تاريخ الادب السرياني 5/ نزار حنا الديراني

اتحاد الادباء والكتاب السريان  
الحلقة الخامسة 
 من القرن التاسع عشر وليومنا

في القرن التاسع عشر كانت الاصلاحات التي شهدتها الامبراطورية العثمانية في اواخر حكمها حافزا جديدا يبشر بنهضة الاداب السريانية ، وبعد فترة من الانحطاط دامت خمسة قرون ( من القرن الرابع عشر وحتى بداية القرن التاسع عشر ) بدأ الادب السرياني ينتعش شيئا فشيئا بالرغم من قلة انتاجه وانحصار مواضيعه ، فتنافست البعثات التبشيرية في نشاطها الادبي والديني فنشرت وطبعت عشرات الكتب ، كما سرقت العشرات من المخطوطات ليزينوا بها مكتباتهم ومتاحفهم واتلف الكثير من هذه المخطوطات والكتب بحجة انها تفوح منها رائحة الهرطقة . والحق يقال ان المسؤولين عن هذه الكنائس والبعثات سعوا في انتعاش هذه اللغة من خلال طبع الكتب الطقسية والاناجيل وكتب الصلوات و.. وكان ذلك عاملا في نهوض الادب السرياني من جديد ، الا ان السريان ومنذ اواخر القرن التاسع عشر تعرضوا الى الكثير من الاضطهادات والمذابح وخصوصا في تركيا ، ولم يكن القرن العشرون فاتحة خير لشعوب المنطقة عامة وللسريان خاصة لانه (القرن العشرين) جلب معه الكثير من الحروب والدمار، حيث شهد الحربين العالميتين ، وبين هاتين الحربين ذاق السريان شتى انواع الاضطهادات والمذابح ، وسلبت منهم المئات من القرى والاماكن التي كانت ملاذا امنا لهم ، ابتداء" من جنوب تركيا مرورا بايران (مناطق اورمي ووان) وانتهاء" بالعراق ، فكانت من نتائج هذه الحروب والاضطهادات استشهاد الكثير من ابنائهم (يقدرها البعض باكثر من ثلاثة ملايين انسان ) وتشريد اكثر من ذلك بكثير ، فاكثر قراهم في تركيا (ان لم اقل جميعها ) قد دمرت او سلبت، وهذا يعني ، العديد من كنائسهم واديرتهم بما فيها من نفائس وكتب قد نهبت او احرقت ، ولا بد ان يكون من بين هذه الملايين بعض الادباء والكتاب ، فشلت كثير من هذه الاقلام عن العطاء ، والكثير منها غيرت مسارها ، فبدلا من ان تكتب بالسريانية كانت تكتب بلغات اخرى وخصوصا في لبنان والمهجر ، الا انه رغم كل ذلك كان هناك العديد من الاقلام تتحدى كل هذه المآسي والفرمانات ، لا بل خلقت تيارا مخلصا لقضيته وقوميته ، فعلى سبيل المثال استحضر البطريرك السرياني يعقوب الثاني سنة 1871 مطبعة سريانية في استنبول لطبع الكتب الليتورجية والتراثية وسار على غراره البطريرك بطرس الرابع سنة 1894 الذي اسس مطبعة في دير الزعفران ـ تركيا ـ . وفي عام 1922 اسس القس يوسف قليتا (توفي سنة 1955) مطبعة في الموصل حيث جلب حروفها من الهند (ملبار) وكان الاباء الدومنيكان قد سبقوه واسسوا مطبعة كبيرة في الموصل نشرت العديد من الكتب المدرسية والعلمية والدينية والطقسية وكذا الحال بالنسبة الى الكنيسة الكلدانية التي اسست مطبعتها في الموصل ونشرت الكثير من الكتب الطقسية والتراثية فضلا عن مجلتها الشهيرة نجم المشرق وفتحت مدارس عديدة في معظم الابرشيات وخلد التاريخ اسماء العشرات من الاشخاص الذين عملوا على نهضة الادب السرياني ونشر الوعي بين الناس للحفاظ على كنوزهم ، فطبعوا وترجموا عشرات الكتب وبلغات عدة وكانت هناك عدة مجلات تصدر في العراق منها قلا من مدنخا ـ صوت من المشرق ـ موصل و فنقيت ـ المجلد في بغداد وغيرها .
وفي تركيا برز الاديب نعوم فائق (1868-1930) له اكثر من 28 كتاب منها مجموعة كتب في الالفاظ السريانية في اللغات العربية ، التركية ، الفارسية ، الارمنية ، التركية ، الانكليزية . وله قاموس عربي سرياني واخر في الاعلام السريانية كما اصدر صحيفة كوكبا دمدنخا ـ كوكب الشرق عام 1908بالسريانية والعربية والتركية في دياربكر ـ تركيا وصحيفة خويدا داةور كلديا ـ الاتحاد الاثوري الكلداني في امريكا بلد المهجر وجريدة ما بين النهرين . ويوحنا دولباني (توفي سنة 1969) الذي اتحف المكتبة السريانية بالعديد من الكتب. والبروفيسور اشور خربوت الذي تقلد مناصب عديدة في الجامعات التركية وبسبب مقالاته الوطنية قامت الحكومة التركية بطرده من تركيا . وعبد المسيح حنا قراشي (1903-1983 له عدة مؤلفات منها في القواعد والادب والشعر .
وفي سوريا ولبنان برز الشيخ يوسف سمعان السمعاني (تولد 1768) صاحب المكتبة الشرقية التي كانت انطلاقة جديدة في الاداب السريانية وبطرس البستاني (توفي سنة 1830) له مؤلفات في النحو واللغة والادب وبولس السمعاني (توفي سنة 1944) له تاريخ الاداب السريانية في اربع مجلدات وعبد المسيح حنا نعمان الذي وضع سلسلة من الكتب المدرسية وقواعد اللغة السريانية (ثلاثة اجزاء) وفي الادب السرياني كما قام بترجمة عدة كتب للسريانية منها كتاب كلدواثور ، رباعيات الخيام ، النبي ويسوع ابن الانسان لجبران ،) والفكونت دي طرازي (1865-1956) الذي قيل عنه مؤسس دار الكتب اللبنانية ، وكان عضوا في عدة مجامع شرقية وغربية ، وله العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة . وفريد نزهت الذي ترك لنا كتابات قيمة وخصوصا في الحقل القومي وفولس كبريال (1912-1971) الذي ترجم الى السريانية مع غطاس مقدسي كتاب الفضيلة كما ترجم عن شكسبير وعن اللادب الفرنسي نثرا وشعرا كما ترجم ملحمة كلكامش الى السريانية وصدر له مع افرام كميل البستاني اربعة اجزاء في تدريس اللغة السريانية.  وجرجيس شلحت والمطران ابراهيم يوحنا واخرون.  
وفي ايران وكنتيجة للانفتاح التي شهدته الساحة الايرانية   من خلال المرسوم الذي اصدرته الحكومة في ما يخص منح الحقوق والحريات للسريان القاطنين هناك   ومن فقراته :
1- استعمال لغتهم متى ما شاءوا وفي كافة المجالات.
2-  لهم الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية .
3-  فتح المدارس والجامعات ، ولهم الحق الدراسة في جميع المدارس والجامعات التابعة للدولة .
4-  اصدار الكتب والمجلات والجرائد وعقد ندوات ومؤتمرات
5-  المشاركة في جميع الفعاليات الاجتماعية .
وغيرها من القوانين الاخرى   وعلى ضوء ذلك نشط الكثير من الادباء والمثقفين هناك وعلى كافة الاصعدة  حيث شهدت الساحة الايرانية المزيد من النشاط الثقافي ، فكان هناك العشرات من الاقلام التي كانت تخلد هذه اللغة ، وتسارعت كنائسنا (المحلية والارسالية ) بتاسيس مدارس ومطابع لطبع العشرات من الكتب وخصوصا مناهج التعليم السرياني في مدارسها ، واصدرت العديد من الجرائد والمجلات فكانت مدينة اورمي وحدها تصدر اربع جرائد بالسريانية وهي:
1- زىريرا دبىرا  ـ شعاع النور 1849 ـ للارسالية الامريكية 2- قلا دشررا ـ صوت الحق 1896 ـ للارسالية اللعازرية الكاثوليكية 3- اورمي ارةودكسيت ـ اورمي الارثودكسية 1094 للارسالية الروسية  
4- كوكبا دموريشا ـ كوكب الفجر 1906 
وكذا الحال في مدن ايرانية اخرى كمدينة تفليس التي كانت تصدر هي الاخرى 
1- مجلة مدنخا ـ الشرق عام 1914 / نقوشا ـ الناقوس
وفي تركيا والعراق وسوريا ولبنان وبلدان المهجر ، كان لنا اكثر من25 جريدة ومجلة تصدر باللغات السريانية والعربية والتركية والانكليزية سواء بلغة واحدة او اكثر . ومنذ نهاية القرن التاسع عشر استخدم السريان الايرانيون في كتاباتهم ، السريانية الدراجة (التي تسمى سوديا ـ سوادايا) لتسهيل مهمتهم في مخاطبة الشعب ، الذي ابتعد كثيرا عن لغته الطقسية ، لذا اعيد طباعة الكثير من كتبهم الطقسية والادبية بهذه اللغة . ومن ادباء هذه الفترة ميرزا شموئيل الذي عمل في تحرير جريدة (زهريرا دبهرا) والاب سوليمون الذي تولى ادارة المطبعة الكاثوليكية في اورمي وعمل عضوا في تحرير جريدة (قالا دشرارا) كما عمل في اعادة كتابة الانجيل المقدس ورسائل مار بولس بالسريانية المبسطة (السورث) فضلا عن مؤلفات ومقالات في اللغة والقواعد ومواضيع اخرى والدكتور فريدون بيت اوراهم الملقب بـ (اتورايا) الذي عمل في تحرير جريدة ناقوشا وله قصائد عديدة الا انه اشتهر بقصيدته المغناة (يا نشرا دةخوما ـ يا نسر تخومي) والشاعر بولس سرمس والاديب بنيامين ارسانوس الذي اغنى المكتبة السريانية بالعديد من المؤلفات والمقالات ومن كتبه كتاب عن تيمورلنك ، وكتب اخرى فضلا عن العديد من المقالات كونه كان قد اصدر في سنة 1913 صحيفة (خوشبّا ددنخا ـ احد الضياء ) والاديب ادي الخاص الذي اسس مع اخيه الشاعر جان الخاص مطبعة حنين الاشورية في طهران مما سهلت مهمتهم ومهمة اصدقائهم في طبع واصدار مجلة كلكامش الشهيرة فضلا  عن اصدار العديد من المؤلفات في الادب والتاريخ والاديب نمرود سيمونو والاديب ميرزا بنيامين  والاديب الدكتور بيرا سرمس صاحب كتاب تاريخ الادب الاثوري (السرياني) والشاعر الايراني الشهير بالقصيدة الرومانطيقية كوركيس اغاسي . وعشرات الادباء والكتاب الذين اغنوا الادب السرياني بما نشروه ووضعوه سواء في ايران ، عراق ، تركيا ، سوريا ، لبنان وفي بلدان المهجر.
ومن الملاحظ في هذه الفترة اهتمام المستشرقين في الجانب الديني وبعض الشئ في الكتب النحوية والتاريخية ، اما الاخرون ابناء هذه اللغة فنجد ان البيدر كان مقسما بين الكتب الدينية والليتورجية واللاهوتية من جانب وفي الجانب الاخر كانت اقلامهم ملتصقة بحياتهم اليومية وخصوصا في ايران حيث لوحظ تحرر واسع للادب السرياني من تحت وطأة الكنيسة التي سيطرت وعلى مدى 18 قرنا سيطرة تامة على مسار الادب ، كما لوحظ تطور ملموس في نمط الكتابة واللغة الدارجة (السورث ) وساسميها لاحقا بالسريانية الحديثة بعد ان شقت طريقها لتصبح لغة الادب والصحافة ، حيث احتلت هذه اللغة مساحة شاسعة في ايران واقل منها في العراق ، في الوقت الذي ظلت السريانية القديمة (الفصحى) لا تزال تحتل مساحة اكبر في كل من سوريا ولبنان . 
وبعد منتصف القرن العشرين بدأ الادب السرياني يسير صعودا وخصوصا في ايران ومن ثم لبنان ، واستمر ذلك الجيل الذي بدأ ينبض في منتصف القرن العشرين بالعطاء وقد احتل الشعر الصدارة في ذلك ولولا الظروف التعسة التي مر بها الشعب السرياني وخصوصا من نهاية القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين ، لاعاد هذا الشعب الكثير من امجاد ادبه ولغته ، ومن نتائج هذه المأساة كما ذكرنا هي الهجرة التي بدأت بالدرجة الاولى في تركيا ثم ايران والعراق وسوريا ولبنان ، ولا تزال هذه الشرايين والاوردة تنزف دما .. مع كل هذا بدأ مثقفو هذا الشعب بالعطاء سواء في موطنهم الاصلي او في المهجر ، وسواء بلغة الام او بلغات اخرى ، فكان هناك العديد من الادباء والكتاب امتد عطاؤهم الى هذه الحقبة اضافة الى ما ذكر كان هناك المطران بولس بهنام الذي ترك لنا مؤلفات عديدة في الدين والادب والتراث والبطريرك اغناطيوس افرام برصوم الذي اقترن اسمه بكتابه اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والاداب السريانية وانتخب عضوا في المجمع العربي في دمشق . والاب الدكتور يوسف حبي الذي اتحف المكتبة العالمية بعشرات الكتب والمقالات والشاعر منصور روئيل زكريا الذي اصدر كتابين ونشر العديد من المقالات، وكانت مكتبته تزخر (كما كان يقول لي) بالعديد من المؤلفات المخطوطة ، والشاعر واللغوي بولس بيداري الذي يعرفه الكثيرون من خلال كتابه ( قنبلة بيداري) الذي القاه بحثا في المجمع العلمي اللبناني ، وفي لبنان نشر كل من بولس كبريال وافرام البستاني سلسلة من الكتب في الادب واللغة السريانية ، وفي سوريا نشط في الفترة الاخيرة مجموعة من الادباء وخصوصا في القامشلي فنظمت العديد من المهرجانات وطبعت سلسلة من كتب التعليمية ، ونشط فيها العديد من الادباء امثال العلامة ابروهوم نورو الذي اصدر العديد من المؤلفات اللغوية والادبية واخرون .
وفي العراق وخصوصا بعد سنة 1973 وعلى اثر القرار القاضي بمنح الحقوق الثقافية للسريان تاسست العديد من الاندية السريانية ، البعض منها كانت اجتماعية والبعض الاخر كانت ثقافية اجتماعية فضلا عن بعض المؤسسات الثقافية كالجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية ، اتحاد الادباء والكتاب السريان ، جمعية الفنانين ، مجمع اللغة السريانية ، البعض من هذه الاندية نشطت كثيرا اسوة بالمؤسسات الثقافية كالنادي الثقافي الاثوري الذي قدم العديد من المحاضرات الثقافية والندوات اللغوية ومهرجانات شعرية وغنائية واماس اجتماعية فنية كما قدم العديد من المسرحيات على خشبة المسرح وقدم العديد من المعارض الفنية فضلا عن مجلته الشهيرة (المثقف الاثوري) وفتح العديد من دورات تعليم اللغة . ونادي بابل الكلداني الذي نشط كثيرا" هو الاخر في تقديم الاماسي الادبية والفنية والمهرجانات الشعرية والفنية كما قدم هو الاخر العديد من المسرحيات على خشبة المسرح ونظم العديد من المعارض الفنية ونادي الاخاء الذي قدم هو الاخر العديد من الفعاليات الثقافية وكذا حال الاندية الاخرى، فتلكأت مسيرة الكتابة وشلت اقلام الكثيرين سواء بسبب انشغالهم في جبهات القتال او استشهادهم او هجرتهم ، 

المصادر
1- الكيل الذهبي في الشعر السرياني / نزار الديراني
2-  الايقاع في الشعر / نزار الديراني
3- اللولؤ المنثور في تاريخ العلوم والاداب السريانية / البطريرك اغناطيوس افرام برصوم ـ منشورات مجمع اللغة السريانية ـ بغداد 1976 ط3
4- عصر السريان الذهبي / الفيكونت دي طرازي ـ اعاد طبعه الاب جوزيف شابو حلب 1979
5- تاريخ الادب السرياني / تاليف روبنسن دوفال ترجمة لويس قصاب ـ منشورات مطرانية السريان الكاثوليك 1992 بغداد
6- معجم الادب السرياني (حرف الالف) /منشورات هيئة اللغة السريانية 1990 بغداد
7- ذخيرة الاذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان / بطرس نصري الكلداني ـ دير الاباء الدومنيكان ـ موصل 1905
8- تواريخ سريانية من القرن 7-9م / نقل وتحقيق د. يوسف حبي ـ مطوعات هيئة اللغة السريانية 1982 بغداد
9- الارامية السريانية لغة وتراث / د. جورج رحمة و متري وهبة ـ الكتاب الاول ـ سلسلة احياء التراث الارامي ـ السرياني ـ 198 بيروت
10- دور اللغة الارامية (السريانية) في الحضارة الانسانية / جميل روفائيل بغداد 1973
11- تاريخ الادب الاثوري / بيرا سرمس طهران 1962 
12- المروج النزهية في اداب اللغة الارامية / يعقوب اوجين منا ـ بمجلدين وبالسريانية ـ منشورات مجمع اللغة السريانية ـ بغداد 1977
13- اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية / اقليمس يوسف داود ـ نشره دير الاباء الدومنيكان موصل 1896
14- ادب اللغة الارامية / الاب البير ابونا
15- فهرس مخطوطات دير الاباء الدومنيكان / الاب د. يهنام ‏18‏/‏11‏/‏05اصدارات المركز الثقافي الاشوري ـ دهوك 2005 
16- دور السريان في العلوم العربية / محمد عبد الحميد الحمد ـ دار الرها ـ حلب 2002
17- السريان الاراميون من امسهم الغابر الى يومهم الحاضر / المطران جورج حبيب هافوري ـ مطبعة الف باء ـ الاديب ـ دمشق 1998
15- مجلة مجمع اللغة السريانية
16- مجلة قالا سوريايا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق