الظاهر ... لَقَباً/ د. عدنان الظاهر



كان ـ زمانَ طفولتي المبُكّرة في ناحية / قضاء المحاويل التابع لمركز محافظة بابل ـ بيت يقابل بيتنا صاحبه العم المرحوم كاظم الظاهر / أبو جواد .... وجواد هذا كان منصرفاً لإدارة مقهاهم المشرفة من جهة الأمام على الشارع الذي يربط المحاويل بالعاصمة بغداد أما خلفية المقهى فكانت بالكامل جزءاً من بيتهم. كانت في هذا البيت بستان من النخيل وكانت في حوزتهم مجموعة من الأغنام والحمير. توفي جواد مبكّراً جرّاءَ إصابة رئتيه بمرض خطير قاتل.
وبين المحاويل والحلة كانت عشائر ألبو علون وهي عشائر دليمية ومن أبناء أحد فروعهم كان لي زميلان وصديقان هما الشقيقان محمد جاسم الظاهر وحامد جاسم الظاهر وهذا قتله صدام حسين يوم كان عميدَ ركنٍ في الجيش العراقي ثم ملحقاً عسكريّاً في الهند.
هل كان يومذاك في محافظة بابل ( لواء الحلة ) سوى هاتين العائلتين أُناس يحملون لقب " الظاهر " ؟ نعم ، كان أحد زملاء الدراسة في مدارس الحلة يُدعى " عبد الأمير ظاهر " ثم تحول إلى " عبد الأمير ظاهر ". الآن ، وما كان لقبي وجميع أفراد عائلتي يومذاك وقبل ذلك بعشرات السنين ؟ كنا جميعاً صغاراً وكباراً نحمل هذا اللقب وما كان لدينا غير هذا اللقب فمن أين أتانا ومتى حملناه ؟
حمل هذا اللقب ( الظاهر ) أخونا الأكبر عبد الجبار عبد الكريم الظاهر وهو كذلك مُثبّت في شهادة الجنسية العراقية العثمانية لأخي مع التاريخ عام 1922 وفي كافة الوثائق والشهادات الرسمية سوية مع دفتر النفوس. ودخل المرحوم أخي عبد الجبار في عام 1939 المدرسة الحربية ليقضي فيها أربعة أعوام على مرحلتين ويتخرج فيها عام 1943 حاملاً رتبة " نائب ضابط حربي ". وبعد مرور ستة أشهر صدرت إرادة ملكية بمنحه وباقي زملائه رتبة ملازم ثانٍ بنجمة تُحمل على الكتف. كل وثائق تلك الحقبة كان اسم أخي فيها هو " عبد الجبار عبد الكريم الظاهر ". ودرجنا نحن اخوته الأصغر سنّاً منه على حمل هذا اللقب وتثبيته في كافة الشهادات والوثائق مدرسية وغير مدرسية . وحين أكملتُ بكالوريا السادس إبتدائي أصررت على إستصدار شهادة جنسيتي الخاصة فصدرت يوم 22 آب 1948 وبمساعدة المرحومين أخي جليل وقريبنا المرحوم إسماعيل الحاج عبد الرزاق وكان حينها موظفاً كبيراً في وزارة الداخلية في بغداد. ما كان اسمي ولقبي في هذه الشهادة ؟ عدنان عبد الكريم الظاهر !
من أين أتى أجدادي إلى مدينة الحلة  ؟ أهل وآباء والدي في الأصل من قصبة " بيرمانة " كانوا جميعاً من تجار ومزارعي وضامني بساتين النخيل يفيدون مما تحمل من تمور ومن كرب وسعف يحولونوه إلى أقفاص لحمل خضروات الصيف من مزارعه إلى علاوي بيعه بالمزاد العلني ... وأّسرّة من جريد النخيل لذا حملت بعض فروع أهل والدي، وليس جميعها ، لقب " سريراتي " ... الإشتقاق من " سرير ".
والدي مولود في مدينة الحلة أما جدّي " ظاهر " فإنه مولود في بيرمانة وكان كثير التردد على الحلة ليعقد الصفقات ويمارس بيع وشراء وتسويق التمور ويتابع أمور بساتينه وتثبيت ذلك في دوائر الطابو . سأرفق في نهاية مقالي هذا صورة وثيقة " وقفية " نادرة وقّعها ستة رجال من وجوه و " أشراف " الحلة كان جدي لأبي ( معتوق بن حسين السريراتي ) أحدهم وكانت تحمل التاريخين الهجري 1261 والميلادي 1842 والميلادي . أما أسماء باقي الموقعين على هذه الوثيقة فهي كما يلي :
1ـ حسين القمر الجلالي
2ـ معتوق بن حسين السريراتي
3ـ السيد ناصر العميدي
4ـ السيد حسين الورداوي
5ـ السيد محمد خطّاب ( الدوزي ؟ )
6ـ السيد داوود سبع الدرج " الأعرجي "

من كل هذا نفهم أنْ لا والدي ولا جدّي لأبي المرحوم ظاهر كانوا قد مارسوا صناعة الأقفاص والأسرّة ولكن فروعاً أخرى مارستها ولم أزلْ أتذكر بدايات عقد الأربعينيات حيث كان ابن عمّتي المرحوم إبراهيم حبيب يمارس هذه الصنعة وبعده مارسها اثنان من أولاد أحد أعمامي هما المرحومان عباس الجابر ( أبو معين ) وأخوه المرحوم أبو حاتم عبد الأمير الجابر.
يعرف العراقيون أنَّه مع بدايات ظهور علامات انهيار دولة الرجل المريض " الخلافة العثمانية " وقُبيل وبُعيد سقوط بغداد وسيطرة الإنكليز على العراق نزحت آلاف مؤلّفة من أبناء الأرياف من فلاحين ومزارعين ومن هم على شاكلتهم متجهة صوب مراكز المدن . والنتيجة هي انقسام المجتمع العراقي إلى فئتين فئة سعت لعالم النور والتنوير في مراكز المدن وبقيت فئة أخرى محافظة على ما كانت عليه.
إذاً نحن من أوائل مَنْ حمل لقب الظاهر في محافظة بابل ولا وجود لغيره في الوثائق الرسمية خاصة الشهادات المدرسية. الطريف أنني وشقيقي المرحوم جليل فقط نحمل هذا اللقب غير الرسمي في مدينة الحلة أو ينسبنا الناس إليه. أما باقي أهلي وأشقّائي فليس لهم أية علاقة بهذا اللقب ولا ينسبه ناس الحلة إليهم أبداً وأضرب مثلاً من شقيقيَّ الأكبر عبد الجبار والأصغر العميد المتقاعد قحطان أبو علي.
[[ إستدراك : كان العراق في زمن المّلّكية يعرف نائباً في البرلمان العراقي اسمه عبد الهادي الظاهر ]].
الآن ما هو " ربّاط الحجي " وما مناسبة هذه المقالة ؟ الجواب هو : مرّت فترة لاحقني فيها رجل طاعناً بلقبنا " الظاهر " مع إصراره أنَّ لقبنا الأصل هو " السريراتي " وليس الظاهر إنما حملنا هذا اللقب هرباً من أصلنا " المتواضع " !!
في يوم من أيام السنوات الأخيرة زرت ثانوية الكفل فرحب بي السيد الأستاذ مدير هذه المدرسة وتعاون معي بدون تحفظات فلاحظت أنَّ اللوحة الخاصة بي كأول مدير لهذه المدرسة في العامين 1959 / 1960 المعلّقة على الجدار في حجرة السيد المدير قد تبدّل اسمي الكامل فيها فرُفع اللقب الرسمي وغدا اسمي في اللوحة " عدنان عبد الكريم السريراتي " وتلك مخالفة غير مسبوقة يقاضيه القضاء عليها لأنه وافق على تشويه وتغيير كتاب رسمي أو أمر وزاري واقعاً تحت تأثير ذلك الرجل ومتعاوناً معه ومتجاوباً مع شذوذه ورغباته الشاذة والمشبوهة.
عزيزي الأستاذ مدير ثانوية الكفل للبنين [ لا أعرف اسمه للأسف ]: سلامٌ عليك وسلامٌ على أخلاقك وعلى روحك الطاهرة ونقاء ضميرك، أرجو أنْ تنأى بنفسك عن أمثال هذه الحادثة وغيرها فالمخالفة الرسمية والإدارية واضحة وأنت وحدك تتحمل التبعات. أنت تعرف جيداً أنَّ كل ما يخصني من كتب ووثائق رسمية إنما حملت اسمي الكامل المعروف : عدنان عبد الكريم الظاهر .
أنشر هنا صورة وثيقة مطبوعة على الآلة الكاتبة وتاريخها هو : 1261 هجرية و 1842 ميلادية.
شٌكر وتقدير : أشكر المربي الفاضل الأستاذ حمزة داوود السلمان فله وحده فضل تزويدي بهذه الوثائق والمعلومات النادرة.
ثم أرجو الأستاذ ماجد الغرباوي أنْ يتفضل بنشر وثيقتين في المكان الذي يراه مناسباً وهذا فضل كبير.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم دكتور حبيبي انت من أبناء عمومتي وجدك المرحوم معتوق هو سيد ومن الأسر الحسينيه العميديه وجده الأكبر احمد منصور العاشق وله وقفيه موجوده سنة ٧٧٩ هجريه

    ردحذف