إن سلطة عنوان العمل الروائي بشكل عام تنبع من مركزيته، بمعنى ارتباطه دلاليا بكافة جوانب الأبنية السردية ومستوياتها، وهذا من شأنه أن يعطي للعنوان قيمته الجوهرية، ويجعل منه أساسا في عملية التلقي، كما يجعل منه بوابة لازمة للولوج إلى العالم السردي كما هو شأن "تأكد أن لا تنظر خلفك" للمبدعة الجزائرية مايسة باي.
يعتبر العمل الأدبي الموسوم "تأكد أن لا تنظر خلفك" (2005) العنوان الروائي السابع للكاتبة مايسة باي، والذي قسمته إلى خمسة فصول أين تسرد من خلاله الحياة التي تعيشها المرأة وسط مجتمع جزائري يخضع للهيمنة الذكورية بأسلوب جديد، حاولت من خلاله كسر قيود الرواية الكلاسيكية ليبدو كشكل جديد من أشكال التجريب أو الحداثة. قد تكون هذه الرواية عبارة عن مذكرات كتبتها باي عن تاريخ الجزائر في تلك الحقبة الزمنية.
تحكي باي قصة البطلة أمينة العاملة التي لم تستطع التأقلم مع المحيط الذي تعيش فيه، لأنها وجدت نفسها تتزوج من رجل غصبا عنها وذلك وفق تلك العادات والتقاليد البالية التي لا يزال يفرضها المجتمع الجزائري للأسف الشديد على العديد من النساء إلى يومنا هذا.
قررت أمينة مغادرة بيتها لكسر تلك القيود القديمة، وكان القدر في صفها حينما عرفت المدينة زلزالا لتجد نفسها وسط خيم ضحياه بشخصية أخرى مغايرة تدعى وحيدة، وهذا الاسم لم يكن اختياره اعتباطيا من قبل الكاتبة بل لأن بطلتها تعيش وحدة في وسط جو عائلي خانق، فقررت الرحيل كمسافرة تبحث عن الحرية، كما نقرأ ذلك على لسان الساردة: "أحتاج الآن أن أجد كل تلك التفاصيل الصغيرة لهذا السفر، سفر ظننت أنني سأجد فيه نفسي، أن أجد النسيان. الأول أو الأخير. لا أعرف. لا أعرف."
تواجد أمينة أو وحيدة وسط الخيام مع ضحايا الزلزال جعلها تكتشف أن نساء الجزائر مكافحات ولسن بائسات تحت سيطرة الذكور. اجتمعت بطلة باي مع الدادة عيشة والتي أصبحت جدة لها في وقت قصير جدا، امرأة كبيرة في السن لكنها لا تزال تقدم المساعدة لغيرها من النساء بالرغم من كونها محافظة على تقاليد الأجداد، ولكنها لا تمانع من ثورة الأخريات على ظروفهن الصعبة في هذه الحياة.
هذا السفر جعل أمينة/وحيدة تلتقي بأخريات كنادية التي قررت مواصلة دراستها رغم كل العوائق التي واجهتها متمسكة بالأمل لغد أفضل، حيث وجدت نفسها وسط ضحايا الزلزال كذلك بعدما أخفت عن أمها الحقيقة لأنها خرجت في لقاء غرامي لم تكن تحسب له العواقب.
صابرينة هي الأخرى تتحدى المجتمع كأمينة لتجد نفسها تعمل كمومس رغما عن إرادتها، وحلمها الوحيد هو الحصول على سكن لأجل والدتها كي ترقد يوما بسلام.
يشكل المكان الإطار الحركي لأفعال الشخصيات فضلا عن وظيفته في تفسير صفات الشخصيات وطبائعها عندما تعكس مواقفها وسلوكها ويوضح معالمها الداخلية والخارجية، والمكان الروائي في هذه الرواية هو فضاء جمالي، يهدف إلى تجسيد رؤى الكاتبة وشخصياتها.
ويمكن القول أن المكان يتحقق من خلال مزاوجته بين الواقع كما يراه، وبين ما يأمله وينشده، وهذه المزاوجة ستثمر واقعا جديدا، يأخذ بصمات الواقع والمتخيل معا في رواية مايسة باي.
فالساردة (أمينة) عندما ارتادت الأماكن العامة المفتوحة كالشوارع مثلا، إنما لتبين أثرها على رصد تحركات الشخصيات، وكثافتها الدلالية: "أتقدم في شوارع المدينة، أمشي، الناس تختلف في طريقي، أنا لا شيء، ولن أكون أكثر مما كنت عليه."
يذكر أن الأديبة الجزائرية مايسة باي (اسمها الحقيقي سامية بن عامر) من مواليد عام 1950 بقصر البخاري. لقد ساهمت في تدريس اللغة الفرنسية قبل أن تصبح مستشارا تربويا بمدينة سيدي بلعباس أين تعيش حاليا.
تعتبر باي المؤسس الأول والرئيس لجمعية النساء الجزائريات "كلمات وكتابات" (2000) أين عملت على خلق نشاطات لدعم عالم الإبداع وفن الكتابة الأدبية.
لها العديد من المؤلفات في جنس القصة والرواية والمسرح والشعر وغيرها من المحاولات الإبداعية ونذكر هنا على سبيل المثال رواية "في البدء كان البحر" (1996)، "هل تسمعون صوت الجبال" (2002)، "أزرق، أبيض، أخضر" (2006)، "حجر، دم، ورق أو رماد" (2008)، "لأن قلبي مات" (2010)...
لقد حصلت مايسة باي على العديد من الجوائز من أبرزها الجائزة الكبرى للقصة في فرنسا عن مجموعتها القصصية "أخبار الجزائر" (1998) التي تمنحها "جمعية أهل الأدب"، كما حصلت أيضا على جائزة "مارغريت أودو" عن روايتها الموسومة "تلك الفتاة" (2001).
قام كل من المخرجين الفرنسيين فيليب براون ونانسي باروال بتصوير فيلم عن مسيرة الأديبة الفرانكفونية مايسة باي التي تناولت قضية بلدها الجزائر خلال فترة حرب التحرير المجيدة، وقضية المرأة وكسر الطابوهات في المجتمع الجزائري.
هو العنوان الأصلي للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية Surtout ne te retourne pas*
يعتبر العمل الأدبي الموسوم "تأكد أن لا تنظر خلفك" (2005) العنوان الروائي السابع للكاتبة مايسة باي، والذي قسمته إلى خمسة فصول أين تسرد من خلاله الحياة التي تعيشها المرأة وسط مجتمع جزائري يخضع للهيمنة الذكورية بأسلوب جديد، حاولت من خلاله كسر قيود الرواية الكلاسيكية ليبدو كشكل جديد من أشكال التجريب أو الحداثة. قد تكون هذه الرواية عبارة عن مذكرات كتبتها باي عن تاريخ الجزائر في تلك الحقبة الزمنية.
تحكي باي قصة البطلة أمينة العاملة التي لم تستطع التأقلم مع المحيط الذي تعيش فيه، لأنها وجدت نفسها تتزوج من رجل غصبا عنها وذلك وفق تلك العادات والتقاليد البالية التي لا يزال يفرضها المجتمع الجزائري للأسف الشديد على العديد من النساء إلى يومنا هذا.
قررت أمينة مغادرة بيتها لكسر تلك القيود القديمة، وكان القدر في صفها حينما عرفت المدينة زلزالا لتجد نفسها وسط خيم ضحياه بشخصية أخرى مغايرة تدعى وحيدة، وهذا الاسم لم يكن اختياره اعتباطيا من قبل الكاتبة بل لأن بطلتها تعيش وحدة في وسط جو عائلي خانق، فقررت الرحيل كمسافرة تبحث عن الحرية، كما نقرأ ذلك على لسان الساردة: "أحتاج الآن أن أجد كل تلك التفاصيل الصغيرة لهذا السفر، سفر ظننت أنني سأجد فيه نفسي، أن أجد النسيان. الأول أو الأخير. لا أعرف. لا أعرف."
تواجد أمينة أو وحيدة وسط الخيام مع ضحايا الزلزال جعلها تكتشف أن نساء الجزائر مكافحات ولسن بائسات تحت سيطرة الذكور. اجتمعت بطلة باي مع الدادة عيشة والتي أصبحت جدة لها في وقت قصير جدا، امرأة كبيرة في السن لكنها لا تزال تقدم المساعدة لغيرها من النساء بالرغم من كونها محافظة على تقاليد الأجداد، ولكنها لا تمانع من ثورة الأخريات على ظروفهن الصعبة في هذه الحياة.
هذا السفر جعل أمينة/وحيدة تلتقي بأخريات كنادية التي قررت مواصلة دراستها رغم كل العوائق التي واجهتها متمسكة بالأمل لغد أفضل، حيث وجدت نفسها وسط ضحايا الزلزال كذلك بعدما أخفت عن أمها الحقيقة لأنها خرجت في لقاء غرامي لم تكن تحسب له العواقب.
صابرينة هي الأخرى تتحدى المجتمع كأمينة لتجد نفسها تعمل كمومس رغما عن إرادتها، وحلمها الوحيد هو الحصول على سكن لأجل والدتها كي ترقد يوما بسلام.
يشكل المكان الإطار الحركي لأفعال الشخصيات فضلا عن وظيفته في تفسير صفات الشخصيات وطبائعها عندما تعكس مواقفها وسلوكها ويوضح معالمها الداخلية والخارجية، والمكان الروائي في هذه الرواية هو فضاء جمالي، يهدف إلى تجسيد رؤى الكاتبة وشخصياتها.
ويمكن القول أن المكان يتحقق من خلال مزاوجته بين الواقع كما يراه، وبين ما يأمله وينشده، وهذه المزاوجة ستثمر واقعا جديدا، يأخذ بصمات الواقع والمتخيل معا في رواية مايسة باي.
فالساردة (أمينة) عندما ارتادت الأماكن العامة المفتوحة كالشوارع مثلا، إنما لتبين أثرها على رصد تحركات الشخصيات، وكثافتها الدلالية: "أتقدم في شوارع المدينة، أمشي، الناس تختلف في طريقي، أنا لا شيء، ولن أكون أكثر مما كنت عليه."
يذكر أن الأديبة الجزائرية مايسة باي (اسمها الحقيقي سامية بن عامر) من مواليد عام 1950 بقصر البخاري. لقد ساهمت في تدريس اللغة الفرنسية قبل أن تصبح مستشارا تربويا بمدينة سيدي بلعباس أين تعيش حاليا.
تعتبر باي المؤسس الأول والرئيس لجمعية النساء الجزائريات "كلمات وكتابات" (2000) أين عملت على خلق نشاطات لدعم عالم الإبداع وفن الكتابة الأدبية.
لها العديد من المؤلفات في جنس القصة والرواية والمسرح والشعر وغيرها من المحاولات الإبداعية ونذكر هنا على سبيل المثال رواية "في البدء كان البحر" (1996)، "هل تسمعون صوت الجبال" (2002)، "أزرق، أبيض، أخضر" (2006)، "حجر، دم، ورق أو رماد" (2008)، "لأن قلبي مات" (2010)...
لقد حصلت مايسة باي على العديد من الجوائز من أبرزها الجائزة الكبرى للقصة في فرنسا عن مجموعتها القصصية "أخبار الجزائر" (1998) التي تمنحها "جمعية أهل الأدب"، كما حصلت أيضا على جائزة "مارغريت أودو" عن روايتها الموسومة "تلك الفتاة" (2001).
قام كل من المخرجين الفرنسيين فيليب براون ونانسي باروال بتصوير فيلم عن مسيرة الأديبة الفرانكفونية مايسة باي التي تناولت قضية بلدها الجزائر خلال فترة حرب التحرير المجيدة، وقضية المرأة وكسر الطابوهات في المجتمع الجزائري.
هو العنوان الأصلي للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية Surtout ne te retourne pas*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق