اتحاد الادباء والكتاب السريان
الحلقة الثانية
من القرن السابع وحتى مطلع التاسع عشر
وفي القرن السابع والثامن والتاسع ظل الادب السرياني يسير قدما ليختتم عصره الذهبي ، فبينما كان الخلفاء منشغلين بالفتوحات الاسلامية استمر ادباء السريان في ارتشاف العلم والتاليف والتدريس والتصنيف رغم اختلاف الخلفاء والعصور والاوضاع السياسية الجارية بينهم وبين المسلمين. ونزل علماء السريان الى ميدان المعارف جنبا الى جنب مع اخوانهم العرب المسلمين سعيا وراء النهضة العلمية والاجتماعية . وواصلت المدارس والاديرة مسيرتها وانتشرت في انحاء البلاد ، وكان المسلمون انفسهم يتلقون العلم في تلك المدارس وجاء عن خالد بن الوليد (كما يقول روفائيل بابو اسحق في كتابه نصارى العراق قبل الاسلام ) انه في مسيرة من عين تمر وجد في بيعة قرية من قراها اسمها النقيرة صبيانا يتعلمون الكتابة ، وكان فيهم حمران مولى بن عفان . وقيل ان العهد الاموي كان عصر حضانة فكرية ففي عهده نقل الحجاج بن يوسف الثقفي الحركات السريانية الى العربية ، وكان كثير من الحكام يرعون العلم والعلماء وازدهرت العلوم كما قيل في عصر السلاجقة ، وهكذا سارت الثقافة السريانية تتحدى الزمن ، تارة تنشرح واخرى تتقلص في الزهد والتأليف واصبحت بغداد اعظم مركز اشعاعي فكري وحضاري في القرن الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر، بفضل تفتح الحاكمين . وكانت للحيرة وجنديسابور مراكز سريانية مرموقة لها تاثير عميق في تنشيط الحركة الفكرية والعلمية وقد رافقت هذه الفترة اعني من القرن السابع وحتى القرن الثالث عشر ظاهرتان :
1- انشغال نخبة من العلماء والادباء في دراسة اللغة العربية وترجمة العلوم السريانية واليونانية الى العربية فتركوا لنا مؤلفات كثيرة امثال يحيى بن عدي ، الحسن بن الخمار ، عيسى بن زرعة ، حنين بن اسحاق ، ال بختيشوع … وكانت تكريت مركزا هاما للسريان . وفي هذا العهد انتقلت القافية الموحدة والسجع الى الاداب السريانية .
2- تغلغل الفكر الارمني الى الثقافة السريانية حيث انكب علماء السريان على اللغة الارمنية امثال يوحنا بن اندراوس وثيودور ابن وهبون والقس يشوع الحصفكي .
وقصارى القول نقول ان هذه الحقبة امتازت بانتشار المدارس وكثرة الادباء البلغاء وغزارة موادهم وسرعة انتشار علومهم ، فبفضلهم (كما يقول العلامة يوسف حبي) انتقلت الثقافة من مراكز الحضارة القديمة (اعني الاسكندرية وانطاكيا والرها ونصيين ) الى الحيرة وجنديسابور وحران والبصرة والكوفة وبغداد ، فمن لم يسمع بساويرا سابوخت الذي على يده وصلت الارقام الهندية الى العرب ،واسحق النينوي (القرن السابع) التي نقلت الكثير من تآليفه الى اللغات العربية والحبشية واليونانية واللاتينية والفرنسية والالمانية والايطالية والانكليزية ، ويعقوب الرهاوي (ولد سنة 633ـ 708) الذي يعتبره البعض اخصب كاتب في القرن السابع فهو لاهوتي كبير وفيلسوف قدير ومؤرخ شهير ونحوي ومترجم ، من مؤلفاته تفسير الاسفار الخمسة من العهد القديم، الايام الستة ، نحو اللغة السريانية وغيرها وماروثا التكريتي في القرن السابع ومار جرجيس والبطريرك الكبير يوحنا بن ماسويه (رئيس اعظم مدرسة في بغداد) وال بختيشوع الذين تولوا ادارة مدرسة بيمارستان جنديسابور ، كما مارسوا الطب في البلاط العباسي من سنة 765 وحتى سنة 1058 متنقلين بين جنديسابور وبغداد وسامراء بالاضافة الى كونهم ادباء متضلعين بالسريانية وطيماثاوس الكبير (728-823) الذي وضع كتابا في الكواكب وجدالا مع المهدي وله اكثر من مئتي رسالة وكتب اخرى في الطقس والقانون ، وحنين بن اسحق (808-873) عميد المترجمين ورئيس الفلاسفة والاطباء حيث كان يتقن اللغات السريانية والعربية واليونانية ، له العديد من المؤلفات في الطب والفلسفة والرياضيات والفلك ، وينسب اليه عدد كبير من الترجمات فيعود له الفضل في تكوين المكتبة العربية والفلسفية ، فله كما ورد في كتابه الرسالة (129) مصنفا ، وتوما المرجي وانطون التكريتي صنف جملة مؤلفات منها كتابه علم الفصاحة الذي تناول في مقاله العاشر اوزان الشعر (اول من وضع كتابا في علم العروض السريانية ) ، ويعقوب الكندي المسمى بفيلسوف العرب وابو بشير متى الذي كان يقرأ عليه الناس المنطق فكان يجتمع في حلقته كل يوم المنشغلون بهذا العلم ومن جملتهم الفارابي وقويري ، واليه انتهت رئاسة المنطقيين في عصره ، وقد جرت بينه وبين ابي سعد السيرافي مناظرة كبرى في المفاضلة بين النحو والمنطق . وكذلك ابن بهلول الذي وضع معجما قيما في اللغة السريانية ويشوع بن علي الذي وضع معجما كبيرا بالسريانية وميخائيل الكبير ، وابن العبري (1226-1286) الملقب بدائرة المعارف حيث الف العشرات من المؤلفات وبمواضيع شتى منها بالسريانية واخرى بالعربية لانه كان ضليعا بكلتا اللغتين من بينها تاريخ مختصر الدول ، وبابا الجبليتي الذي اشتهر بالموسيقى ويوحنا بن السدرات الذي سعى في نقل الانجيل من السريانية الى العربية ، وابن المعدني وايليا برشنايا وكيوركيس وردة ويوحنا دلياثا واسحق النينوي وابن المعدني وهو شاعر سرياني له العديد من القصائد والخطب … وغيرهم من الادباء والكتاب حيث نقلوا مصنفات كثيرة من اليونانية الى العربية مباشرة او عبورا باللغة السريانية .
الا انه ما يجعلنا نتوقف في هذه الفترة ونتسائل لماذا لم نسمع باهتمام الادباء السريان في النقل من اللغة الفارسية الى السريانية اولا والى العربية ثانيا رغم تواجد البعض منهم في الديار الفارسية او تحت النفوذ الفارسي ؟ وكذلك من العربية الى السريانية ؟ باستثناء ما ذكر ، كما لم نسمع بادباء عرب قاموا بنقل الثقافة السريانية الى العربية بانفسهم رغم اختلاطهم واشتغالهم مع السريان فضلا عن تخرج بعضهم من المدارس السريانية ؟ ومن الملاحظ ايضا وجود جدالات وحوارات فكرية ودينية بين علماء السريان وعلماء العرب ومن بينهم بعض الخلفاء كالمهدي وغيره ، وان دل على شئ انما يدل على توازي مستوى الثقافتين السريانية والعربية في القرون 8 ،9 ،10 ،11، 12 ،13 وتفتح عقولهم .
ومن جانب اخر كل ما وصلنا ولحد القرن الخامس عشر كان باللغة السريانية الفصيحة ، هذا ينقلنا الى التساؤل عن مدى التقارب والانسجام بين لغة الشعب واللغة الادبية التي كانت لغة الطقوس في الكنيسة ؟ وهل كانت الكراريز والشروحات اثناء القداس باللغة الفصيحة ام بلغة الشعب ؟ اكانت الاغاني المتداولة اثناء الاحتفالات باللغة الفصحى ايضا ؟ ام باللهجة العامية ، وان كانت كذلك لماذا اختفت هذه الاغاني والاهازيج التي كانت تستعمل من قبل الاباء والامهات والاطفال اثناء الحصاد او المهد او اللعب ؟ من المؤكد ان هذه الاهازيج والاغاني لم يكن فيها رائحة التوثن كي نضعها ضمن الاجابة الجاهزة ( .. بان اباءنا واجدادنا احرقوها كي لا يقع ابناؤنا في شرك التوثن ..) لذا علينا البحث عنها لانها كفيلة بالاجابة على الكثير من التساؤلات … رغم ان السيد اقليمس يوسف داود يجيب على هذا التساؤل فيقول :
(وبقيت اللغة السريانية هذه الكتابية دارجة في التكلم في معظم البلاد التي كانت شائعة فيها ولا سيما المدن الصغيرة والقرى حتى بعد ظهور الاسلام وبعد تسلط اللغة العربية باجيال . فانه من مؤلفات ابن العبري النحوي المشهور يظهر ان اللغة السريانية كانت مستعملة بين العامة في الكلام في عصره نفسه أي في القرن الثالث عشر )
كما لم يصلنا من هذه الفترة والفترة التي سبقتها اية مجموعات شعرية او قصصية او ملحمية او .. في الغزل والعادات والتقاليد المتداولة و.. رغم وجود ما يشابه ذلك من اشعار في الحب الالهي والخمر والطبيعة والمديح و.. الم يكن بين هذا الكم الكبير من الشعراء علماني واحد يحب ويغزل في من يحب ؟ اكان كل الادباء والكتاب من رجال الدين او العاملين معهم فحفظت كتبهم دون اخرى ؟ ام كان هناك شعراء وكتاب غزل الا انهم كانوا يكتبون لانفسهم فلم يجدوا من بعدهم من يحفظ وينشر كتاباتهم فاتلفت او احرقت مع دورهم او من قبل احفادهم ؟. اسئلة كثيرة علينا البحث عن الاجابة قبل اعادة تدوين تاريخ الادب السرياني ولكن من يقرأ القصائد الشعرية لشعراء هذه الفترة (من القرن الرابع الميلادي) سيقر بوجود ادب علماني يعبر عما يجول في دواخل هذا الشاعر من احاسيس وعواطف والا لما غزا شعر المديح والوصف والانشاد على هذا الشعر.
3- من سقوط الدولة العباسية وحتى مدخل القرن التاسع عشر
بعد سقوط الدولة العباسية عانت البلاد الكثير من الظلم والتعسف من الحكام الجدد ، فاندثرت معاهد العلوم وتوارى اصحاب المواهب وهدمت المدارس والاديرة واتلفت الاف الكتب ، الامر الذي ادى بالادب والعلوم عامة والادب السرياني خاصة الى الانحطاط . ومع ذلك بقيت اسماء بارزة دأبت على انعاش العلم والادب السرياني امثال عبديشوع الصوباوي الذي اشتهر بالفنون الشعرية محاكيا بذلك الحريري كما في كتابه جنة عدن ، رغم كل ذلك امتازت هذه الفترة ولادة الكثير من القصائد في وصف النكبات التي انزلها عليهم الحكومات التي اعقبت الدولة العباسية وخصوصا المغول والتتر والعثمانيين والعشائر الكردية في المنطقة .. وهذا ينقلنا الى التساؤل لماذا لم نتلمس بهذا اللون من الشعر في السابق رغم حدوث نكبات على الكثير من القرى السريانية وخصوصا ابان الصراع الفارسي والروماني او العربي والفارسي ؟ من الجدير بالذكر انه كانت هناك خروقات وتقييد الحرية ونظرة البعض من الخلفاء عليهم كونهم مواطنين من الدرجة الثانية ، فيشير التاريخ ان الخليفة المعتصم بالله قد بنى سامراء على ارض دير قديم، كما امر بهدم كافة الاديرة في المنطقة وجلب احجارها واخشابها لبناء هذه المدينة ، كما اصدر ابنه المتوكل مرسوما من 9 فقرات يقيد بموجبه حركة المسيحيين في البلاد من خلال عدم السماح لهم بالركوب باستثناء الحمار وقوانين تتعلق بملابسهم وحياتهم و.. كما امر بعدم السماح لابنائهم بتعليم العربية وعدم استخدام الاساتذة من المسلمين في مدارسهم ، ومن الان فصاعدا لا يسمح لهم ببناء المدارس والاديرة والكنائس ..
وكذلك امتازت هذه الفترة وبالتحديد من القرن السادس عشر ظهور كتابات باللغة السريانية الدارجة (السورث) استنادا الى المخطوطات التي اشار اليها العلامة يوسف حبي في مقاله المنشور في مجلة مجمع اللغة السريانية كقصائد القس هرمز الالقوشي والقس اسرائيل الالقوشي (تولد سنة 1514) الذي اسس في القوش مدرسة انجبت العديد من الادباء والكتاب وله عدة اعمال منها التقويم الشرقي وعدة مداريش تقال للموتى كما كتب العديد من القصائد الشعرية كقصيدته في وباء القوش سنة 1611 والقس كوركيس الالقوشي (حفيد القس اسرائيل) الذي وضع هو الاخر بعض المداريش تقال في الموتى وله ترتيلة في صوم نينوى وقصائد شعرية والقس دميانوس كونديرا (توفي سنة 1858) الذي كتب عدة قصائد وطقوس تستخدم لمناسبات دينية كنسية ويوسف جمال الدين ومار يوحنا اسقف ماوانا (عاش في اواسط القرن السابع عشر ) ومار حنانيشوع مطران مرستك (عاش في الربع الاول من القرن الثامن عشر ) واخرون غيرهم الا ان قصائدهم كانت من البساطة والركاكة مما يدعونا الى القول بانها وليدة العهد اعني عدم وجود جذور قديمة لهذه الكتابات على الاقل في اوساطهم ، ومن المستغرب جدا ان تكون قصائدهم بهذه البساطة والركاكة رغم تضلهم من اللغة السريانية الفصحى والتراث السرياني الثر ، ومن الجدير بالذكر ايضا ظلت هذه اللغة (السريانية) لغة محكية حتى اواخر القرن السابع عشر في لبنان وفي القرن الثامن عشر (كما يقول دي طرازي في كتابه السلاسل التاريخية) كان نابليون يذيع اوامره في بلاد وادي النيل باللغات الشائعة في المنطقة ، منها السريانية واقيمت مطابع كثيرة ، باللغات الشائعة في المنطقة ، منها السريانية ليطبع اوامره واعلاناته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق