كل عام ترافق ذكرى يوم أستراليا
نقاشات حول مواضيع عديدة مثل تحويل أستراليا إلى جمهورية، تغيير العلم الأسترالي،
تغيير النشيد الوطني الأسترالي، الإعتراف بالسكان الأصليين في مقدمة الدستور،
التعددية الثقافية، المهاجرين، اللاجئين، تغيير تاريخ الإحتفال بيوم أستراليا إلى
غيرها من القضايا التي تدخل في صلب النقاش حول الهوية الأسترالية.
قبل الدخول إلى هذا الموضوع
الحساس خصوصاً في زمن العودة إلى العصبيات الضيقة والدعوة إلى الإنعزال على المسرح
العالمي، لا بدّ من عرض تاريخي موجز عن تطور النظام السياسي والقانوني في أستراليا
منذ بدء الإستيطان الأبيض ووصول الكابتن آرثر فيليب إلى مرفأ جاكسون في 16/01/1788
في ما عرف بالأسطول الأول الذي كان يتألف من 11 سفينة تحمل المدانين المبعدين من
بريطانيا بعد 18 عاماً من وصول الكابتن كوك إلى خليج بوتاني في سدني نيوسوث ويلز
عام 1770.
كما هو معلوم أن أستراليا قبل
ذلك كان يقطنها سكانها الأصليون (الأبورجينال) قبل 60 ألف سنة حسب بعض الدراسات أو
40 ألف سنة حسب دراسات أخرى.
بدأ المستوطنون البيض ترسيخ
أقدامهم على حساب السكان الأصليين وفي هذا المجال يذكر أن الحاكم ماكواري وفي
العام 1816 قد أصدر أوامر بمعاقبة السكان الأصليين المقيمين في سدني كردّ على جرائمهم وكان الهدف من هذا العقاب
دفع السكان الأصليين للخروج إلى الجبال وكل من كان يخالف تطلق عليه النار وتعلّق
جثثهم إلى الإشجار لزرع الرعب في الباقين (إفتتاحية صحيفة س م ه 26/01/2017 ص 16)
وحسب نفس المصدر فإن ممارسات الحاكم ماكواري الوحشية كانت طبيعية في أيامه وكان
الإنكليز يمارسونها ضد الإيرلنديين والأسكتلانديين.
في العام 1804 أصبح يشار إلى 26 كانون الثاني بيوم
النزول أو بيوم التأسيس وبعد ذلك بعام تم تسمية القارة بأستراليا.
بدأ الاحتفال بيوم أستراليا عام
1818 حين أعطى حاكم نيو سوث ويلز موظفي الحكومة عطلة رسمية، وفي العام 1838 اعتبر
هذا اليوم عطلة رسمية في نيو سوث ويلز وفي الذكرى المئوية الأولى لوصول المستوطنين
البيض أصبح تارخ 26 كانون الثاني يعرف
بيوم التأسيس بعدما وافقت ولايات تازمانيا، فكتوريا، كوينزالند، غرب أستراليا،
جنوب أستراليا ونيوزيلندا الإنضمام إلى نيوسوث ويلز والإحتفال بيوم التأسيس.
في العام 1931 أصبح يوم 26كانون الثاني يُعرف بيوم أستراليا في ولاية
فكتوريا ولحقت بها باقي الولايات عام 1935 ما عدا نيوسوث ويلز التي لحقت بهم عام
1938.
العام 1954 تم تغيير العلم
الأسترالي إلى شكله الحالي.
العام 1960 بدأ بتسمية أسترالي
العام كجزء من الاحتفالات بهذا اليوم.
العام 1984 تم تغيير النشيد
الوطني الأسترالي من (الله يحفظ الملكة) My God Save The Queen إلى النشيد الحالي (أسراليا العادلة إلى الأمام) Advance Australia Fair.
العام 1988 الذكرى المئوية
الثانية لبدء الإستيطان الأبيض وافقت الولايات والمقاطعات على الإحتفال بيوم أستراليا الوطني في 26 ك2 وفي نفس العام أطلق السكان
الأصليين (الأبوريجينال) على هذا اليوم (يوم الغزو) يوم بدء معاناتهم.
في العام 1994 أصبح 26 كانون
الثاني يوم عطلة رسمية في كافة أنحاء البلاد يشار إلى أن الفيدرالية الأسترالية
شكلت في 01/01/1901.
تساءلت المؤرخة والكاتبة جاكي
فرانش: "من نحن، من كنا ومن نريد أن نكون"…(صحيفة سدني مورنيغ هيرالد
26/01/2017 ص 18) وبعد عرض لكيفية الإحتفال بهذا اليوم وإبعاده التاريخية تختم
الكاتبة مقالها هذه الأرض لنا جميعاً.
في أستراليا الحديثة وعلى
المستوى الفيدرالي هناك قوانين ونظام
سياسي يقوم على علمانية الدولة ولغة رسمية واحدة (الإنكليزية)، وشهدت البلاد
تطوراً مهماً على كافة الصعد رغم أنها لم تتصالح كلياً مع ماضيها والإعتراف
بالسكان الأصليين في الدستور الذي يدور النقاش حوله بين القوى السياسية الرئيسية
في البلاد من أجل إجراء استفتاء مُلزم حول الموضوع كما تطلب القوانين المعمول بها،
علماً أنه ولأول مرة تم إحصاء السكان الأصليين من ضمن سكان أسترالي عام 1967 بعد
الإستفتاء الذي جرى ذلك العام.
في سبعينات القرن الماضي طرأت
تغييرات ديمغرافية رافقت التطور العلمي والثقافي والسياسي والإجتماعي حيث تخلّت
أسترالي عن سياسة أستراليا البيضاء وبدأت باستقبال مهاجرين من خلفيات غير أوروبية
وحسب مكتب الإحصاء الأسترالي، ففي إحصاء 2016 هناك 28.2% من المواطنين الأستراليين
مولودون في الخارج و 46% لأب أو أم مولودون في الخارج حسب دراسات عام 2013، هذا إن
دلّ على شيء فإنه يدّل على التنوع والتعدّد الثقافي الذي تعيشه البلاد التي تعتبر
نفسها من أهم وأوسع التعدديات الثقافية في العالم، رغم أن التعددية الثقافية غير
معترف بها في الدستور وتبقى عرضة لسياسات الحكومات المتعاقبة ومزاجية بعض
السياسيين، ولمناسبة اليوم الوطني الأسترالي لعام 2017 او يوم "الغزو"
كما يسميه الأبوريجينال وكما في كل عام دارت سجالات حول تغيير يوم الإحتفال ووقعت حوادث
صغيرة خلال الإحتفالات الرسمية والشعبية التي ترافق المناسبة، وسياسياً كان ملفتاً
للنظر السجال الذي دار بين زعيم الحزب الوطني ونائب رئيس الوزراء بارنبي جويس
وزميلة الوزير السابق إيان ماكفرلاين
والذي غيّر اعتقاداته السابقة وقال:"يجب أن ننقل اليوم الوطني من أجل إزاحة
أي عقبات مستقبلية من طريق المصالحة الحقيقية وأستراليا العظيمة". (س م ه
27/01/2017 ص 15) هذا التصريح الذي أعقبه رد عنيف من جويس الذي إعتبر ما يسمى
"التصحيح السياسي وصل الى حد الجنون" نفس المصدر. في هذا لاسياق نرى أن
النقاش حول الهوية والإحتفال بيوم أستراليا وتحويلها إلى جمهورية وغيرها يجب أن
تأخذ محراها الطبيعي بعيداً عن العنف والتشنح حرصاً على مستقبل أستراليا وديمقراطيتها
وتقدّمها وازدهارها ومستقبل أجيالها، هكذا حوار ونقاش يحب أن يبدأ اليوم قبل الغد
والغد قبل الذي يليه حتى نضع حداً مرة وإلى الأبد لكل النقاشات الجانبية واستغلال
بعض السياسيين والعنصريين، لأن أستراليا لجميع أبنائها الذي اختاروها وطناً لهم أو
الذين سكنوا فيها منذ 60 أو 40 ألف سنة.
أخيراً، نضمّ صوتنا إلى صوت
الوزير السابق ماكفرلاين والحاكم العام لولاية نيوسوث ويلز دايفيد هارلي الذي قال:
"ككل واحد هنا أو في كل أستراليا، أنا حريص أن ننهي العمل الذي بدأ عام 1967
عاجلاً وليس آجلاً…" (س م ه 27/01/2017 ص15).
بالختام، إذا كان التغيير
الذي ذكرناه كان ممكناً في الماضي، فلماذا لا يمكن أن يكون ممكناً حالياً من أجل
مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً لأستراليا وأجيالها؟!
فإذا كنا لا نستطيع تغيير بدء
تاريخ الإستيطان فبكل تأكيد نستطيع تغيير تاريخ الإحتفال بيوم أستراليا واستبداله بتاريخ
آخرللحد من الحساسية التي يشكلها هذا التاريخ بالنسبة للسكان الاصليين.
Email:abbasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق