اختر موتك/ صالح أحمد


هذا زمنُ الموتِ ولكن..
يَنسى الموتى 
لُذ بالموتِ الحقِّ صَديقي
فعسى أن يَختارَك..
لُذ بالموتِ لتحيا!
تحيا الحكمةُ.. تحيا..
حُكمُ الموتى 
يَنْشُدُ نَعيا..
فاختَر مَوتَكَ 
تأتي النّشأةُ والزّلزَلَةُ 
تحيا روحُكَ فيما أنتَ 
من أضلاعِكَ ينبُعُ نَهرٌ 
يولَدُ دَفقٌ
مَدُّ لا يُنكِرُ ما كُنتَ 
صوتٌ لا يَجهَلُ ما أنتَ 
ماءً كانَ البدءُ،
ونيلًا سوفَ تكونُ النّشأة 
هذا ما همَسَت لي أرضي..
أرضي الحُبلى
زادَت:
قم، وتَهَجَّ الواقِع 
خُطواتُ الماضينَ لصَدري
في طيني مَن ماتَ سَيَحيا
وأنا حُبلى 
ومخاضي نهرٌ دونَ مصَب
ومساري يبقى الرّقمَ الصّعب
مَن يجهلُهُ 
يجهلُ سرَّ الحيّةِ تسعى
يجهل سرَّ البَرزَخ..
بينَ الرّوحِ وبينَ الومضَة
نارٌ والتّنورُ يفورُ 
والأرضُ الحبلى بالطّوفانِ 
تَتَناهى طفلا يفتحُ صدرَ الشّرق..
من باب اليُتمِ، وباب الأمنِ، وباب الصّدق...
يَتَلاشى الفَرق
تَتَداخلُ أصواتٌ وصُوَر
يَتَناهى في عُرفِ الطّوفان
صوتُ البرقِ ولونُ الرّعد..
يتلاشى البُعدُ، وبُعدُ البُعد
تُنكِرُ الألسنَة..
صوتَها القاحِلَ في عُمقِ الفناء
دَمُنا للرّجاء..
تَزفُرُ الأمكنَة:
إننا الأبجديّةُ والشَّفَةُ العاشِقَة
وعيوني الرّحلَةُ نحوَ الفجر
هل كانَ غِياب؟
وأنا النّسمَةُ لم ينشَقَّ عني تُراب...
وما أمطرتني سماء
البحرُ أنا..
ما استَعجَلتُ موجي..
مني سرُّ الريحِ ... وعندي..
يولَدُ لونُ العُذرِ السّاكِنِ غيمَ الواقِع
تُفتَحُ أجنحَةٌ لغُبار الوقت..
لشفاهِ الصَّمتِ الموروثة..
يصغي للموت..
الخيطُ الأبيض من فجري.. يترُكُني..
أرحَلُ،
يتمحوَرُ حولي سرُّ المرحَلَةِ المفقودَة
يتقمّصُ لونُ الموتِ وُضوحي..
أصرُخُ مُنتَشِيًا كالفِكرَةِ حينَ ترومُ تحدّي ذاتي
يا أيَّتُها اللحظَةُ القاهِرَة!
حتمًا تولَدين.. 
أمنَحُ تُربَكَ إذ يَشَّقَّقُ عَني لُغَتي
وأنا سيِّدُ مَن يتكَلَّم.. 
مُذ كانَتني الجِهَةُ الصُّدفَة
والرُّمحُ الأعوَجُ خالَطَني 
يا نيرونُ اشتَعَلَت ذاتي
منها احترَقَت مُهجَةُ شامي 
"صَبرا" استَلقَت فوقَ رَمادي
راحت تستَرِقُ السّمعَ لأعضائي..
وهي تُهامِسُ عبثَ الرّيحِ 
تسكُنُ صَمتي..
وتخالِطُ جَهرًا أحشائي
وصَهيلُ الشّمسِ يَلوذُ بنا 
ودِمَشقُ تروحُ إلى غَسَقٍ 
تَتَجَمّلُ واللّغةُ المرآة..
والبَحرُ يمدّ جنونَ الرّيحِ ثيابًا لا تَستُر
ينتحِرُ العنوانُ الموغِلُ بالأصفَر..
وانا مَجنونٌ "شاتيلا" مَجنون..
لا أفشي سرَّ الباكينَ، ولا أبكي..
في جَسَدِ الصّحراء البارِدِ لا أدفِنُ رأسي 
لا لونَ هناكَ يجسّدُني.. لا صوت..
لفظَت صحرائي تاريخًا كم أثقلها..
ومضت تسترحِمُ ذابِلَةً كبدَ الغازين
يُرعِبُها الموتُ المتساقِطُ من عُنُقي
يتناغَمُ في غَضَبِ الكثبان
لينامَ الليلُ على جلدي..
معتَرِفًا أنَّ الطّوفانَ هو الأصلُ
والرّيحُ لقاح
والموتُ قصيدَةُ مفتونٍ 
ما عرَفَ الضوءُ سوى لغةٍ 
تستَيقِظُ من أرضٍ حبلى 
تَشَّقَّقُ عن موتٍ يوغِلُ في قلبِ الإنسان 
..... صالح أحمد (كناعنه).....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق