أَقُولُ وصفْحكَ عمّا أقولُ ** فَقْولي لنعْتكَ جُهْدٌ كليلْ
فهَا أنتَ للتائِهيْن المَنارُ ** وأنتَ إلى الطامِحيْن السَبيلْ
تُرابُ ثُراكَ ، وأيُّ تُراب ** يُشافي السّقامَ إذا تسْتحيلْ
سَقته دِماؤُك حيْثُ استَبانَ ** جنانَ الخُلودِ وظلّ الظليلْ
قِبابُكُ نورٌ ومنْها النجوْمُ ** تشعُّ الضياءَ فتحْيا العقولْ
وُهبْتَ الحَياةَ برغْم الحِمَامِ ** ونلتَ القلوْبَ برغمِ الغليلْ
فَيا قِبلة الزاهِديْن الدُعاةِ ** ويا شُعلةَ الثائريْن الفحولْ
وَيَا صرْخة المُوْجَعين الأُباةِ ** وَيَا قلعةَ المسْتجيرِ الدخيلْ
ويا أشْجَع الناسِ بعْد الأمينِ ** فؤاداً ، وأرْأف قلباً بذولْ
وَيَا واهبَ الناسَ عزْمَ الفُتُوحِ ** إذا العزْمُ أدمتْ يداه الكبولْ
تباركْت فجْراً تُنيرُ القلوبَ ** وغيْثاً هَطوْلاً بأرضِ المحولْ
إليكَ الوفودُ حُفاةً تسيرُ ** وتبكي ثُراكَ بشوْقِ الخَليلْ
تَجليّت منْ مُفزعٍ للطغاةِ ** ومنْ مُرْوعٍ للحَقوْدِ الجهولْ
ومنْ مُلهمٍ للعزوْمِ الضِخامِ ** إذا عزَّ للعالياتِ الوصولْ
عَرفتَ الدماءَ طريقَ الكرامِ ** فلمْ تسْتكنْ ، إذ نَهاكَ العذولْ
وَحيْداً ، وعزْمُكَ عزْمُ النبيِّ ** وَسيْفُ عليّ ، وَصبْرُ البتولْ
عَزيزٌ، شَديْدٌ ، لبأسك ناختْ ** أصمُّ الجبالِ رمالاً نزولْ
وَعبّاسُ حوْلكَ أعْلى اللواءَ ** كَفيلُ الفواطمِ شبْلٌ حمولْ
لوقعِ المَنايا فمَا دارَ ظهْراً ** وَما كانَ عنْد النزالِ النكولْ
حزامٌ لظهْرك عنْد الصِعاب ** وجيْشٌ يَسدُّ عُبابَ السهولْ
إذا قامَ للحرْبِ زهوّاً يقومُ ** وأنْ كرّ لم يبقَ فيها الجذولْ
نَهضْتَ بتسْعيْن ليثاً وكانت ** لطوْعكَ بيْضُ المَنايا ذلولْ
بنوْكَ وولدُ أبيْكَ الدروعُ ** وصَحبُك سوْرٌ لآل الرسولْ
فَدوْكَ كأنّ المنايا مُناهمْ ** فساروا أليها بعَزمِ الشبولْ
ظفرْتَ بها غيْرَ أنّ المَنونَ ** كتابٌ يُخطُ بأمْرِ الوكيلْ
فكنُتَ السّخيّ بفدْي السّماءِ ** شَباباً وشيباً ، وَخيرَ الكهولْ
وفوْقَ العَطاء رضيْعاً وَهبتَ ** بسهْمٍ أُصيْبَ فُحزّ النصيلْ
بكيْتَ على قاتِليْك اللئامَ ** فرحْمةُ جَدّكَ فيْك الدليلْ
فأيّ صَبور أقاتَ المنونَ ** خَيَاراً بنيه وخيْرَ القبيلْ
وأيّ شُجاع تَحدّى الألوْفَ ** وحيْداً عَطوْشاً نَكيْباً مُعيلْ
وقعْتَ فصَالتْ عليْكَ السيوْفُ ** وجسْمكَ باتَ رهيْن النصولْ
كأنّ من الكوْنِ نجْمٌ تهاوى ** فدُكّتْ به الأرْضُ دكّاً وبيلْ
جروْحُك تنْزفُ والبيْضُ فيْها ** وشَقّ فؤادَكَ سهْمٌ قَتولْ
خُذيني سِيوْف المَنايا فقتْلي ** يُعيدُ الصلاحَ لدينِ الجليلْ
صَريعٌ ،سَليبٌ ، وثغْرٌ يُصلي ** وصدْرٌ يُدكُّ بسيْلِ الخيولْ
مُنعتَ الفراتَ برغْمِ الغليلِ ** وسيْفُ الشقيّ ، يجزُّ التليلْ
يُقبّلُ فاكَ رَسْولُ الأنامِ ** وسوْطُ اللعينِ عليه يَطولْ
عليْك القلوبُ أيا كربلاء ** تجلّت بُحزنٍ وخطبٍ جليلْ
فهذي الخيامُ لهيْباً تَشبُّ ** وتلكَ العِيالُ بنارٍ تَجولْ
وعبّاسُ جَذّتْ يديه السيوفُ ** وبالقرْبةِ النصلُ راقَ الزليلْ
وشجّوا الجبينَ بضرْبِ العمودِ ** وعيْنهُ غابتْ بسهْمِ الحميلْ
وفوْقَ الرمَالِ قرابينُ طه ** عليْها الدِماءُ كمَاءٍ غَسولْ
كأنّ الرمَالَ سَوادُ الليالي ** وهمْ كالنجُومِ عليْها مثولْ
خُشوعٌ لِحالكَ يوْم الطفوْفِ ** وَدمْعٌ بفيْضِ الغَمامِ الثقيلْ
سموٌّ لرأسِكَ فوْقَ الرماحِ ** وعزٌّ لجسْمكَ تحْتَ المهيلْ
بُكاءٌ عليْكَ وأيُّ بُكاءٍ ** بثقْلِ المُصابِ وقلبِ الهبولْ
إلى كرْبلاء خُذوني لأشفى ** بحبِّ الحسينِ فقلبي عليلْ
أسيرُ إليه وحبْلُ الهلاكِ ** مُحيطٌ بدربي وشمْسي أفولْ
رأيتُ الضَريحَ فهُدّت قوايَ ** وَفاضتْ عُيوني بدمْعٍ هَمولْ
شممْتُ التُرابَ فَفاحَ العبيْرُ ** عبيرُ الرسولْ عَبيرُ الأثيلْ
وفارَ الترابُ فُراتاً بكفّي ** فَهامتْ عروْقي بذاكَ الرّسِيلْ
وبُستُ الضّريحَ فذاقتْ شِفاهي ** ينيْعَ الشفاءِ ، وشهداً زليلْ
طلبْتُ اليَقينَ فكانَ الدليلَ ** وعُزْتُ الأباءَ فكانَ الكفيلْ
سَفينُ النّجاةِ الحُسينُ فطوبى ** لمنْ باتَ في الركبِ حُرّاً نزيلْ
عَرفْتُ الحُسينَ عَرفْتُ الإباءَ ** وأنَّ الخنوْعَ سَبيْلُ الذليلْ
عَرفتُكَ دفئاً ودهْري شِتاء ** فكنتَ ربيعاً لكلِّ الفصولْ
ظمئتَ ويشْربُ منْكَ العُطاشى ** ومتّ ومنْك تَعيشُ الأصولْ
ولدْتَ منَ الرحْمِ حيّاً لتفنى ** وبالموْتِ نلتَ الخُلودَ الطويلْ
وتبْقى الحَياةُ طُفوْفاً تَدوْرُ ** وفيْها البقَاءُ وفيْها الرَحيلْ
فهذا الحُسينُ فأينَ الطغاةُ ** وأينَ الولاةُ وأينَ الصهيلْ
فما النّصرُ يوماً صَنيعُ الجبانِ ** ولا العِزُّ قطّ لباسُ الذليلْ
كَتبتُ وَعفْوكَ عَمّا كتبْتُ ** فمجْدُك فوْقَ المَديْحِ يَطولْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق