كوبا فيدل كاسترو كانت الدولة الأمريكية اللاتينية الوحيدة التي صوتت ضد قرار تقسيم فلسطين في عام 1947
غيب الموت القائد الأعلى للثورة الكوبية ورئيس كوبا السابق والزعيم الأممي الكبير فيدل كاسترو عن عمر ناهز التسعين سنة. وقد نعاه شقيقه الرئيس الكوبي الحالي راؤول كاسترو عبر التلفزيون الوطني الكوبي. وكان كاسترو المولود في عام 1926 قد تولى الحكم في كوبا بعد ثورة عام 1959، التي أطاحت بحكومة فولغينسيو باتيستا ليصبح رئيسا للبلاد.
قاد فيدل كاسترو عملية التحول الإشتراكي في كوبا وأرسى دعائم النظام الشيوعي ونظام حكم الحزب الواحد في البلاد عام 1965، بعد اختياره أميناً عاماً للحزب الشيوعي الكوبي الحاكم. وظل كاسترو في مواقعه الحكومية والحزبية إلى أن قرر التقاعد في عام 2008، ليخلفه شقيقه راؤول كاسترو عن طريق الانتخابات الديمقراطية.
وكان كاسترو موضع استهداف دائم من قبل أعدائه الخارجيين وخصومه المحليين، الأمر الذي جعله عرضه لحوالي 600 محاولة اغتيال. وإبان وجوده في سلطة الحكم تحدى عشرة رؤساء أميركيين، وواكب أكثر من نصف قرن من التاريخ الزاخر بالعطاء.
تضاءل تأثير الزعيم الراحل مع تقاعده، إذ عاش في عزلة نسبية لكنه كتب مقالات رأي في بعض الأحيان وظهر في اجتماعات مع كبار الشخصيات الزائرة، وحافظ على سلطة معنوية وسط كثير من الكوبيين لا سيما الأجيال الأكبر سنا.
ومن الجدير ذكره أن كوبا كانت الدولة الأمريكية اللاتينية الوحيدة التي صوتت ضد قرار تقسيم فلسطين الصادر في عام 1947. وقد أوضح مندوبها في الأمم المتحدة في حينه أن حكومته "تقف موقف المعارضة من مشروع التقسيم رغم الضغوط التي مورست عليها".
موقف كوبا المتميز ذاك لم يكن يعبر عن سياسة ثابتة مستقرة لحكومتها تجاه القضية الفلسطينية، فسرعان ما عادت بفعل الضغوط التي مارستها عليها الولايات المتحدة الأمريكية إلى حظيرة الدول الأمريكية اللاتينية الموالية للخط الأمريكي تجاه هذه القضية، واستمر الأمر على ما كان عليه إلى أن سقطت حكومة باتيستا وجاءت الحكومة الثورية بزعامة الراحل الكبير فيدل كاسترو عام 1959.
وقتها تبلور الموقف الكوبي المناصر للقضية الفلسطينية تدريجياً بعدما انضمت كوبا إلى حركة عدم الانحياز التي حددت موقفها من القضية إيجابياً منذ البداية. وقد تفردت كوبا من بين دول أمريكا اللاتينية بشجب العدوان الإسرائيلي صبيحة الخامس من حزيران 1967 وطالبت بانسحاب "إسرائيل" الشامل والناجز من الأراضي العربية المحتلة.
بتاريخ 26 يوليو/تموز دعيت منظمة التحرير الفلسطينية لأول مرة لحضور احتفالات أعياد الثورة الكوبية. وبعد أن تحققت وحدة فصائل المقاومة عام 1972 أدرك القادة الكوبيون أن نضال الشعب الفلسطيني هو نضال مشروع لتحرير واستعادة الأرض والحق من المغتصبين الصهاينة، وأنه جزء من كفاح الأمة العربية ضد الإمبريالية العالمية.
وفي ذات العام صادرت السلطات الكوبية المركز الثقافي "الإسرائيلي" في هافانا الذي اعتاد على بث الدعاية الصهيونية المضللة. وظلت البعثة "الإسرائيلية" الدبلوماسية بعد ذلك التاريخ موكلة إلى دبلوماسي برتبة سكرتير أول، إلى أن أعلن فيدل كاسترو بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول 1973 في مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز المنعقد في مدينة الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل". وبذلك الموقف كانت كوبا أول دولة في القارة الأمريكية اللاتينية تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل".
ومن ثم توالت مظاهر التأييد والدعم الكوبي للقضية الفلسطينية. وتجلى ذلك بزيارة وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة القائد الراحل ياسر عرفات لكوبا ما بين 14 و17 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، وبإقامة مكتب دائم لمنظمة التحرير في هافانا، وبالبيانات المشتركة المتتالية التي كانت كوبا طرفا فيها، وبتصريحات القادة الكوبيين وخطبهم، وبموافق كوبا المؤيدة في منظمة الأمم المتحدة أو خارجها للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومنها حقه في تقرير المصير والعودة وإقامة دولته المستقلة في فلسطين، وبإدانات كوبا المتكررة للصهيونية العنصرية وتنديداتها بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة، وبمساندتها لكفاح منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقد ظهر كل ذلك بوضوح في المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الكوبي. رحم الله القائد الأممي الصديق الكبير للفلسطينيين وكل العرب فيدل كاسترو.
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق