حروف القافية ...(الروي) وتشعباته !
وعدتك في الحلقة السابقة أنْ أزيدك من الألقاب ( الألفاظ) المتعددة في القصائد أو المقاطع الشعرية ، لأنني لا أرى فيها ضيرا فيما إذا جاءت مستوية مع الأحكام الجائزة في الشعر ،بل إن وردت بترتيب متناسق ربما تزيد من جمالية القصيدة إيقاعياً , وإليك قول أبي العتاهية :
إنَّ أخاك الصدق مَن كانَ مَعَكْ
ومَنْ يضرَّ نفســــــهُ لينـْفَـَعَكْ
ومَن إذا ريبُ الزمان ِصَدَعَكْ
شتـّتَ فيــــــهِ شملهُ ليَجْمَعَكْ (65)
لفظ القافية في البيت الأول ( متراكب ) ( كا نَ مَ عَكْ /ه // /ه - ب ب - 2 11 2) ، وفي البيت الثاني ( متدارك ) (ينْ فَ عَكْ /ه / /ه - ب - 2 21 ) ، والثالث (متكاوس ) (مانَ ِصَ دَ عكْ /ه /// /ه - ب ب ب - 2 111 2) ، والرابع (متدارك ) (يَجْ مَ عَكْ /ه / /ه - ب - 2 1 2) ( راجع الهامش 66).
البحتري أذنه حساسة جداً ، وجرسه الموسيقي لا ينافسه عليه أحد من الشعراء ، ولكن في رجزه الآتي ، جاء بيته الأول (متدارك) ، والثاني (متراكب ) :
يسلبني عقلي بحسن وجههِ*** وهو من الإعجاب بي كالمسْتـَلـَبْ
كأنما هاروت في أجفانـــــهِ ***ينصف إن شاء، وإن شاءَ غَـَصَبْ (67)
قافية البيت الأول ( مُسْ تـَلـَبْ /ه / /ه - ب - ) متدارك ، والثاني متراكب (شاءَ غَ ضَبْ /ه // /ه - ب ب - ) .
وله من البحر الرمل :
كلـّفتني أريحيـــــــات الصبا** طلقاً في الشوق ممتد السَّننْ
نقـّلتني في هوىً بعد هوىً ***وابتغتْ لي سكناً بعْدَ سَكـَنْ (68)
البيت الأول لفظ قافيته ( متدارك) (دسْ سَ نَنْ /ه / /ه - ب - 2 1 2 ) ، والبيت الثاني ( متراكب) (بعْ دَ سَ كـَنْ /ه // /ه - ب ب - 2 11 2 ) .
وفي العصر الحديث قال عمر أبو ريشة (الرمل ) :
أمتي هل لك بين الأمـــم*** ِمنبرٌ للســيفِ أو للقلم ِ
رًبَّ وا معتصماه انطلقتْ**ملء أفواه الصبايا اليتـّم (69)
ِ
القافية في البيت الأول لفظها (متراكب ) (لِلْ قَ لَ ميِ /ه // /ه - ب ب - ) ، والبيت الثاني (متدارك ) (يَتْ تَ مي /ه / /ه - ب - ) ، دقق معي رجاءَعروض البيت الأول جاءت ( أممي... فَعَلـُن ///ه ) ، وضرب البيت نفسه جاء ( قلمي...فَعَلـُن ///ه) ، و (فعلن ) مخبونة (فاعلن) ، أي حذف ساكنها الثاني (الألف) ، والقافية فيهما أكثر من تفعيلتي عروضه وضربه بسبب خفيف (/ه) لكل منهما ، بينما قافية البيت الثاني وردت ( يَتْ تَمِي .../ه //ه فاعلن) ، أي غير مخبونة ، فالقافية هي تفعيلة الضرب نفسها ، والشاعر المفروض يلزم ( الخبن ) في كل أضرب القصيدة ، والشاعر الكبير عمر أبو ريشة تجاوز الأمر ، لأن الجرس الموسيقي جميل ، وقد آتى البحتري الأروع في الشعر العربي بموسيقاه بما يشبه ذلك وأسلفنا .
حروف القوافي وأبعادها :
ذ كرنا في الحلقات السابقة القافية تقع مابين الساكنين الأخيرين والحرف المتحرك قبل الساكن الأول ، وبيّنـّا ألقابها( ألفاظها ) ، وقد نجد لفظين أو أكثر في القصيدة أو المقطوعة الواحدة و تتشكل ما بين كلمتين عرفيتين ، وحتى أقل من كلمة واحدة ، والقافية غير تفعيلة الضرب - بالرغم ما ذهب إليه الأقدمون وبعض المعاصرين ! - إما مساوية لها أو أقل منها أو أكثر .
فإذاً القافية تتركب من حروف ، وهذه الحروف تختلف في عددها ونوعيتها وحركاتها أو سكونها ، وحركات حرف الروي قد تشبع إلى حروف مجانسة لها إن كانت مدّا ، والقافية التي يأتي بها الشاعر في مطلع القصيدة يجب أن يلتزم بها في كل أبياتها (70) ، والحرف الرئيسي والأساسي التي تبنى عليه القافية هو حرف الروي ، وقد يأتي بعده حرفا الوصل والخروج ، أو أحدهما ، وقد يسبقه إما حرف الردف أو حرفا التأسيس و الدخيل ، أو لا ردف ولا تأسيس ، وللحركات حسابها المحسوب ، فحروف القوافي لا يُشترط مجيئها كلها في القافية الواحدة ، بل قد يتعذر اجتماع بعضها مع البعض الآخر ، إلا حرف الروي فهو واجب الوجود في الشعر العمودي من وجهة نظري ، وإلا أيّ تغيير بسيط في حرف واحد أو حركة واحدة يُعدّ عيباّ !!
1 - حرف الروي :
هو الحرف الأساسي من حروف القافية ، واجب الوجود فيها ، وإلا إذا تغيّر مرة يعدُّ عيبا يكسر القصيدة ، ويقصم ظهر الشاعر !
نعم تبنى عليه القصيدة بأكملها ، وإليه تنسب القصيدة ، كأن يقال للقافية دالية أو ميمية أو رائية ... ، ولكن لا أذهب ما ذهبا إليه الدكتوران صاحبا ( النغم الشعري عند العرب ) " أنّ الشاعر يعمد إلى حرف من الحروف الصالحة للروي فيهيئ عليه بيتاً ثم يلتزم تلك الهيئة إلى آخر قصيدته ..." (71) ضع خط تحت ( يعمد) ، في هذه الكلمة يجعل الدكتوران الشعرالعربي صناعة ، وليس إلهاماً ، نعم هذه تصح مع الناظم ، ومع الشاعر حين صناعة الشعر تكلفاً ، لا تأتي حينذاك بالإبداع المرتجى ، ويتبين على ملامحها النحت الملل أو التصنع المتعقل ، فالقصيدة الملهمة بالإبداع الساحر ، يأتي الوزن ومعه القافية والروي طوع البنان دون تعمد ولا تقصد ، حسب الظروف الموضوعية والذاتية واللحظة والمناسبة ومدى تأثيرها على نفسية الشاعر وأحاسيسه ، فمثلا قصيدة المتنبي ، ذات المطلع الشهير:
وا حرّقلباهُ ممن قلبهُ شبِمُ ** ومَن بجسمي وحالي عندهُ سقمُ (72)
هل تتخيل أن هذه القصيده الرائعة , قد فكر المتنبي ببحر بسيطها ، وميم رويّها , ولفظ قافيتها المتراكب - ضمة الميم عنده تشبع إلى واو ساكنة - ؟ إذن أنت في وهم كبير ، جاءته إلهاماً , فصبها إيلاماً ! ولعلك تحسب أنّ قصيدة خصمه أبي فراس الحمداني قد لملم حروفها ، وصاغها جاهدا ً متعبا ، والتي مطلعها :
أراكّ عصيَّ الدّمع شيمتكَ الصّبرُ***أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟ (73)
كلا - يا قاريء الكريم - سكبها لوعة قي يوم أُسر ٍ مرير ، وهو الأمير ، شقشق بها شقشقة ببحر طويلها لبثّ همومه المتراكمة ، و بقافيتها المتواترة التي تعطيك انطباعاً عن الحزن واليأس ، والاستسلام لمشيئة الأقدار ، وأبى إلاّ أن يكون رويها حرف راء مرفوع بدون وعيٍّ منه ، لأنه رفيع المقام ، وقال لم يؤسر أحد فبقي عليه ثيابه وفرسه وسلاحه عيري !
الروي غير كافٍ لاستواء القصيد ، ما لم تلتزم الأحكام الموجبة في الأوزان من جواز ولزوم ٍ و امتناع .
أما " اتفاق الروي ليس شرطاً بل في وجوب سلامتها في تحقق مسمى القصيدة " (74) من الأقواء والأصراف والإكفاء والإجازة والسناد فهي من عيوب الشعر ، تضعفه كثيراً ( سنأتي عليها) ، ولكن من أين جاءت كلمة ( الروي ) ، يروي صاحب ( المفصل) : إنّ الروي مشتق من الروية ، وهي الفكرة ، لأن الشاعر يتفكر فيه من فعيل بمعنى مفعول ، أو مأخوذ من الرواء بكسر الراء بمعنى الحبل الذي يضم شيئاً بشيء آخر, وبهذا يصل أجزاء البيت بعضها مع البعض الأخر (75) ، وهذا لا يقنعني لبعده عن واقع الحال ،والغرض المراد ، ولكنّ أبا يعلي التنوخي في تفسيره أقرب إلى العقل والمنطق ، إ ذ يميل وأنا أميل معه إلى أنّه مشتق من الرواية ، وعند رواية الشعر ، يمكن للشعر الأستغناء عن كل حروف قافيته - حسب قوافيه - إلا الروي ، وقد ذكره النابغة بقوله :
بحسبك أنْ تهاضَ بمحكمات ٍ *** يمرُّ بها الرويِّ على لساني
وقد يكون من رويت الشعر أي حفظته من أصحابه ، فيكون فعيلاً بمعنى مفعول ، يقول الشاعر :
روى فيَّ عمرو ما رواهُ بجهلهِ ***سأتركُ عمراً لا يقولُ ولا يروي (76)
وهذا حرف الروي ، أما أن يكون ساكناً،فالقافية تسمى مقيدة ، أو أن يكون حرف الروي متحركاً ، فالقافية تدعى مطلقة ، ولكلا الحالتين أحكام ، والخير قادم .
يلخص الدكتور سيد بحراوي حرف الروي " لا بدّ أن يكون حرفا لا يقبل التغيير ، أي لا بدّ أنْ يكون حرفاً صحيحاً غير معتل ، وأن يكون أصيلاً في الكلمة حتى لا يحذف ، ومن هنا فلم يعتبروا حروف المدِّ والهاء حروف روي إلا في حالات محدودة ..." (77 ) ، لا بد أن نسلط الضوء على ترتيب ورود الحروف حسب كثرتها ، وبعض الحالات المحدودة ، يقسم أبو العلاء المعري في لزومياته حروف الروي إلى ثلاثة أقسام :
1 - الذ ّلل : وهي ما كثر على الألسن ، وهي عليه في القديم والحديث .
2 - النفر : وهو ما قلّ استعمالا من غيره كالجيم والزاي ونحو ذلك .
3- الحوش : اللواتي تهجر فلا تستعمل (78) .
يذكر صاحب (البنية الإيفاعية في شعر الجواهري ) ، إنّ حروف المباني التي تقع روياً ً على أقسام أربعة بحسب وقوعها في الشعر العربي :
1 - حروف يكثر أن تجيء روياً وبنسب متفاوتة ، وهي الراء والميم واللام والنون والباء والدال والسين والعين .
2 - حروف متوسطة الشيوع ، .وهي الكاف والهمزة والحاء والفاء .
3 - حروف قليلة الورود ، وهي الضاد والطاء والهاء والتاء والصاد والثاء .
4 - حروف نادرة الوقوع وتضم الظاء والذال والغين والخاء والشين والزاي والواو . (79)
الحقيقة لا معلومة (اللزوميات ) ، ولا ما ذكره صاحب ( موسيقى الشعر ...) دقيقة تماماً ، فمثلاً جيمية ابن الرومي - سبق أبا العلاء بأقل من قرنين- في رثاء أبي الحسين يحيى بن عمر العلوي الطالبي ، وهي من غرر قصائده تتشكل من مائة وإحدى عشر بيتاً من (الطويل) ، مطلعها :
أمامك فأنظر أيّ نهجيك تنهجُ ؟ **طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ (80)
وتائية دعبل في مديح آل البيت (ع) ، تتضمن مائة وواحد عشرين بيتاً من (الطويل) ،واشتهرت ببيتها :
مدارس آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ ** ومنزل وحيًّ مقفر العرصاتِ (81)
و لا أريد بالطبع مقارنتي بعباقرة الشعر ، ولكن ما رأيت ولمست ، لا ما سمعت وحدست ، إنّ قصيدتي الثائية التي نظمتها من بحر قصير سلس (مجزوء الكامل)، من أوائل قصائدي قراءة :
ما كـــان لو تتريثُ****عوضاً تعيش وتلهثُ
ريّضتَ تسعة أشهر ٍ *** في ضنك رحم ٍتلبث ُ
ماذا وجدتََ بذي الحيا** ة وكلّ عمركَ تبحثُ
أترى بأرضكَ حارثاً أمْ غير أرضكَ تحرثُ ؟ (82)
ذكرت عدّة أبيات منها لترى كيفيفة تطويع الأذن العربية ، وهي التي تحكم ، ولكن هذا لا ينفي قول المعري العظيم ، ولا إحصاءات الباحث الكريم في تسلسل حروف الروي، ومدى ملائمتها للسامع الشغوف غير صحيحة ، وإنـّما الشاعر الملهم أو المتمكن قادر على تطويع الشعر ومفردات اللغة ، والجواهري على العموم "يتخير لقافيته في الأغلب روياً سهلاً مقبولاً على الأسماع..." (83) .
وهذا ما سار عليه كلّ الشعراء الكبار القادرين على إبداع السهل الممتنع . مما جعلهم يجمعون بين البلاغة والفصاحة ، فالبلاغة ما تختص بالمعاني ، والفصاحة ما تختص بالألفاظ ، قال عبد الحميد الكاتب الشهير - وزير مروان بن محمد أخر خلفاء بني أمية - " البلاغة ما فهمته العامة ، ورضيته الخاصة " (84) " والفصاحة حدّها التخلص من التعقيد والتنافر وضعف التأليف " (85)
أوجز د . سيد البحراوي الحروف التي يمكن أن تكون رويّاً - كما أسلفنا - ولزيادة التوضيح ، الأحرف التي تصلح رويا ووصلا بقيود هي : الألف والواو والياء والهاء وتاء التأنيث وكاف الخطاب ، فإن التزم الشاعر ما قبلها كان ما قبلها رويا وإلا كانت هي الروي ، فحرف الألف إذا كان من أصل الكلمة ، وما قبله حركة فتح ، ولم يلتزم الشاعر بخرف روي ، كان الألف هو الروي ، وتسمى القصيدة بالمقصورة ، كمقصورتي المتنبي القصيرة والجواهري الطويلة جداً التي ألجأته أن آتى بعدة أبيات منها بألف غير أصلية ، أما أنه أقصرّ ممدودها أو خفف همزتها ، مطلع قصيدة المتنبي :
ألا كلًّ ماشية الخيزلى *** فدى كلِّ ماشية الهيذبى (86)
مطلع قصيدة الجواهري :
برغم الإباء ورغم العلى ***ورغم أنوف كرام الملا
أدرّ عليه ثديّ الخمـول***وهزّتهً في المهدِ كفُّ الغبا (87)
كما ترى في البيت الأول خفف همزة الملأ ، فالألف غير أصلية ، وفي البيت الثاني أقصر الغباء إلى الغبا ، وألف الغبا غير أصلية .
بينما أبو العلاء المعري لزم ما لا يلزم ، أو قل أعتبر الألف وصلا ، وهي أصلية في كلمتي ( قضى ومضى ) في قوله والروي الضاد :
منك الصدود ومني بالصدود رضا *** من ذا علي بهذا في هـواك قضى
إذا الفتى ذم عيشـــــا في شبيبته*** فما يقول إذا عصر الشباب مضى (88)
لا تعتبر هذه الأمر سبباً لأفضلية شاعر على شاعر ، مقصورة الجواهري العظيم تُعدُّ من غرر قصائده وأطولها ، لا تقاس الأمور بهذه البساطة ، قصيدة الجواهري نزلت إلهاماً على شواطئ دجلة وله رأي ، وهو حجّة علينا ولو بعد حينٍ وحين من العصر الأموي ، وما كلّ شاعرٍ بشاعر ...!! و ربما ابيات المعري نحتت صناعة ، والمعري يمارس هذا النوع لإبراز الذات ، ولكن نحن بصدد تفصيل أصول القوافي .
ومن الألف غير الأصلية :
ألف التثنية (قاما ، قعدا ) وألف الإطلاق وهو الحرف المتولد عن إشباع الحرف مثل قول شوقي : ( كما تزنُ الطعامَ أو الشرابا ) ، اما قول الراعي النميري :
(يا صاحبي دنا الأصيلُ فسيرا***غلب الفرزدقُ في الهجاء جريرا ) (89)
فالأولى للتثنية ، والثانية للتنوين قلبت للإطلاق، وكلاهما وصل .
و الألف المنقلبة عن نون التوكيد الخفيفة وقفاً ( والله فأعبدا) .
وكذلك ألف (أنا) ، الناتجة عن إشباع الفتحة إلى ألف ، الألف في هذه الحالات تعتبروصلاً ، والروي ما قبلها .
أمّا ألف (ها) الغائبة مثل قول لبيد بن ربيعة
عفتِ الديارُمحلـٌّها فمقامُها*** بمنى تأبّدَ غولـُها فرجامُها (90)
هنا الألف ألف الخروج، والهاء وصل ، والروي الميم ، كلامنا على الألف، ولا تستعجل بالجديد ، فالشرح ليس ببعيد.
تصلح الواو للروي والوصل إن كانت ممدودة أصلية ، وكان الحرف الذي قبلها مضموما ، ولم يلتزم الشاعر ما قبلها بحرف روي ، إليك من كاتب هذه السطور ارتجالاً...الواو هي الروي من (الوافر) :
فكمْ تأتي على قبح ٍوتلهُوْ ***لعلّ اللهُ بعدالموتِ يعفُـُوْ (91)
مفاعيلن مفاعيلن فعولن ***مفاعيلن مفاعيلن فعولن
والواو غير الأصلية هي واو الإطلاق في الشعر ( فيك الخصامُ وأنت الخصمُ والحكمو) ، و واو الجماعة (علموا ، لم يعلموا) ، والواو اللاحقة لضمير الجمع ( كلّهمُ ) ، وتلفظ كلـّهمو .
أما الياء غير الأصلية التي لا تكون روياً فهي ياء الإطلاق ( من علِ... تشبع الكسرة فتصبح من علي ) ، وياء الإضافة مثل (مثلي وغلامي)، وكذلك ياء ( أكلي ، أضربي) إذا كسر ما قبلها ، وياء الضمير المسبوقة بكسر نحو مررت بهِ (بهي ) .
والياء مثلها مثل الواو يمكن أن تكون رويَّاً أو وصلاً ، إذا كانت أصلية وما قبلها مكسورا ، ولم يلتزم الشاعر ما قبلها ، وإذا التزم الشاعر بالحرف الذي قبلها كان رويا، وكانت الياء وصلا حتى لو كانت أصلية .
وإذا كانت الياء أصلية متحركة مع تحرك ما قبلها أو مسكونه تعتبر الياء رويا ً ، مثال تحرك ما قبله قول دعبل :
وأصبحتَ تستحيَ القنا أنْ ترد***- وقد وردتْ حوضَ المنايا - صوادِيا (92)
دقق رجاءً ، الدال متحركة بالكسر والياء ألمفتوحة الروي ، والفتحة تحولت إلى ألف الإطلاق وصلاً ، ولكاتب هذه السطور قصيدة يائية يسبقها سكون ، بعد الياء تاء مربوطة وصل :
وإنـّكَ تكتسي لحماً لعظم ٍ *** وكلُّ النـّاس ِ في الدنيا سويَّة (93 )
الياء المشددة أولها ساكنة ، وثانيها متحركة بالفتح , والتاء المربوطة وصل ( وأجاز قوم الهاء هي الروي ، والصحيح ما ذكرناه ) ، وللعلم الحروف التي تسبق الياء في قصيدتي دعبل وداعيكم متغيرة . ويذكرصاحبا (النغم الشعري عند العرب ) : " وإذا لم يضم ما قبل الواو ، ولم يكسر ما قبل الياء فليسا بوصل بل هما حينئذ رويان ، نحو ظبي ودلو ، ونحو لدي وأسقوا، ونحو دعوا ورميا "(94)
كاف الخطاب التي لم يكن قبلها مد والتزم الشاعر ما قبلها رويا كانت وصلا ، قال الشاعر :
يا عاذلي دعني من عذلكا *** مثلي لا يقبل من مثلكا (95)
الروي في البيت اللام ، والكاف وصل ، والألف خروج ، ويمكن أن تعتبر الكاف روياً والألف وصلاً ، أما إذا تغيرحرف اللام في القصيدة ، فالكاف هي الروي جبراً ، أما إذا سبق الكاف حرف من حروف المد الثلاثة ، فتصبح الكاف رويا ، كقول كاتب هذه السطور :
ثراكَ العز ُّيا وطني ثراكا ***تدوم مبجلاً عالي علاكا (96)
(علاكا) الألف الأولى حرف مد ( ردف) ، والكاف هي الروي , والألف الأخيرة وصل , ولكن إذا جاء الكاف لمخاطبة للمثنى تعتبر الميم هي الروي ، كقول الأعشى الأكبر :
فإنْ تفعلا خيراً وترتديا بـــهِ ****فإنكما أهلٌ لذاك كلاكما
وإن تكفيا نجران أمر عظيمه ** فقبلكما ما سادها أبواكما (97)
ويمكن للهاء أن تكون رويا أو وصلا ، فإذا كان ما قبلها ساكناً سيان كانت الهاء أصلية أو مضاعفة أو زائدة فهي روي ، وببساطة القول لا يجوز أن يأتي بعد السكون وصل مثل :
أيّها القلبُ لا تدعْ ذكرَ المــــ***ـوتِ وأيقنْ بمــــا ينوبك منـْهُ
إنّ في الموتِ عبرة ًواتعاظاً ***فأزجرِالقلبَ عن هواكَ ودعْهُ (98)
الهاء ضمير الغائب المتصل ، ولكنه روي ، فالحرف الذي قبله ساكن ، أما الهاء الأصلية المتحرك ما قبلها كالنابه والنبه لك أن تجعلها رويا ، أو تلزمها بحرف سابق لها في كل أبيات القصيدة لتكون وصلاً ، وتاء التأنيث المتحركة أوالساكنة للشاعر الحق أن يستخدمها روياً أو وصلاً ، دعبل أصرّ أنْ تكون روياً :
نفسي تنـــــــافسني في كلّ مكرمةٍ ***إلى المعـــــالي ولو خالفتها أبتِ
وكم زحمتُ طريقَ الموتِ معترضاً***بالسيف ضيقاً فأداني إلى السعةِ(99)
تأمل في البيت القادم قول درنى بنت سيار بن ضبرة وينسب (لعمرة الخثعمية )، قد ضمنت ضمير الغائب المثنى , فالميم هو الروي وليس الهاء ، والألف تعتبر وصلاًً لا خروجاً :
هما أخوا في الحربِ من لا أخاً لهُ ***إذا خاف يوماً نبوة فدعاهما (100).
ومن الجدير ذكره هذا البيت يعتبر من الشواهد النحوية في جوازالفصل بين المضاف والمضاف إليه ، (أخوا) مضاف ، (مَنْ) مضاف إليه ، والذي يفصل بينهما الجار والمجرور (في الحرب ) ، نرجع للسيدة القافية ، لقد وقع جامعو ديوان الجواهري( طبعته الأخيرة ) في خطأ ورطهم فيه الجواهري دون قصد ، عندما اعتبروا القصيدة التي مطلعها الآتي حرف الروي لها الياء، وما الياء إلا حرف ردف ساكن ، وبعد الحرف الساكن , لا يمكن أن يرد وصل ، فالهاء المكسورة هي الروي وما الياء الساكنه إلا ردفها :
مشى وخط الشـباب بمفرقيْهِ ***وطار غراب سعدٍ من يديْهِ
وراحت في زهاها أمس صباً*** تقـول ليوم وأسفي عليــهِ
وأخطأوا جامعو الديوان مرة ثانية وبشكل عجيب , عندما جعلوا الألف روياً ، والهاء المضمومة وصلاً في قصيدته ( حافظ إبراهيم ), وماهي إلا ردفاً ، والروي حرف الهاء ، إذ الألف ساكنة لا يأتي بعدها وصل :
نعوا إلى الشعر حرّاً كان يرعــاهُ ****ومن يشقُّ إلى الأحرارِ مسعاهُ
أخنى الزمان على نادٍ(زها)زمناً*** بحافظٍ واكتسى بالحزن ِمغناهُ (101)
والهاء التي لا تصلح روياً ، بل يجب أن تكون وصلاً .مثل الهاء التي تحل محل الفتحة ،وتسمى هاء السكت مثل يا أبه ، ويا غلاميه وأقتده ولمه ، وهاء الضمير الساكنة أو المتحركة ، المحر ما فبلها مخففاً كان أو مثقلاُ ، والهاء المنقلبة عن تاء التأنيث المحرك ما قبلها كتمرة وطلحة وشجرة(102) ، وتحت الشجرة وبقرب طلحة نقف لنتامل بقية حروف القافية الأخرى ، وهذه الحروف الأخرى تتبع الروي , هل هو ساكن وبالتالي القافية مقيدة، أم محرك بحركات الروي وتسمى الحركات بالمجرى ، وهي الفتحة والكسرة والضمة , وبالتالي القافية مطلقة ، صبرا جميلا , والله يحب الصابرين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) الأبيات توجد في (موسيقى الشعر العربي قديمه وحديثه ) : د.عبد الرضا علي ص ،الطبعة العربية الأولى م - دار الشروق - عمان الأردن ، نقلاً عن (شرح ديوان أبي العتاهية ) ...نشر دار التراث - م بيروت . نقلنا الأبيات فقط، وتوجد في ديوان أبي العتاهية ص هيئة الدراسات1969م بيروت.
(66) تستطيع أنْ تميز بين بين السبب الخفيف(ما ، لا ، منْ ، لمْ /ه بأن ترمز للمفتوحين الأولين منهما 2* لكل منهما ، وللأخيرين المغلوقين منهما بالرمز 2 لكل منهما ) ، أما السبب الثقيل (علَ ، سلَ //) ، يرمز لها بـ (2)عليها قتحة . ولكل زحاف يطرأ على اسباب أو أوتاد أو فواصل صغرى أو كبرى لها حسابها المعلوم رقمياً.
(67) علاقة الضرب بالقوافي البحتري إنموذجا: ماجستير عباس عودة -جامعة البصرة ص - م نقلا عن ديواك البحتري ...تحقيق حسن كامل الصيرفي ج - ط دار المعارف مصر م.
(68) المصدر نفسه , ديوان البحتري(ج ض )
(69) موقع :آداب الموسوعةالعالمية للشعرالعربي -عمر أبو ريشة ( أمتي هل ...)الشعر فقط
adab.com
(70) يقسم الدكتور عبد الرضا علي القافية في البيت ، إما أنْ تكون مفردة ، وذلك في القصائد العادية ، و تكون آخر البيت ، وتستمر في القصيدة كلـّها على نفس المنوال ، أو مزدوجة في البيت، فتكون في صدره وعجزه ، وتتغيران من بيت إلى آخر . راجع : (موسيقى الشعر ...) ص مصدر سابق.
(71) النغم الشعري عند العرب : دكتوران شرف الدين وخفاجي ص مصدر سابق .
(72) ديوان المتنبي: ت علي العسلي ص مؤسسة المطبوعات م بيروت.
(73) ديوان أبي فراس الحمداني : ت .د.محمد التونجي ص المشتشارية الثقافية الإيرانية بدمشق - بلا .
(74) النغم الشعري ... :م .س. ص راجع .
(75) المفصل في العروض والقافية : ص مصدر سابق .
(76) علم القوافي :أبو يعلى التنوخي ص مصدر سابق.
(77) العروض وإيقاع الشعر العربي . د. سيد البحراوي ص م. س.
(78) لزوم ما لا يلزم : أبو العلاء المعري ص - الجزء الأول تأليف الدكتورين طه حسين و إبراهيم الأبياري - دار المعارف بصر، بلا
(79) البنية الإيقاعية عند الجواهري : رسالة دكتوراه - ص - مصدر سابق ، ويذكر في الهامش ينظر ( موسيقى الشعر....: ص ) ، و وضع في آخر رسالته ثلاثة مصادر تبدأ في هذا اعنوان ، وأنا عندي منها وعندي غيرها تحت هذا المسمى الأولي ، لقد اعتمدت المعلومة .. لأنها تتوافق مع معلوماتي ودرايتي . زهي على أغلب الظن صحيحة إلى مدى يقبله العقل ، وعلقت على الموضوع من بعد.
(80) راجع : ابن الرومي حياته وشعره: كمال أبو مصلح وإبراهيم عبد القادر المزاني ص - المكتبة الحديثة م بيروت.
(81) راجع : ديوان دعبل الخزاعي: ت ضياء الأعلمي - ص - مؤسسة النور - م بيروت.
(82) حصاد أيّام وأيّام : كريم مرزة الاسدي ص - م - دمشق.
(83) مجمع الأضداد دراسة في سيرة الجواهري وشعره : د. سليمان جبران ص ، المؤسسة العربية م بيروت.
(84) أسرار البلاغة :بهاء الدين العاملي ت. د.محمد التنوجي ص 13 منشورات المستشارية الإيرانية بدمشق بلا .
(85) المصدر نفسه ص 14 الكلام للبهائي.
(86) ديوان المتنبي : ص مصذر سابق.
(87) ذكرياتي : محمد مهدي الجواهري ص ط دمشق .
(88) معجم الأدباء : ياقوت الحموي مجموع الوراق األكترونية ، وينقل الوراق البيت الثاني خطأً ، فبدلاً ( فما يقول) يجعلها (ماذا يقول ) ، ولو كانت (ماذا يقول ) يمشي الشعر سليماً.
(89) خزانة الأدب : عبد القادر البغدادي مجموعة الوراق الألكترونية .
(90) تاريخ الأدب العربي : حنا فاخوري ص ط المكتبة البوليسية بيروت .
(91) أرتجل صاحب هذه السطور البيت حالاً , لأنّ البحث عنه يحتاج إلى وقت أطول!
(92) ديوان( دعبل الخزاعي) : تحقيق الأعلمي ص مصدر سابق .
(93) حصاد أيام وأيام :لكاتب هذه السطور ص مصدر سابق.
(94) النغم الشعري عند العرب : شرف الدين وخفاجي ص مصدر سابق.
(95) أصول النغم في الشعر العربي : صبري إبراهيم السيد ص دار المعرفة الجامعية الاسكندرية .
(96) ديوان ( وطني ) : لكاتب هذه السطور ص دار الوراق م دمشق.
(97)الشعر من موقع (أهل الحديث) .
(98) علم القوافي : أبو يعلى التنوخي ص مصدر سابق.
(99) ديوان دعبل الخزاعي : ص مصدر.
(100) أصول النغم... : د. إبراهيم صبري السيد ص , الكاتب : لم ينسبه الدكتور البيت لعمرة الخثعمية .
(101) راجع : البنية الإيقاعية في شعر الجواهري : ص مصدر سابق.
(102) راجع:علم القوافي : أبو يعلى التنوخي ص، (النغم الشعري عند العرب) ص مصدران سابقان.
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق