استعرضنا فى الفصل الأول عن هذه الثنائية الجنسية والفكرية بعض المحاور التى يجب علينا استكمالها أو الأضافة اليها بما يفى بوصول الفكرة التى نحاول وصولها الى القارئ المهتم معنا بهذه الثنائية التى تشكل فى عصرنا وفى عصور سابقة أهمية كبرى لمشكلة التنوير التى مازالت البشرية فى العالم الثالث أو الصحراوى البدوى تعانى من ظلمة العقول التى تسيطر عليها فتبعدها عن التقدم والرفاهية ، ربما يشكك الآخر فى أن هذه الشعوب تعيش اليوم أوج المدنية ، لكنها المدنية المستوردة المأخوذة من اكتشافات واختراعات العقول المستنيرة التى بددت ظلام عقولها وعاشت عصر التنوير (ولنا لقاء فى مقال آخر سنستعرض فيه اشكالية التنوير) .
الرجل والمرأة يمثلان ثنائية ، الرجل فيها هو الطرف الأقوى ، والمرأة هى الطرف الأضعف ، وكان لابد على العلماء والمفكرين حل أطراف المعادلة ، فكان لابد من تحرير المرأة ونشلها من سيطرة الرجل عليها وسلب حقوقها الشرعية والوضعية ، فالنص أنصف المراة عندما منحها الحرية فى اختيار شريك حياتها وأيضا اذا ارادت أن تكون العصمة فى يدها ، وكذلك طلبها قبل الزواج أن يكون لها خادم أو خادمة ، ونهى الرسول عن استخدام الزوج وسيلة الضرب المبرح كعقاب للمرأة ، ونهى وأوصى فى اكثر من حديث بالمرأة خيرا بعيدا عن الأحاديث المدسوسة التى تنال من حريتها وكرامتها مثل (أكثر أهل النار من النساء) وغيره من أحاديث موضوعة ، خص بها كتاب سلبيون أرادوا النيل منها ، أما الكتاب الأيجابيون الذين أرادوا انصافها فقد قدموا ما جاء فى النص لرفعة شأنها ومكانتها ، ثم استندوا الى الحديث وهو الذى يمثل الموروث الدينى الثانى ، فمثلا عندما عمل محمد بن عبد الله عند خديجة قبل أن يكلف من قبل الله بالرسالة ، عرضت عليه خديجة الزواج منه (فى الجاهلية قبل الأسلام) وكانت تكبره فى ذلك الوقت بخمسة عشر سنة ، فهل تقبل العرف هذا العرض من المرأة على الرجل وبفارق هذا العمر ؟ أليس ذلك يعتبر عارا فى الأزمنة المتتالية فى جنوبنا وحتى اليوم ؟ وعند زواجه من عائشة كان يكبرها بخمسة وأربعون سنة فالبعض تأسى بالرسول بعد التكليف فى الحالتين ، ومازال شيوخ ووجهاء المجتمع الصحراوى من الرجال من يتزوج من صغيرات السن تأسيا بالرسول ، علما بأن أغلب زيجاته كانت بأمر من الله .
قلنا أن حل هذه المشكلة يكمن فى تحرير المرأة من قبضة الرجل ، فنادى بذلك بعض المستنيرين من قادة الفكر فى عصر النهضة بمساوة المرأة فى الحقوق والواجبات واقامة العدل بينها وبين الرجل ، ونحن نسأل : هل هذه الثنائية خاصة بالمرأة والرجل فقط ؟ أم انها أعم تشمل كل جوانب الحياة والفكر والعلاقات الأجتماعية ؟ مثل ( الله والعالم ، الملاك والشيطان ، النفس والبدن ، الخير والشر ، الحلال والحرام ، الأيمان والكفر ، الله والطاغوت ، الصورة والمادة ) .
من الممكن أن نقول أن هناك معوقات تشريعية تقف فى وجه المرأة فى الوقت الحالى وذلك راجع الى الحراك الأجتماعى والمرحلة التاريخية التى يمر بها المجتمع والأثنين معا يعبران عن طبيعة الصراع الأحتماعى بين (المحافظة والتحرر ، بين التقدم والتخلف) فالطلاق مثلا فى يد الرجل وذلك الشائع والسائد رغم أن الشريعة تجعل للمرأة الحق فى أن تكون العصمة فى يدها ، فلماذا تفرط المرأة العالمة فى هذا الحق برغبتها ؟ هل تنازل منها للرجل لأنها تعلم انه سيدها وهى مملوكة له ؟ أم لرغبتها فى التباهى والتفاخر أمام جنسها أن رجلها قوى الشكيمة يقيدها بسلاسل لافكاك منها لأنه يحبها ويغير عليها ؟ أنها توجد الوسيلة لتبرر لنفسها الغاية من التفريط فى حقوقها للرجل وهى التى بلغت من العلم أقصاه ، فأصبحت طبيبة وقاضية ووزيرة ومحافظة وجندى بالقوات المسلحة وقوات الأمن فى البلدان العربية والأسلامية المستنيرة الى حد ما ، والباقية على حالها فى بلدان اخرى ، فأصبحت بتنازلها عن حقوقها تتساوى مع الأخرى .
أما بالنسبة لتعدد الزوجات تأسيا بالرسول وبالشرع الذى جاء به الأسلام ليحد من تعدد الزوجات فى القدم ، فأصبح لايزيد عن أربعة ، ولظروف اجتماعية بدائية صحراوية بحتة ، كانت تمكن الرجل من ذلك فى الأنفاق والمسكن والملبس ، حيث بساطة الحياة التى لاترف فيها لأنه لم يعاصر المدنية التى وصلت الى أوجها اليوم ، الأمر الذى اضطره الى العمل ليل نهار من أجل توفير حياة كريمة وطيبة الى زوجته وأبناءه ، وبناءا عليه أصبح غير قادر على سد كل طلبات الحياة لأسرته ، فكيف له من زيجات أخرى أباحها له الشرع وهو منهك غير قادر على الأيفاء بحقوق زوجة واحدة ؟ فهل كان الشرع منصفا للمرأة بعد أن حد من تعدد الزوجات فى الجاهلية الى أن انحصرت فى أربعة ؟ وذلك باستثناء الرسول الذى منحه الله عددا من الزوجات لأمور بينها الله له فى وقتها ليكون على بينة بها، كما أحل له استنكاح من وهبت نفسها له فوق زيجاته الأحدى عشر التى كان بعضها بسبب شهادة الأزواج فى الغزوات مثل (زينب بنت خويزمة)أو بمناسبة توفى الأزواج فى الهجرة الأولى الى الحبشة مثل (سودة ، حفصة ، أم سلمة ، أم حبيبة) أو بمناسبة السبى وأحب الرسول أن يحررهن بالزواج منهن مثل (جويرية، صفية ، ريحانة) علاوة على أن أولى زوجاته هى خديجة وعائشة بعد سودة وزينب بنت جحش التى تزوج منها بامر من الله ، ولقد عمل بنظام التسرى ، فتسرى بأربعة هن (مارية القبطية ، ريحانة بنت زيد ، وجميلة ، وجارية زينب بنت جحش) وقد انتهى العمل بنظام التسرى الا عند بعض المذاهب التى تعمل به اسوة بالنبى ، ولقد تزوج الرسول ولم يدخل وخطب ولم يتم النكاح ، وعرضت عليه بعض النسوة أنفسهن فأبى ، وكلها مواقف خاصة لا يمكن التأسى بها فى مجتمعاتنا الفقيرة ورجالها المنهكة ونسائها المستعبدة .
كما أن المرأة التى كانت مستضعفة فى الجاهلية لكونها نجس او شيطان أو عار، فكان عندما يبشر الرجل بالأنثى يقوم بوئدها وهى حية ، من هنا لم يؤخذ بشهادتها ، الى حين مكنها الشرع من ذلك ، فأصبح يؤخذ بشهادتها ، فأحيانا تكون شهادة المرأة القوية الشجاعة ، أصلح من شهادة الرجل الضعيف المتردد ، وبالنسبة للميراث التى حرمها منه المجتمع الصحراوى بموروثه المظلم وعاداته وتراثه ، أصبح للمرأة الحق فى ارث أبيها وأمها حتى لو بلغ السدس أو الثمن، لكن أعطى الله الحق للأبوين أو لأحداهما حرية فى وصاية مايريد أن يورثه لأبنته فى حياته حتى لو كان مثل الأبن ،وأن من حقها أن تنقل ورثها معها الى بيت زوجها بعد ان كانت لايعترف بها كانسان له الحق فى الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق