قرار مجلس الأمن فرصة لإسترجاع قرار الجمعية العامة رقم 3379 / علي هويدي

يدرك نتنياهو مفاعيل قرار مجلس الأمن وتداعياته على مستوى تحقيق إنتصار جديد لعدالة القضية الفلسطينية وهزيمة كبرى للكيان الصهيوني، وأن مواقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ستكون أفضل لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، وأن طوق العزلة والمقاطعة الدولية سيشتد على هذا الكيان، وسيفتح القرار المجال لسوْق من يبني المستوطنات غير الشرعية للمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار أن بناءها يشكل جريمة حرب، وأن مسألة شرعية وجود الكيان في المزيد من الخطر، وسيذكِّر المجتمع الدولي بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني منذ قرن من الزمان، خاصة ونحن في أجواء إحياء مئوية وعد بلفور المشؤوم.

حالة من الهستيريا أصابت الكيان الصهيوني إثر اتخاذ مجلس الأمن القرار رقم 2334 مساء الجمعة 23/12/2016 والذي اعتبر أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة بما فيها شرق القدس غير شرعية، ويطالب الإحتلال بالتوقف عن بناء المستوطنات. بعد تراجع مصر تبنى المشروع كل من نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفانزويلا وحاز على تأييد أصوات الأغلبية في مجلس الأمن (14 صوت)، مع امتناع مندوبة الولايات المتحدة عن التصويت دون إستخدام - كالعادة - حق النقض "الفيتو". وُصِف القرار وعلى لسان العديد من القادة الصهاينة بألفاظ نابية لا سيما نتنياهو الذي وصفه بـ "الحقير والسخيف" ومعه بدأت حالة التخبط فتارة يستدعي السفراء من السنغال ونيوزيلندا للتشاور، وأخرى يستدعي سفراء الدول التي قدمت المشروع لـ"التوبيخ" ولم يتردد باستدعاء سفير أمريكا في الكيان الإسرائيلي لـ "التوبيخ" متهماً ادارة أوباما ووزير الخارجية كيري بإعداد مشروع القرار..!       

صدور قرار مجلس الأمن وتداعياته على الكيان الصهيوني يعود بنا في الذاكرة إلى العام 1975 وتحديداً في العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر حين أصدرت الجمعية العامة للأمم القرار رقم 3379 الذي ينص على أن "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، حينها لم يتمالك ممثل كيان الإحتلال في الأمم المتحدة حاييم هرتسوغ نفسه، ليقف أمام ممثلي الدول الأعضاء وليمزق نص القرار قائلاً: "الأمم المتحدة التي صاغت القرار هي نفسها من سيُلغيه"، ووصفه الرئيس الأمريكي الأسبق ريغن بأنه "أبشع قرار اتخذته الأمم المتحدة في مجمل تاريخها". ونتيجة للنفوذ والضغط الصهيوني على المنظومة الدولية، ومع تحرير الكويت في أواخر شباط/فبراير 1991 وبدء التحضيرات لعقد مؤتمر مدريد للسلام، استغل الكيان الصهيوني الفرصة واعتبرها الظرف المناسب، مبدياً الشرط الرئيس لمشاركته في المفاوضات إلغاء القرار، ومع "تفهُّم" لدول العربية والإسلامية المعنية للمقترح، واقتناع منظمة التحرير الفلسطينية بضرورة القبول بإلغاء القرار ثمناً لمطلبها بأن يكون لها إسهام في مؤتمر مدريد كان موقفها؛ "نقبل البحث في مبدأ إلغاء القرار، إذا ثبت صدق نوايا إسرائيل في بلوغ السلام"!، عُقد مؤتمر مدريد في 31/10/1991 وأُلغت الجمعية العامة القرار في 16/12/1991 واستبدلته بالقرار رقم 8646.

بعد مرور ربع قرن على إلغاء القرار 3379 ومع صدور القرار 2334، نعتقد بانهأ فرصة هامة للمزيد من فضح ممارسات الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني والمزيد من الضغط الرسمي والشعبي على صانع القرار الأممي لإسترجاع وإعادة إحياء القرار 3379 فصفة العنصرية لا تزال ملازمة للصهيونية، أوليس إصدار "قوانين" مصادرة أراضي الفلسطينيين والبناء عليها بعنصرية، أو مطالبة الإحتلال بشطب قضية اللاجئين وحق العودة والطلب للعالم بالإعتراف بيهودية الدولة بعنصرية، أو إحتلال أراض الغير وطرد أهلها منها وارتكاب المجازر بحق سكانها الأصليين وتغيير إسمائها واستجلاب ملايين اليهود ليسكنوا نفس البيوت بعنصرية، أو اعتبار القرى والبلدات المهجرة داخل فلسطين المحتلة عام 48 مناطق مغلقة وعسكرية وأهلها مُهجَّرون يسكنون بالقرب منها ويُمنع عليهم حتى زيارتها بعنصرية؟، والشواهد كثر، الظروف مناسبة لكن بحاجة إلى أدوات شعبية مُحرِّكة وفاعلة، وإرادة سياسية رسمية جادة كما فعلت رباعية الدول التي تبنت المشروع ..

كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق