نبهتنى إحدى الأمهات إلى قضية مهمة جدا؛ إشتكت من أن البنات الصغيرات يستخدمن جملة ( أنا أكرهك ) وهى جملة بعيدة كل البعد عن قاموس حياة الأسرة وغريبة عن مفرداتها؛ انزعجت الأم وعندما إستوضحت الأمر من الصغيرات قلن لها إن أبطال أفلام الكارتون التى يشاهدنها فى التليفزيون يتبادلون هذه العبارة إذا ما فعل أحدهم شيئا يثير حفيظة الآخر.
كنت في طريقي إلى مؤتمر اتحاد الكتاب الذي جاءت دورته هذا العام تحت عنوان "الأدب بین رحابة الإبداع وقيود المحظورات"، فقررت كتابة مقال أخاطب فيه المسئولين عن أدب الطفل فى الإعلام وفى إتحاد الكتاب وفى وزارة الثقافة عما نريد أن نزرعه فى عقول الصغار، خصوصا عن طريق أفلام الكارتون لأنها الإبداع الأكثر متابعة وثأثيرا على الطفل، ولا شك أنها وسيلة ايجابية في تكوين عقله وتشكيل وجدانه، لكنها مع الأسف انحرفت عن مسارها القيمي منذ أن اعتمدت على القوى الخارقة لأبطالها؛ إذ جعلتهم يطيرون ويتسلقون الحوائط ويمشون على الجدران دون سند علمي؛ ولنا في "أبو الغضب وسلاحف النينچا" وغيرهم مثال دامغ.
لذا وجب التساؤل: ما هى الرسالة التى يجب أن تعمل عليها أفلام الكارتون؟.. وكذلك التي تعمل فى نطاقها الجهة المنتجة لها؟
إذا كنا نوجه الطفل حاليا عبر هذا الفن إلى إعتناق عنف الحركات وفظاظة الكلمات فماذا ننتظر منه فى الغد؟
وإذا كنا لا نستطيع حظره رقابيا فكيف نحد من خطره؟
إن مستقبلنا كأمة تعتمد بالأساس على الإنسان ترفع شعار أن الطفل هو المستقبل فيجب عليها أن تحسن إعداد هذا المستقبل وأن تنتقى ما تغرسه فى عقله ليعمل به ضميره ويكون حصاده فى الغد الذى يعود عليها كأمة وليس عليه فقط.
وأننا ونحن دولة تتصدر محاربة الإرهاب يجب علينا أن نتصور ما تفعله هذه الأفلام الكرتونية فى نفوس خضراء نقية اليوم فتجعلها فى الغد أقرب ما تكون لصحراء قاسية تعتنق الفكر العنيف فإذا كان الصغار اليوم لخلاف طفولى بسيط يتداولون فيما بينهم لفظ الكره فماذا سيفعلون غدا عندما يواجهون الحياة بقسوتها المعهودة وصعابها اليومية.
وأين ما كنا نقرأه ونحن صغارا ونتابعه من أفلام تضم حكايات هادفة تحض على مكارم الأخلاق ومساعدة الضعيف والتسامح وزرع فسيلة ورى شجرة والإحسان الى الجار والفقير والرفق بالحيوان والطيور.
كيف إستبدلنا كل هذا بما هو سيئ ومسيئ الى حاضرنا ومستقبل أولادنا ولماذا نسمح لمن تسول له نفسه أن يهدم بمعول القسوة والحقد قاعدة أساسية تعتمد عليها حياتنا الآنية والمستقبلية.
وإذا كنا نطالب بحرية الإبداع وبعدم التدخل فى إبداع المبدعين ِ فهل هذه الحرية تكون هكذا على العلات !؟ هل تترك الأمور هكذا فيهدم من يطلقون على أنفسهم مبدعون حصاد عمرنا ومستقبل الوطن !؟
هل لا يوجد وسيلة أو دور للرقابة على الإبداع فى هذا المجال !؟
وهل أصبح محظورا علينا الضرب على يد المفسد لحماية السفينة من الغرق هل سنتركهم كثيرا يفتعلون ثقوبا فى قعرها ليشربوا هم فقط وهم غير منتبهين الى أن ما يفعلونه يغرق الجميع من كان سببا مباشرا ومن تهاون أو تكاسل عن التصدى لهذا الإفساد.
وفى النهاية وددت لو توجهت الى شعبة الرقابة أو الحذف بإتحاد الكتاب (إذا وجدت) بضرورة تفعيل الرقابة على كل ما من شأنه التعامل مع عقلية الطفل وإتخاذ كل ما يلزم من إجراءات حاسمة تجاه أى تصرف يضر بعقل الطفل ونفسه أو يوجهه الى جهة مثيرة للشك أو غير محسوبة العواقب وإلا فالغد سيكون أسوأ بكثير مما قد نتخيله أو نستطيع أن نتقبله ونتعامل معه.
وقد لا يتواجد ضمن الهيكل التنظيمى لإتحاد الكتاب شعبة للرقابة على الإبداع أو شعبة للحذف لكن من اللوحة التى كانت معلقة وتشير الى المؤتمر نخلص الى وجود لجنة للحريات فى إعتقادى أن مهمة اللجنة ليس فقط الدفاع عن حرية إبداع المبدعين وإنما بالأساس حماية المتلقى ( القارئ ) وخاصة إذا كان بأهمية الطفل ومدى ما يمثله لمستقبل الأمة.
كما يجدر الإشارة الى وجود شعبة لأدب الطفل وفى إعتقادى أن أدب الطفل ليس الورقى فقط وإنما هو كل ما يخاطب عقلية الطفل سواء كان غنوة أو رسما أو فيلما كرتونيا أو مسرحية وكل هذه الإبداعات يجب مراقبتها بدقة شديدة وحساب ما تخلفه من تأثيرات على عقول ونفوس الطفل والتى يتم ترجمتها الى أفعال قد لا يحمد عقباها مستقبلا.
ألا هل بلغت اللهم فأشهد........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق