الكلمات المفتاحية : القوى الاقليمية الصاعدة ، القوة الآوراسية الصاعدة ، حرب العراق، الغاز الطبيعي ، مصادر الطاقة ، السوق العالمية .
خلال شهر أكتوبر من العام 2012 نشرت مجلة " المجلة " بحثاً بعنوان : ( روسيا وتركيا في سوريا.. ألغاز الغاز والنفوذ وحروب الوكالة ) أشارت فيه لتوقعات شركة " British Petroleum" البريطانية بزيادة أستخدام أوربا للغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة بنسبة 60% خلال العام 2030 ، نتيجة لذلك يتوقع زيادة الطلب الأوربي على الغاز الطبيعي الذي أصبح المُصدر الروسي يزود به الدول الأوربية بنسبة 80% إلى جانب النفط ، بحسب الدراسة .
في سياق متصل ، أعادة جريدة الحياة اللندنية نشر مقالاً مطول كان قد نشرته مجلة " فورين أفيرز" الامريكية في ربيع العام 2000 أستندت فيه على تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية الذي صدر بعنوان "اتجاهات العالم حتى 2015". وتحدث عن حرب في آسيا الوسطى يغذيها تضارب المصالح، بما فيها النفط ، وأشار التقرير إلى ان نسبة الأحتياط المُثبت من البترول لمجموع الدول المطلة على بحر قزوين يصل الى 163 بليون طن متري ، والاحتياط المتوقع من البترول لتلك الدول يصل الى 292 بليون طن متري ، يساوي الرقمان كلاهما " المُثبت والمتوقع " نصف ما يقابلهما في دول شبه جزيرة العرب . بينما نسبة الاحتياط المُثبت من الغاز الطبيعي لمجموع الدول المطلة على بحر قزوين تصل الى 77 بليون طن متري ، والاحتياط المتوقع من الغاز الطبيعي 140 بليون طن متري ، وتمثل ارقام احتياط غاز بحر قزوين سواء المُثْبَت أو المُتَوقّع ثلاثة اضعاف ما يقابلها في كل شبه الجزيرة العربية.
يقول الدكتور سليمان الخطاف " مركز التميز البحثي للتكرير والبتروكيماويات - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" في مقالته الموسومة بعنوان : " دور الغاز الطبيعي في مستقبل الطاقة بالعالم" "ترى شركة اكسون أن نسبة النمو السنوي للطلب العالمي على الغاز الطبيعي ستكون الأعلى بين الوقود الاحفوري إذ انها ستصل الى حوالي 1.6% سنويا مقابل 0.8% للنفط و0.1% للفحم وهذا يعني ان نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيكون ضعف نمو الطلب على النفط والفحم مجتمعين وحتى عام 2040م".وهذا يعني ان أهمية الغاز الطبيعي تتزايد مقارنة بالنفط ، وتزايد حجم طلب الدول الصناعية الكبرى على الغاز الطبيعي مقارنة بالنفط بالتالي تراجع أهمية المنطقة المُنتجة للنفط مقابل تعاظم أهمية المنطقة المُنتجة للغاز الطبيعي في السياسة الدولية وما يترتب عليها من تحالفات إستراتيجية بين الدول .
يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان بلاده بما تحمله من أرث إمبراطوري طويل لا يمكن لها الانصهار في بوتقه على الطريقة الغربية كما تريد الولايات المتحدة ، إنما ينبغي لها ان تجد طريقها الخاص في العالم ". ويبدوا ان الروس أعادوا بناء استراتيجيتهم على أساس إستثمار الطاقة والإقتصاد في توسيع نفوذهم الجيوسياسي الإستراتيجي لا على أساس أيدلوجي كما كان في عهد السوفيت ، وهذا يتطلب صياغة خارطة نفوذ جيوسياسية إستراتيجية بالاعتماد على صياغة إستراتيجية جيوإقتصادية تضمن لروسيا موقع زعامة وقوة.
لم تستثمر الدول العربية خلال العقود الماضية " العصر النفطي" تلك المادة الحيوية في بناء قوة عربية متكاملة لمواجهة الظروف والتحديات في المستقبل ومنها التي نعيشها اليوم ، لم يتمكن العرب من تحويل تلك المادة " لأداة " صلبة تُستثمر في نهضة عربية واحدة ، إنما أستثمرت في صراعات داخلية أصبحت تداعياتها تشكل تهديدا للعرب دون أستثناء ، المزعج ان العرب بدل أن يصنعوا من تلك المادة أداة بناء قوة لحمايتهم ، صاروا هم الأداة بيد الآخرين لتحقيق مصالح أجنبية ، سواء عن قصد أو عن غير قصد.
غياب الرؤية البعيدة النظر وسوء التقدير للأمور أوصلنا للحال الذي عليه اليوم . ففي القضية العراقية وقبيل الغزو و الاحتلال على سبيل المثال ، غلبت الكراهية والخوف على القادة العرب ، والخليجيين على وجه الخصوص من نظام صدام حسين بدون تقدير إستراتيجي محكم للدور الإيراني في العراق والمنطقة في مرحلة ما بعد صدام! ، هذا لا يعني انهم لم يكونوا متخوفين من دورا إيراني عقب إسقاط صدام، إنما قدرت الأمور بشكل خاطئ عندما راح بهم الظن ان العداء الأمريكي – الإيراني والخصومة الدولية مع طهران إضافة للوجود العسكرية الأمريكي في دول الخليج والمنطقة عموماً وحجم المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة ، كلها ستكون عوامل وظروف تؤدي لضمان عدم ظهور دورا رئيسيا لإيران في العراق من شأنه تهديد المصالح العربية والخليجية ، لكن الواقع يشرح عن نفسه بعد أكثر من عقد على إحتلال العراق ، فإيران لم تعد واقفة على الحدود العربية كما كانت،إنما أصبحت في قلب الدول العربية وتهدد وجود الأنظمة فيها الى حد بعيد. يبدوا ان صُناع القرار العرب في تلك الفترة لم يأخذوا بنظر الاعتبار أهمية فهم نمطية تفكير وسلوك صناع القرار في تأريخ السياسة الأمريكية!. فالسياسة الأمريكية في الغالب تستخدم الحلفاء الصغار من أجل إحتواء الخصوم أو الأعداء الكبار.
أستشهد على ذلك بفكرة ليس الهدف منها المقارنة او الأيحاء بها بقدر حاجة الفهم لطبيعة العقلية السياسية الأمريكية . فخلال فترة الحرب الباردة وتولي هنري كيسينجر " عراب العلاقة الامريكية – الصينية " رئاسة مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون عكف على دراسة وتحليل المواقف والإتجاهات في الإتحاد السوفيتي والصين الشعبية ، محاولة منه لإيجاد أيهما أقل ضررا على بلاده من الآخر والعمل على تحييده. فالولايات المتحدة لم تطبع علاقاتها مع الصين الشيوعية من أجل الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع السوفيت ، إنما للسعي في إحتواء السوفيت فيما بعد كونهم الخطر الأكبر على المصالح الامريكية لأعتبارات أيدلوجية وجيوسياسية إستراتيجية.
الولايات المتحدة الأمريكية بصرف النظر عن الرئيس فيها وبحكم موقعها القيادي في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسير وفق إستراتيجية عالمية لتحقيق أهداف وفي مقدمتها السيطرة على مصادر الطاقة الرئيسية ، وتلك مصادر متغيرة من عصر لآخر بحسب إحتياجات السوق الصناعية العالمية ثم الانتشار العسكري في العالم لتحقيق ذلك الهدف ايضا . لكن إنتقال الأهتمام العالمي لمصادر طاقة في مناطق أخرى " غير العربية " تضم دولاً قوية سيزيد من حجم الصعوبات والتحديات أمام الأمريكيين في فرض سيطرتهم التامة كما حدث مع المنطقة العربية النفطية ، كذلك تراجع القوة الأمريكية في هذا العصر من الأمور المتوقعة ليس بسبب الحروب المتعددة في العراق وأفغانستان فحسب ، إنما إنتقال مؤشر الطلب الصناعي العالمي تدريجياً لمصادر طاقة في مناطق قوية مقارنة بالمنطقة العربية الضعيفة من جهة ، والبحث عن مناطق آمنة لاستثمار القوة فيها والتعامل معها من جهة ثانية.
إيران أستوعبت مبكراً الرغبة الأمريكية بالقدوم للمنطقة والوقوف على تخومها ، لكنها راهنت على ان وجود الجحافل الأمريكية في العراق وأفغانستان والجزيرة العربية ليس بالضرورة يكون عامل ضعف لإيران بل بالأمكان تحويله الى عامل قوة يصب في مصلحتها ، وهي لا تسعى بالاساس لصدام عسكري مباشر مع واشنطن، لكن قدرتها على اللعب بالورقة الطائفية وإدارة حروب بالوكالة جعلت من الوجود الامريكي عامل قوة لطهران من خلال بروزها كشريك في إدارة المنطقة ككل وليس العراق فحسب.
غياب كيان عربي موحد في هذه المرحلة سيؤدي لمزيد من التمزق والتقسيم على المستوى الإجتماعي والسياسي وهو يهدد كيان الدولة بطبيعة الحال ، الولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة في العالم ولن تكون كذلك بعد الآن ، وهي لم تحمي مصالح العرب في أوج قوتها ، فكيف أذن ستحمي مصالحنا وقوتها تشهد تراجعاً ملحوظ؟! ، فضلا عن ان العرب لا تربطهم جغرافية متماسكة أو قريبة مع الولايات المتحدة كما تربطنا مع تركيا ، إيران ( القوى الاقليمية الصاعدة ) وروسيا ، القوة الآوراسية الصاعدة ، أن ما يربطنا عملياً مع الامريكيين هي القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة في البلدان العربية والأساطيل الحربية في المياه الاقليمية .
أطماع الدول الاقليمية الصاعدة في العرب مبررة أكثر من الآخرين ، لأعتبارات تأريخية ، دينية ، جيوسياسية ، جيو إقتصادية إستراتيجية .إيران وتركيا لن يدخلان في نزاع مسلح أو خصومة تامة في مصالحهما الاستراتيجية المشتركة مع روسيا "تقاسم النفوذ الاقليمي" بسبب العرب ، في الوقت الحالي على أقل تقدير . لكن من المؤكد ان الضعف والانقسام العربي الذي نعيشه كـ"أمة" سيزيد أطماع تلك القوى الصاعدة في أستخدام العرب والتوسع على حسابهم وبناء مجالات حيوية لنفوذهم الاقليمي ، لن تجد تركيا للنفاذ الى العرب سوى الورقة السُنية وتأريخها الامبراطوري العثماني ، والحال مشابه بالنسبة لإيران، لن تجد سوى الورقة الشيعية وتأريخها الامبراطوري الصفوي . أما روسيا تعمل بأريحية تامة في مجالات حيوية صديقة سواء لإيران أو تركيا أو مجالها الخاص الذي ستسعى لبناءه مستقبلاً!.
لاتوجد أمكانية عربية للصدام مع تلك الأمم الصاعدة وليس الصدام معهم منطق جيد أو فيه حكمة من الاساس ، انما مصالحنا كـ"أمة" تقتضي التفاهم والتعاون مع الجميع ، لكن لا من موقع ضعف وعدم توازن إنما موقع قوة وتناظر سياسي ، وتلك القوة لا تتحقق مع حالة الانقسام والضعف ، لذلك يبنغي الانصهار في كيان واحد يمثل هوية العرب ويحدد مصالحهم ويؤسس لقوة عربية متكاملة تجد مكانها بين الأمم الاقليمية الصاعدة عدى ذلك نحو ننحدر نحو مزيد من الظلام والبؤس.
خلال شهر أكتوبر من العام 2012 نشرت مجلة " المجلة " بحثاً بعنوان : ( روسيا وتركيا في سوريا.. ألغاز الغاز والنفوذ وحروب الوكالة ) أشارت فيه لتوقعات شركة " British Petroleum" البريطانية بزيادة أستخدام أوربا للغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة بنسبة 60% خلال العام 2030 ، نتيجة لذلك يتوقع زيادة الطلب الأوربي على الغاز الطبيعي الذي أصبح المُصدر الروسي يزود به الدول الأوربية بنسبة 80% إلى جانب النفط ، بحسب الدراسة .
في سياق متصل ، أعادة جريدة الحياة اللندنية نشر مقالاً مطول كان قد نشرته مجلة " فورين أفيرز" الامريكية في ربيع العام 2000 أستندت فيه على تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية الذي صدر بعنوان "اتجاهات العالم حتى 2015". وتحدث عن حرب في آسيا الوسطى يغذيها تضارب المصالح، بما فيها النفط ، وأشار التقرير إلى ان نسبة الأحتياط المُثبت من البترول لمجموع الدول المطلة على بحر قزوين يصل الى 163 بليون طن متري ، والاحتياط المتوقع من البترول لتلك الدول يصل الى 292 بليون طن متري ، يساوي الرقمان كلاهما " المُثبت والمتوقع " نصف ما يقابلهما في دول شبه جزيرة العرب . بينما نسبة الاحتياط المُثبت من الغاز الطبيعي لمجموع الدول المطلة على بحر قزوين تصل الى 77 بليون طن متري ، والاحتياط المتوقع من الغاز الطبيعي 140 بليون طن متري ، وتمثل ارقام احتياط غاز بحر قزوين سواء المُثْبَت أو المُتَوقّع ثلاثة اضعاف ما يقابلها في كل شبه الجزيرة العربية.
يقول الدكتور سليمان الخطاف " مركز التميز البحثي للتكرير والبتروكيماويات - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" في مقالته الموسومة بعنوان : " دور الغاز الطبيعي في مستقبل الطاقة بالعالم" "ترى شركة اكسون أن نسبة النمو السنوي للطلب العالمي على الغاز الطبيعي ستكون الأعلى بين الوقود الاحفوري إذ انها ستصل الى حوالي 1.6% سنويا مقابل 0.8% للنفط و0.1% للفحم وهذا يعني ان نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيكون ضعف نمو الطلب على النفط والفحم مجتمعين وحتى عام 2040م".وهذا يعني ان أهمية الغاز الطبيعي تتزايد مقارنة بالنفط ، وتزايد حجم طلب الدول الصناعية الكبرى على الغاز الطبيعي مقارنة بالنفط بالتالي تراجع أهمية المنطقة المُنتجة للنفط مقابل تعاظم أهمية المنطقة المُنتجة للغاز الطبيعي في السياسة الدولية وما يترتب عليها من تحالفات إستراتيجية بين الدول .
يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان بلاده بما تحمله من أرث إمبراطوري طويل لا يمكن لها الانصهار في بوتقه على الطريقة الغربية كما تريد الولايات المتحدة ، إنما ينبغي لها ان تجد طريقها الخاص في العالم ". ويبدوا ان الروس أعادوا بناء استراتيجيتهم على أساس إستثمار الطاقة والإقتصاد في توسيع نفوذهم الجيوسياسي الإستراتيجي لا على أساس أيدلوجي كما كان في عهد السوفيت ، وهذا يتطلب صياغة خارطة نفوذ جيوسياسية إستراتيجية بالاعتماد على صياغة إستراتيجية جيوإقتصادية تضمن لروسيا موقع زعامة وقوة.
لم تستثمر الدول العربية خلال العقود الماضية " العصر النفطي" تلك المادة الحيوية في بناء قوة عربية متكاملة لمواجهة الظروف والتحديات في المستقبل ومنها التي نعيشها اليوم ، لم يتمكن العرب من تحويل تلك المادة " لأداة " صلبة تُستثمر في نهضة عربية واحدة ، إنما أستثمرت في صراعات داخلية أصبحت تداعياتها تشكل تهديدا للعرب دون أستثناء ، المزعج ان العرب بدل أن يصنعوا من تلك المادة أداة بناء قوة لحمايتهم ، صاروا هم الأداة بيد الآخرين لتحقيق مصالح أجنبية ، سواء عن قصد أو عن غير قصد.
غياب الرؤية البعيدة النظر وسوء التقدير للأمور أوصلنا للحال الذي عليه اليوم . ففي القضية العراقية وقبيل الغزو و الاحتلال على سبيل المثال ، غلبت الكراهية والخوف على القادة العرب ، والخليجيين على وجه الخصوص من نظام صدام حسين بدون تقدير إستراتيجي محكم للدور الإيراني في العراق والمنطقة في مرحلة ما بعد صدام! ، هذا لا يعني انهم لم يكونوا متخوفين من دورا إيراني عقب إسقاط صدام، إنما قدرت الأمور بشكل خاطئ عندما راح بهم الظن ان العداء الأمريكي – الإيراني والخصومة الدولية مع طهران إضافة للوجود العسكرية الأمريكي في دول الخليج والمنطقة عموماً وحجم المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة ، كلها ستكون عوامل وظروف تؤدي لضمان عدم ظهور دورا رئيسيا لإيران في العراق من شأنه تهديد المصالح العربية والخليجية ، لكن الواقع يشرح عن نفسه بعد أكثر من عقد على إحتلال العراق ، فإيران لم تعد واقفة على الحدود العربية كما كانت،إنما أصبحت في قلب الدول العربية وتهدد وجود الأنظمة فيها الى حد بعيد. يبدوا ان صُناع القرار العرب في تلك الفترة لم يأخذوا بنظر الاعتبار أهمية فهم نمطية تفكير وسلوك صناع القرار في تأريخ السياسة الأمريكية!. فالسياسة الأمريكية في الغالب تستخدم الحلفاء الصغار من أجل إحتواء الخصوم أو الأعداء الكبار.
أستشهد على ذلك بفكرة ليس الهدف منها المقارنة او الأيحاء بها بقدر حاجة الفهم لطبيعة العقلية السياسية الأمريكية . فخلال فترة الحرب الباردة وتولي هنري كيسينجر " عراب العلاقة الامريكية – الصينية " رئاسة مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون عكف على دراسة وتحليل المواقف والإتجاهات في الإتحاد السوفيتي والصين الشعبية ، محاولة منه لإيجاد أيهما أقل ضررا على بلاده من الآخر والعمل على تحييده. فالولايات المتحدة لم تطبع علاقاتها مع الصين الشيوعية من أجل الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع السوفيت ، إنما للسعي في إحتواء السوفيت فيما بعد كونهم الخطر الأكبر على المصالح الامريكية لأعتبارات أيدلوجية وجيوسياسية إستراتيجية.
الولايات المتحدة الأمريكية بصرف النظر عن الرئيس فيها وبحكم موقعها القيادي في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسير وفق إستراتيجية عالمية لتحقيق أهداف وفي مقدمتها السيطرة على مصادر الطاقة الرئيسية ، وتلك مصادر متغيرة من عصر لآخر بحسب إحتياجات السوق الصناعية العالمية ثم الانتشار العسكري في العالم لتحقيق ذلك الهدف ايضا . لكن إنتقال الأهتمام العالمي لمصادر طاقة في مناطق أخرى " غير العربية " تضم دولاً قوية سيزيد من حجم الصعوبات والتحديات أمام الأمريكيين في فرض سيطرتهم التامة كما حدث مع المنطقة العربية النفطية ، كذلك تراجع القوة الأمريكية في هذا العصر من الأمور المتوقعة ليس بسبب الحروب المتعددة في العراق وأفغانستان فحسب ، إنما إنتقال مؤشر الطلب الصناعي العالمي تدريجياً لمصادر طاقة في مناطق قوية مقارنة بالمنطقة العربية الضعيفة من جهة ، والبحث عن مناطق آمنة لاستثمار القوة فيها والتعامل معها من جهة ثانية.
إيران أستوعبت مبكراً الرغبة الأمريكية بالقدوم للمنطقة والوقوف على تخومها ، لكنها راهنت على ان وجود الجحافل الأمريكية في العراق وأفغانستان والجزيرة العربية ليس بالضرورة يكون عامل ضعف لإيران بل بالأمكان تحويله الى عامل قوة يصب في مصلحتها ، وهي لا تسعى بالاساس لصدام عسكري مباشر مع واشنطن، لكن قدرتها على اللعب بالورقة الطائفية وإدارة حروب بالوكالة جعلت من الوجود الامريكي عامل قوة لطهران من خلال بروزها كشريك في إدارة المنطقة ككل وليس العراق فحسب.
غياب كيان عربي موحد في هذه المرحلة سيؤدي لمزيد من التمزق والتقسيم على المستوى الإجتماعي والسياسي وهو يهدد كيان الدولة بطبيعة الحال ، الولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة في العالم ولن تكون كذلك بعد الآن ، وهي لم تحمي مصالح العرب في أوج قوتها ، فكيف أذن ستحمي مصالحنا وقوتها تشهد تراجعاً ملحوظ؟! ، فضلا عن ان العرب لا تربطهم جغرافية متماسكة أو قريبة مع الولايات المتحدة كما تربطنا مع تركيا ، إيران ( القوى الاقليمية الصاعدة ) وروسيا ، القوة الآوراسية الصاعدة ، أن ما يربطنا عملياً مع الامريكيين هي القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة في البلدان العربية والأساطيل الحربية في المياه الاقليمية .
أطماع الدول الاقليمية الصاعدة في العرب مبررة أكثر من الآخرين ، لأعتبارات تأريخية ، دينية ، جيوسياسية ، جيو إقتصادية إستراتيجية .إيران وتركيا لن يدخلان في نزاع مسلح أو خصومة تامة في مصالحهما الاستراتيجية المشتركة مع روسيا "تقاسم النفوذ الاقليمي" بسبب العرب ، في الوقت الحالي على أقل تقدير . لكن من المؤكد ان الضعف والانقسام العربي الذي نعيشه كـ"أمة" سيزيد أطماع تلك القوى الصاعدة في أستخدام العرب والتوسع على حسابهم وبناء مجالات حيوية لنفوذهم الاقليمي ، لن تجد تركيا للنفاذ الى العرب سوى الورقة السُنية وتأريخها الامبراطوري العثماني ، والحال مشابه بالنسبة لإيران، لن تجد سوى الورقة الشيعية وتأريخها الامبراطوري الصفوي . أما روسيا تعمل بأريحية تامة في مجالات حيوية صديقة سواء لإيران أو تركيا أو مجالها الخاص الذي ستسعى لبناءه مستقبلاً!.
لاتوجد أمكانية عربية للصدام مع تلك الأمم الصاعدة وليس الصدام معهم منطق جيد أو فيه حكمة من الاساس ، انما مصالحنا كـ"أمة" تقتضي التفاهم والتعاون مع الجميع ، لكن لا من موقع ضعف وعدم توازن إنما موقع قوة وتناظر سياسي ، وتلك القوة لا تتحقق مع حالة الانقسام والضعف ، لذلك يبنغي الانصهار في كيان واحد يمثل هوية العرب ويحدد مصالحهم ويؤسس لقوة عربية متكاملة تجد مكانها بين الأمم الاقليمية الصاعدة عدى ذلك نحو ننحدر نحو مزيد من الظلام والبؤس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق