يؤلمني حتى النخاع ما يجري في الوطن العربي..
وليس في حلب فقط. ويؤلمني أيضا التحزب بين مؤيد ومعارض لما يدور في حلب من مآسي.
البعض يصفق للنظام السوري والبعض يهاجم النظام السوري. ان حصر مأساة سوريا بين
نظام من جهة ، وتنظيمات حملت زورا لواء
الدين، هو عملية تهريج من الجانبين. لم اكن من المصفقين للنظام السوري منذ حافظ
الأسد، ولم ار بالنظام السوري الا نظاما استبداديا لا يختلف عن سائر الأنظمة
العربية.
قناعتي ان الاستبداد الديكتاتوري للنظام
السوري الطائفي قاد سوريا لمأساتها
الراهنة. كان املنا كبيرا بربيع دمشق الذي بدأ يطل مع بداية صعود بشار الأسد ..
لكنه تراجع بسرعة وبدأ بقمع منظمات المجتمع المدني التي ظهرت مع بداية وراثته
لرئاسة الدولة السورية. زج بشخصيات وطنية ويسارية بارزة بالسجون بتهم مضحكة مبكية.
هذه الصورة لم تغب عن رؤيتي لمجمل ما بدأ في
سوريا من انتفاضة شعبية واجهها النظام بقمع اجرامي حتى ضد طلاب مدارس. بدأت تتشكل
معارضة وطنية انضم اليها الكثير من الجنود والضباط السوريين وتشكلت هيئات سياسية وطنية لا يمكن تجاهلها وعدم
الانصات لصوتها.
هنا بدأ فاصل التحول.
القوى الاستعمارية المتحالفة مع الرجعية
العربية وانظمتها ، ومع النظام المرتد عن علمانية اتاتورك في تركيا ، اصيبت بالفزع
الهائل من امكانية خروج سوريا الى فضاء
عربي جديد. الربيع العربي لم ينجز الحلم العربي. غياب تنظيمات سياسية وطنية قادرة
على تحريك الجماهير والوصول الى تأثير حاسم على تطور الربيع العربي، ابقى الربيع
العربي خاضعا لسيطرة قوى استبدادية دينية كانت حليفا بطرق مختلفة للأنظمة الساقطة
، رغم شكليات تركت انطباعات عن صراع ما بين الأنظمة الحاكمة والقوى التي استخدمت
الدين غطاء لنشاطها السياسي.
الأنظمة قمعت كل التنظيمات الوطنية
واليسارية. مثلا من المضحك والمبكي واقع الحزب الشيوعي السوري، بقيادة زوجة خالد
بكداش التي حولت الحزب الى شخشيخة لنظام عائلة الأسد. اليوم من الصعب الحديث عن
حزب.. بل عن افراد لم يعد يربطهم بشيوعيتهم السابقة الا الاسم. الماركسيون تركوا الحزب وتعرضوا للقمع والسجون..
وعلى راسهم المفكر الماركسي رياض الترك ومجموعته المعروفة باسم " الحزب الشيوعي – المكتب السياسي" .
تنظيمات المجتمع المدني أيضا تعرضت كذلك لقمع
ارهابي وسجون . أي خلت سوريا من قوى منظمة قادرة على لعب دورها السياسي والاجتماعي خدمة للوطن السوري. بذلك أصبحت
الأرض السورية فارغة من القوى الوطنية والمدنية المتنورة ، حتى حزب البعث لم يعد
هو الحزب الوطني التاريخي الذي حلم به ميشيل عفلق، بل تحول الى جهاز لخدمة النظام
العائلي.. ونعرف انه في السياسة لا يبقى الفراغ لفترة طويلة.
بنفس الوقت لا انفي ان النظام السوري كان
مصرا على التخلص من الاحتلال الاسرائيلي.
وكان يبني قوته للوصول الى القدرة على المواجهة. ولم يعد سرا فصف اسرائيل
للمفاعل النووي السوري، وقصفها لأنواع مختلفة من الأسلحة الاستراتيجية للنظام
السوري. السؤال أين الرد السوري؟ أين القدرة على حماية حق سوريا بالدفاع عن النفس؟
لماذا هذا التخاذل امام الضربات الجوية الاسرائيلية؟ لا انفي ان ما قامت به
اسرائيل كان متمشيا مع سياسات أنظمة عربية لا شيء يربطها بالحلم العربي التحرري،
بحلم بناء عالم عربي قادر على التطور والتقدم والمشاركة بالإبداع الحضاري العالمي.
عالم يحدث نقلة نوعية من الهامش الى المشاركة. عالم يعود الى التاريخ بعد غياب
متواصل منذ الحكم العثماني.
هذا ما كان يجب ايقافه وشله.
العراق كان البداية، اعادوا العراق الى الإحتراب
الطائفي، شلوا قدرات العراق العلمية والاقتصادية، في مصر افشلوا الربيع بتحويلة الى مسار يتغطى
بالدين. هل العساكر في مصر الين أطاحوا
بالأصولية الدينية قادرون على اعادة مصر الى دورها القومي العربي الناصري؟ امريكا
قلقت من الاطاحة بما سمته الشرعية .. وهذا مفهوم تماما ويكشف دورها السياسي بأحداث
العالم العربي وما توفره لاسرائيل من قدرات قتالية لا ارى انها للدفاع عن النفس،
بقدر ما هي لتنفيذ سياسات عسكرية ضد العالم العربي وربما ايران مستقبلا.
الدلائل عن التحولات المرجوة في مصر كلها حتى اليوم
سلبية. ما نشهده في مصر هو عودة العنف الديني بأبشع صوره. النظام لم يحسم طريقه..
يدور بحلقة مفرغة.. الفراغ الناتج تستغله القوى المنظمة وهي للأسف الأصولية
الدينية نتيجة غياب تنظيمات مجتمع مدني (قمعت
سابقا وربما يتواصل قمعها اليوم)من مختلف الاتجاهات السياسية غير المرتبطة بفكر
اصولي.
اذن هل من المنطق الوقوف ضد النظام السوري
بحربه القاسية ضد الارهابيين؟
كنت اتمنى لو يستعيد النظام بعض العقلانية
السياسية ، ويطرح مشروعا وطنيا يحدث تحولا بنظام الحكم بحيث
يعطي للمعارضة الوطنية مكانا في اعادة تشكيل النظام على قاعدة وطنية
ديمقراطية., ارى انها الضمانة الأقوى لمستقبل سوريا وتطورها الشامل.
رغم نقدي للنظام السوري الا اني لا يمكن ان
اقف الا مع النظام ضد الارهاب الديني الذي حركته الرجعيات العربية بقيادة السعودية
وتركيا.
لا ارى بموقفي تناقضا لأني لا اصفق بحماس
للنظام السوري. انا قلق اكثر على مصير الدولة السورية .. ويقلقني استمرار النظام
بنفس النهج الذي دفع قوى وطنية سورية لحمل السلاح ضده ويجب التمييز بينهم وبين الارهابيين الدينيين.
لذلك ارى بتحرير حلب انجازا وطنيا. ولكني
اتمنى ان لا يعلق بشار الأسد كثيرا على الدور الروسي.. ان يبدأ برؤية افاق سوريا
بعد القضاء على التنظيمات الارهابية، وان لا تتحول الى تابع لمصالح روسية قد لا
تختلف بالتفاصيل كثيرا عن مصالح دول امبريالية سابقة.
السؤال الذي يشغلني أيضا بكل ما يجري في
سوريا هو: هل تمنع روسيا النظام السوري من استعمال اسلحته الدفاعية ضد اسرائيل
تحديدا؟
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق