السعودية – التركية على خلفية الموقف من حركة الإخوان المسلمين.

تطورات دراماتيكية حصلت جعلت تركيا تنتقل في مواقفها وسياساتها الخارجية من النقيض للنقيض،حيث توقيع ايران للإتفاق النووي مع امريكا  ووفاة الملك السعودي عبد الله وتولي الملك سلمان للحكم،وما أعقب ذلك من سيطرة لجماعة حزب الله "الحوثيين" وجماعة الرئيس السابق على عبد الله صالح على الحكم في اليمن،دفع بالسعودية لشن حرب عدوانية على اليمن وقفت فيها تركيا الى جانبها في تبدل واضح في المواقف والسياسات،وكل ذلك لم يسهم في ان يحقق لأردوغان طموحاته في إستحضار وبعث الخلافة العثمانية من جديد،حيث المشروع التكفيري  الوهابي" الداعشي" يواجه الهزيمة امام الصمود السوري الأسطوري وتقلص مساحة سيطرة ما يسمى ب"دولة الخلافة الإسلامية في العراق،بعد الإنتصارات التي حققها الجيش العراقي،ولتـاتي عملية إسقاط الطائرات التركية لمقاتلة السوخوي 24 الروسية في خريف العام الماضي،لتدفع بالعلاقات الخارجية التركية نحو المزيد من جلب الأعداء،وهنا في استعداء روسيا جلب أردوغان الويلات على الإقتصاد التركي،حيث العقوبات الإقتصادية والتجارية والسياحية والتهديد بوقف خط الغاز الروسي (السيل التركي)،أثرت بشكل كبير على مفاصل وقطاعات هامة في الإقتصاد التركي،ولعل هذا من العوامل الهامة في إستدارة الموقف التركي، نحو تحقيق المصالحة مع "اسرائيل" لتحقيق اهداف وتطلعات مشتركة امنية واقتصادية،متخلية عن شرطها برفع الحصار عن غزة،وكذلك الإعتذار لروسيا عن إسقاط الطائرة الروسية،والإستعداد لتطبيع علاقاتها مع سوريا،بعد ان شعرت بأن حليفها الإستراتيجي أمريكا سيؤيد إقامة كيان كردي على الحدود السورية- العراقية ليمتد في العمق التركي،وما يشكله من خطر على امن وإستقرار تركيا، ناهيك عن ان خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي،جعل تركيا تعيد حساباتها في الإنضمام الى اتحاد يواجه التفكك.

هذه الحالة التركية في ظل أوضاع تواجه فيها السياسة الخارجية التركية حالة من التخبط،وتازم الأوضاع الداخلية،حيث بدأت الأوضاع الأمنية تتجه نحو اللااستقرار هجمات وتفجيرات إرهابية كإرتدادات للدعم التركي لتلك الجماعات،والتي باتت تشعر بان النظام التركي بدا بالتخلي عنها لحساب مصالحه واهدافه.

انفجرت الأوضاع الداخلية التركية عبر إنقلاب قادته مجموعة من العسكر،يبدو بأنه إنقلاب تركي صرف،ولو كان هناك بصمات أمريكية او غربية في هذا الإنقلاب لما كانت النتيجة على ما هي عليه،وانا هنا لست بصدد لماذا فشل الإنقلاب؟؟،ولكن النقاش على ماذا سيكون عليه الوضع بعد الإنقلاب؟؟؟،نكون متطيرين اذا قلنا بان ذلك لا يعزز من سيطرة أردوغان ويزيد من قوته،وهو سيستخدم هذا الإنقلاب لتحقيق ما عجز عن تحقيقه سابقاً لجهة تعديل الدستور لكي يضمن ان يكون إمبراطوراً او خليفة للمسلمين،فهو مصاب بجنون العظمة كحال الرئيس الراحل معمر القذافي،حيث قادته "شطحاته" و"جنون" الى القول بانه ملك ملوك أفريقيا،وسيكون هناك حالة من "التغول" على الجيش" والقضاء،وقد شهدنا عمليات تطهير واسعة في هذين الجهازين طالت الألاف من الجنود والقضاة بالطرد والمحاكمات الميدانية والإعتقالات وحتى الإعدامات خارج إطار القانون،وبالتالي هذا سيجعل أردوغان ينسحب الى الداخل لمعالجة الأزمات والأوضاع الداخلية على حساب الدور الإقليمي لتركيا،ويترتب على ذلك خسارته بالضربة القاضية الخلافة العثمانية،ويتقلص طموحه الى جمهورية إخوانية،وستدخل تركيا في حالة من اللا استقرار السياسي والأمني،وهذا سيترك بصماته في عدة مجالات اولها التأثر السلبي على الجانب الإقتصادي حيث ان حالة عدم الإستقرار ستدفع بدول رئيسية مثل روسيا وامريكيا لتقليل زيارة مواطنيها الى تركيا الى الحد الأدنى،وبما لذلك من تأثيرات على قطاع السياحة بالأساس.وليس هذا فحسب فالحرب المفتوحة مع الأكراد ستصبح اكثر حدة وقوة،وكذلك من نتائج هذا الإنقلاب  أن أردوغان وحزبه لم يعد بوسعهما تجاهل أحزاب المعارضة الكبرى التي وقفت ضدّ الانقلاب، ومن شأن استمرار مضايقة هذه الأحزاب أن يلحق أذى كبيراً بشعبية وحتى شرعية حكم حزب العدالة والتنمية، ولا سيما في ضوء توتر العلاقات الأميركية – التركية على خلفية اتهام أنقرة لفتح الله غولن بالوقوف وراء الانقلاب ومطالبة واشنطن بتسليمه.

وفي الختام كشف هذا الإنقلاب على صعيدنا الفلسطيني،رغم اننا ضد منطق الإنقلابات العسكرية،بأن البعض منا من منطلقات واعتبارات مذهبية وأيديولوجية،كان عثمانياً اكثر من العثمانيين انفسهم،وكان أردوغان فاتح او محرر القدس،وليصل الأمر حد " التسحيج السياسي" المبتذل من " التكييك" و" الزغاريد والمهاهاة" وبأن شعبنا مستعد للإستشهاد على شواطىء تركيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق