أصدر في نهاية الشهر الماضي مائة بروفيسور عربي/ة بيانًا بعنوان "فخار لن يكسر بعضه" عبّروا فيه عن موقفهم ضد مظاهر العنف المتفشية في مجتمعاتنا العربية المحلية مؤكدين على قلقهم من انتشار كافة أنواعه ومسجلّين رفضهم واستنكارهم لتلك الظاهرة وفي نفس الوقت حرصهم على سلامة أبناء المجتمع.
أثار النشر "عويصفة" عابرة شارك فيها مجموعة من الكتاب والصحفيين ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها، حيث انتقد معظمعهم المبادرة والبيان وخّصوا بالنقد استنخاب المبادرين لمائة من حملة ألقاب البروفيسور فقط في خطوة عدت نخبوية استعلائية مكروهة، حسبما جاء في تلك المقالات أو التغريدات أو (البوستات).
كثيرون يجهلون تداعيات إصدار ذلك البيان وما سبقه من تفاصيل لو نشرت في حينه لمنعت أقساطًا من الهجوم عليهم ومحاولات التقريع والمس بمجموعة من خيرة أبناء مجتمعنا لا يملك أحد حقًا بأن ينكر عليهم حقهم في التعبير عن موقف جماعي إيجابي حتى لو كان للبعض، وأنا منهم، تحفظ على مضامين البيان التي جاءت فضفاضة وعمومية أو عن رغبة بأن يحتوي بيانهم مواقف أكثر فعالية ترافقها مقترحات عملية أو خطة عمل مهنية مفصلة هادفة.
وللنزاهة علي أن أسرد ما كنت أعرفه من قصة هذا البيان الذي تطرقت إليه قبل نشره بأسبوعين في مقالتي "وكان عرس في الجليل" والمنشورة يوم ٢٠١٦/٧/٢٢).
فما عرفته من اتصال صديقين مبادرين للفكرة أنها جاءت بعد أن استُنفر بعض الأصدقاء من تداعيات مقالة كتبتها عن مصالحة تركيا وإسرائيل (نشرت في الثلاثين من حزيران) ومهاجمتي الخطيرة على أثرها من قبل الشيخ كمال الخطيب، بما يمثله كقيادي إسلامي مؤثر، وله دور في لجنة المتابعة العليا، ورسالتي الجوابية له. فلقد زودني المبادرون بنص بيان اختاروا له عنوانًا: "وجادلهم بالتي هي أحسن" وفيه صرّحوا ما يلي: "نحن الموقعين أدناه مثقفين وممثلين من المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل، نعبر عن صدمتنا الكبيرة وقلقنا البالغ من حدة وقسوة النقاش الذي يتداول على صفحات التواصل الاجتماعي، خصوصا على صفحات شخصيات قيادية وسياسية ودينية في
مجتمعنا، آخرها تبعات مقال الكاتب جواد بولس وردّ الشيخ كمال الخطيب رئيس لجنة الدفاع عن الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا".
لقد فرحت للمبادرة ووضعت ملاحظة بسيطة على النص، وانتظرت بيانهم النهائي، الذي وصلني في الرابع عشر من تموز/ يوليو، ففوجئت باستلامي نصًا مختلفًا عن الأصل ومغايرًا بفكرته وجوهره وبعنوانه الذي أصبح: "فخار لن يكسر بعضه". خاطبت من كانوا على تواصل معي، متحفظًا ومنتقدًا، وعبرت بعدها عما قلته لهم في مقالتي المذكورة ومرددًا أن النص الجديد هو "عبارة عن نص إنشائي عار من أي موقف واضح وصريح. نص توفيقي سطحي لا يمنع من أن يوقع عليه حتى العنصري أو التكفيري أو المفتن. كان هذا نص العاجزين".
إنني مدين بهذا التوضيح لبعض من أصدقائي الموقعين على البيان وقد عتبوا على انتقادي الشديد له من دون أن يكونوا على علم بتفاصيل ما حدث معي، ومن دون أن أعرف من منهم كان يعمل في الحلقات الصغيرة على إعداد البيان وإنجازه للنشر، وعلى الرغم من انتقادي لما جاء في العريضة أؤكد أنني أفرق بين حقهم في التوقيع عليها وحريتهم المكفولة في التعبير عن مواقفهم، وأؤكد بأنني لست شريكًا مع من عاب عليهم أو على المبادرين بقصر المبادرة على حملة درجة البروفيسور، بل على العكس أقول عساها تكون، على نواقصها، حافزًا لغيرهم، من الأكاديميين والمثقفين والعاملين والناشطين الاجتماعيين والسياسيين كل من موقعه ومكانته، ليتقدموا بمبادرات مثيلة أو أنجع أو "أدسم" أو أكثر ثورية وإثراءً.
على جميع الأحوال فلقد صدرت العريضة، وأثارت ما أثارته من نقاش وبعض الاهتمام الشعبي العام، وكان أهمه بنظري التفاتة السيد محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، لهذه المجموعة حين خاطب أفرادها برسالة خاصة قال فيها: "إنني أنظر بإيجاب كبير إلى رغبة أي قطاع أو شريحة مجتمعية في تقديم مساهمته في تصويب أو دعم مسيرتنا الوطنية والاجتماعية والانسانية وتوقيعكم على العريضة الهامة يدخل في هذا الباب بالتأكيد".
بقدر ما تحمله هذه الدعوة من احترام لمن وقع على ذلك البيان، فقد يجد فيها القارئ الحذق إهابة أو وربما إدانة لكثير من النخب والشرائح الاجتماعية، لا سيما المؤطرة في أحزاب وحركات سياسية- وبعضهم انتهز الفرصة للتهجم على من وقع البيان، واتهمهم بالتكبر والتجبر واستغلال الفرصة، بينما لم يرهم رئيس المتابعة يحركون ساكنًا في مواقعهم من أجل التصدي لظواهر العنف، لا بل قد نجد منهم من نجح بانتهازية مقيتة أن يتحالف أو يتشارك أو يوظف بعض منتجي ومفاعلي العنف في قراه وبلداته.
لقد قيل الكثير في سوء أوضاعنا العامة وأسهب من أسهب في تشخيص ما يعانيه مجتمعنا من مخاطر وأمراض عضال تفتك فينا كل ليلة وكل يوم، وتبقى الدولة ومؤسساتها في حكم المسؤولين الرئيسيين عن جلّها، فعندهم يُخمّر الداء وفيروساته ومنهم يُحجب الدواء ويمنع، مع هذا فلا يمكن أن نستكين لهذه المقولة كي نعفي أنفسنا من المسؤولية الكبرى؛ وإن كان عندي انتقاد كبير لما جاء في بيان المائة أو ما غاب عنه أو غُيب لأغراض التوفيق والتجسير والتيسير، فلقد تجدني أوافق الموقعين حين كتبوا: "ندرك أجمعين مسؤولية ومصلحة من يتربص بنا في تنمية العنف بيننا إلا أننا نرفض أن يكون في ذلك مهرب من مسؤولياتنا الذاتية تجاه أبناء مجتمعنا.." قد لا يرضي هذا النص كثيرين من الناشطين السياسيين والمحترفين الحزبيين الذين اعتادوا على نصوص حصر المسؤولية في سياسات الدولة القمعية وممارساتها العنصرية وارتاحوا بعد ذلك وأناخوا، ومع صحة كل ما قيل ويقال في سياسات الدولة وعنصريتها، سأضم هنا صوتي إلى ما جاء في هذا النداء في هذه الجزئية، فالمهم يبقى فيما علينا فعله في وجه آفة العنف المستشري، وأملي أن يستجيب كل من دعاه رئيس المتابعة ليشاركه حلمه في السعي لبناء مستقبل يريده آمنًا لنا ومشرقًا، فهو قد أعلن: "أننا في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، الإطار الجامع والوحدوي لكل القوى السياسية والتيارات الناشطة هنا، نعكف على عملية عميقة لمأسسة عملنا بشكل علمي في مختلف مجالات الحياة، وذلك إلى جانب مواصلة حمل مقتضيات العمل الوطني من أجل تجذير جماهيرنا في أرضها ومن أجل تحقيق حقوقنا المدنية والقومية".
على النبهاء أن يقرأوا النص بعناية وببصيرة فـ"لجنة المتابعة ما زالت في مرحلة البناء الأولي"، كما جاء في رسالة بركة، وهي في عمرها الجديد تسعى لمأسسة عملها بشكل علمي في مختلف مجالات الحياة إلى جانب دورها في النضال الوطني العام، وهذه دعوة من قائد لا يريد أن يبقى في القمة وحيدًا- لأنه قد يصاب بالسأم الوطني- ولا أن تبقى عهدة حريات المواطنين العرب مرهونة لموازين قوى سياسية ورثتها الجماهير من حقبة وطنية درست.
وجه بركة دعوته إلى من وقع على بيان العلماء، ومنهم إلى من استفزته مبادرة العلماء، وكذلك إلى من لم يكترث لهذا وذاك، وكأني بندائه يقول: ها جاءكم الصوت فساعدوا من أجل مأسسة العمل بشكل منهجي وعلمي، وهي، لعمري، فرصتكم وإلا سيبقى بيانكم مجرد ورقة طيرتها الريح حين مرت من نافذة ذلك البرج العالي.
أثار النشر "عويصفة" عابرة شارك فيها مجموعة من الكتاب والصحفيين ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها، حيث انتقد معظمعهم المبادرة والبيان وخّصوا بالنقد استنخاب المبادرين لمائة من حملة ألقاب البروفيسور فقط في خطوة عدت نخبوية استعلائية مكروهة، حسبما جاء في تلك المقالات أو التغريدات أو (البوستات).
كثيرون يجهلون تداعيات إصدار ذلك البيان وما سبقه من تفاصيل لو نشرت في حينه لمنعت أقساطًا من الهجوم عليهم ومحاولات التقريع والمس بمجموعة من خيرة أبناء مجتمعنا لا يملك أحد حقًا بأن ينكر عليهم حقهم في التعبير عن موقف جماعي إيجابي حتى لو كان للبعض، وأنا منهم، تحفظ على مضامين البيان التي جاءت فضفاضة وعمومية أو عن رغبة بأن يحتوي بيانهم مواقف أكثر فعالية ترافقها مقترحات عملية أو خطة عمل مهنية مفصلة هادفة.
وللنزاهة علي أن أسرد ما كنت أعرفه من قصة هذا البيان الذي تطرقت إليه قبل نشره بأسبوعين في مقالتي "وكان عرس في الجليل" والمنشورة يوم ٢٠١٦/٧/٢٢).
فما عرفته من اتصال صديقين مبادرين للفكرة أنها جاءت بعد أن استُنفر بعض الأصدقاء من تداعيات مقالة كتبتها عن مصالحة تركيا وإسرائيل (نشرت في الثلاثين من حزيران) ومهاجمتي الخطيرة على أثرها من قبل الشيخ كمال الخطيب، بما يمثله كقيادي إسلامي مؤثر، وله دور في لجنة المتابعة العليا، ورسالتي الجوابية له. فلقد زودني المبادرون بنص بيان اختاروا له عنوانًا: "وجادلهم بالتي هي أحسن" وفيه صرّحوا ما يلي: "نحن الموقعين أدناه مثقفين وممثلين من المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل، نعبر عن صدمتنا الكبيرة وقلقنا البالغ من حدة وقسوة النقاش الذي يتداول على صفحات التواصل الاجتماعي، خصوصا على صفحات شخصيات قيادية وسياسية ودينية في
مجتمعنا، آخرها تبعات مقال الكاتب جواد بولس وردّ الشيخ كمال الخطيب رئيس لجنة الدفاع عن الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا".
لقد فرحت للمبادرة ووضعت ملاحظة بسيطة على النص، وانتظرت بيانهم النهائي، الذي وصلني في الرابع عشر من تموز/ يوليو، ففوجئت باستلامي نصًا مختلفًا عن الأصل ومغايرًا بفكرته وجوهره وبعنوانه الذي أصبح: "فخار لن يكسر بعضه". خاطبت من كانوا على تواصل معي، متحفظًا ومنتقدًا، وعبرت بعدها عما قلته لهم في مقالتي المذكورة ومرددًا أن النص الجديد هو "عبارة عن نص إنشائي عار من أي موقف واضح وصريح. نص توفيقي سطحي لا يمنع من أن يوقع عليه حتى العنصري أو التكفيري أو المفتن. كان هذا نص العاجزين".
إنني مدين بهذا التوضيح لبعض من أصدقائي الموقعين على البيان وقد عتبوا على انتقادي الشديد له من دون أن يكونوا على علم بتفاصيل ما حدث معي، ومن دون أن أعرف من منهم كان يعمل في الحلقات الصغيرة على إعداد البيان وإنجازه للنشر، وعلى الرغم من انتقادي لما جاء في العريضة أؤكد أنني أفرق بين حقهم في التوقيع عليها وحريتهم المكفولة في التعبير عن مواقفهم، وأؤكد بأنني لست شريكًا مع من عاب عليهم أو على المبادرين بقصر المبادرة على حملة درجة البروفيسور، بل على العكس أقول عساها تكون، على نواقصها، حافزًا لغيرهم، من الأكاديميين والمثقفين والعاملين والناشطين الاجتماعيين والسياسيين كل من موقعه ومكانته، ليتقدموا بمبادرات مثيلة أو أنجع أو "أدسم" أو أكثر ثورية وإثراءً.
على جميع الأحوال فلقد صدرت العريضة، وأثارت ما أثارته من نقاش وبعض الاهتمام الشعبي العام، وكان أهمه بنظري التفاتة السيد محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، لهذه المجموعة حين خاطب أفرادها برسالة خاصة قال فيها: "إنني أنظر بإيجاب كبير إلى رغبة أي قطاع أو شريحة مجتمعية في تقديم مساهمته في تصويب أو دعم مسيرتنا الوطنية والاجتماعية والانسانية وتوقيعكم على العريضة الهامة يدخل في هذا الباب بالتأكيد".
بقدر ما تحمله هذه الدعوة من احترام لمن وقع على ذلك البيان، فقد يجد فيها القارئ الحذق إهابة أو وربما إدانة لكثير من النخب والشرائح الاجتماعية، لا سيما المؤطرة في أحزاب وحركات سياسية- وبعضهم انتهز الفرصة للتهجم على من وقع البيان، واتهمهم بالتكبر والتجبر واستغلال الفرصة، بينما لم يرهم رئيس المتابعة يحركون ساكنًا في مواقعهم من أجل التصدي لظواهر العنف، لا بل قد نجد منهم من نجح بانتهازية مقيتة أن يتحالف أو يتشارك أو يوظف بعض منتجي ومفاعلي العنف في قراه وبلداته.
لقد قيل الكثير في سوء أوضاعنا العامة وأسهب من أسهب في تشخيص ما يعانيه مجتمعنا من مخاطر وأمراض عضال تفتك فينا كل ليلة وكل يوم، وتبقى الدولة ومؤسساتها في حكم المسؤولين الرئيسيين عن جلّها، فعندهم يُخمّر الداء وفيروساته ومنهم يُحجب الدواء ويمنع، مع هذا فلا يمكن أن نستكين لهذه المقولة كي نعفي أنفسنا من المسؤولية الكبرى؛ وإن كان عندي انتقاد كبير لما جاء في بيان المائة أو ما غاب عنه أو غُيب لأغراض التوفيق والتجسير والتيسير، فلقد تجدني أوافق الموقعين حين كتبوا: "ندرك أجمعين مسؤولية ومصلحة من يتربص بنا في تنمية العنف بيننا إلا أننا نرفض أن يكون في ذلك مهرب من مسؤولياتنا الذاتية تجاه أبناء مجتمعنا.." قد لا يرضي هذا النص كثيرين من الناشطين السياسيين والمحترفين الحزبيين الذين اعتادوا على نصوص حصر المسؤولية في سياسات الدولة القمعية وممارساتها العنصرية وارتاحوا بعد ذلك وأناخوا، ومع صحة كل ما قيل ويقال في سياسات الدولة وعنصريتها، سأضم هنا صوتي إلى ما جاء في هذا النداء في هذه الجزئية، فالمهم يبقى فيما علينا فعله في وجه آفة العنف المستشري، وأملي أن يستجيب كل من دعاه رئيس المتابعة ليشاركه حلمه في السعي لبناء مستقبل يريده آمنًا لنا ومشرقًا، فهو قد أعلن: "أننا في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، الإطار الجامع والوحدوي لكل القوى السياسية والتيارات الناشطة هنا، نعكف على عملية عميقة لمأسسة عملنا بشكل علمي في مختلف مجالات الحياة، وذلك إلى جانب مواصلة حمل مقتضيات العمل الوطني من أجل تجذير جماهيرنا في أرضها ومن أجل تحقيق حقوقنا المدنية والقومية".
على النبهاء أن يقرأوا النص بعناية وببصيرة فـ"لجنة المتابعة ما زالت في مرحلة البناء الأولي"، كما جاء في رسالة بركة، وهي في عمرها الجديد تسعى لمأسسة عملها بشكل علمي في مختلف مجالات الحياة إلى جانب دورها في النضال الوطني العام، وهذه دعوة من قائد لا يريد أن يبقى في القمة وحيدًا- لأنه قد يصاب بالسأم الوطني- ولا أن تبقى عهدة حريات المواطنين العرب مرهونة لموازين قوى سياسية ورثتها الجماهير من حقبة وطنية درست.
وجه بركة دعوته إلى من وقع على بيان العلماء، ومنهم إلى من استفزته مبادرة العلماء، وكذلك إلى من لم يكترث لهذا وذاك، وكأني بندائه يقول: ها جاءكم الصوت فساعدوا من أجل مأسسة العمل بشكل منهجي وعلمي، وهي، لعمري، فرصتكم وإلا سيبقى بيانكم مجرد ورقة طيرتها الريح حين مرت من نافذة ذلك البرج العالي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق