اللغة الشعريّة في قصيدة "أقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي" للشاعرة آمال عوّاد رضوان/ عبد المجيد جابر اطميزه

 أولا: النصّ
غَبَشَ شَهْقَةٍ
سَحَّها أَرِيجُ اللَّيْلِ عَلَى شَلاَّلِ غِيَابِكَ
فَاضَتْ شَجَنًا خَرِيفِيًّا عَلَى مَرْمَى وَطَنِي
هَا الْمَوْتُ
كَمْ تَاهَ فِي نَقْشِ مَجْهُولٍ
كَمْ هَدْهَدَتْهُ هَمَسَاتُ فُصُولِكَ
وَبِسِكِّينِ وَهْمِهِ الْمَاضِي
كَمْ قَصْقَصَ حِبَالَ ضَبَابِكَ!
يَااااااااااااه
كَمْ رَاوَغَهُ هَمْسُ تَأَوُّهِكَ:
أَقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي
بِرُفَاتِ طَيْفِي الْمَسْلُوبِ
وَتَبَدَّدْ بِفَرَاشِي الأَزَلِيِّ!

حَبِيبَتِي / قَمَرِيَّةَ الرُّوحِ
حَيْثُنِي أَنْتِهِ وَلاَ أَنْتَهِي
بُعْدُكِ الأَشْعَثُ.. تَنَكَّرَ لِصَدَى مِلْحِي
قَوَّسَ حِبْرِيَ بِعَتْمٍ.. يَحْتَدِمُ بِمَرِّ فَرَاغِكِ
قَوِّمِي كَبْوَةَ فَجْرٍ.. يَلْهَجُ بِفَوَانِيسِ الْوَفَاءِ !
يَا انْحِنَاءَةَ نَبْضٍ مَبْتُورٍ
يَدْرُجُ عَلَى غَفْوَةِ شَوَاطِئِي
زَغْرِدِينِي دَمْعَةَ عِنَاقٍ يُهَلْوِسُنِي
يَفِيــــــــــــــــــــضُنِي
ويَطْوِينِي بَحْرًا ظَامِئًا
فِي عَيْنَيْكِ اللَّيْلاَوَيْنِ!
بِتُقَى جَنَّةٍ مُقَمَّشَةٍ.. سَلْسِبِلِينِي
عِطْرِي الـْ غَامَ ضَوْؤُهُ فِي بَيَاضِ مَآتِمِي
زُفِّيهِ دَمْعَةً.. / زُفِّينِي شَمْعَةً..
وَفَرْدِسِي نَوَارِسَ اشْتِعَالِي الْمُقَدَّسِ                                    
بِنَوَاقِيسِ صَوَامِعِكِ!
أَيَا دَرْوِيشُ
ضِحْكَةُ مَوْتٍ.. تَسَلَّلَ دُجَاهَا الْمُغْبَرُّ
إِلَى نُخَاعِ عَصَافِيرِ رُوحِكَ تَكْتُمُهَا
وَمَا ارْتَحَلْتَ
ارْتَجَّ الْمَوْتُ.. تَزَلْزَلَ ظِلُّهُ
حِينَ زَلّتْ قَدَمُهُ .. بِدَمْعَتِكَ الْبَحْرِيَّةِ
حِينَ عَلَوْتَ بِمَرْكَبَتِكَ النَّارِيَّةِ فَارًّا مِنْ قَبْضَتِهِ
تَدْحَضُ ضَبَابَ الْمَوْتِ.. بضَوْءِ حِبْرِكَ الْعَاشِقِ!

هَا الْكَرْمِلُ غَامَ فِي دُوَارِ صَيْحَةٍ:
يَا الْمُسْتَحِيلُ تَمَهَّلْ
دَرْوِيشُ بحَّةُ وَطَنٍ .. جَاوَزَتْ أَنْفَاسَ النُّوَاحِ
لاَ تُبِحْ فَيْضَ سَنَابِلِهِ.. فِي مَهَبِّ غَفْوَةٍ
لاَ تُثَرْثِرْ غِمَارَ حَصَادِهِ الْهَائِمِ
عَلَى حُفَرِ الرَّحِيلِ!
بَحْرُ حَيْفَا
جَاشَ موْجُهُ .. فِي مَآقِي الدَّوَاةِ غَيْمًا
لاَ يَرْدمُهُ لَظَى حُرْقَةٍ!
صَهِيلُ الدّمْعِ.. هَيَّجَهُ دَرْوِيشُ
وَذَابِلاً .. تَوَسَّدَ ذِكْرَاهُ
فَرَّ مِنْ نَوَافِيرِ الرِّيحِ.. نُعَاسَ وَجَعٍ
وتَرَنَّحَ .. عَلَى شِفَاهٍ غَائِرَةٍ
وناحت:
بِرَحِيقِ ظِلِّكَ الدَّرْوِيشيِّ
لَمْلَمَتْهُ حَقَائِبُ مَسَافَاتٍ لاَ تَؤُوبُ
وَتَوَارَيْتَ غَمَامَاتٍ مُسْرَجَةٍ .. فِي ثُقُوبِ الدُّمُوعِ!

هُوَ الأَسِيرُ الْحُرُّ .. فِي الْوَقْتِ الصِّفْرِ!
فَقِيدُ سِجْنِ حَيَاةٍ أُسْطُورِيَّةِ الْوَجَعِ!
وَلِيدُ حُرِّيَّةٍ هُو.. تَنْبضُهُ خُلُودًا أَخْضَرَ
يَا الْمُغْرِقُ فِي حُضُورِكَ الْبَهِيجِ أَبَدًا
وَإِنْ وَارَتْكَ لَحْظَةٌ كَفِيفَةٌ بَيْنَ جَفنّيّهَا
فَأَنْتَ الْعَابِرُ مِنَّا إِلَيْهَا شُعَاعًا
وَعَائِدٌ مِنْهَا إِلَيْنَا شَمْسًا
لاَ يَحْجُبُهَا غِرْبَالُ غِيَاب!
بِشَفَقِكَ الدَّرْوِيشِيِّ
أَسْمَعُ وَقْعَ خُطَى صَوْتِكَ
يَمْلأُ كَفَّيَّ بِكُلِّكَ
بِبَسْمَةِ حَرْفِكَ الْمَصْلُوبِ عَلَى دَمْعَةٍ؛
تَمْتَشِقُ حُلْمًا .. لاَ يَنْطَفِئُ
وَإِنْ .. بَاغَتَتْهُ رِيحُ الْمَوْتِ!
صَبَاحُنَا..
لَيْسَ مَحْمُودًا كَكُلِّ الصَّبَاحَاتِ
صَبَاحٌ.. يَطْفَحُ بِعَطَشٍ دَرْوِيشِيٍّ
وَشَّحَتْهُ أَسْرَابُ حُزْنٍ مَفْقُوءَةِ الْعُيُونِ
تُكَفِّنُكَ بِبَلَلِ صَفِيرِ نَشِيجِهَا
بِشِفَاهٍ حَارَّةٍ
لاَمَسَتْ كُؤُوسَ دَمْعٍ كَوْنِيٍّ!
نَعْشُ رِيحِكَ
تَنَاثَرَتْهُ مُدُنُ الْغُرْبَةِ
وَمَا اتَّسَعَتْ لِوَجَعِكَ/ نَا
كُلُّ أَضْرِحَةِ الإِنْسَانِيَّةِ!!
ثانياً: التحليل الأدبيّ  
العنوان: "أقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي": مُكوّنٌ مِن فعل أمر "أقِمْ"، وفاعل ومفعول به "مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ"، وشبه جملة "بِأَدْغَالِ مَائِي".
العنوانُ أسطوريّ، فجبلُ الكرمل يُعتبرُ أحدَ أكثر الأماكن قداسةً في المنطقة، فهو في الدرجةِ الأولى، جزءٌ من البلاد المُقدّسة الّتي مرّت فيها وعاشت غالبيّة الأنبياء، والّتي نادت بالديانات السماويّة المعروفة، بالإضافة إلى ذلك، يحتوي على أماكنَ مقدّسة ومواقعَ عاش فيها أنبياءٌ ورسُلٌ وأولياء، وفي مقدّمة الأنبياء الذين كان لهم "حضور" في الكرمل، نبيّ الله الخضر عليه السلام، الّذي واجهَ أنبياءَ البعل في القسم الشرقيّ من الكرمل، في موقع دير المحرقة اليوم، وهناك وقعت المعجزة، حيث طلبَ سيّدنا الخضر عليه السلام من أنبياء البعل أن يُشعلوا النّار في قرابينهم بواسطة صلوات آلهتهم، لكن النار لم تشتعل، وعندما جاء دورُه، صلّى فاشتعلت النّار في ثوان. لكن عبدة البعل لم يقتنعوا، وجرَت معركةٌ انتصرَ فيها سيّدنا الخضر عليه السلام. وأقيم في النصّف الثاني من القرن التاسع عشر دير المحرقة لذكرى هذه المعجزة. في تلك الفترة جاءتْ مجموعاتٌ دينيّة ألمانيّة، وبنَت الدير الكبير في رأس الكرمل، في المكان الّذي يُشْرفُ على البحر المتوسط في نهاية شارع ستيلا مارس، وذلك تخليدًا لذكرى نبيّ الله الخضر عليه السلام، الّذي عاش في المغارة المُشرفة على البحر جنوبيّ حيفا، والتي ما زالت قائمة حتّى اليوم، وبُني فوقها مزار ما زال مفتوحا.(1) 
وهنا يتردّد صوتان أساسيّان في القصيدة: صوت حيفا والبلاد ترثي درويش، وصوت درويش الحيّ يَردّ، وهناك صوت ثالث لكنّه صامت، وهو صوت الموت.
الشاعرة تعشق حضور درويش الشعريّ وبموضوعيّة بحتة، وكأنّي بالشّاعرة ليلة سفره للعلاج وهو عاشق للحياة تُصلّي لأجله وتبكيه، وقد انبثقت القصيدة بحُرقةٍ مخذولة مرّةً واحدة، لحظة الإعلان عن وفاته في فصل الخريف الموافق 9-8-2008، وقبل أن يعيدوه للبلاد وللدفن، وهي ليست قصيدة رثاء بمعنى الرثاء، لأنّه لم يسبق للشاعرة أن رثت، ولأنّ درويش أحبّ حيفا كعشق الشاعرة لها، وبشكل خاصّ غابات وأدغال الكرمل بعليائه الشامخ المُطلّ على البحر، وكلاهما أحبّ البحرَ وشواطئَه وهواءَه، وهذه الطبيعة أحبّت كليهما، إذ كانت مَهربَهُ وملقاه بأحبّائه وأصدقائه الأدباء، لذلك صرخ درويش صرخته الأخيرة في وجه الموت، بكامل جبروته ودون تردّد أو خوف قائلًا: أنا لست أخشاك، هيّا "أقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي"! أقمارك الصناعيّة الراصدة لروحي والتي لا تنطفئ عن محاولاتها؟ وهل للماء أن يحترق؟ مفارقة بالغة في جمع النار والماء معًا وفي آن واحد، بمعنى أقِمِ أقمارك على صفحة مياهي وفي عمق أمواج بحري، واجعلها تشتعل داغلة بأوارها.
والمعنى الدلاليّ للعنوان أنّ موت الشاعر المعروف محمود درويش بمثابة حدَث جلل، كما أن مولده أيضًا حدث عظيم، تمامًا كمواجهة النبيّ الخضر لأنبياء البعل في الكرمل وحصول المحرقة، وقد وُفّقت الشاعرة في اختيارها للعنوان، ويُعدّ العنوان مرسلة لغويّةً تتّصلُ لحظة ميلادها بحبل سِرّيذ يربطها بالنصّ لحظة الكتابة والقراءة معًا، فتكون للنصّ بمثابة الرأس للجسد، نظرًا لِما يتمتّع به العنوان من خصائص تعبيريّة وجماليّة، كبساطة العبارة وكثافة الدلالة وأخرى إستراتيجيّة، إذ يحتلّ الصدارة في الفضاء النصّيّ للعمل الأدبيّ«(2).   
وقد يتساءل متسائلٌ: هل العنوان "أقِم محرقةَ أقمارِكَ بأدغالِ مائي" هو استشرافٌ لحريق غابات الكرمل الهائل بتاريخ 2-12-2010، والذي امتدّ أيّامًا بجنونه بعد وفاة درويش، ولم تسعفه مياه البحر ولا النّجدات العالميّة، فأكلت نيرانه أكثر من خمسة آلاف دونم، و44 حارسًا من حرّاس سجن الدامون المحاذي؟
وفي كلمات العنوان نستشفّ هوْلَ الحدث من خلال وقع الألفاظ، ولنقفْ قليلًا عند كلّ كلمة من كلماته: "أقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي": فالفعل "أقم" و"قام" يشتقّ منهما القيامة، ويوم القيامة يومٌ مَهول، والمصدر الميميّ "محرقة" مشتقّ من الفعل "حرق"، وفي الحرق تهويلٌ وتخويف، و"أقمار" جمع قلّة لـ "قمر"، والقمر سموٌّ وفي السموّ مكانةُ رفعةٍ لا تتأتّى إلّا بالقوّة، و"أدغال" جمع "دغل" وجاء في معجم الصحاح والدَغَلُ أيضًا: الشجرُ الكثيرُ المُلتفُّ، وقد أَدْغَلَتِ الأرضُ إدْغَالاً. والدَواغِلُ: الدّواهي.. و"أَدْغَالِ مَائِي" رمزٌ لبحر حيفا الصاخب، وكلّها ألفاظٌ تحمل في طيّاتها الوقعَ الشديد، كوقع موت الشاعر محمود درويش على النفوس، وتريد الشاعرة أن تتحوّل مأساة موت الشاعر الكبير لانتصار مُدَوٍّ في جبل الكرمل، بما خلًّفه وراءه من إرث حضاريّ. 
وقد اعتنى علماء السيمياء عنايةً خاصّة بالعنوان، فيعتبر "نظامًا سيميائيًّا ذا أبعاد دلاليّة وأخرى رمزيّة، تُغري الباحثَ بتتبّع دلالاته ومحاولة فكّ شفرته الرامزة." (3) "وهو العلامة التي تطبع الكتاب أو النصّ، وتُسمّيه وتُميّزه عن غيره، وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنصّ الرئيس، إلى جانب الحواشي والهوامش والمقدّمات والمقتبسات والأدلّة الأيقونيّة." (4). ويكون العنوان دومًا "نصًّا مُختزَلًا ومُكثّفًا ومُختصَرا. (5)  
موضوع القصيدة: رثاء الشاعر محمود درويش. تقول الشاعرة في مستهلّ نصّها: غَبَشُ شَهْقَةٍ/ سَحَّها أَرِيجُ اللَّيْلِ عَلَى شَلاَّلِ غِيَابِكَ/ فَاضَتْ شَجَنًا خَرِيفِيًّا عَلَى مَرْمَى وَطَنِي/ هَا الْمَوْتُ/ كَمْ تَاهَ فِي نَقْشِ مَجْهُولٍ/ كَمْ هَدْهَدَتْهُ هَمَسَاتُ فُصُولِكَ/ وَبِسِكِّينِ وَهْمِهِ الْمَاضِي/ كَمْ قَصْقَصَ حِبَالَ ضَبَابِكَ!
غَبَشُ شَهْقَةٍ: ومعنى "الغبش" بقيّةُ الليل وظلمةُ آخره، كنايةً عن ظلمة الليل ووحشته بفقدنا للشاعر الراحل محمود درويش، وهذه تجربة جديدة تُدشّنُها الشاعرة آمال عوّاد رضوان بقصيدة رثاء لشاعر كبير، تستثمر فيها قصيدة النثر وتقنيّاتها العديدة؛ لتمحو من ذاكرتها رحيله المُفجع، وفقْدَنا لقلمه الشاعريّ العذب، وهذه تجربة جديدة فعلًا، لأنّها تقاطع قصيدة الرثاء العربيّة بموسيقاها وصُورها ومجازاتها التي تندب وترثي وتُعدّدُ مناقبَ المُتوفّى، حين يكون صوت الشاعرة حاضرًا، وهي تتفجّع على الميت وتتأسّى وتبكي. وفي السطر انزياحٌ إضافيّ، "فالمُتلقّي عندما يسمع كلمة "غبش" يتوقّع مضافًا إليه مناسبًا ككلمة "ليلة" مثلًا، لكنّه يتفاجأ بمضاف إليه "شَهْقَةٍ"، وهذا الانزياح يُولّدُ الإثارة في نفسه، وهو من جماليّات الانزياح بمختلف أشكاله، وذلك بخلخلة بُنية التوقّعات، ممّا يُكسبُ النصّ توتّرًا وعُمقًا دلاليّا خاصًّا، فقد تفجّر المُركَّب بالشعريّة باعتباره نقطة التحوّل ومنبع اللذّة. 
سَحَّها أَرِيجُ اللَّيْلِ عَلَى شَلاَّلِ غِيَابِكَ: كناية عن فجيعة الرحيل، فالليل رمز للبؤس والتيه والضياع والتخبّط بفقد العزيز، وتتوالى الانزياحات الدلاليّة، فالأريج يسحّ كما تسحّ السماء المطر، وللّيلِ أريجٌ كما البرتقال، وللغياب شلّال.
فَاضَتْ شَجَنًا خَرِيفِيًّا عَلَى مَرْمَى وَطَنِي: كناية عن الحزن الكبير الذي لفّ فلسطين في فصل الخريف بفقد شاعرها الكبير. فها هي الشهقة تفيضُ شجنًا وحُزنًا على الفقيد، وللشجن مذاقٌ خريفيّ يفيض كما الماء.
هَا الْمَوْتُ: ها الموت؛ أي هذا الموت.
كَمْ تَاهَ فِي نَقْشِ مَجْهُولٍ: وفي قولها "نَقْشِ مَجْهُولٍ" انزياح دلاليّ.
كَمْ هَدْهَدَتْهُ هَمَسَاتُ فُصُولِكَ: وفي السطر انزياحان إضافيّان، فالهمساتُ تهدهد كما المرأة تهدهد وليدها، وللفصول همسات. صورٌ فنّيّة مُشرقة توسّعت الشاعرة في بسْطِها، وأصبحت تشمل على كلّ الأدوات التي تستخدم للتعبير من عِلم بيان وبديع ومعانٍ وسردٍ، فطوّعتها لتصبح شكلًا فنّيّا، مُستخدِمةً طاقاتِ اللغة من ألفاظٍ وعباراتٍ وإيقاعات، وتراكيبَ ودلالاتٍ ومقابلاتٍ وتضادٍّ وترادُفٍ، ممّا جعلها تخرُجُ من نطاق الجانب البلاغيّ، إلى عالم الشعور والوجدان والتعابير الحسّيّة؛ حيث أصبح مفهومها لا يقتصر على الجانب البلاغيّ فقط، بل توسّع وشمول جوانب أخرى كالتجسيد.
وَبِسِكِّينِ وَهْمِهِ الْمَاضِي: ولِوَهْم الموت سكين عند الشاعرة الذي حاول مرّات كثيرة أن يقطع أنفاس درويش! صورةٌ فنّيّة مُشرقة، "فالصورة الشعريّة وسيلةُ الشعر الأولى التي يمتاز بها، فالأفكار والمعاني موجودة في الفلسفة وأجناس الأدب الأخرى التي من الممكن أن تستعين بالصور، ولكن تظلّ الصورة الشعريّة هي المجال للتعبير الشعريّ المُتقن، ولكن الصورة لدى كتّاب قصائد النثر ونتيجة لتبنيهم الاتّجاه السرياليّ، أصبحت في مُجملِها لا ترسم لوحةً جماليّة، ولا تعكس دلالة فنّيّة مثلما نرى في الشعر العربيّ الحديث، "ذلك أنّها مُكوّنة من عناصر بعيدةٍ لا انسجامَ بينها، أُكرهت على النزول في غير موضعها." (6) 
و"قد أدركت نازك أنّ تطوّر اللغة وحياتها إنَّما ينبع من حياة الشاعر وتجربته وليس من الكلمات ذاتها، فالشاعر قادر من خلال إحساسه الجديد بالمفردات وتجربته في الحياة، أن يعطي لها دلالات شعريّة من خلال توظيفها في سياقٍ جديد. الشعر ليس صناعة بل تجربة، والشاعر يستطيع أن يُقدّمَ للّغةِ ما يعجز النُّحاةُ عنه. إنّه قادرٌ على إحياء الألفاظ بفضل حسّهِ المرهف واطّلاعه على الأدب القديم والحديث العربيّ والأجنبيّ، ويستطيع أن يضيفَ لونًا إلى كلمة ويصنع تعبيرًا جديدًا وإن خرق قاعدة استطاع أن يخلق البديل ليصبح ما أبدعه قاعدة جديدة(7).  
كَمْ قَصْقَصَ حِبَالَ ضَبَابِكَ!: كناية عن أنّ الموت حاول مرّات عديدةً التقرُّب من درويش وفشل، وتُكرّر الشاعرة هنا "كم" التكثيريّة، وتكرار حرف بعينه في الكلام يعطي الألفاظ التي ترد فيها تلك الحروف أبعادًا، تكشف عن حالة الشاعرة النفسيّة، وهذا التكرار يعمل على تعميق دلالة الألفاظ وإكسابها قوّة تأثيريّة، فالوَهْم الماضي كثيرًا ما قصقص حبال الضباب، فلِلوَهْم سكّينٌ يُقصقص، وللضّباب حبالٌ تُقَصقَص.
وتستمر الشاعرة في شدوها الحزين: يَااااااااااااه/ كَمْ رَاوَغَهُ هَمْسُ تَأَوُّهِكَ:/ أَقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ/ بِرُفَاتِ طَيْفِي الْمَسْلُوبِ/ وَتَبَدَّدْ بِفَرَاشِي الأَزَلِيِّ!
يَااااااااااااه: ويحصل التنغيم في نطق هذه اللفظة المتمثّلة في زيادة زمن نطق الصائت "الألف الطويلة"، وهي عاملٌ مُهمٌّ في أداء المعنى، وتتوقّف النغمة على عدد ذبذبات الأوتار الصوتيّة في الثانية، وهذا العدد يعتمد على درجة توتّر الأوتار الصوتيّة، وللنّغمة أربعة مستويات، ومستواها هنا من نوع النغمة فوق العالية، والتي تأتي مع الانفعال والتعجّب أو الأمر. ومعنى "ياه" الكائن بذاته والأبديّ، وقد تأثرت الشاعرة بالكتاب المقدس: (مز 68: 4)، وهذا تناصّ دينيّ، "فالكتب السماويّة وغيرها من المصادر الدينيّة تُعَدُّ من أهمّ روافد القصيدة الحديثة من ناحيتي الشكل والمضمون، لما تمتاز به من خصوبة في هذين الجانبيْن. وشاعرتنا استندت إلى مصادرَ وجوانبَ متفرّقةٍ من تلك المصادر، بحيث أثّرت في شعرها فنّيّا ومضمونًا.
بِرُفَاتِ طَيْفِي الْمَسْلُوبِ: والطلب هنا أن تتمّ محرقة في جبل الكرمل بموت الشاعر الكبير، لتبرز الحقّ والعدل، فللطّيفِ المسلوب رفات تُسلب.
هَا الْمَوْتُ: ها الموت؛ أي هذا الموت.
وَتَبَدَّدْ بِفَرَاشِي الأَزَلِيِّ!: ولتكن المحرقة أبديّة محفوظة على طول المدى، وفي عبارة "بِفَرَاشِي الأَزَلِيِّ" انزياح دلاليّ يثير مكامن إثارة المُتلقّي. 
وتستمر الشاعرة قائلة: حَبِيبَتِي/ قَمَرِيَّةَ الرُّوحِ/ حَيْثُنِي أَنْتِهِ وَلاَ أَنْتَهِي/ بُعْدُكِ الأَشْعَثُ تَنَكَّرَ لِصَدَى مِلْحِي/ قَوَّسَ حِبْرِيَ بِعَتْمٍ.. يَحْتَدِمُ بِمَرِّ فَرَاغِكِ/ قَوِّمِي كَبْوَةَ فَجْرٍ.. يَلْهَجُ بِفَوَانِيسِ الْوَفَاءِ!/ يَا انْحِنَاءَةَ نَبْضٍ مَبْتُورٍ/ يَدْرُجُ عَلَى غَفْوَةِ شَوَاطِئِي/ زَغْرِدِينِي دَمْعَةَ عِنَاقٍ يُهَلْوِسُنِي/ يَفِيــــــــــــــــــــضُنِي/ ويَطْوِينِي بَحْرًا ظَامِئًا/ فِي عَيْنَيْكِ اللَّيْلاَوَيْنِ!
حَبِيبَتِي قَمَرِيَّةَ الرُّوحِ: وتنتقل الشاعرة للأسلوب الخبريّ مخاطبة الوطن المسلوب، والحبيبة رمز للوطن، والنداء يفيد التحبُّب والتقرُّب، وفي السطر استعارة تنافريّة، وهي صورة بلاغيّة تقوم على الجمع بين متنافريّن لا علاقة جامعة بينهما؛ لخلق منظومة شعريّة ذات دلالة ومغزى يحقّق الملاءمة الإسناديّة للموصوفات، كأنْ تسند الألوان أو الصفات إلى موصوفاتها، فليس للروح لون، لكن الشاعرة جمعت بين الروح واللون القَمريّ الذي يسطع في روابي وجبال الكرمل؛ وبهذه الاستعارة حقّقت الشاعرة التنافر المطلوب والابتداع الشعريّ التخيّليّ البحت، وهذه المفارقة هي من صنعت الشعريّة المطلوبة من هذه الجملة، وكأنّي بصوت درويش يخاطب حيفاه ومُطمْئِنًا بلادَه مِن أمريكا البعيدة عند إجراء العمليّة، راثيا روحه التي فاضت في البُعد الجريح عند الفجر. قمريّة الروح وصدى مِلحي: هي نور آماله في الليالي الحالكة، تعود بنا إلى آيات الإنجيل حين قال السيد المسيح لتلاميذه المبشرين برسالة الإنسانيّة الأمميّة (متى5: 13-14): اِذهبوا وتلمذوا الأمم، فأنتم ملحُ الأرض وأنتم نورُ العالم، وهُما استعارتان ورمزان مُهمّان في الرسالة، ودرويش أيضًا حمَلَ رسالةً شعريّة إنسانيّة نورانيّة إصلاحيّة ليست تغشاها الظلمات، كالملح الذي لا يفسد.  
"حَيْثُنِي أَنْتِهِ وَلاَ أَنْتَهِي": كنايةً عن توحّد روح الشاعر بحيفا وببلده، وقد أضافت الشاعرة إلى "حيث" نون الوقاية وياء المتكلم في كلمة "حَيْثُنِي"، وفي جملة "أَنْتِهِ"؛ أي "أنتِ هيَ"، وصّلَت الكلمتيْن معًا وحذفت هاء "هي"، لإحداث الجناس ولخلق إيقاعٍ يجري في نبض القصيدة، و"الشعر له لغته الخاصّة به، وإنّ الحكمَ على لغة الشعر ينبغي أن ينبثقَ من إدراكٍ لطبيعة هذه اللغة، دونما تحكيمٍ لمعايير لغة الكلام العاديّ، لأنّ مثل هذا الحكم يؤدّي إلى أن تفقد اللغة الشعريّة كثيرًا من سِماتها(8)، فلغة الكلام اليوميّ تهدف فيما تهدف إليه الإفهامَ والتوصيل، ولا تَستخدمُ من عناصر النظام اللغويّ إلّا القدْرَ الضروريَّ الذي يُحقّقُ لها هدفها، في حين إنّ اللغة في الآداب تتجاوز تلك المُهمّة إلى تحقيق مواصفات جماليّة. (9)، والشاعر في النصّ الشعريّ "لا يُدمّرُ اللغة العاديّة إلّا لكي يعيدَ بناءَها على مستوًى أعلى، فعقبَ فكِّ البنية الذي يقوم به الشكل البلاغيّ، تحدُثُ عمليّةُ إعادة بنيةٍ أخرى في نظام جديد.(10) 
لقد "قَرَّ في النقد الأدبيّ، منذ أن أبرز الشكليّون الرّوس الفروقَ الجوهريّة بين لغتي النثر والشعر، أنّ هذه اللغة الثانية لغة الشعر تتشكَّل على السطح الأملس المُحايد للغة النثر، وتُمارس فوقه تنظيم نسيجها ورسومها وخواصّها التعبيريّة والتصويريّة المُتميّزة. ومنذ أن طرح هؤلاء الشكليّون مفهوم الانتظام بوصفه خصيصة أساسيّة لِلُغَة الشعر، ثمّ طوّر "رومان ياكوبسن" مفهومَ الأنساق باعتباره أوّلًا: خصيصة للغة الشعر، وثانيًا: الآليّة الرئيسيّة لخلق ما سمّاه "ريان موكار وفسكي": التأريض الأمامي Foregrounding، حاولت دراسات متعدّدة اكتناه التجلّيات المختلفة المُحتملة للأنساق، وقد جَسَّد المُحْدِثون هذه المفاهيم والفروق التي تُمَيِّز لغة الشعر بمصطلح الانحراف الذي يعني أنّ شعريّة اللغة تقتضي خروجَها الفاضحَ على العُرف النثريّ المعتاد، وكسر قواعد الأداء المألوفة لابتداع وسائلها الخاصّة في التعبير، عمَّا لا يستطيع النثر تحقيقه من قيم جماليّة(11).  
"إنّ قصيدة النثر عبارة عن قالب شعريّ، عُرف في الأدب العربيّ الحديث منذ منتصف القرن العشرين، وهذا النوع من الشعر متحرّرٌ كلّيًّا من الوزن والقافية التقليديّيْن، ويتبنّى نوعًا من الأخيلة الشعريّة المعتمدة على صياغات لغويّة مستحدثة، لا تعبّر عن مدلولات محدّدة، وإنما تتّخذ أسلوبًا ومضمونًا يشيع جوًا من الغموض ذي الأفكار المبتدعة. 
وكان أوّل من حمل لواء هذه الصيغة من الشعر جماعةُ مجلة "شعر" في بيروت عام 1957. ومن أفرادها أدونيس، ويوسف الخال، ومحمد الماغوط، وأنسي الحاج وتوفيق صايغ. لقد كانت قصيدة النثر في بداياتها صدى لشكل أدبيّ رسمه وأشاعه عددٌ من الشعراء المعروفين في الأدب العربيّ الحديث منذ أوائل القرن العشرين، وعُرف باسم "الشعر المنثور"، وقد تميّز هذا الشعر بالغموض المعتدل، والرهافة الأسلوبيّة، والتأمّلات الروحيّة الوجدانيّة الرومانسيّة، ومع ذلك لم يعتبره أصحابه بأنّه شعرٌ ذو طابعٍ معتمد. وانطلاقًا من هذه المفاهيم، يمكن القول إن كتابة قصيدة النثر حالةٌ شعريّة ذاتُ خصوصيّة، يتوجّب على كاتبها أن يبتكر لغة وصورة، وأن يبتعد عن كلّ ما هو مألوف. والواقع أنّ المشكلة في الشعر المنثور ليست في قصيدة النثر أو قصيدة التفعيلة أو القصيدة التقليديّة، وإنّما هي في الجيّد والرديء مَهْما كان نوع وشكل هذا الشعر، وبالتالي فإنّ الشعرَ الجيّد ليس مقصورًا على القديم، وليس الحديث بعيدًا عن الجمال والجودة، فهناك الجيّد والرديء في القديم والحديث، حيث إنّ قيمة الأدب والشعر في الإبداع، سواءً أكان هذا النوع أم ذاك من القصيدة الكلاسيكيّة التقليديّة أم قصيدة التفعيلة أم قصيدة النثر. إنَّ أهمّ ما يُميّز قصيدة النثر هو الإيجاز والتكثيف، وهذا لا يعني قصر القصيدة، فقد تكون طويلة أو قصيرة، ولكن المُهمّ فيها هو أسلوب الإيجاز والتكثيف اللغويّ في التعبير.(12) 
بُعْدُكِ الأَشْعَثُ تَنَكَّرَ لِصَدَى مِلْحِي: ويبرز هنا صوت درويش مُخاطبًا بلاده حين غادرها للعلاج، فيرى أنّ بعدَه عن بلده بُعدٌ أغبرُ وأشعثُ قد تنكًر للشاعر، والسطر كناية عن أنّ بُعد الشاعر عن موطنه قد أفسد طعم حياته، فالبعد أشعث ويتنكر لصدى ملح الشاعر، صورٌ فنّيّة متتابعة.
قَوَّسَ حِبْرِيَ بِعَتْمٍ.. يَحْتَدِمُ بِمَرِّ فَرَاغِكِ: ويظهر صوت درويش مُخاطِبًا بلاده متسائلًا: هل متّ وانتهيت وشعري، وانحنى وتقوّس قلمي في عتم اللحد والتغييب؟  كناية عن الأسى واللوعة اللّتيْن رافقتا مرض الشاعر محمود درويش. وهنا مجموعةٌ من الانزياحات المثيرة للدّهشة تتوالى، فللحبر قوس يحتدم، وللمرارات فراغ.
قَوِّمِي كَبْوَةَ فَجْرٍ.. يَلْهَجُ بِفَوَانِيسِ الْوَفَاءِ!: ويوصي درويش بلادَهُ بالوفاء له ولشعره كما كان لها وفيّا، وألّا تفقدَ الأمل بفجرٍ آتٍ وإن كان مُعوَجّا، وأن تسعى إلى تقويمه بإيمان ووفاء، والشاعرة تنتقل للأسلوب الإنشائيّ والأمر يفيد التمنّي، فتتمنّى الشاعرة على لسان درويش أن تُخلِص الأمة للشاعر ولوفائه لها، وأن تفوق الأمّة من كبوتها وينتشر الوفاء ومعانيه خلال نسيج الأمّة الاجتماعيّ المتهتّك.
يَا انْحِنَاءَةَ نَبْضٍ مَبْتُورٍ/ يَدْرُجُ عَلَى غَفْوَةِ شَوَاطِئِي/ زَغْرِدِينِي دَمْعَةَ عِنَاقٍ يُهَلْوِسُنِي: ويوصي درويش مُخاطبًا بلادَه أن ترعاه في مواراته التراب وحتّى بعد مماته، والنداء هنا يفيد التمنّي بأن ترعى البلاد ذكرى الوفاء للفقيد، وتتوالى الصور الفنّيّة والانزياحات المثيرة لدهشة المُتلقّي: فللنبض انحناءةٌ كما القامة، والنبضُ يُبتَر كما غصن الشجرة، والنبضُ أيضًا يَدرجُ كطفل، وللشاعر شاطئٌ يغفو وينام كما الإنسان، وتُعدّ الصورةُ الشعريّة "المحوري الذي تُبنى عليه القصيدة المعاصرة بأسرها، وتعتبر من ناحية أخرى جزءًا حيويًّا في عمليّة الخلق الفنّيّ."  (13) 
"والشعر معنى ومبنى، لا سبق لأحدهما على الآخر، وهما ينتظمان في الصورة الفنّيّة، و"أنّ أهمّ ما يميّز الصورة في الشعر القديم هو التقريريّة والمباشرة والتعميم، وأنّ وظائف الصورة في الشعر الحديث تقوم بمهمَتيْ: التأثير والإيحاء، وفرق بين المفهومين." (14) 
يَفِيــــــــــــــــــــضُنِي: كناية عن أنّ الشاعرةَ تريد لحالة الحزن أن تنقشع وتزول، ليحلّ محلّها الفرح.
ويَطْوِينِي بَحْرًا ظَامِئًا: كناية عن تلهُّف الشاعرة لزوال الأسى والحزن، وفي عبارة "بَحْرًا ظَامِئًا" انزياحٌ يُثير دهشة المُتلقّي ويُشعره باللذة. 
ونلحظ في كلمتي"يَفِيــــــــــــــــــــضُنِي" و "يَطْوِينِي": تكرار كلّ من أصوات الياء الصامتة مرّتيْن، والياء الصائتة أربع مرّات، ولم يأت التكرار هنا عبثًا، "والتكرار أحد الأدوات الفنّيّة الأساسيّة للنصّ، وهو يستعمل في التأليف الموسيقي والرسم والشعر والنثر. والتكرار يحدث تيار التوقع ويساعد في إعطاء وحدة للعمل الفنّيّ، ومن الأدوات التي تبنى على التكرار في الشعر: اللازمة، العنصر المكرر، الجناس الاستهلاليّ، التجانس الصوتيّ والأنماط العروضيّة." (15).
"وللشعر نَواحٍ عدّةٌ للجَمال أسرعها إلى نفوسنا ما فيه من جرس الألفاظ، وانسجام توالي المقاطع، وتردُّدِ بعضها بقدر معين، وكلّ هذا ما نسمّيه بموسيقى الشعر(16). وفي هذا المعنى يرى الناقد ريتشاردز "الإيقاع يعتمد كما يعتمد على الوزن الذي هو صورته الخاصّة على التكرار والتوقّع، فآثار الإيقاع والوزن تنبع من توقّعنا، سواء كان ما نتوقّع حدوثه يحدث أو لا يحدث.(17) ونلحظ في الفعليْن السابقيْن أنّهما فعلان مضارعان، لتجسيد المأساة واستمراريّة الأسى والحزن لدى الشاعرة.
فِي عَيْنَيْكِ اللَّيْلاَوَيْنِ!: ويستمرُّ هنا ظهور صوتُ درويش مُخاطِبًا بلادَهُ بشقّيْها وبعينيْها اللّيلاوَيْن السّوداويْن: الضفّة والداخل شقّيْ فلسطين، والسطرُ كنايةً عن الحزن والأسى الذي خيّم على الجليل خاصّة وفلسطين عامّة، والليل رمزٌ للسواد. وتستمرُّ الشاعرة في قصيدتها بصوتِ درويش موصيًا بلادَهُ أن تذكرَهُ في الصلواتِ والصوامعِ ومَحافلِ الخير كشهيد: 
بِتُقَى جَنَّةٍ مُقَمَّشَةٍ سَلْسِبِلِينِي/ عِطْرِي الـْ غَامَ ضَوْؤُهُ فِي بَيَاضِ مَآتِمِي/ زُفِّيهِ دَمْعَةً../ زُفِّينِي شَمْعَةً../ وَفَرْدِسِي نَوَارِسَ اشْتِعَالِي الْمُقَدَّسِ/ بِنَوَاقِيسِ صَوَامِعِكِ!/ أَيَا دَرْوِيشُ/ ضِحْكَةُ مَوْتٍ.. تَسَلَّلَ دُجَاهَا الْمُغْبَرِّ/ إلَى نُخَاعِ عَصَافِيرِ رُوحِكَ تَكْتُمُهَا/ وَمَا ارْتَحَلَتَ/ ارْتَجَّ الْمَوْتُ.. تَزَلْزَلَ ظِلُّهُ/ حِينَ زَلّتْ قَدَمُهُ.. بِدَمْعَتِكَ الْبَحْرِيَّةِ/ حِينَ عَلَوْتَ بِمَرْكَبَتِكَ النَّارِيَّةِ فَارًّا مِنْ قَبْضَتِهِ/ تَدْحَضُ ضَبَابَ الْمَوْتِ.. بضَوْءِ حِبْرِكَ الْعَاشِقِ! 
بِتُقَى جَنَّةٍ مُقَمَّشَةٍ سَلْسِبِلِينِي: وتشتقُّ الشاعرة الفعل "سَلْسِبِلِينِي" من الاسم "السلسبيل": كنايةً عمّا تشعر به  من غصّةٍ وحزن ، فهي تطلب على لسان الشاعر درويش ومن أرض بلادها زواَل هذه الغصّة من الحلق، وأن تستسيغ الشرابَ. و"السَّلْسَبِيلُ: الشرابُ سهلُ المرورِ في الحلقِ لعذوبته، والجمع: سلاسب وسلاسيب، كما جاء في المعجم الوسيط. وتتوالى الصورُ الشعريّة والانزياحات في هذا السطر، في عباراتِ كلٍّ مِن: "بِتُقَى جَنَّةٍ" و "بِتُقَى جَنَّةٍ مُقَمَّشَةٍ"
عِطْرِي الـْ غَامَ ضَوْؤُهُ فِي بَيَاضِ مَآتِمِي: هنا تتساوى الجُمل، وقد أضافت الشاعرة أل التعريف على الفعل "غام" في قولها "الـْ غَامَ"، والسطر كنايةً عن فقد الشاعرة للبهجة بموت الشاعر. والصور الشعريّة تتعدّد: فللعطر ضوءٌ يُغَيمِّه ويُغطّيه السحابُ، وللمأتم بياضٌ، وهي أيضًا استعارة تنافريّة، فقد قامت الشاعرة بخلق صورة بلاغيّة جمعت فيها بين متنافريّن لا علاقةَ جامعةَ بينهما؛ لخلق منظومةٍ شعريّة ذات دلالة ومغزى، فقد أسندت اللون الأبيض للمأتم، ولا لون للمأتم من ناحية فعليّة، لكن الشاعرة جمعت بين اللون والمأتم؛ وبهذه الاستعارة حقّقت التنافر المطلوب، والابتداع الشعريّ التخيُّليَّ البحت الذي يُحْدث الدهشةَ في ذهن المُتلقّي.  
زُفِّيهِ دَمْعَةً../ زُفِّينِي شَمْعَةً..: وتتساوى الجملتان، والأمر في الجملتين يفيد التمنّي.
وَفَرْدِسِي نَوَارِسَ اشْتِعَالِي الْمُقَدَّسِ: ويستمرُّ ظهورُ صوت درويش موصيًا بلادَه بتخليدِ اشتعالاتِهِ الشعريّة، وتشتقّ الشاعرة الفعل "فَرْدِسِي" من الاسم "الفردوس"، والأمر يفيد هنا أيضًا التمنّي، فتتمنّى الشاعرة أن تزول عن روحها الغُمّة والحزن بموت الشاعر الكبير، وأن تتلمسها ظلال سكينة مقدّسة تجلب لروحها السعادة وتُذهِبُ عنها الكآبة والحزن، وتتزاحم الانزياحات الإضافيّة في عبارات كل: "نَوَارِسَ اشْتِعَالِي" و"اشتعالي" و"اشتعالي الْمُقَدَّسِ"، وتلجأ الشاعرة كثيرًا لتحقيق الانزياح، لِما تنتجنه هذه السّمة من شعريّة وجماليّة، وذلك من خلال رصْدِ الظواهر الصوتيّة والتركيبيّة والاستبداليّة التي خرجت على المعيار، وكسرت المألوف في شعْرها، لاستكناهِ شعريّتها في النصّ، وعلينا  الوقوف والنظر صوب اللغة الشعريّة وتحليلها في شعرها؛ وذلك بتقصِّي الظواهر الأسلوبيّة التي انزاحت عن المعيار، وأحدثتْ خلخلةً في التركيب.
وتهدف الشاعرة إلى خلق «الشعريّة» في نّصِّها الأدبيّ، حيثُ أنّ هذه السمة تكشفُ عن قدرة المُبدِعِ في استخدام اللغة وطاقاتها، وتوليد دلالاتها، وما تمارسُه من دورٍ إيحائيٍّ يصبُو إليه المبدعُ في وعيِه أو النصّ في لغتِه.                                   
بِنَوَاقِيسِ صَوَامِعِكِ!: وهنا أيضًا انزياحٌ، إضافيّ، فالمُتلقّي عندما يسمع كلمة "نواقيس" يتبادر لذهنه أن تضاف لكلمة مناسبة ككلمة "الكنيسة" مثلًا، لكنه يتفاجأ بإضافتها لكلمة "صوامع" فتحصل المفاجأة في خلد المُتلقّي، وتظهر اللغة الشعريّة في النصّ لخلخلة الشاعرة في مناحي البنية التركيبيّة. 
ويظهر صوت حيفا وبلاده تردّ عليه: أَيَا دَرْوِيشُ: الشاعرة تنادي الشاعر محمود درويش على لسان حيفا وبلاده، مُستخدِمةً حرف النداء "أيا"، و"أيا" حرفُ نداء للمنادى البعيد وهو الشاعر الذي أبعده الموت، والنداء يفيد التحبُّب والتقرُّب.
ضِحْكَةُ مَوْتٍ.. تَسَلَّلَ دُجَاهَا الْمُغْبَرُّ: وفي عبارة "ضِحْكَةُ مَوْتٍ" استعارة تنافريّة، وهنا نتساءل وهل للموت ضحكة في الواقع؟ ونقول: نعم، فيحصل مثل هذا في التعبير الشعريّ الخلّاق، كونه يزيح المفردة عن معناها القار بوساطة المجازات والاستعارات وغيرها من أدوات الفعل الشعريّ، و"تُعدّ الاستعارة التنافريّة تقانة من تقانات الكتابة الحداثيّة التي يوظّفها الشعراء لغرض خلق التوازن الداخليّ الذي يفتقدونه خارجيّا، فهي لا تولد من فراغ، وإنّما هي وليدة موقف نفسيّ وثقافيّ. (18)
وتقوم في جزء كبير منها على المفارقة، ونجدها تقرّب المتنافرات، وتجبر أبعد الأشياء عن بعضها على التقارب والترابط في سياق فنّيّ جديد يُثير المتعة والدهشة والجمال. (19) ويهدف الشعراء الحداثيّون في نصوصهم للحصول على "مزج المتناقضات في كيان واحد يعانق في إطاره الشيء نقيضه، ويمتزج به مُستمِدًّا منه بعض خصائصه، ومضيفًا إليه بعضَ سماته، تعبيرًا عن الحالات النفسيّة والأحاسيس الغامضة المُبهمة، التي تتعانق فيها المشاعر المتضادّة وتتفاعل."(20)  
إِلَى نُخَاعِ عَصَافِيرِ رُوحِكَ تَكْتُمُهَا: وتتزاحم الصور الشعريّة في السطر، فللروح عصافير، وللعصافير نخاع، والروح تُكتم، و"إنّ الشعر العذب الذي يشنَّف الأسماع ويُسكر الألباب، ويأخذ بمجامع القلوب، هو الشعر الذي يموج موجًا بالصور الشعريّة الحافلة التي تشكّل نواة القصيدة، فالشاعر المتصرّف في فنون الشعر، والذي يتّسم شعره بدقّة المعاني ولطافةِ التخيّل وملاحة الديباجة، هو الشاعر الذي يدمغ شعره المهفهف في دخائل كلّ نفس، ويوطّد دعائمَ أبياته المطَهّمة العتاق في مدارج كلّ حسّ، والأشعار التي تفتقد لهذه الصور البديعة يتخطّفها الموت ويكتنفها الظلام، ولا يترنّم بها الناس في دروب الحياة ومتعرّجاتها. لأجل ذلك أضحت الصورة الشعريّة هي جوهر الشعر وأساس الحكم عليه، ولقد اهتمّ النقّاد بجانب التصوير منذ قديم الأزل، وقدّموا جهودهم في هذا الصدد، وإن اقتصرت جهودهم على حدود الصور البلاغيّة كالتشبيه والمجاز، ولم تتعدّاها لتشمل الصور: الذهنيّة، النفسيّة، الرمزيّة والبلاغيّة، التي تتبلور وتتناغم في وجدان الشاعر. ولعلّ الحقيقة التي يجب عليّ بسطها هنا، أنّ الصور التي يُعدّها أصحاب الحسّ المرهف أغلى من أقبية الديباج المخوص بالذهب ليست قاصرة على الشعر، بل نجدها منثورة في حوايا النثر، والتفاتات أذهان كُتّابه.(21) 
وَمَا ارْتَحَلْتَ: كناية عن أنّ ذكرى الشاعر لا زالت في القلوب حتى بعد موته.
ارْتَجَّ الْمَوْتُ.. تَزَلْزَلَ ظِلُّهُ/ حِينَ زَلّتْ قَدَمُهُ.. بِدَمْعَتِكَ الْبَحْرِيَّةِ: وصوت البلاد يقول: لم يكن موتك سهلًا، فحتّى الموت ارتجّ وتزلزل في محاولاتك التحايل عليه والتهرّب منه. وأيضًا كناية عن الرجّة والصخب اللذيْن رافقا خبر موت الشاعر، والسطران يتّسمان بالصور الشعريّة أيضًا، فللموت رجّة وارتجاج، كما له تابع وظلّ يرافقه، والظلّ يعتريه الزلزال، وللموت قدم تتزلزل، وللشاعر دموعٌ بَحريّة.
حِينَ عَلَوْتَ بِمَرْكَبَتِكَ النَّارِيَّةِ فَارًّا مِنْ قَبْضَتِهِ: وهنا تستحضر الشاعرة الموروثّ الدينيَّ كقناع، متمثّلة بقصّة إيليا مار إلياس النبيّ ومركبته الناريّة، والتي تنصّ على أنّ الله شاء أن يحجبه عن شعبه، فلجأ إلى وسيلة مدهشة لم يألفها الناس، ذكَرها سفر الملوك الرابع بقوله: "وبينما كان إيليّا سائرًا مع تلميذه أليشاع يتحدّثان، إذا مركبة ناريّة وخيلٌ ناريّة قد فرّقت بينهما، وطلع إيليّا بالعاصفة نحو السماء، وأليشاع ناظر وهو يصرخ: يا أبي! يا أبي! لكنه توارى.. وامتلأ أليشاع من روحه مضاعفًا".
ولمّا أراد يسوع أن يمدح القدّيس يوحنا المعمدان دعاه باسم إيليّا، وشبّهه به حيث قال: "إنّه إيليّا المزمع أن يأتي" (متى 14:11). 
وفِعْلُ شاعرتنا كفعل السيّاب والبيّاتي بتوظيفها للرمز والأسطورة، "ويذكر السيَّاب أنّه لجأ إلى الرمز والأسطورة بدافع سياسيّ أوّل الأمر، لمقاومة حكم نوري السعيد وعبد الكريم قاسم، ويَذكر البيّاتي الظروف الجديدة التي دفعته إلى التوجّه إلى أسلوب الأقنعة فيقول: (هذا وغيره قادني إلى إيجاد الأسلوب الشعريّ الجديد الذي أعبِّر به. لقد حاولت أن أوفّق بين ما يموت وما لا يموت، بين المُتناهي واللّامتناهي، بين الحاضر وتجاوز الحاضر. وتطلَّب هذا منّي معاناة طويلة في البحث عن الأقنعة الفتيّة. ولقد وجدت هذه الأقنعة في التاريخ والرمز والأسطورة." (22). 
والسيّاب يُعلّل توظيفه في شعره للأسطورة: "فنحن نعيش في عالمٍ لا شعرَ فيه، أعني أنّ القيم التي تسوده قيمٌ لا شعريّة، والكلمة العليا فيه للمادّة لا للروح. وراحت الأشياء التي كان في وسع الشاعر أن يقولها، أن يُحوّلها إلى جزء من نفسه تتحطّم واحدًا فواحدًا، أو تنسحب إلى هامش الحياة. إذن فالتعبير المباشر عن اللّا شعر لن يكون شعرًا، فماذا يفعل الشاعر إذن؟ عاد إلى الأساطير، إلى الخرافات التي ما تزال تحتفظ بحرارتها؛ لأنّها ليست جزءًا من هذا العالم، عاد إليها ليستعملها رموزًا، وليبني منها عوالم يتحدّى بها منطق الذهب والحديد"(23) 
وبهذا وظّفت شاعرتنا الأسطورة كما وظّفها الرومانسيّون من قبل، أمثال شللّي الذي يذهب إلى أنّ الشعر "يكشف القناع عن الجمال الخفيّ في الدنيا، ويجعل الشعريّة المألوفة تبدو وكأنّها غير مألوفة. إنه يُعيد خلق الأشياء التي يعرضها." (24)
تَدْحَضُ ضَبَابَ الْمَوْتِ.. بضَوْءِ حِبْرِكَ الْعَاشِقِ!: تتوالى الصور الفنّيّة والانزياحات، فللموت ضباب يُدْحض، وللحبر ضوء يَدْحض ويعشق.
هَا الْكَرْمِلُ غَامَ فِي دُوَارِ صَيْحَةٍ: "ها" حرف تنبيه، والسطر كناية عن حزن أهل الكرمل خاّصة وفلسطين عامّة على فقد الشاعر، وقد ذكرت الشاعرة الكرمل "المكان" وأرادت أهله، مجاز مرسل علاقته المكانية. 
وتكمل الشاعرة شدوها: يَا الْمُسْتَحِيلُ تَمَهَّلْ/ دَرْوِيشُ بحَّةُ وَطَنٍ.. جَاوَزَتْ أَنْفَاسَ النُّوَاحِ/ لاَ تُبِحْ فَيْضَ سَنَابِلِهِ.. فِي مَهَبِّ غَفْوَةٍ/ لاَ تُثَرْثِرْ غِمَارَ حَصَادِهِ الْهَائِمِ/ عَلَى حُفَرِ الرَّحِيلِ! بَحْرُ حَيْفَا/ جَاشَ موْجُهُ.. فِي مَآقِي الدَّوَاةِ غَيْمًا/ لاَ يَرْدمُهُ لَظَى حُرْقَةٍ! صَهِيلُ الدّمْعِ.. هَيَّجَهُ دَرْوِيشُ/ وَذَابِلًا.. تَوَسَّدَ ذِكْرَاهُ/ فَرَّ مِنْ نَوَافِيرِ الرِّيحِ.. نُعَاسَ وَجَعٍ/ وتَرَنَّحَ.. عَلَى شِفَاهٍ غَائِرَةٍ.
يَا الْمُسْتَحِيلُ تَمَهَّلْ: وفي السطر انزياح بالحذف والتقدير: "يَا هذا الْمُسْتَحِيلُ تَمَهَّل": وقد لجأت الشاعرة للأسلوب الإنشائيّ، والمنادى المستحيل وهو رمز موت الشاعر درويش، والنداء يفيد التمنّي، فتتمنّى تأخُّرَ موت الشاعر وإطالة عمره، والأمر "تمهّلْ" أيضًا يفيد التمنّي هو الآخر.
دَرْوِيشُ بحَّةُ وَطَنٍ.. جَاوَزَتْ أَنْفَاسَ النُّوَاحِ: وفي السطر انزياحٌ بالحذف، وهو حذف ياء المنادى، والمنادى يفيد التحبُّب، وتنتقل الشاعرة للأسلوب الخبريّ، لتأكيد الذات وتبيان الأثر النفسيّ الذي خلّفه الموت في داخل أقبية قلبها، وترى أنّ موته فاق النواح، وذكرت الشاعرة الوطن "المكان" وأرادت من فيه "المواطن"، مجاز مرسل علاقته المكانيّة.
لاَ تُبِحْ فَيْضَ سَنَابِلِهِ.. فِي مَهَبِّ غَفْوَةٍ: وتعود الشاعرة للأسلوب الإنشائيّ، والنهي هنا يفيد الالتماس، والسنابل رمز للخير والعطاء.
لاَ تُثَرْثِرْ غِمَارَ حَصَادِهِ الْهَائِمِ: وتستمرّ الشاعرة في استخدامها للأسلوب الإنشائيّ، والنهي هنا أيضًا يفيد الالتماس.
عَلَى حُفَرِ الرَّحِيلِ!: كناية عن فَقْدنا للشاعر محمود درويش.
بَحْرُ حَيْفَا/ جَاشَ موْجُهُ.. فِي مَآقِي الدَّوَاةِ غَيْمًا: ذكرت الشاعرة "بحر حيفا"، وأرادت مجاوريه وأهله العرب، مجاز مرسل علاقته المجاورة. كناية عن أنّ البحر؛ أي الطبيعة شاركت الشاعرة آلامها الوجدانيّة وحزنها ومصابها على طريقة الرومانسيّين، فالبحر ثارت أمواجه حزنًا، كما يتجلّى في الشِّعْرِ الرُّومانِسيِّ الاندياحُ في عالم الطبيعة الواسع، والركون إلى أحضانها واستشعار حنانها وجمالها وروعتها ومناجاتها كأمّ وكَمُلْهِمَة، والتماس العزاء لديها من آلام الانكسارات الحادّة، والوصول إلى فلسفة طبيعية قوامها ثنائيّة البشر والطبيعة. الشاعرة تُعبِّر عن عاطفتها الصادقة، فأحاسيسها متجاوبة مع الطبيعة متفاعلة معها ممتزجة بها، والطبيعة هي أيضًا كذلك. وفي عبارة "فِي مَآقِي الدَّوَاةِ غَيْمًا" انزياحٌ إضافيّ وصورة فنّيّة، فللدواة مآقٍ تبكي كما الإنسان، وكل ما يخطّ بها أسود كالحزن.
لاَ يَرْدمُهُ لَظَى حُرْقَةٍ!: كناية عن أنّ بكاء المصاب لا يكفي تعبيره عّما في الروح من حرقة وألم.
صَهِيلُ الدّمْعِ.. هَيَّجَهُ دَرْوِيشُ: وفي عبارة "صَهِيلُ الدّمْعِ" انزياحٌ إضافيّ، وصورة شعريّة، فللدمع صهيل يٌهيِّجه الموت. 
وَذَابِلًا.. تَوَسَّدَ ذِكْرَاهُ: وفي السطر انزياحٌ تركيبيّ، حيث تقدّم الحال "ذَابِلاً" على صاحب الحال وفعله، وللانزياح التركيبيّ أَثَرُهُ في التراكيب وفي نسيج العمل الأدبيّ ككلّ، فعن طريق الانزياح تتحقّق للنصّ أدبيّته، وتأثيره في المُتلقّي. وفي استجلاء الانزياح، وجماليّّاته في ضوء المنهج الأسلوبي الحديث. وله دوره في بيان المعاني وتوضيحها، وفي الكشف عن تعدد تقنيات النظم وأساليبه الفنّيّة، التي تفرد بها. 
فَرَّ مِنْ نَوَافِيرِ الرِّيحِ.. نُعَاسَ وَجَعٍ: كنايةً عن شدّة الحزن والأسى على موت الشاعر درويش، وتتابع الصور الشعريّة والانزياحات الإضافيّة والتركيبيّة، فللريح نوافير يفرّ منها نعاس الوجع، وللوجع نعاس.
وتَرَنَّحَ.. عَلَى شِفَاهٍ غَائِرَةٍ: ونعاس الوجع يترنح والشفاه تغور! صور شعريّة تصوّر حالة الأسى والحزن الذي رافق موت الشاعر، ونلاحظ أن الشاعرة توظف الصور الشعريّة كثيرا في نصها، و"تعد الصورة الشعريّة عنصرًا بنائيًّا بالغ الأهمّيّة في بنية النصّ الشعريّ، وهي تجيء في قمة الهرم البنائيّ للقصيدة الشعريّة، ذلك الذي يبدأ من البنية الصوتيّة ومرورًا بالبنى الصرفيّة والمعجميّة والتركيبيّة؛ ولذلك كانت دراستها في النصّ الشعريّ من الأهمّيّة بمكان، وهي دراسة تتوخّى الإشارة إلى مفهومها وأهمّيّتها ووظيفتها التي لا تقف عند حدّ الدور البنائيّ في النصّ الشعريّ، وإنّما تتعدّاه إلى التمايز بين الشعراء في كيفيّة بنائها، "باعتبارها عنصرًا حيويًّا من عناصر التكوين النفسيّ للتجربة الشعريّة "(25)   
والصورة الشعريّة "تختلف من مبدع إلى آخر، ومن ثمّ يكون بناؤها عند كلٍّ منهم متضمّنًا لعناصر التميّز والتفرّد، وتغدو الصورة من ثمّ مقياسًا تقاس به موهبة الشاعر، وموضعَ الحكم عليه." (26)، و"إنّ نجاحَ الشاعر وفشله قرينُ ما يتمتع به من قدرات تصويريّة، تُمكّنه من نقل تجاربه وأحاسيسه إلى المُتلقّي بواسطة مَلَكةِ الخيال" (27).  
وتستمر الشاعرة في شدوها، فتقول: بِرَحِيقِ ظِلِّكَ الدَّرْوِيشيِّ/ لَمْلَمَتْهُ حَقَائِبُ مَسَافَاتٍ لاَ تَؤُوبُ/ وَتَوَارَيْتَ غَمَامَاتٍ مُسْرَجَةٍ.. فِي ثُقُوبِ الدُّمُوعِ!/ هُوَ الأَسِيرُ الْحُرُّ .. فِي الْوَقْتِ الصِّفْرِ!/ فَقِيدُ سِجْنِ حَيَاةٍ أُسْطُورِيَّةِ الْوَجَعِ!/ وَلِيدُ حُرِّيَّةٍ هُو.. تَنْبضُهُ خُلُودًا أَخْضَرَ
 بِرَحِيقِ ظِلِّكَ الدَّرْوِيشيِّ: ولظلّ الشاعر درويش رحيقٌ كرحيق الأزهار.
لَمْلَمَتْهُ حَقَائِبُ مَسَافَاتٍ لاَ تَؤُوبُ/ وَتَوَارَيْتَ غَمَامَاتٍ مُسْرَجَةٍ.. فِي ثُقُوبِ الدُّمُوعِ!: كنايةً عن موت الشاعر، وللمسافات حقائب لا تعود وتُلملم، وللغمامات سروجٌ كما الحصان، وللدموع ثقوب. انزياحاتٌ وصور شعريّة متتالية.
هُوَ الأَسِيرُ الْحُرُّ.. فِي الْوَقْتِ الصِّفْرِ!: وقد استهلّت الشاعرة هذا السطر بضمير الشأن "هو"، ونرى "أنّ العرب الفصحاء ومن يحاكيهم اليوم، إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسميّة أو فعليّة تشتمل على معنى هامّ أو غرض فخم، لم يذكروها مباشرة خالية، ممّا يدلّ على تلك الأهمّيّة والمكانة، وإنّما يُقدّمون لها بضمير يسبقها، فتجيءُ الجملة بعده والنفس متلهّفة لها، مُقبلة عليها في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلّا تمهيدًا لهذه الجملة الهامّة". (28)، فالضمير جاء هنا لتفخيم الشاعر ومكانته، فطالما سجن من أجل القضيّة، جاء في وقت اشتدّت فيه ظلمة ليل فلسطين ونكبتها ونكستها.
فَقِيدُ سِجْنِ حَيَاةٍ أُسْطُورِيَّةِ الْوَجَعِ!: كنايةً عن حياة السجن والحياة الأسطوريّة التي عاشها الشاعر من أجل خدمة بلده، المتخمة بالنكبات والانتكاسات، وفي السطر انزياحاتٌ متعددة، انزياحتان إضافيّتان وواحدة بالحذف، والانزياح بالحذف تقديره "هو". وقد أكسب مفهوم الانزياح الأسلوبيّةَ ثراءً في التحليل، إذ تتعامل المقاييسُ الاختياريَّة والتّوزيعيّة علی مبدئه، فتتكاثف السّمات الأسلوبيّة، وفي ضوئه يمكن إعادة وصفِ كثيرٍ من التحليلات البلاغية العربيّة، أمّا بالنسبة إلی الانزياح التركيبيّ وتحديدًا ظاهرة الحذف، فالشاعرة تحذف المسند إليه من بعض السطور، خاصّة تلك التي أنشدتها في وصف المرثيّ، فأرادت أن تستغني عن ذكره، لأنّه حيٌّ في ذهن المُخاطب ولا داعي لذكره.
وَلِيدُ حُرِّيَّةٍ هُو.. تَنْبضُهُ خُلُودًا أَخْضَرَ: كناية عن أن الراحل كان يسعى للحرية وتحرير وطنه، والصور الشعريّة تتوالى، فللحرية وليد نبض خالد، وللنبض لون أخضر، وهي استعارة تنافريّة، وهي نوع من أنواع الانزياح تُحْدث خلخلة عميقة في روع المُتلقّي، وتدخله في لذة الجديد المفاجئ المدهش، من خلال قدرة الشاعرة في التعبير عن مشاعرها بلغة جديدة مدهشة. 
وتستمرّ الشاعرة في تعداد مناقب الشاعر المرثيّ: يَا الْمُغْرِقُ فِي حُضُورِكَ الْبَهِيجِ أَبَدًا/ وَإِنْ وَارَتْكَ لَحْظَةٌ كَفِيفَةٌ بَيْنَ جَفنّيّهَا/ فَأَنْتَ الْعَابِرُ مِنَّا إِلَيْهَا شُعَاعًا/ وَعَائِدٌ مِنْهَا إِلَيْنَا شَمْسًا/ لاَ يَحْجُبُهَا غِرْبَالُ غِيَاب!/ بِشَفَقِكَ الدَّرْوِيشِيّ/ أَسْمَعُ وَقْعَ خُطَى صَوْتِكَ/ يَمْلأُ كَفَّيَّ بِكُلِّكَ/ بِبَسْمَةِ حَرْفِكَ الْمَصْلُوبِ عَلَى دَمْعَةٍ؛/ تَمْتَشِقُ حُلْمًا.. لاَ يَنْطَفِئُ/ وَإِنْ .. بَاغَتَتْهُ رِيحُ الْمَوْتِ!
يَا الْمُغْرِقُ فِي حُضُورِكَ الْبَهِيجِ أَبَدًا: كنايةً عن ذكرى الشاعر التي ما زالت حيّة بهيجة خالدة في قلوبنا، وفي السطر انزياحٌ بالحذف يولِّد الدهشة في ذهن المُتلقّي، والتقدير: "يَا أيها الْمُغْرِقُ فِي حُضُورِكَ الْبَهِيجِ أَبَدًا".
وَإِنْ وَارَتْكَ لَحْظَةٌ كَفِيفَةٌ بَيْنَ جَفنّيّهَا: وفي السطر تتّكئ الشاعرة على أسلوب الشرط للإتيان بالحجّة والدليل ولتوليد الإقناع.
فَأَنْتَ الْعَابِرُ مِنَّا إِلَيْهَا شُعَاعًا: كناية عن مآثر الفقيد وما تركه من مجد. والشعاع رمز للمجد، "والرمز يوحي ويومئ ولا يحدّد أو يصف. وعلى هذا الأساس يمكن أن نميّز بين الإشارة والرمز، لأنَّ الإشارة تحديد للشيء، والرمز إيحاء بشيء ما دون تحديد."(29) 
وَعَائِدٌ مِنْهَا إِلَيْنَا شَمْسًا: كناية عن عودة الشاعر الميمونة إلى أرض الوطن من المنفى، والشمس رمز رفعة وإباء. وفي السطر انزياح بالحذف والتقدير: "وَأنت عَائِدٌ مِنْهَا إِلَيْنَا شَمْسًا".
لاَ يَحْجُبُهَا غِرْبَالُ غِيَاب!/ بِشَفَقِكَ الدَّرْوِيشِيِّ: كناية عن مآثر الشاعر محمود درويش الجليّة في غربته، وللغياب عند الشاعرة غربال لا يحجب، وللشاعر شفق كما للسماء.
أَسْمَعُ وَقْعَ خُطَى صَوْتِكَ: تصوّر الشاعرة الصوت بإنسان له وقع خطى....استعارة مكنية. وكناية عن مآثر الشاعر الخالدة في النفوس.
يَمْلأُ كَفَّيَّ بِكُلِّكَ: كناية عن تلمس الشاعرة لتلك المآثر بنفسها، وذكرت الشاعرة "الكف"؛ أي الجزء وأرادت نفسها، مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
بِبَسْمَةِ حَرْفِكَ الْمَصْلُوبِ عَلَى دَمْعَةٍ؛: كناية عن شعر الشاعر المتفائل رغم وجود الاحتلال وأفعاله الشنيعة. وللحرف بسمة، حيث صوّرت الشاعرة الحرف بإنسان يبتسم، وصوّرته مرة أخرى بالإنسان المصلوب! استعارتان مكنيّتان، والصلب رمز لقيد المحتل، والدمعة رمز لأثر المحتل على من احتلّت بلاده.
تَمْتَشِقُ حُلْمًا.. لاَ يَنْطَفِئُ: كناية عن أحلام الشاعر لوطنه، وقد شبّهت الشاعرة الحلم بشيئين، يُمتشق ويُستلّ كما السيف.. استعارة مكنيّة.
وَإِنْ.. بَاغَتَتْهُ رِيحُ الْمَوْتِ!: وتوظف الشاعرة أسلوبَ الشرط للإقناع، وفي السطر انزياحٌ إضافيّ، فالمُتلقّي عندما يسمع كلمة "ريح" يتوقّع مضافًا إليه مناسبًا ككلمة "الصبا" مثلًا، لكنّه يتفاجأ بمضاف إليه "الموت"، وهذا الانزياحُ يولّد الإثارة في نفسه، وهو من جماليّات الانزياح بمختلف أشكاله، وذلك بخلخلة بنية التوّقعات وإحداث فجوة تعمّق حسّ الشعريّة في نفس المُتلقّي، ممّا يكسب النصّ توتّرًا وعمقًا دلاليًّا خاصّا، باعتباره نقطة التحوّل ومنبع الإمتاع. 
وتستمرّ الشاعرة في نصِّها: صَبَاحُنَا لَيْسَ مَحْمُودًا كَكُلِّ الصَّبَاحَاتِ/ صَبَاحٌ يَطْفَحُ بِعَطَشٍ دَرْوِيشِيٍّ/ وَشَّحَتْهُ أَسْرَابُ حُزْنٍ مَفْقُوءَةِ الْعُيُونِ/ تُكَفِّنُكَ بِبَلَلِ صَفِيرِ نَشِيجِهَا/ بِشِفَاهٍ حَارَّةٍ/ لاَمَسَتْ كُؤُوسَ دَمْعٍ كَوْنِيٍّ!
صَبَاحُنَا لَيْسَ مَحْمُودًا كَكُلِّ الصَّبَاحَاتِ: كناية عمّا اعترى النفوس من أسى وحزن على روح الفقيد، وذكرت الصباحات "الزمن"، وأرادت ما جرى فيها من حزن، مجاز مرسل علاقته الزمانيّة.
صَبَاحٌ يَطْفَحُ بِعَطَشٍ دَرْوِيشِيٍّ: كناية عن فقدنا للشاعر الكبير، وفي السطر أيضًا مجاز مرسل علاقته الزمانيّة، وتتوالى الصور الشعريّة، فالصباحات تطفح بالعطش، والعطش رمز للفقد والغياب والموت.
وَشَّحَتْهُ أَسْرَابُ حُزْنٍ مَفْقُوءَةِ الْعُيُونِ: كناية عن البكاء على المرثي، فللصباح وشاح، وللحزن أسرابٌ لها عيون مفقوءة من أثر البكاء. صورٌ شعريّة وانزياحاتٌ تثير دهشة المُتلقّي.
تُكَفِّنُكَ بِبَلَلِ صَفِيرِ نَشِيجِهَا: كناية عن البكاء. والنشيج: صوت الإنسان المرتفع المتردّد عند البكاء من غير انتحاب.
بِشِفَاهٍ حَارَّةٍ: كناية عن التأثر بصدق على المتوفّى.
لاَمَسَتْ كُؤُوسَ دَمْعٍ كَوْنِيٍّ!: وفي السطر انزياح إضافيّ،"فالمُتلقّي عندما يسمع كلمة "كؤوس" يتوقع مضافًا إليه مناسبًا ككلمة "شراب" مثلًا، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "دمع"، وهذا الانزياح يولد الإثارة في نفسه، وهو من جماليّات الانزياح، والسطر كنايةً عن الحزن الإنسانيّ. 
وتختتم الشاعرة قصيدتها بقولها: نَعْشُ رِيحِكَ/ تَنَاثَرَتْهُ مُدُنُ الْغُرْبَةِ/ وَمَا اتَّسَعَتْ لِوَجَعِكَ/ نَا/ كُلُّ أَضْرِحَةِ الإِنْسَانِيَّةِ!!  
نَعْشُ رِيحِكَ"/ "تَنَاثَرَتْهُ مُدُنُ الْغُرْبَةِ: فللنعش ريح وللغربة مدن...صور شعريّة جميلة، كناية عن نفي الشاعر وغربته في  حياته لالتزامه. 
وَمَا اتَّسَعَتْ لِوَجَعِكَ/ نَا"/"كُلُّ أَضْرِحَةِ الإِنْسَانِيَّةِ: وتتّحِدُ الشاعرة في فكر الشاعر، فالوجع واحد والمصيبة واحدة يتمثّلان بضياع وطن فاق وجع الإنسانيّة جمعاء.!!!!  
 وتتقن شاعرتنا بسطورها توظيف فنّ الشاعرية، "فالشاعرية في شكلها المنظوم أو المنثور سيرورة إنسانيّة مُطَّرِدة، لها دلالاتها وإيقاعاتها ولغتها ورؤاها وفق حركةِ هذه السيرورة حضاريًّا وثقافيّا. إنّ لكلّ مجتمع وعصر وحضارة شاعريّته وقصيدته التي تنبع من مجمل ثقافته وحضارته وقدرته الإبداعيّة أيضًا ودوْمًا، في كلّ زمان ومجتمع ثمّة شاعر أو أكثر يتجاوز حاضره في نصّه الشعريّ، بما يشبه الرؤيا والنبوءة والإشارة إلى المستقبل.
الشعر بعض تنفّس الورد، والشاعريّة جدليّة فيزيائيّة بين الطبيعة بعناصرها وكائناتها، وبين الكائن الإنساني، وفي هذه الجدليّة ينكشف للشاعر سرَّ العناصر وسحرها، وثراءَ الكون والحياة."(30) 

القائمة المشتركة: رصيد عامين/ جواد بولس

 أكملت القائمة المشتركة سنتين من عمرها في الكنيست، ولقد مرّت الذكرى بهدوء لا يلازم، بالعادة، وهج السياسة وضعف المتعاطين فيها أمام المنصات وميلهم الدائم للعبث برذاذ الاحتفالات خاصة تلك السعيدة عندهم؛ فباستثناء مقالة بعنوان "عامان على المشتركة" كتبها النائب د. يوسف جبارين، (عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) لم تلتفت الأقلام ولا المواقع الإخبارية أو مراكز الأبحاث والدراسات إلى حلول هذه المناسبة، ولم تجر محاولات لتقييمها بشكل جدي، ولا حتى من قبل مفكري الأحزاب الشريكة في تركيبة القائمة نفسها وقيادييها.
معظم من تطرقوا إلى هذه التجربة أشادوا بها، وأكدوا أن عدم تفكّك القائمة يشكّل بيّنة قاطعة على ضرورتها ونجاحها، ودليلهم في ذلك،ما توقعه، قبل عامين، المشككون في نجاعة إقامتها وتمناه "الأعداء" لها من سقوط مدو وفشل حتمي بعد انتهاء المعركة الإنتخابية، ولقد أضافوا وأبرزوا، علاوة على صمودها وبقائها مشتركة، حقيقة تحوّلها إلى "ممثل شرعي ووحيد" للمجتمع العربي في البلاد، وفرض ذاتها، بهذه الصفة، على مؤسسات الدولة وداخل أروقة الكنيست ومختلف لجانها، وعلى قطاعات واسعة من المجتمع الدولي.
من دون التقليل بأهمية ما ذكروه يبقى الاقتناع بأن النجاح، على عكس ما توقعه المتشائمون والعاذلون، في المحافظة على مبنى القائمة ونشاط أعضائها البرلماني بدرجة تنسيق متوسطة ومتأرجحة، برأيي، ومن دون حدوث صدامات مكشوفة بينهم وفاضحة، غير كاف ليعد وحده مسطرة حقيقية لقياس وتقييم تسويغات بنائها في الشروط والصيغ المؤسسة، ولا لاستمرار عملها وفقًا لنفس الآليات والنهج المتبعين حتى أيامنا، فكي تتحول هذه التجربة إلى رصيد ذي قيمة في صناديق صمود الجماهير ومعلمًا على الطريق الصحيح الموصل إلى بر الأمان يجب أن تستعرض أكثر من التشفي على طريقة الشرق، وتعكس ما أنجزته من مكاسب ملموسة لا غبار عليها ولا خلافات. 
وقبل الحديث في ما على القائمة وما لها أود التأكيد على ضرورة رفض تهجمات قادة إسرائيل وأحزابها على القائمة المشتركة وأعضائها، فانقضاضاتهم وتحريضهم السافر والدائم يندرج ضمن مساعيهم لنزع الشرعية عن قيادات ونضالات الجماهير العربية، كما ويبقى اتهام نواب المشتركة، من قبل تلك الجهات، بأنهم يؤثرون العمل في قضايا وطنية فلسطينية وعربية عامة ويهملون العمل من أجل مصالح ومشاكل الجماهير العربية، إدّعاءً باطلًا ومستفزًا، واجتراره من قبل أبواق عربية محلية لا يحلّيه ولا يضيف عليه "حمرة" لا تعرفها الوقاحة ولا يألفها المتعاونون ولا الشذوذ أو الجحود.
في ذات الوقت، لن يحجب صراخ هذه الحناجر المغرضة صوت الغيورين الذين ينتقدون، وبحق، من حين لآخر مواقف القائمة المشتركة وقراراتها، ولن يلغي محاولة البعض، الجادة والمسؤولة، وضع مجمل التجربة تحت مجهر الفحص والتدقيق رافضين الاكتفاء، بعد مرور عامين عليها، بما عرض على عجلة بعد رفع نسبة الحسم للنجاح في الانتخابات، كمسلمات "وطنية وقومية" لا تقبل التأويل ولا التفنيد، ومتسائلين، أحيانًا، حول صحة بعض الشعارات الملتبسة التي ملأت فضاءاتنا فجأةً، وصارت، مثل شعار "الشعب يريد قائمة مشتركة"  كتميمة علينا أن نتقبلها اقتداءً "بالوطنيين" بيننا وإلّا شذذنا عن السراط وانحرفنا عن حكمة السرب أو خسرنا الأمن المشتهى في مسالك القطيع!  فكيف اكتشفت، بين ليلة و"ليبرمانها" الأحزابُ والحركات المتنافسة على مقاعد الكنيست الذهبية إرادة الشعب وإصراره؟ وكأن هذا الشعب لم يكن موجودًا قبلما ارتفعت عتبة الكنيست التي صار القفز عنها وتجاوزها أصعب من القفزة عن جبل القرنطل.              
على جميع الأحوال مرّ عامان وشهدنا فيهما ما يكفي لوضع عدد من الخلاصات الأوليّة؛ فالقائمة المشتركة حاولت فقط، في أحسن الأحوال، الحد من تدهور الأوضاع، وعلى الغالب كان عدم النجاح حليفها، فهي، لقصورها في وضع رؤىً سياسية واضحة توحّد جميع مركباتها وتمكّنهم من إفراز برامج عمل كفاحية طموحة وواقعية، غدت غير مؤهلة لمواجهة وتغيير سياسات الدولة والتأثير عليها بشكل فعلي وملموس، بل صار اعتمادها على الشعارات وسيلة مستسهلة وشائعةً، وردات فعلها على سياسات الحكومة كانت، في معظم الحالات، خالية من الدسم السياسي الباقي في الأرض والمؤثر. 
لست ضد القائمة المشتركة بديلاً سياسيًا مرغوبًا وكآلية عمل نضالية يستوجبها الحضيض الذي وصلنا اليه وعمق الهوة التي يدفعنا باتجاهها قادة إسرائيل، لكنني مقتنع أنه وإن كانت تلك اللحظة التاريخية كافية لإعلان المشتركة كما أعلنت، فاستمرار وجودها بقوالبها الحالية، سيبقيها مجرد جهاز تنسيقي هزيل وغير كاف، هذا علاوة على الوهم الذي تصدّره بوجود قوة جبارة تضخها الوحدة في عروقنا، بينما الحقيقة ليست كذلك، تمامًا كما في حالة بعض أبطال كمال الأجسام الذين يحقنون بوجبات من المنشطات الكيماوية "الستيرويدات" لنفخ عضلاتهم بشكل خرافي فتبدو أجسامهم مهيبة، في حين يكون مفعول هذه المواد قاتلًا على باقي أعضائهم الداخلية الحيوية، فنحن نشهد، في ظل هذه الوحدة، كيف حُيّدت المؤسسات التنظيمية في معظم الأحزاب والحركات السياسية وأصاب بعضها خدر المرحلة التوافقية  وخمرة الوحدة المسكرة، فغابت عن حياتها حمأة المنافسات الحزبية وضجيج صراع السياسات على وعي الجماهير العريضة وأفئدتها.
إنني على قناعة بأن كثيرين مثلي يعون النواقص والسلبيات الخطيرة التي رافقت إقامة القائمة المشتركة وتلك التي لازمت عملها ونتجت عن ممارساتها؛ بعض هذه الجهات والقوى قد يسعى لإقامة أحزاب جديدة وقد تشكل هذه المبادرات تحديًا للقائمة المشتركة ومستقبل وجودها، أو عساها تتحول إلى محفزات تجبرههم على الارتقاء بتجربتهم وتوقفهم عن الاستكانة إلى قِصر "نظر الجماهير"، والاعتماد على "قلة مروة" النخب ومفاعيل التأثير الجماعية المدنية والسياسية القائمة في مجتمعاتنا.
أتمنى أن يكون هذا ما قصده النائب جبارين عندما أنهى مقالته مصوبًا سهامه "نحو تعددية أكثر في قائمة موحدة أكثر" مع أنه لم يرشدنا إلى كيفية تحقيق تلك الأمنية، ولا كيف سينجح هو وزملاؤه بتهذيب المحاور الثلاثة التي أشار إليها وعرّفها كشواغل يجب أن تعالجها وتواجهها القائمة المشتركة قريبًا؛ فكيف يمكن صياغة معادلة تجمع بين القومي والمدني من خلال رؤية عملية مشتركة سيكون سقفها ما تتيحه الكنيست الإسرائيلية؟ وقد ينفع التذكير هنا برفض توقيع القائمة عند تأسيسها على اتفاقية فائض أصوات مع حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني حتى عندما كان ثمن رفضها فوز اليمين بمقعد إضافي، وها هي تجدد اليوم رفضها للتعاون مع "ميرتس" مبدئيًا، في حين يعتبر حزب النائب يوسف جبارين ورفاقه "ميرتس" ومثيلاتها شركاء ضروريين في جبهة العمل ضد قوى اليمين وحلفاء يجب السعي لضمهم من أجل مواجهة زحف العنصريين والفاشيين.
إنها مسألة مبدئية وليست مجرد خلاف تكتيكي يمكن التجسير عليه بمط قاسم القائمة المشترك وتفادي الصدام عليه، تمامًا مثلها مثل قضية اختلافهم حول من يكون خيمتنا وسندنا ونحن في ساحات نضالنا المحلية، فمنهم من يستظل بحراب أردوغان ويعتبرونه حامى الحمى وسلطان الحق الأعظم، ومنهم من يصطحب بشارّا كأسده ومنقذه في هذه الغابة الحمقاء، وآخرون يرون ببوتين حجابًا يدرأ عنهم كل الشرور، وغيرهم يستدفئون بما تدره الصحراء وأمراؤها من نعم وأنعام ومفكرين. 
لم يُفهمنا أحد كيف ستتصدى القائمة المشتركة لآفة العنف المستشري في قرانا ومدننا وبعضنا يعرف كيف توحش هذا الغول بيننا بعدما أغمضت الدولة عيونها وصمت آذانها، وعندما غابت الأحزاب عن فضاءاتنا ونكست الكرامة النضالية والسياسة أعلامها وانحنت أمام الرايات البيضاء وعصيها، وصار الشعب ينتظر رحمة السماء ورضا وكلائها على الأرض وحمايتهم.
من سيوقف هذا النزيف وكل يوم يكتب الرصاص آيات نصره في شوارعنا وعلى أجساد النساء وهن يقتلن باسم شرف القبائل والحمائل ذاتها التي يحج إلى دواوينها القادة الذكور طمعًا بالمعونة والعزوة وألدعم المسمى مجازًا وطنيًا!
في تصوري لن تتحقق نبوءة الوحدة المتكاملة المنتجة لقيم النضال الحقيقي من دون تغيير في مفاهيم التعاقد ومضامينه ولأسفي أراهما عامين آخرين بلا تغيير يذكر؛ فالوحدة غاية غايات الضعفاء لكنها لن تسعف جراحهم وتضمدها إلا إذا حيكت على الأصول وسيّجت بجدران سياسية متفق عليها وقادرة على تأمين خطوط دفاع كفيلة ليس  للبقاء فقط ولردات الفعل العابرة إنما للتأثير وتغيير مرارة الواقع، فعساكم، إذا فعلتم ذلك، تعيدون أصالة "الضاد" لنضالاتنا وسحر المعاني لشعار الأوّلين: " في الأتحاد قوة"  .

العجوز والفتاة/ ابراهيم امين مؤمن

     
   
 (قصيدة عاطفيّة تربويّة )
.التجربة الشعرية :
القصيدة تتكلم عن رجل التقط فتاة رضيعة فربّاها وكان عاقدا النّية من
البداية ان يتزوجها عندما تبلغ سن الرشد .
شرح مجمل للابيات :
القصيدة من اربع مجموعات  , كل مجموعة مستقلة بذاتها لانها بتمثل مرحلة
من مراحل عمر الفتاة , ثم تتحد الاربع مجموعات لتقدم لنا وحدة عضوية
متكاملة تعبّر عن طبيعة المراحل العمرية لاى فتى او فتاة باطلالة خاطفة
عن طبيعة هذه المراحل بابيات شعرية موجزة , بداية من مرحلة الرضاعة
والطفولة ثم مرحلة الصبا ثم مرحلة البلوغ ثم مرحلة الرشد .............

وتفعيلاتها ( متفاعلن ) (متفاعلن ) متفاعلن ) ( متفاعلاتنْ )
           **    
           (...مرحلة الطفولة..)

غدْرٌ !.المْ ارْضعْكِ من عِرقى .دمى .روحى .فؤادى!
أرْضعْتك ِ الحبَّ  الطّهور  العنترىْ.. . ثمّ   النّواسىْ!
وفِطامك ِ  التاج   الذى  طعّمته  الدّرّ   السّماوىْ!
أضْحتْ  عيونكِ  تبصر  الدّنيا  بعينى  يا  كيانى !
         ------
   (..مرحلة الصبا  ..)
فلِمَ الرّحيل ؟... ألم ْيكنْ خدّى بِساطا فى صِباك ِ!
تثبين  قفْزاً  فوقهُ .. فأفقْتُ  من  نومى  أراكِ!
وشَدا غِناءكِ خلف عصفورٍ على أيْك  الرّياضِِ!
      -------
    (..مرحلة البلوغ ..)
هلْ  تذكرينَ  ركوبك  الفرس  الجموح  وقد رماكِ ؟
فعقرتُ ساقه دامعاً .. وربطّتُ ساقكِ من شِعارى  ؟
ويلى ..شبابك جامحٌ والشيب منّى فى انهزامِ  ؟
        --------
(.. مرحلة الرشد واتخاذ القرار..)
هجْر ٌ!.رشدْتى من أحاسيسي وعقلى . من كيانى!
علَّمْتُكِ. الحرّيْة . كسر القيد .. تحليق السماءِ
علّمْتكِ.. البسمات  . والآمال ..فوز بالجَنانى
علّمْتكِ. الشكران .والسلوان ..والثبْتُ الرضابىْ
ومتى  وأين  وكيف  يُرمى  السّهم  فى  بحر  الطغاةِ
والآن  يُرمى  سهمكِ  الشاب الرشيد  على  بياضى!
الآن   أبصرْتِ    طريقكِ   فوق  آفاق   السحابِ!
ورأيتِ  أنّك ِ كنتِ  فى  قيعان  شيبي  فى  انهيارِ!
وتعيّريْنى بالكهولة .. شبْتُ كى أرْعى صِباكِ!
فامضى .فليس الشيب شيب الشَّعْرِ بلْ سوء الصفاتِ
وفُتوّتى    قلبى   الذى   وفّى   رسالات   السماءِ
وستُدركينَ   الشيب   حدّاً   قبل  ميعاد   المساءِ
فامضىْ  إلى  وهْمٍ  إلى   غدْرٍ  إلى فحِّ  الافاعى

فلسفة الحياة اللاّفلسفية/ د زهير الخويلدي

 " كل سبل الحياة الفلسفية هي أنماط حياة طباع متعددة حددها العقل والعادة وكلها منعطفة نحو ملذات الحياة ونحو تحقيق الكينونة"1[1]
في البدء تبدو الفلسفة philosophie على خلاف تام مع الحياة، فهي تمكن المرء من الانتماء إلى دائرة التفكير وترتبط بحب الحكمة وتحتل مكانة بارزة في نطاق المعرفة وتشتغل على الاستدلال البرهاني، في حين ظل المرء يتحرك ضمن غريزة الحياة وينتج تصورا للعالم وينمي مقدرة ذاتية للتصرف وفق جملة من التوجيهات الحياتية ويرهن التقدم الاجتماعي بالمعرفة العلمية ضمن رؤية علمانية للوجود تعتمد على الإنسانوية ومبادئ الأنوار وتناهض الدين. ترتبط الفلسفة بمحب الحكمة الذي يظل في مرتبة وسطى بين الجاهل الذي يعتقد في المعرفة والحكيم الذي يمتلك علم المطلق ويدرك الغايات النهائية والعلل القصوى.
كما يمكن التمييز بين الحياة البديهية التي تمثل ميدان عمل رغبات الجسد وتحقق الحاجات المادية والمصالح الدنيوية والحياة الفكرية التي تتغذى من استعمال العقل والتدرب على طرح الأسئلة وتتحول إلى مغامرة فكرية ورحلة وجودية تبحث من خلالها عن المعنى والقيمة وتراجع البديهيات وتحرك السواكن.
من هذا المنطلق يدخل الفيلسوف في صراع مع الحياة البديهية ويصمم على الذهاب نحو الحقيقة والمعنى بالإعراض عن الجزئي والارتفاع إلى المطلق والتجاوز نحو القيمة ويترتب عن ذلك نفورا ومعارك. وبالتالي "يزداد صراع الفيلسوف البطولي حدة بظهور عدو آخر ويبدو حقا أن العالم كله يتحدد لينكر على الفيلسوف حقه في التفكير الحر...ولم يسمح للفيلسوف بالتفكير الحر إلا في فترات قصيرة فحسب... وموقف الفيلسوف لم يكن آمنا يوما فإنه لا يستطيع أن يطمئن لاستقلاله وإنما يبقى دائما هدفا للنفور"2[2]
 أما الحياة vie في معناها البيولوجي فهي مجموعة من الأنشطة التي يتميز بها الكائن الحي عن المادة الجامدة وتتمثل في وظائف التغذي والحركة والإنتاج والنمو وتقترن بالدوافع والبواعث والنوازع والغرائز وتتصف بالديمومة والأسلوب والبرنامج والنسق وتقتضي من الكائنات التسلح بالأمل والعمل والإرادة والعزم والزيادة في الرغبة وتفترض التخلص من الألم والحاجة والعوز وجلب المنفعة وابتغاء الأحسن. بهذا المعنى ليست الحياة zéo بالمعنى البيولوجي أي نمو ونشاط وإنماbios  هي بالمعنى الوجودي أي إرادة وخلق ولا تسير على نحو خطي وسكوني وإنما تدفق بصورة غير منظمة وتتطور بشكل مثير.
هكذا تكون الحياة بطبعها المادي غير فكرية وبلا روح وتكون الفلسفة بحسها الإشكالي وروحها الثائرة معاندة لكل بداهة ومداهمة لكل عادة ويكون التدرب على الحياة أبعد غاية يمكن أن يسعى الفيلسوف إليها.
لكن من حيث المبدأ نجد الفلسفة التي تمثل شكلا من التراث الفكري بصفة خاصة تهتم بتدبير أنماط الحياة وتتحول الحياة عند البعض الآخر إلى منبهات على التفلسف والدافع الأبرز على التفكير وإرادة الاقتدار. كما تتحول الفلسفة إلى مجال من المعرفة المختصة التي تهتم بتوجيه جملة من المناهج والتقنيات بغية الإقامة في العالم وخدمة تصور معين للحياة وتساعد الناس على استخدام عقولهم في اتجاه نيل سعاداتهم.
جملة القول أن" الفلسفة تقوم إذن على تجربة للوجود الإنساني في أشد حالات امتلائه ، وهذه التجربة تتكامل فيها حياة الإنسان العقلية والوجدانية والإرادية"3[3] فهل سيظل موقف الفيلسوف مناهضا للسائد؟
ألم يقل فلاديمير يانكلفيتش:" طالما أننا نبحث عن "ماهو نفسه هذا"، فلن نكون قد عثرنا عليه لأننا لما نزل نبحث عنه، وما أن نجده حتى لا نعود نمتلكه، لأنه بحصر المعنى ما يمكن لقاؤه، لأنه ليس وجودا... لقد أضعنا بالإجمال ما لم نجده على الإطلاق، أو بالأحرى لا، لقد أضعناه عند العثور عليه"4[4]؟  
الإحالات والمراجع:
[1] فريدريك نيتشه ، إنسان مفرط في إنسانيته، كتاب العقول الحرة، ترجمة محمد الناجي، طبعة أفريقيا الشرق، الجزء الثاني، طبعة 2001. شذرة 86، ص 148.
[2]  نيقولاي برديائف ، العزلة والمجتمع، ترجمة فؤاد كامل، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، العراق، طبعة ثانية، 1986، ص25.
[3]  نيقولاي برديائف ، العزلة والمجتمع، مرجع مذكور، ص30.

[4]   فلاديمير يانكلفيتش، فلسفة أولى، ترجمة سعاد حرب، مؤسسة مجد، بيروت، طبعة أولى، 2004، ص144
 المراجع:
فريدريك نيتشه ، إنسان مفرط في إنسانيته، كتاب العقول الحرة، ترجمة محمد الناجي، طبعة أفريقيا الشرق، الجزء الثاني، طبعة 2001. شذرة 86، ص 148.
نيقولاي برديائف ، العزلة والمجتمع، ترجمة فؤاد كامل، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، العراق، طبعة ثانية، 1986،
فلاديمير يانكلفيتش، فلسفة أولى، ترجمة سعاد حرب، مؤسسة مجد، بيروت، طبعة أولى، 2004،

[1] فريدريك نيتشه ، إنسان مفرط في إنسانيته، كتاب العقول الحرة، ترجمة محمد الناجي، طبعة أفريقيا الشرق، الجزء الثاني، طبعة 2001. شذرة 86، ص 148.
[2]  نيقولاي برديائف ، العزلة والمجتمع، ترجمة فؤاد كامل، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، العراق، طبعة ثانية، 1986، ص25.
[3]  نيقولاي برديائف ، العزلة والمجتمع، مرجع مذكور، ص30.
[4]  فلاديمير يانكلفيتش، فلسفة أولى، ترجمة سعاد حرب، مؤسسة مجد، بيروت، طبعة أولى، 2004، ص144

حيّ على النّداء/ فراس حج محمد


{هذي الأرض لم تبكِ، ولن تبكي، تحتضنُ الجرحَ، تقبّلُ زهرةَ عشقها وإلى الأمجاد تمضي...}

نداء الأرض للأرض 
للشُّهداء
للدّم المنصوب شاهدةً
على عشق الدّماء
للدّمع 
للكلمات
للرّؤيا القديمة 
في "تراويد" النّساءِ
للمرأة الأخرى هنالكَ 
إذ تغنّي
وتكبرُ في احتمالات الغناءِ
لكلّ غصوننا في الحرب واقفةً
على حرفين من حاءٍ وباءِ
لكلّ قصيدة ولهى تجرّ ذيولها 
كِبْرا 
وتروي الرّوح معْ شغب المساءِ
لكلّ جديلة صغرى 
تناجيها الحبيبة 
كلّما اشتعلت بفاتحة الضّياءِ
لمدّ فضائنا في الأفق مَتّعَهُ
بدرٌ
جريءٌ
جاد في وهْج السّماءِ
لكلّ مدائن التّقوى النّقيّة 
والتّراب الحيّ
والأشجار 
والخفقان 
والأحلام في وجه البهاءِ
لسرّ الوحيِ في القرآن
والإنجيل
والتّوراةِ
للصّلواتِ
والأرواحِ في زرع الشّتاءِ 
للصَّمت الرّهيبِ
الموكبِ المغسولِ بالعطرِ 
بالأزهارِ 
بالآياتِ 
بالأوراقِ
ذرّات الهواءِ
لكلّ ما في الأرض من معنىً
تنادي الأرضُ 
يا حماةَ اللهِ حيّ على النداءِ!
30-3-2017

سفرٌ طويلٌ/ كريم عبدالله


مِنْ هناكَ أعودُ
أحملُ ذكرياتيَ الزاخرةَ
وحفنةً مِنْ دموعها الساخنة .
***********
يا لحزنِ ملابسي
فاقعةٌ ألوانها
تلعبُ فيها العاصفة . !
***********
مثقلةُ خطواتها بالخيبةِ
وراءها تجرُّ حزناً عميقاً
يفتتُ قلبيَ الباكي .
************
وجهها الضحوك يطاردني
يلملمُ غربةَ ليلي
وحيداً أبكي بصمتِ .
************
أحشرُ نفسي بينَ الناس
وجهي يفضحني
كلّما تذكرتُ فردوسها .
***********
كلَّ صباحٍ تغسلُ وجهي
بضحكتها
ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ . !
**************
قدحُ الشاي الساخن
يبردُ كمكانها
بهدوءٍ أشربُ حزني وانصرف .
**********
وحيداً أعودُ أتسكّعُ
مِنْ كلِّ الأماكنِ البعيدةِ
أُجمّعُ شذرات عطرها .
************
بكفيّها الصغيرتين
تمسحُ الثلوجَ عنْ صدري
فجأةً تُزهرَ أيامي .
**********
مَنْ ايقظني مِنْ سباتي
أ ذاكَ أريجُ ملابسها
يظلّلُ خيباتي . !
************
أمطرت قبلاتها فوقَ صدري
زهرةً زهرةً تشتلُ
تحتَ أشجاري اليابسة .
************
في الليلِ تطرقُ بابي
خلسةً تندسُّ
أشواقها عارية ً.
************
ما ألينَ جسدها
يحتوي كلَّ همجيتي
في ذاكَ الليلِ الطويل . !
*************
عويلٌ عويلٌ عويل
على حافةِ السريرِ
أضعُ تصاويرها وأنتحبُ .
************
كقطعةِ حلوى
تجلسُ أمامي
تفتحُ نوافذها مشرعةً .
**********


بغداد
العراق

المواطنة المفقودة والوطنية المنشودة/ أشرف حلمى

أراد الشعب المصرى البحث عن المواطنة الحقيقية والتمتع بالحريات التى انبثقت عن مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة قبل عام ٥٢ فقام بعدة ثورات كانت آخرها ثورة يونيو والتى تمخض عنها دستور مرقع ورئيس دولة منتخب ثم برلمان الإ ان هذه الثورات لم تشفع للشعب المصرى كى ينعم بالحريات الكاملة والعدالة الاجتماعية التى سعى من اجلها ويحلم بها من خلال دولة مدنية تعمل على احترام حقوق الانسان كما إنها لم تشفع للدولة نفسها نحو التقدم بل أصبحت تعانى المزيد من المشاكل الإقتصادية إضافة الى ارتفاع نسب الجهل والفقر والتخلف الدينى الذى نتج عنه جماعات الإسلام السياسي وتكوين الأحزاب الدينية التى أصبحت جزء لا يتجزأ من النظام حيث له احزاب داخل البرلمان المصرى رغم أنف الدستور .
وبالرغم من الجهود المضنية التى بذلتها كل من مؤسسات الدولة والافراد من اجل تحسين صورة مصر الأمنية امام دول العالم لعودة السياحة كما كانت عليه من قبل سواء كانت بالشعارات الوطنية البراقة او بالدعاية المبالغ فيها من جانب الاعلام إلا انها باءت جميعها بالفشل لان هذه الدول الديمقراطية لم تاخذ بالشعارات والافلام بل بالافعال ونتائجها على ارض الواقع ومدى شعور المواطن المصرى داخل بلده بالمواطنة الحقيقية والعدالة الإجتماعية ومستوى معيشته وشعوره بالأمن والأمان أضف الى هذا فشل مصر فى القضاء على الإرهاب بعد اكثر من ثلاث سنوات بذلتها الشرطة والقوات المسلحة المصرية فى محاربته نظراً لوجود خلايا نائمة وعناصر غير مرغوب فيها مازالت تنخر فى جميع مؤسسات الدولة منذ حكم جماعة الأخوان الإرهابية هذا بالاضافة الى حالة الانفلات الأمنى التى زادت عن حدها وصلت الى حد الذبح  وقطع اليد والانفلات الاخلاقى الذى وصل الى انتهاك أعراض الأطفال بل وإختطافهم  .
فقد الشعب المصرى حريتة وشعوره بالمواطنة بعد ان اصبح ملاحق قانونياً تارة من مؤسسات الدولة وأخرى من جانب قياداته الدينية واصبحت القوانين أداة تستخدم فى تحقيق مصالح مؤسسات الدولة والافراد المحسوبين على النظام فهناك العديد من الأمثلة التى تؤكد فقدان الشعب المصرى حق المواطنة أهمها .
١ _ أعضاء مجلس الشعب بإعتبارهم ممثلين الشعب والذين فقد معظمهم ابسط حقوق المواطنة وأصبحوا أداة فى أيادى رئيس المجلس الذى إستخدم حق الفيتو بتحويل اى معترض على قراراته الى لجنة القيم وطردة  من جلسات البرلمان لتنفيذ مشاريع الحكومة بل وعزل بعضهم لأسباب لا تستحق وأصبح المجلس مراقب من الحكومة وليس رقيب عليها .
٢ _ فقد الشعب المصرى حق المواطنة فى بلده بعد ان اصبح الدستور والقانون حبراً على ورق ومثال ذلك اعتراف الدولة بالأحزاب الدينية لرفضها حل حزب النور السلفى بل ومشاركته بالانتخابات وله ممثلين فى مجلس الشعب والأكثر من ذلك مشاركاتهم فى بعض اللجان المنبثقة عنه  بالرغم من قله عددهم وترك رجال الدعوة السلفية الجناح التكفيري للحزب دون رقيب يكفر ويزدرى أديان الآخرين من خلال شيوخهم المعروفين  ووقف القانون عاجزاً امام ملاحقتهم فيما نجح نفس القانون فى ملاحقة المفكرين المتنورين والكتاب وعمل على سجنهم بتهمة إزدراء الآديان بل وعلى تهجير بعض الأقباط وسجن الاخر نتيجة  تهم ملفقة لهم بنفس التهمة .
٣ _ فقد الشعب المصرى مواطنته فى حرية ابداء آرائه السياسية فإما ان يكون منافق للنظام ويصبح وطنى او ينتقد النظام ويتهم بالعمالة وايضاً ارائه فى تصريحات رجال الدين السياسية ولا يستطيع احد نقد آراءهم ومناقشاتهم وإلا اتهم بالتطاول على الدين وليس رجال الدين   .
٤- فقد الشعب المصرى مواطنته فى دولته المدنية امام العالم وأصبح رجال الدين الممثلين والنواب السياسيين الشرعيين للشعب  فهم يحرصون على مقابلة واستقبال  بعض رؤساء البلاد والوفود الدبلوماسية والتحدث باسم شعوبهم فى المجالات السياسية مما يدل على دينية الدولة بل يسخرون جهودهم  فى خدمة النظام السياسي خارج مصر على حساب خدمتهم الرعوية التى  جلسوا على كراسيهم من اجلها .
٥ - لقد فقد جزء كبير من الشعب مواطنته جراء دستور البلاد الذى استندت جميع مواده وقوانينه على المادة الثانية للدستور مما أدى الى فقدانهم  الكثير من حقوقهم المشروعة فيما يتساون  فيما  يقدمونه من واجبات إضافة الى فقدان مسيحى مصر اقل حقوق المواطنة فى حرية العبادة بعد ان خذلتهم الدولة ومؤسساتها الدينية بتلاعبها لنص الدستور  وإصدار قانون بناء الكنائس بديلاً عن قانون دور العبادة الموحد .
٦ - المصريين المقيمين بالخارج فقدوا مواطنتهم غيابياً ايضاً فهم الذين دعموا الثورات ووقفوا مع اهاليهم وأصدقائهم فى مواجهه قوى الشر الا ان مازال الغالبية العظمى منهم تحت سيطرة وطاعة رجال الدين فيما يتعلق بالشئون السياسية المصرية والبلاد الديمقراطية التى يعيشون بها وعلى شعوبهم تقديم فروض الولاء والطاعة والا يصبحوا من المغضوب عليهم .
وهناك العديد والعديد من الأمثلة التى لا حصر لها ولا عدد فلن تتقدم مصر إلا بتحرير العقل من سيطرة رجال الدين وإطلاق حرية التعبير وإبداء الراى دون شروط او قيود وفصل  الدين ورجاله عن السياسية وتغيير الدستور وتطبيق القانون على الجميع .

دراسة لديوان "خَمائِل فوقَ روابي الشَّمس" للشاعر الرحوم شكيب عبد الحليم/ حاتم جوعيه

( في الذكرى السنوية على وفاته )                                                                                  

مُقدِّمة ٌ :
 الشَّاعرُ القديرُ المرحوم" شكيب عبد  الحليم" من  سكان قرية " كفر مندا "  الجليليَّة ،  يكتبُ الشِّعرَ منذ  أكثر من ثلاثين سنة ،  نشرَ الكثيرَ من  قصائدِهِ في الصحفِ المحليَّةِ ، وخاصَّة ً في صحيفةِ  " الديار " المُحتجبة  وقد حقَّقَ  شهرة ً وانتشارً واسعًا محليًّا  .   شعرهُ بشكل ٍعام  جزلُ السَّبك متينٌ  وقويٌّ  في بنائِهِ ، عالي النبرة مُفعَمٌ  بالأريحيَّةِ  يدعو  إلى القيم ِ والمُثل ِ والمبادىء  وللتضحيةِ  والكفاح ِ لأجل ِ العيش  الكريم  والشَّريف ... وأيُّ  إنسان ٍ مهما  كانت  نوعيَّتهُ  ومستوى  ثقافتِهِ  فإذا  قرأ  أيَّة َ  قصيدةٍ   لشاعرنا  دونَ  أن يعرفهُ  مسبقا ً يشعر ويحس بشكل ٍ تلقائيٍّ  أنَّ  كاتبَ هذه القصيدة هو إنسانٌ   وطنيٌّ  فاضلٌ  حُرٌّ  وشريف أبيُّ النفس  يمشي في طريق الفضيلةِ والإباء ،   متسربلٌ  بالمبادىءِ  والقيم والمثل  والاخلاق  الحميدة   لِمَا  تحملهُ  قصائدُهُ  الرَّائعة والمُمَيَّزة  من  دعوةٍ  للخير والقيم ِ وللصلاح ِ والكفاح  لأجل ِ الحياةِ  الفاضلةِ والشَّريفة  …   وأنا ، بدوري ،  كنتُ  أقرأ  قصائدَهُ  منشورة ً  في  الصحفِ المحلِّيَّةِ  بإعجابٍ  وحُبٍّ  وشَغفٍ وكنتُ أستمتعُ  وأطربُ  لمعانيها وجماليَّتها  ومستواها العالي ولما تحملهُ من قيم ٍ مثلى ورسالةٍ ساميةٍ  وطنيَّة وقوميَّة  وإنسانيَّة وإجتماعيَّة   ُتجَسِّدُ  شعورَ وإحساسَ  ووجدانَ كلِّ  إنسان ٍ عربيٍّ  وطنيٍّ حُرٍّ  وشريف  وكلّ  مناضل وصاحبِ مبدإ  وضمير حيٍّ  في هذا العالم .  وعندما تعرَّفتُ على الشَّاعر شكيب عبد الحليم  بشكل ٍ شخصي وجدتهُ  أعظمَ  وأكبر  ممَّا  كنتُ  أتوقعهُ  وأكبرَ  وأسمى من  تلكَ  الصورة  الجميلة  المثاليَّة  الرَّائعة  التي  كنتُ  أرسمها   لهُ  في  خيالي،  فهو  إنسانٌ  شريفٌ  دَمِثُ  الأخلاق مضيافٌ  كريمٌ  بلا  حدود  وإجتماعيٌّ  من  الدرجة الأولى  بشوشٌ  يُحبُّ الناسَ والجتمعَ  ومتواضعٌ  كثيرً ..ولقد  توفي مؤَخَّرًا وبشكل  مفاجىء  إثر نوبة  قلبيَّة  حادَّة  وكان  لموته  وقع   أليم على أقاربه وعائلتهِ وذويه  وعلى  جميع  أصدقائه  ومعارفه  وخسارة  كبرى  للمجتمع  وبموته تفقد الحركةُ والمسيرة الادبيَّة  والثقافيَّة ركنا  وعلما هامًّا من أعلام الثقافة  والأدب والإبداع المحلي.
مدخلٌ : -   هذا  الديوان :  ( خمائل  فوق  روابي  الشَّمس )  يقعُ  في 138  صفحة من الحجم المتوسِّط الكبير تحلِّيهِ بعضُ  الرُّسومات الداخليَّة  الجميلة  بريشة  الفنانين التشكيليِّين ، وهم :  الفنان  الشهيد  ناجي  العلي  وأميَّه جحا  وعبد الحليم ربيع  .  ويوجدُ مقدِّمتان للديوان ، الأولى :  إهداء بقلم  صاحب  الديوان ( شكيب  عبد  الحليم ) حيثُ  يهدي هذا الديوان  إلى شعبهِ  المقهور وإلى الأرض  الطهور وإلى الأطفال ِالجياع ِ في  كلِّ  البقاع   وإلى  الأحبَّةِ والأصدقاء  ولبلدِهِ  المعطاء بلد الوفاء ،  وإلى  كلِّ  الذين  ينبذونَ العصبيَّة َ  القبليَّة  -  وإهداء أيضًا  لكلِّ  من  يقولُ كلمة َ حقٍّ  في وجهِ سلطان ٍ جائر .      ومن خلال ِهذه  المقدمةِ  الصَّادقةِ  والبريئةِ  نشعرُ  وندركُ  ونعرف مسبقا ً فحوى مواضيع هذا الديوان وما هو منطلق الشَّاعر وتوجُّهه الفكري والآيديلوجي .   
  والمقدِّمة ُالثانية ُ بقلم الأستاذ " صلاح  بشيري " الحاصل على الماجستير  في الإدارة التربويَّة … ومُقدِّمتهُ بشكل ٍعام جميلة صِيغت بلغةٍ  أدبيَّةٍ  مُنمَّقة وجزلة، فيها يُشيرُ الأستاذ ُ الكاتبُ إلى مستوى شاعرنا( شكيب عبد الحليم ) العالي والرَّاقي في  مجال الشِّعر وللمواضيع والأمور الهامَّة والوجيهة التي  يتناولها في  قصائد  هذا الديوان  .   
مدخلٌ :- إنَّ  قصائدَ هذا الديوان من الناحيةِ الشَّكليَّةِ على نمطِ  شعر التفعيلةِ ولكنَّ شاعرَنا في معظمها لا يتقيَّدُ  كليًّا  بوزن ٍ واحد  بل  ينتقل من وزن لآخر في نفس  المقطع  الشعري وبشكل ٍ  تكتتيكيٍّ  تقنيٍّ متناسق  يبقى  فيهِ  القارىءُ المثقف والذ َّوِّيق ُمنسجمًا  ومتناغمًا  مع الإيقاع  والجرس  الموسيقي ، ولهُ  الكثير من القصائد متحرِّرة  من الوزن ( الشعر الحديث الحرّ ) ولكن  يوجدُ  فيها  موسيقى داخليَّة جميلة أخَّاذة  تغني الأذنَ  والوجدان عن روتين  بحور الخليل الرَّتيبة  .  ولهُ  أيضًا  قصائدُ  كلاسيكيَّة  تقليديَّة  مع  قافيةٍ ،  بَيْدَ  أنَّهُ  لا يلتزمُ بوزن ٍ واحدٍ معَيَّن  فيها فأبيات كلِّ  قصيدة تتوزَّعُ على عدَّةِ  أوزان وبحور وأحيانا ً في  نفس البيت  نجدُ  أكثر من  وزن ٍ، فالصَّدرُ  يكون على وزن   معيَّن  وعجز  البيت  على  وزن  آخر  …   وشاعرنا  ،  كما  يبدو  متمكِّنٌ ولهُ  دراية ٌ بالأوزان الشِّعريَّة (علم  العروض) ولكنهُ  لا  يُريدُ التقيُّدَ  الكلِّي فيها أسوة ً واقتداءً بشعراءِ العربِ الكبار والمجدِّدين في مسيرةِ الشِّعر الحديثِ الذين خرجوا في البعض من قصائدِهم عن قيود الوزن ( العروض) . وكما  أنَّ أسلوبَ  ولغة َ هذا الديوان جزلة  وقويَّة -  كما  ذكرتُ  أعلاه  - ومعاني  قصائدِهِ  عميقة  وفلسفيَّة  ورائعة   .    
   سأتناولُ في هذهِ المقالةِ  بعضَ القصائد من الديوان مع الدِّراسةِ  والتحليل  وسأبدأ بالقصيدة الأولى من الديوان بعنوان: ("إرهَابي"-  صفحة 5 - 12 )  والقصيدة ُ وطنيَّة  وسياسيَّة بحتة ، يقولُ  فيها الشَّاعر :  
( "  عربيٌّ أنا  والعروبة ُ وزري …   وحِملٌ   ثقيلْ    // 
      إذ  لا تتقنُ  إلا َّ  صمتَ  الخذلان     //
      تسقط ُ  عيناها  كأوراق ِ  الخريف //  ووجهها  جرزٌ بلا ربيع   //  
      ثقافتها  لغة ُ  القهر ِ والفولاذ   //  غادرَهَا الصُّبحُ  فتاهَت  في هَبَاءْ  //   
     عربيٌّ  أنا  مُطاردٌ  في  كلِّ  آنْ  //  
     مطلوبٌ  حيًّا  أو  ميتا ً //  في  أيِّ  زمان ٍ وأيِّ  مكانْ  // 
     متَّهمٌ  منذ ُ   ولادتي  //  بالإرهابِ  والتطرُّفِ  والطغيان  //   
     لا  بداية َ  لي … //     ولو  أقسَمتُ  بالإنجيل ِ  والقرآنْ   //  
     منصوبة ٌ  لي   المشانِقْ  //   في  المغاربِ  والمشارقْ    //  
     منَ المُحيط ِ  إلى الخليج ِ  حتى  جبل  طارق  //    
     في  اتساع ِ  مرافىء  أحزاني  //  من  دمي تنزفُ  عيونُ الواحات // 
    يلتهمني الجوعُ  والخوفُ  والحرمانْ  //   
ويقولُ  فيها أيضًا : ( "   مُسلَّط ٌ  على  عنقي  سيفُ  السَّفاح  //            بلا ذنبٍ اقترفتهُ // إلا َّ لأني عربي // والعروبة ُ في عصرنا ذنوبٌ قباح  // 
سهلي وجبلي يحترقان //  وآهاتُ  الظمإ  تمزِّقُ  أضلعي والجفان //  " )  .   
   في هذهِ القصيدةِ  المطوَّلة يُريدُ  الشَّاعرُ أن  يقولَ لأبناءِ  شعبهِ  وللعروبةِ   وللعالم بأجمعهِ: إنهُ عربيٌّ من الناحيةِ العرقيَّة .. هكذا وُلِدَ ، ولكنَّ  العروبة َ أصبَحَت  وزرًا  وحملا ً  ثقيلا ً  ،    فالعربُ  وللأسفِ  يعيشونَ  اليوم  في صمتٍ  مُطبق ٍ ولا  يُتقنونَ  ويُجيدونَ سوى لغة الصَّمتِ والتخاذل ، وثقافة ُ  الأمَّةِ العربيَّة اليوم هي لغة  القهر  والفولاذ (  وهنا  يلمِّحُ  ويقصدُ  الأنظمة  العربيَّة الدكتاتوريَّة والرَّجعيَّة التي تعاملُ شعبهَا بالقوَّة وبالسّبف والكرباج ) ، وانَّ الصُّبحَ والفجرَ قد غادرَ هذهِ الأمَّة َ فهيَ في تيهٍ ليليٍّ  . وأنهُ ( الشَّاعر  وكلّ  الشَّعب العربي ) مطاردٌ  في كلِّ وقتٍ وزمان ومتَّهَمٌ من  قبل ِ الغربِ  زيفا ً  وبُهتانا ً  بالإرهاب  وبالتطرُّفِ والطغيان  وحتى لو أقسَمَ  بكلِّ الكتبِ المنزلةِ  والأديان  السَّماويَّة .  فالمشانقُ  دائمًا  منصوبة ٌ  للإنسان ِ  العربي  ( من الشرق إلى الغرب )  -  فإسمُ  عربي أصبَحَ اليومَ  ذنبا ً  وجريمة ً  لا تغتفرُ  ومَقرُونٌ   بالقتل ِ والإرهابِ  من   قبل  ِالسِّياسة ِ  والإعلام ِ  الغربي والصُّهيوني وكلِّ فكر أمبرياليٍّ إستعماريٍّ  ُمعَادٍ  للشرق وللعربِ والإسلام  ولدول ِ العالم  الثالث  (  الدول  الفقيرة  والمسحوقة  إقتصاديًّا ) وللأسفِ  -  وعلى حدِّ  قول ِ  الشَّاعر ِ  شكيب  عبد الحليم  :    
( "  مُسَلَّط ٌ على عنقي  سيفُ  السَّفَّاح  //    بلا    ذنبٍ    اقترفتهُ   //      
     إلا َّ   لأني   عربي  //  والعروبة ُ  في عصرنا  ذنوب  قباحْ   //  " ) .  
        ويذكرُ الشَّاعر في هذهِ القصيدةِ  الوضعَ  العربي والفلسطيني الصَّعب والأليم ) السِّياسي والإجتماعي والإقتصادي والمعيشي) وأنَّ الوطنَ العربيّ مُقيَّدٌ ومأسورٌ من قبل ِ الحكام العربِ الظالمين والطغاةِ  العملاءِ  والمُسيَّرين  والتابعين للغرب وأمريكيا ، فالعربي يعيشُ  في وطنهِ  النفط العريان ( وإنهُ لتشبيهٌ جميلٌ ) " النفط  العريان " فرغم  الثراء الفاحش  في دول ِ وإماراتِ النفط  قسمٌ كبيرٌ من الشعوب هناك تعيشٌ في فقر ٍ مُدقع وأقليَّة ٌ فقط ( العائلة الحاكمة والمقرَّبون) يعيشون في غنى وثراءٍ فاحش ٍ وبذخ ٍ … ونتذكَّرُ  هنا  بشكل ٍ مباشر ٍ قولَ  الشَّاعر العراقي الكبير الرَّاحل  " بدر شاكر السَّيَّاب  "  قبلَ  أكثر من   ستين  عامًا  :  ( " في العراق ِ جوعٌ  ويهطلُ  المَطرْ"  ) .   
 فهذا التشبيهُ  وهذه الصورة الشعريَّة والإستعارة التي استعملها شكيب عبد الحليم هنا جميلة ٌ وجديدة ومبتكرة ( لأنني عربيٌّ في وطن ِالنفط ِالعريان) .   
   ويُتابعُ  قولهُ في  القصيدةِ :  
( " التتارُ والمغولُ عني  يبحثون // في الغاباتِ في النجوع والوديان  //   
    في كهوفِ اليمن ِ  في الحجاز ِ في  الأفغان //    
    في كلِّ  سراديبِ الأرض ِ وبينَ  الاجرام //    
    إنِّي مطلوبٌ  إني  مطلوبٌ  // للتطبيع ِ وسيفِ  الجلاد  //   
    السَّافلة ُ الكبرى بجيوشِها تبحَثُ عنِّي //   وَسَادة ُ   أمَّتِي   يُهَرولون  //  
    يفتشونَ عني في طبقاتِ الغيم ِ والنجوم //   
    وجريمتي يا  ناسُ  أنِّي عربي // والعروبة ُ في عُرفِهم عدوَى وجنونْ //  
   ويقصدُ الشَّاعرُ بالتتار ِ والمغول ِهنا أعداء الأمَّة العربيَّة ودول الإستعمار الذين  يلاحقونَ كلَّ إنسان ٍ عربيٍّ  حُرٍّ وشريف  يُحِبُّ  شعبَهُ  ويعملُ لأجل ِ قضايا  شعبهِ  وأمَّته  العربيَّة  ( القضايا المصيريَّة  )       . 
  إنَّ  بعضَ  المقاطع  في هذهِ  القصيدةِ  موزونة ( على  بحر المتدارك )  ، وهنالك جملة يكرِّرُها الشَّاعرُ مرَّتين لأجلِ الجمال ِاللفظي المُمَوسق وللتأكيد  على المعنى وهي : ( إنِّي مطلوبٌ.. إنِّي مَطلوب) .  ويقصدُ بالسَّافلةِ  الكبرى  هنا  دولة  أمريكا ( الولايات  المتحدة  )  أكبر  دولة  في  العالم  الآن  وهي  رمز  الأمبرياليَّة   والإستعمار والإحتلال  والهيمنة  والظلم   والتسلُّط  على  الشعوب الضعيفة والفقيرة .   وأمَّا سادة ُ أمَّتهِ  فهم الحكام والرُّؤساء العرب الدكتاتوريُّون عملاء  وأذناب الغرب  الذينَ  يلاحقونَ  كلَّ  إنسان ٍ ومواطن عربيٍّ  نظيفٍ  وحُرٍّ  ومتعلِّم ٍ  ومثقَّفٍ  ولديهِ  طاقاتٌ  كبيرة ٌ فذ َّة  يريدُ  أن يكرِّسُها  لخدمةِ  شعبهِ ... وهذا مِمَّا لا  يروقُ  للغربِ  وللإستعمار، فالحكامُ  والقياداتُ  العربيَّة  بدورهم  يلاحقونَ ويطاردونَ  كلَّ  إنسان ٍ  عربيٍّ  على هذا النمطِ  بتوجيهٍ  وإيعاز ٍ من أسيادِهم  أمريكيا  والدول الغربيَّة … وحتى هنا في دولة  إسرائيل التي هي تابعة لأمريكا والغرب ( الدول الأمبرياليَّة )  وُتعتبَرُ  ولاية ً أمريكيَّة  فلا  تعطي لأيِّ  إنسان ٍعربيٍّ حُرٍّ ونظيفٍ وشريفٍ  أن  يتبوَّأ  أيَّة َ وظيفةٍ  مرموقةٍ  وأيَّ  مركزٍ  حتى  لو   كانَ   بحوزتِهِ   كلُّ الشَّهاداتِ والكفاءاتِ والمؤهِّلاتِ الفذ َّةِ والخارقةِ وحتى لو لم يتدخَّلْ إطلاقا ً  بالسِّياسةِ وأكبرُ مثال على ذلك أنا ( حاتم جوعيه) فقد درستُ عدَّة َ مواضيع  وبحوزتي العديد من  الشهادات الأكاديميَّة  ويوجدُ  لي العديدُ  من  المواهب  الإبداعيَّة والكثير من  الأنجازات والإصدارات  الشعريَّة  والأدبيَّة والفكريَّة  وغيرها ولكن لم يوظفوني في أيَّة ِوظيفةٍ حكوميَّة في هذه الدولة التي  تعتبرُ  نفسَها واحة َ الديمقراطيَّة ، وذلك لأنني إنسانٌ وطنيٌّ نظيفٌ وشريف ولستُ  عميلا ً وذنبًا سلطويًّا  كغيري، وبالمقابل نجدُ الكثيرين  من غريبي الأطوار والحثالاتِ والمسوخ الذين لم ينهوا دراستهم الإبتذائيَّة وبصعوبة ٍ يستطيعون معرفة كتابة اسمائِهم وهم عملاء وأذناب سلطة وفسَّادون ومنحطون أخلاقيًّا وإجتماعيًّا ولا يحلمونَ لشعبهم أو لأحدٍ  بالخير  قد تبوَّؤوا الوظائفَ العالية والوجيهة والمراكز الحسَّاسة والهامة في شتى المجالات الثقافيَّة والإعلاميَّة  والفكريَّة والإجتماعيَّة  والفنيَّة  وللأسف  وحصلوا على  جوائز السلطة  في  الإبداع الأدبي والفني الثقافي وهم بعيدون مليون سنة ضوئيَّةعن الأدب  والفنِّ والثقافةِ  والإبداع  .  ونرى البعضَ من هؤلاء العملاء المرتزقين  يتبجَّحون بالوطنيَّةِ  والقموميَّةِ والمبادىء زيفا ً وبُهتانا ً وبإيعاز ٍ وتنسيق ٍ من أسيادهم ( كماهو واضحٌ )  فالمطلوب منهم  أن  يقوموا بهذا الدَّور المزدوج والجبان والخطير ليخدوا أسيادهم ( السلطة الحاكمة بشكل أفضل) ضدَّ قضايا شعبهم الفلسطيني والعربي المصيريَّة، فيعملون بشتى الطرق والوسائل على تدمير الثقافةِ والأدبِ والفن والإبداع  العربي الفلسطيني في الداخل، وللأسف هنالك الكثيرين من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني في الداخل ( البسطاء والشرفاء)  ينخدعونَ فيهم  ولا  يعرفون  ُكنْهَ  حقيقتِهم  ومآربِهم الخطيرة والدَّنيئة التي تخدمُ السياسة َ الإسرائيليَّة  الصُّهيونيَّة والسياسة َ الغربيَّة المعادية  للعروبةِ وللإسلام وللشرق ِ بأسرهِ  من  جميع  النواحي  .  
    ويقولُ الشَّاعرُ في  القصيدةِ  أيضًا :  
( "  وأعشقُ  رحيقَ  الشَّمس //    وأتوقُ  لأمجادِ  الأمس  // 
      وأعشقُ  طيرَ    الأبابيل  //    وَأسوارَ    القدس        // 
  ويقولُ  أيضًا : ( "  تحاصرني  القيودُ  حيثُ  أكونُ  ولا  أكون //   
فإذا   جاهرتُ  بصلاتي  //    فأني   مُنتحِرٌ    مَجنونْ   //   
لا تلعني  أرضٌ ولا  سَماء //  ومَمنوعٌ   عليَّ   الدُّعاءْ    //  
إلا َّ أن أعلِنَ  لِرَبَّةِ الإرهاب //  يا   ناسَ  هذا  الزَّمان      //  
يا أمَمَ  اتَّحَدَتْ  في الخذلانْ //  في مجلس ِالإمّعاتِ المُهَان  //  
يا   سلاطينَ   العُروبة     //  …  يا    فلولَ   الخاطئين     //   
أنا      لستُ    إرهابيًّا   //   ما  زالَ  جُرحي ينزفُ الآهات  //  
أنا  لم أشرِّدْ أحدًا من  وطنِهِ  //  ولم  أزرعْ  عناقيدَ  الغضَبْ  // 
ولم   أحتلَّ   أرضَ   الغير   //   ولم   أكنْ   يومًا   مُغتصِبْ   // 
ولم  أغتل  البسمة َ في العيون //  يقولونَ   في  دمِكَ   الإرهاب // 
في    دينِكَ   الإرهاب  //    في  عشقكَ  الإرهاب    // 
أنتَ  جرثومة ُ عدوى  ومَشروعُ   خرابْ   //  
مَمنوعٌ   أن  تحلمَ  بالقمرْ   //   وممنوعٌ   عليكَ   السَّفرْ   // 
إلا َّ  بينَ الأطلال ِ  والقبور //    والذ َّنبُ   إنِّي  عربي   //  
أبيتُ  على  فراش ِ  الرُّعبِ  //  وأصحوا في طوفان ِ الهموم  // 
وسط َ  طبول ِ  التتار …  وسيوفِ  المغول  //  
ويأتي  منَ التلفاز ِ بخبَر //  الأمراء والرؤساء  والحكام في قطوف //   
وكلُّ البلطجيَّةِ أصحاب الفخامَةِ والقصور // يبحثونَ عن ِ الإرهابِ فينا //
لا  عن   شعبنا  المغلول  //    ولا  عن  طفلِنا  المقتولْ  //  
ولا  عن شهيدِنا  المغدورْ  //   ويغتصبونَ  الفكرَ ولا  يُفكرون // 
وبَصَمُوا على  الميثاق  //  والمطلوبُ  صكٌّ على بياض ٍ لِرَبَّةِ الإرهاب // 
عِيثي  قتلا ً وحرقا ً  وعربدَة ً  // في  وطني الضاد  المطلوبْ   //  
يا   مَن  استمرئتم  الذلَّ … والإنحناء  //  
وَهَانت عليكم  الأوطانُ  ولونُ السَّماءْ    //   
وأقسمتم   يمينَ   الوَلاءْ / /   الشُّعوبُ منكم  براءٌ  براءْ  //  
إسكروا  بينَ  سيقان ِ  الغازيات //  
واشربوا  بكؤوس ِ  الذهبِ  شفاهَ   الزَّانيات  // 
واغسلوا   دَشاديشَكم  … بدماءِ  الشّثهداءْ    //  
ماتت  ضمائرُكم  … كأنها   حديد ْ  //  
فاسجدوا   لأمريكا  …  يا    عبيدْ    //   
عليكمُ  لعنة ُ  اللهِ … والتاريخ ِ … والشُّعوبِ … ودم  الشَّهيدْ  // " )  . 
                                                                                              تفسيرُ وشرحُ باقي القصيدة : -  إنَّ  الشَّاعرَ يُصرِّحُ هنا  ويُعلِنها لجميع ِ  العالم ِ باسمِهِ وباسم ِ كلِّ إنسان ٍ عربيٍّ حُرٍّ وشريفٍ  في كلِّ مكان إنَّهُ يعشقُ الحُرِّيَّة َ ( التي رمزَ لها  برحيق ِ الشَّمس ) … وهذا  التعبير والإستعارة ُ لم تستعمل من  قبل وشاعرنا  هو أوَّلُ  من  يستعملُ  هذا  المصطلح  والتعبير  البلاغي -  فدائمًا يقالُ : شعاع أو ضوء وضياءالشَّمس وليسَ رحيق الشَّمس  … والمقصودُ  انَّ الحُرِّيَّة َ  التي هي الشَّمس رحيقها وطعمها  حلو  كالشهد  ورائحتها  عطرة  كالأزهار  الفوَّاحة ،  وأنهُ  دائمًا  يتوقُ  ويشتاقُ  لأمجادِ  العربِ الخالدةِ  (التي كانت  بالأمس) ولِحضارتِهم العريقةِ التي  نهلت  منها  جميعُ  شعوب الأرض وخاصَّة ًالغرب .  ويعشقُ الشَّاعرُ أيضًا ( طيرَ الأبابيل )  وهي  السنونو كما  يقال أو ما يُشابهها … وقد وردَ  ذكرُ طير ِ الأبابيل  في   القرآن الكريم ( الطيور التي  كانت تحملُ  صخورًا وأحجارًا  كبيرة ً وتلقيها  منَ السَّماءِ على جنودِ أبرهةِ الأشرم القائد الحبشي الطاغية الذي جاءَ  لِهدم ِ الكعبة الشَّريفة  في جيش ٍ لجب .    ويصفُ أيضًا  أسوارَ القدس ،  والقدسُ  هيَ  رمزٌ  للقداسةِ  … أي  أنَّ شاعرنا  يعشقُ  الوطن ومتكسِّكٌ بكلِّ  شبر ٍ من ترابِ  آبائِهِ  واجدادِهِ ، وخاصَّة ً  الأماكن المقدسة التي من المستحيل أن  يُفرِّط َ فيها عربيٌّ ومسلمٌ توجدُ  في عروقهِ  َذرَّة ٌ من إباءٍ وكرامة وكبرياء .         ويتساءلُ الشَّاعرُ  باستهجان ٍ :  إذا  كانَ  عشقهُ  لأرضهِ  وبلادِهِ  ومقدَّساتِهَا   كفرًا وإرهابًا  في  نظر الغربِ  والإستعمار  فهو  أوَّلُ  من  كفرَ … فالقيودُ  ما زالت  تلاحقهُ  أينما  يكون ،  فإذا  جاهَرَ  بصَلاتِهِ  فهوَ مجنون  ومُنتحر …  فكلمة ُ " الله أكبر" أصبحت في عُرفِ  الغربِ والإستعمار هي إرهاب   ،  وممنوعٌ  على  العربي  والمسلم  الصلاة   والدُعاء  إلا َّ  لِرَبَّةِ   الإرهاب ( أمريكا) ، وكلُّ من لا يُطيعُ  أمريكا وَيُنفذ ُ سياستها بحذافيرها فهو إرهابي  ويحكم  على  نفسِهِ  بالإنتحار والموت   .   
   ويُخاطبُ الشَّاعرُ العالمَ  والأممَ  المتحدة  ومجلس الأمن … وينعتُ الأممَ   المتحدة بقولِهِ :( يا أممَ اتحَدَت بالخذلان) .. ومجلس الأمن أو ربَّما  الجامعة  العربيَّة  يقصدُ  أيضًا حيثُ  يقولُ  :  (  يا  مجلسَ الأمّعَات المُهان )  .   ويُخاطبُ أيضًا سلاطينَ العروبة  وفلولَ الخاطئين  : أنهُ … أيّ  أنَّ العربي والمسلم والفلسطيني ليسوا إرهابيِّين ، وما زالَ جرحُهُ وجرحُ الفلسطيني المُشرَّد والمطارد ينزفُ بالآهات  فهوَ  لم يُشَرِّدْ  أحدًا من  وطنِهِ  ولم  يزرعْ  عناقيدَ  الغضب … والمقصودُ هنا دولة إسرائيل التي  شرَّدت السشَّعبَ  الفلسطيني ( بمساعدةِ الدول الغربيَّة وبريطانيا ) وارتكبت  الكثيرَ من المجازر في حقهِ في كلِّ مكان وحتى في لبنان مثل عمليَّة ومجزرة عناقيد الغضب سنة 1996  .     فالعربي والفلسطسني بالأحرى  لم   يغتل البسمة َ ولم   يعتدِ على أحدٍ  ولا  على  أيِّ  شعبٍ  ويحتلّ أرضهُ وبلادَهُ  ومع  كلِّ هذا  يتهمونهُ  أنَّ  في  دمهِ  الإرهاب وفي دينهِ الإرهاب … أي أنهم  يتهمونَ  الدينَ  الإسلامي الحَنيف المنزل بالإرهاب…هكذا هي سياسة الغرب ودعايتها الإستعماريَّة، فالعربي  والفلسطيني  ممنوعٌ  أن  يحلمَ  بالجمال ِ  والحبِّ  والعيش الكريم   وممنوعٌ  لهُ  السَّفر  إلا َّ بين الأطلال ِ والقبور … أيّ  يجبُ  أن يبقى  جاهلا ً  وأميًّا  وممنوع أن يتطوَّرَ ويتقدَّمَ  تيكنيلوجيًّا وحضاريًّا  واقتصاديًّا ،  وأمَّا الانظمة العربيَّة   والحُكام  العرب   فبدلا ً  من  التصدِّي   لسياسةِ  الغربِ   الغاشمةِ  الإستعماريَّة  فهم   يُحاربونَ  أحرارَ  شعبهم  الشرفاء  منهم   ولا   يُريدونَ  لشعوبهِم  أن  تتطوَّرَ وتنعمَ  بالديمقراطيَّةِ  والأمان  لكي يظلوا حكامًا عليهم بالقوَّة وبمساعدةِ الغرب. فهؤلاء الحكام يأخذون ويستوردون كلَّ ما هو سلبي والإراءَ الخاطئة والأفكار والثقافة الهدَّامة لشعبهم  عن الغرب ، والمطلوبُ منهم  فقط  شكٌّ  على بياض يقدِّمونهُ لأمريكا (ربة الإرهاب ) دائمًا .  فهؤلاء الحكام  الخونة    هانت عليهم أوطانهم  ودينهم ولا يوجدُ عندهم  دينٌ  وإيمانٌ  فشعوبهم  منهم  براء،  فهم  ما  زالوا  يسكرونَ  بين  سيقان ِ الأجانبِ  العاهراتِ  ويرتعونَ  في  مواخير الغرب  النجسة  ويغسلونَ  دشاديشَهم  بدماءِ الشُّهداءِ الأبرياء ،  فهؤلاء الحكام  ماتت ضمائرُهُم  فهي  كالحجارة  أو اللحدود  دون  نبض  .          ويقولُ الشَّاعرُ في نهايةِ القصيدةِ  :    
( "  فاسجدوا  لأمريكا  يا  عبيد  // 
     عليكم  لعنة ُ اللهِ  والتاريخ ِ  والشُّعوبِ  .. ودم  الشَّهيدْ " )   .    
 فيُفجِّرُ  في هذهِ  الجملةِ الأخيرةِ  كلَّ  ثورتهِ  وغصبهِ   على  جميع  الحكام العرب الجائرين الطغاةِ  والخونة ويطلبُ من  لعنةِ اللهِ  أن  تحلَّ عليهم  لِمَا  اقترفوهُ من مخازي وجرائم وموبقات ومآسي وكوارث ضدَّ  شعبهم وبلادِهم   ودينهم وعملوا وارتكبوا  كلَّ  ما  يُغضبُ  اللهَ  وأنبياءَهُ  ورسلهُ  من  أقذار ٍ وأعمال ٍ  مشينة  .                                                                    إنَّ هذهِ  القصيدة َ مستواها عال  جدًّا  ولغتها  قويَّة  وجزلة  وثوريَّة  تذكّرنا  بالشَّاعر العراقي  الكبير " مضفر  النوَّاب ، وخاصَّة ً في  انتقاداتِهِ  اللاذعةِ  البركانيَّةِ للحكام ولملوكِ العرب.  وهنالك عدَّة مقاطع في القصيدة على وزن المتدارك ،  ومضفر النواب  نجدُ  الكثيرَ  من  قصائدهِ  على  هذا  الوزن ، وخاصَّة ً ديوانهُ  وتريَّات  ليليَّة  .   ويذكرنا الشَّاعرُ أيضًا  بشعراءِ المقاومةِ  الفلسطينيِّين في فترةِ الخمسينيَّات حتى أواخر السبعينيَّات وبشعرهم  الوطني الحماسي  المُقاوم  ،  مثل :   راشد  حسين ، توفيق  زياد ، محمود  درويش   ، سميح  القاسم ،   فدوى طوقان ،   شفيق  حبيب ،   فوزي  الأسمر  وحنا  إبراهيم   ومحمود الدسوقي  وهايل عساقله …  وغيرهم  .                                                                                   وفي القصيدةِ الكثير من الصورالشِّعريَّة الجميلة والإستعارات  والإبتكارات  البلاغيَّة الجديدة  التي  لم  يستعملها  شاعرٌ  من  قبل  .  
   وإلى  قصيدةٍ جديدةٍ  أخرى  من  الديوان  بعنوان   :  (  "  عربيٌ  أنا " -  صفحة  19 -  23  )   وهي  وطنيَّة  حماسيَّة  يشوبُها  الطابعُ  الرُّومانسي  ، يتحدَّثُ  فيها  الشَّاعرُ  عن القضيَّةِ  الفلسطينيَّةِ  وعن  الإنسان  الفلسطيني  في الضفة والقطاع وفي المهجر والشتاتِ ونضاله ضدّ الأعداء والمستعمرين   ويتحدَّثُ عن انتفاضةِ أطفال الحجارة ومقاومتهم  وتصدِّيهم  لجنود الإحتلال  ،  فيقولُ  في القصيدة :    
( " عربيٌّ    أنا…    فلسطيني  
     في  عيوني أسرارُ القدس  قد  بنيت  
     وصدري غاباتُ  قندول ٍ  وزيتون ِ   
    ومن فؤادي ينابيعُ كنعان تفجَّرت // فاضت على الكون ِ بالسِّلم ِ والنور//   
ويقولُ : ( " كلماتي  معولٌ  في يدِ  فلاح  //  وسيوفٌ    تناجزُ   السَّفاحْ  // 
              وحَجرٌ  يرميهِ  طفلٌ   في  وجهِ  مُغتصب  // " )  .   
وقولُ  أيضًا :                                                                                  ( " لملمتُ  أحجاري  بكفِّي //   ولملمتُ  أشلاءَ  أطفالي   //                                  ومَا  تبقى  من  شراييني    //                                                                   ووقفتُ  شامخًا في  زمن ِ الإنحِناءِ  اليعربيِّ //                           كالزيتون ِ  والنخل ِ  والتين ِ                                                    وقلتُ ها  أنا  ذا هي  ذي هويَّتي  //   عربيٌّ    أنا  …  فلسطيني  // " ) .    
     وبإختصار ٍالقصيدة ُجميلة ٌ جدًّا وطويلة ٌ ومُؤثِّرة ٌ، يتحدَّثُ  فيها الشَّاعرُ بتوسُّع ٍعن القضيَّةِ الفلسطينيَّة ومأساةِ الشَّعب الفلسطيني ومُعاناته  ومقاومتهِ للظلم ِ والإحتلال  في  كلِّ  مكان  .   
        وإلى  قصيدةٍ  أخرى  بعنوان :  ( " خمائل فوق  روابي الشَّمس  " -  صفحة   41  42  )  وهو  عنوان  الديوان … والقصيدة ُ  وجدانيَّة  فلسفيَّة   وإنسانيَّة  من  الدَّرجةِ  الأولى  ورمزيَّة  ،  يتطرَّقُ  الشَّاعرُ  فيها  إلى عدَّةِ  مواضيع وقضايا هامَّة  ويُدخلُ ويُوظفُ  فيها الكثيرَ منَ الرُّموز ليصلَ  إلى  فكرتهِ  والهدف  الذي  يريدُهُ ، والقصيدة ُ مستواها عال  جدًّا ومتطوِّرة  من  ناحية تقنيَّة وحسب  مقاييس ومفاهيم النقدِ  الحديث وهي على بحر المتدارك     ولا  يقلُّ مستواها  تألُّقا  وإبداعًا  عن مستوى  كبار وفحول الشُّعراء العرب  في العصر الحديث  وَرُوَّاد  التجديد .  والقصيدة ُ مُفعمة ٌ ومُترعة ٌ بالجمال ِ والشَّفافيَّةِ   وبالأجواءِ  الرُّومانسيَّةِ   وممتلئة ٌ  بالكلماتِ  السَّاحرةِ   المأثِّرة  والمُسكرة  للروح ِ والقلبِ  والوجدان .  ويوظفُ  الشَّاعرُ  فيها  الكثيرَ  من  عناصرالطبيعةِ وجمالها  ليدعمَ  ويصلَ إلى مبتغاه  .  يقولُ  في  القصيدةِ  : 
( "   شُطآنٌ  ورمالٌ  وزرقة ُ  ماء //    وبساتينُ   نجوم ٍ   وزنابق    //
       ونوارسُ  تحكي للغيم ِ أشعارًا   //  
ويقولُ : ( "  والنسيمُ أرخى على  خدِّ  النسرين  دثارَا   //   
                 وحقولُ  السَّنابل ِ تمايلت  طربًا  // 
                 وَراعية ُ لحن  نايها  ينسابُ …   عبرَ  الواحاتِ   شجيَّا  //  
                فيرقصُ     الشُّحرورُ  …   ويُصفقُ  في  الفضاءِ  هزارٌ   // 
                وتدقُّ  القصائدُ  أبوابَ السَّماء   //  
               يا روابي الشَّمس ِ أنثري  على  الكون ِ أشعارا  //   
               وباقاتٍ  من  صفاءِ الشُّعاع  //  َذهِّبي  الحواشي   //    
               ولحنٌ  سماويٌّ      //          
               يُحيي  موات الصَّحارى   //    
               وخفقات    قلب    ليِّنة   //  وسكون  ليل  وعين غجريَّة  //   
               وطلاسم   سحر  وأسحارا  … " ) …   إلخ  .   
 عندما   نقرأ   مقاطعَ  هذه  القصيدة  نتذكَّرُ  مباشرة ً  جبران  خليل جبران  وروائعَهُ  الخالدة ،  وخاصَّة ً في  وصفِهِ الصُّوفيِّ المُنمَّق  والسَّاحر للطبيعةِ  وبهائِها  وقداستِهَا … وشاعرنا  هنا  يلتقي  مع  جبران  في  هذا  الصَّددِ .. وبنفحاتِهِ  وشطحاتِهِ  الصُّوفيَّة الفلسفيَّة العميقة  وفي  محرابِ التعبُّدِ  للجمال   والحبِّ  وللخالق  . ولكن في نهايةِ القصيدةِ  تبدو  بوضوح  صبغة ُ التشاؤم   أو  بالأحرى الحزن  العميق  والرَّزين ،  ويتحدَّثُ  الشَّاعرُ عن وطنِهِ  وعن القضيَّةِ  الفلسطينيَّةِ  ومأساةِ  الشَّعب الفلسطيني  وما  كابدهُ هذا الشَّعب  وما  خسرهُ  لأجل ِ الحُريَّةِ  والإستقلال والعيش الكريم  حيث  يقول :                        (" فروابي  الشَّمس ِ رمالٌ  وبحرُ  سرابْ    //   
    فكلُّ  خميلةٍ   كجنان ِ  الفردوس ِ  كانت     //      
    صارت   جحيمًا …    حرائقَ   خرابْ       //                                           
  والمعنى واضحٌ  ومفهومٌ هنا  ... أيّ أنَّ المُحتلَّ اجتاحَ كلَّ  شيىءٍ  وأحرقَ الأرضَ والزرعَ والأخضرَ واليابس وعاثَ في البلادِ فسادًا وخرابًا  وطمسَ كلَّ  معالم ِ الجمال    .    
     ويقولُ الشَّاعرُ :  ( "  خمائلُ   الشعر  اضمحلَّت   //         
وهيَ  في  ميعةِ  الصِّبا  وريعان ِ  الشَّباب //  
والبدرُ   المُنيرُ  جلَّلهُ   السّواد    //   ويرجعُ  الصَّدَى  مَحزونا ً  كئيبًا   // 
والشّيبُ والشَّبابُ  غارقونَ  في   بحر ِ  العذاب  //   
ويقولُ : ( " أينَ العُروبة ُ والأخوَّة ُ يا  وطني ؟؟  //   
               وأينَ   العدلُ   وميزانُ   الصَّواب      //   
               وتترنَّحُ   القصائدُ    ألمًا   وحُزنا ً       //  
               وروابي  الشَّمس ِ تقرعُ   الأبواب         // " )   .

  فالقصيدة ُ تنتهي بنبرةِ الألم والحزن  والمعاني  مفهومة ٌ  واضحة ٌ للجميع وليست بحاجةٍ لتفسير … وشاعرنا كما يبدو يُكرِّسُ القسمَ الكبير من أشعارهِ  للقضيَّةِ   الفلسطينيَّةِ   وللشَّعبِ  الفلسطيني ،  وحتى  في  قصائدهِ  الوجدانيَّة  والوصفيَّة والفلسفيَّة والتي  يتحدَّثُ فيها عن الأمور الحياتيَّة بشكل ٍ عام  … إلخ ...  فيتطرَّقُ  إلى الجانبِ الوطني والقومي وللقضيَّةِ الفلسطينيَّة  ، وكان على  هذا  المنوال  الشَّاعر  الكبير "  براهيم  طوقان "  - ( شاعر فلسطين قبل النكبة )  فكانَ يستغلُّ كلَّ  مناسبةٍ  وكلَّ  موضوع  ليتطرَّقَ إلى السياسةِ والقضيَّةِ الفلسطينيَّة وبيع ِالأراضي من قبل السَّماسرةِ والتجار وغيرهم  …  فمثلا ً  لهُ  قصيدة ٌ  في  وصف  فصل  الرَّبيع رائعة  جدًّا   ويُنهي  القصيدة  في  الحديثِ عن  الأرض والوطن  وأهميَّة الأرض للإنسان ،  وأنَّ  الرَّبيعَ  وجماله وبهاءَهُ  ورونقهُ  يهنأ  بهِ  ويستمتعُ  بسحرهِ  وبهائهِ  مَن   لهُ  أرضٌ   وليسَ  َمنْ  يبيعُ أرضَهُ للسماسرةِ  والتجار أعداء الوطن  والشَّعب -  حيثُ    يقولُ  :  
( "    َفرَحُ    الرَّبيع ِ    لِمَن     لهُ        أرضٌ    وليسَ     لِمَنْ     يبيعُ " )  
    وكانَ  للأمومةِ والمرأةِ  دورٌ ومكانة ٌ كبيرة  هامَّة عند الشَّاعر وقد  كتبَ الشَّاعرُ للأمِّ  والمرأةِ ( حوَّاء )  قصائد عديدة ، منها  قصيدة  ( " حواء " -  صفحة  104  )   حيثُ  يقولُ  فيها  :    
( "  حَوَّاءُ    يا   صَفاء   الأمل  //     وبهجة    الروح ِ      دنياك ِ     //   
ويقولُ : ( "  إسألوا التاريخَ  عنها  //   منذ ُ  فجر ِ الحياةِ  السَّحيق       //  
إنَّها    الأمُّ   الرَّؤومُ  //  والأختُ والبنتُ  والزَّوجة ُ… والصَّديق // " )  .    
     يشيدُ  الشَّاعرُ هنا  بمكانةِ المرأةِ والأمِّ  ودورها الهام  والرَّائد  في تربيةِ الأطفال ونشأتهم فهي نصفُ المُجتمع بكلِّ معنى الكلمة . ويقولُ في القصيدة : ( " حَوَّاءُ  ليست  مُجرَّدَ  وعاءْ //   وليست   للتسلِّي   والمجُون // 
                   وليست  كأسَ   لذ َّةٍ  في العراء ْ //    
          وهيَ للرُّجولةِ دفءٌ وسَكن // وبناءُ الحضارةِ بالبهجةِ يُضيىء//  
         كلامُها  شهدٌ   يُداوي  الجراحْ  //  وللأسرةِ    نياشينُ    وشاحْ   //   
         وهيَ   لغزٌ  رائع  الفتون   //     وخفقان ُ  قلبِ    مُحب   //   
         وَشدوُ   بلبل ٍ    صَدَّاحْ    //  
         وهيَ جمالُ  الهوى المُعَطَّرْ //   وَمبسمُها  فجرٌ  باسمٌ  وضَّاحْ   // 
         وهيَ حكاية ُ يراع ٍ  خجولة //   وناي  راعيةٍ في بساتين النجوم // 
         وضحكات  عيون ٍ  ملاحْ   //   
         هي  درَّة ُ الأيَّام ِ  وحلوها // ودوحُ  جنانها  ألذ ُّ منَ الرَّحيق // " ) .  
 أيّ  أنَّ  للمرأةِ مكانتها واحترامها وقداستها وأهميتها  وموقعها في المجتمع  وليست دمية ً أو  أداة ً ووسيلة ً للهو ِ والإستمتاع  كما  يعتبرُهَا  البعضُ  في المجتمع ،  وخاصَّة ً  بعض الشّعراء  الغزل والإباحيِّين وأصحاب  المفاهيم الذكوريَّة  والعقد المترسبَّة والأفكار الرَّجعيَّة من مخلَّفاتِ العصر الجاهلي  .   وليست  كما  يعتبرُها  نزار قبَّاني  وكما  يصوِّرها  في  الكثير ِ من  أشعارهِ الغزليَّة الإباحيَّة  وغيره من الشُّعراء  . 
فحوّاَءُ  المرأة  كما يقولُ  شاعرنا شكيب عبد الحليم : 
( "   وللأجيال ِ  مدارس  وفخر ٌ //  حوَّاءُ    نصف    المجتمع  //  
       ولولاها   لما  كانت  حياة ٌ  //   ولا      اخضرَّ     منتجَعْ    //   
       ولولاها لجفتْ روافدُ البسمَات //  ولا طفلٌ  في الربوع ِ رتعْ  //  
       وهيَ الطيبُ وطيبُ  الطيبِ //  وحقلُ  السَّعادةِ   فيها  انزرَعْ  // 
      وهيَ  للعيون ِ بهجة ٌ وبهاءٌ //  َومُلهمة ُ الشُّعراءِ قريضًا وَسَجعْ // ") .   
 بهذه   الكلماتِ  واللوحاتِ  الشَّاعريَّةِ  الجميلةِ   والعذبة  والتعابير الصادقة والمُنَّمقة  يُصَوِّرُ  ويرسمُ   لنا  الشَّاعرُ  المُبدعُ " شكيب عبد الحليم " المرأة ، فالمرأة ُ في  مفهومهِ  وآيديلوجيَّتِهِ  هي  الأمُّ  والأخت  والزوجة  والزميلة  والصَّديقة  ورفيقة الدَّرب ورفيقة الكفاح والنضال من أجل ِالحريَّة  والعدالة  والعيش الشَّريف والكريم  ...وهي وكلُّ  شيىءٍ  في الحياة  -  فالرَّجلُ بدون ِ  المرأةِ  لا  يصلحُ  لشيىءٍ  فهي نصفهُ المكمل وشريكهُ  في الكفاح والنضال   وفي  قطع ِ مشوارِ الحياة بجميع  أبعادِهِ ... بحُلوهِ  ومُرِّهِ ، بأفراحِهِ وأتراحِهِ …  والمرأة ُ هي  التي  تضيفُ وتدخلُ البهجة َ والسرور والفرحَ  والسَّعادة المثلى ( الجسديَّة  والرُّوحيَّة ) للرَّجل  وللحياةِ  بشكل ٍ شامل ،  وبها  تكتملُ  الحياة ُ وتتألَّقُ  وتزهو وتحلو   . 
 وفي هذهِ  القصيدةِ  يستعملُ ويُدخلُ  الشَّاعرُ  بعضَ  التعابير  والإستعارتِ البلاغيَّةِ الجميلةِ والجديدةِ  والمُوفَّقةِ ، وربَّما   يكونُ  هوَ أوَّلَ من  استعملها، مثل : " روافد  البسمات "  و "  طيب الطيب "  و " ناي راعية في بساتين النجوم " .. وفي   توظيفهِ  لعناصر الطبيعةِ  ومباهجها  وسحرها  وروعتِهَا وبتعابيره  وبتشبيهاتِهِ  الرومانسيَّةِ  الحالمة  وبشطحاتِهِ الصوفيَّة  قد  يقتربُ  إلى جوِّ  وعالم وأسلوبِ الأديبِ العربي الكبير " جبران خليل جبران " . 
  وإلى  قصيدة ٍ أخرى  من  الديوان  بعنوان ( " ها قد أتى العيدُ يا  أمِّي " -صفحة 29 – 30 )  ولعلَّها من أجمل  قصائد هذا الديوان  حيثُ يقولُ فيها :  
( " وليسَ      لي      من      ثيابٍ          سوى   خرق  ٍ  سماج ٍ    بالياتْ 
     فلا     ثوبٌ     جديدٌ     أرتديهِ          ولا     فرحٌ    لعيوني   الباكيات 
                            وفي  الفؤادِ   أكداسُ   أحزان ِ  
لو   فاضَ   بها   فؤادي  لأغرقت         كلَّ  الصَّحاري وربوعِنا الخالياتْ 
ها     قد    أتى   العيدُ    يا   امِّي          وليتهُ   ما  جاءَ   وأعلنَّا  أنهُ  ماتْ  
وليسَ    في    العيدِ    من   جديدٍ          سوى أمواج ِ المآسي ومرير الذكرياتْ 
وليسَ  لي   في  العيدِ   من   أمل ٍ         ورأسُ    مالي   الأماني  الكاذبات  
كلُّ أطفال العالمين في العيد يفرحون     إلا َّ    أنا      حرمتُ      المَسرَّاتْ 
وطني في  بروج ِ العذابِ مصلوبٌ        ويقتلُ  المحتلُّ  أحلامي   البريئاتْ   زرعوا روابيهِ بالإستيطانِ البغيض ِ      واقتلعوا  الكرومَ  ولينَ  الشجيراتْ 
ها     قد    أتى   العيدُ    يا   أمِّي         وليتهُ   يا    أمَّة َ  الضَّادِ   ما   جاءْ  
دربي       بالأشواكِ      زرعوها          وشنوها   عليَّ     حربًا    شعواءْ 
والأهلُ   يا   أمِّي  حولي   سكوتُ          جمودٌ  ،  كأنهُم   صخرة ٌ  صمَّاءْ
 فقدوا         الأحاسيسَ      تبلَّدوا          وهم   صفوفٌ  في  خانةِ  الأعداءْ 
نشربُ  من  دمع ِ  اليتامى  كؤوسًا         والخُبزُ         تعاسة ُ       التعساءْ  
أحرقوا  بيتي  ومدرستي  ودفاتري        وشوَّهوا الشَّمسَ  وسمَّمُوا الأجواءْ  
                          صادروا   فرحي   وسروري 
والناسُ       يتفرَّجُونَ      لاهُونَ           وتترى        قوافلُ        الشُّهداءْ 
فلِمَ      أتيتَ     يا      عيدُ   !!؟؟      ليتكَ ترجعُ بقصيدتي لأبي الأنبياءْ").  
 وهذه  القصيدة ُ هي إنسانيَّة ٌ واجتماعيَّة  من الدرجةِ  الأولى ونتذكَّرُ عندما  نقرؤها  روائعَ  الشعراءِ العربِ الكبار في مطلع القرن  العشرين ، مثل :  معروف الرَّصافي وجميل صدقي  الزَّهاوي  وأحمد شوقي  وحافظ  إبراهيم  والبارودي عندما  يتحدوثون في قصائدهم عن الظلم ِ الفقر والمعاناةِ  والألم  وعن  الطفل  اليتيم  ومآسيه …  ونتذكر  أيضًا  الشاعرَ  الفلسطيني  الكبير المرحوم راشد حسين  في قصائدهِ عن الفلسطينيِّين المُشَرَّدين واللاجئين في الخيام  وما  يكابدونهُ   من  حزن  وعذاب  وفقر  وحينما  يعزُّ عليهم   نيل  رغيف الخبز حيث  يقول راشد  في إحدى قصائدِ : ( وكأنَّ من الزئبق ِ خبز  الفقير ) … أي يصعبُ  الإمساك  بهِ  وسرعانَ  ما  يختفي  ، ونتذكَّرُ أيضًا فدوى طوقان في قصائدها عن اللاجئين ، وخاصَّة ً قصيدها : "مع لاجئةٍ في العيد "   التي تتناولُ فيها نفسَ الموضوع ونفسَ التَّوَجُّه الذي طرحهُ  شاعرنا  شكيب عبد  الحليم  في هذا الصَّدد  .    وقصيدة  شكيب  تتمحورُ  وترتكز  في عدة مجالاتٍ وأبعاد  ، وهي : 
1 )  البعد   الإنساني  .           2  )  البعد  الإجتماعي   .                                       3 ) البعد  الوطني والقومي   .  4  )  البعد    السياسي  .                                          5) البعد    الأمَمِي    .                                                               ومن  الناحيةِ الشكليَّة  لقد  كتبَ  وأدرجَ  الشَّاعرُ جُمَلَ القصيدة  على  شكل ِ أبياتٍ  وأعطاها  الطابعَ  والشكلَ  الكلاسيكي  التقليدي  مظهرًا  والتزمَ  في  القافيةِ في نهايةِ  كل  بيت وقد  استعملَ  قافيتين  وهما : (  التاء والهممزه ) ولكنهُ  لم  يلتزم بوزن  معيَّن  في القصيدة  فقد استعمل عدَّة  أوزان  ،  وفي  نفس الجملة الشِّعريَّة نجد  أكثر من  تفعيلة  أو  وزن  ولكنَّ القصيدة كلماتها جميلة ورنّاَنة  وجيِّدة  السَّبك  وتترعها  موسيقى داخليَّة  أخّأذة ٌ ويشعرُ  كلُّ  قارىءٍ مهما  كانت نوعيَّتهُ  وثقافتهُ بجماليَّتِها وسلاستِهَا وبجرسها  وإيقاعها  الجميل  المموسق  والذي  تستسيغهُ  وتشنفُ  بهِ  وتطربُ  كلُّ  أذن  بالرغم من عدم  تقيُّدِها  الكلِّي  ببحور الخليل بن  أحمد الفراهيدي ،  ولهذهِ القصيدةِ وقعها وتأثيرها الكبير والهام على كلِّ إنسان نفسيًّا ووجدانيًّا وعاطفيًّا وعقليًّا  ، لقد  صاغها  ونسحها  شاعرنا  بحسٍّ  شاعريٍّ  فنان ٍ  صادق ٍ  مُرهف .  وبالمقابل قد  نجدُ  الكثيرَ من  القصائد  الموزونة والمقفاة  لشعراءٍ آخرين ، وخاصَّة ً محلِّيِّين (شويعرين ) وهم ليسوا  شعراء ولا توجدُ عندهم  الموهبة الفنيَّة إطلاقا ً ولا نشعرُ بالمرَّة  بالجرس الموسيقي في  قصائدهم ، بل جميع ما   يكتبونهُ  وما  يسمونهُ  شعرًا  تقرفُ  وتشمئزُّ من سماعهِ الآذانُ  وتنبذهُ  وترفضهُ العقولُ  والإذهان  فهو  مجرَّدُ  صفِّ  ورصِّ  كلام  لا  أكثر  .  وهذه  القصيدة  بشكل ٍ  عام  هي جميلة  ورائعة  بكلِّ  المقاييس  والأفهام  :  الذوقيُّة والفنيَّة  والتعبيريَّة  وتجَسِّدُ  مشاعرَ وأحاسيسَ ولواعجَ   كلَّ إنسان ٍ  مظلوم ٍ ومُضطهد في هذا العالم  يناضلُ ويكافحُ  من أجل ِ حقهِ المسلوب .   
   وللشاعر  شكيب  عبد  حليم  قصيدة  في  نزار  قبَّاني  (  صفحة  99 – 101 )  وهي  قصيدة  جميلة ويقولُ   فيها  :   
( "  قالوا  نعت   فيحاءُ  العروبةِ   بيرقا ً 
       ملكَ   البلاغةِ    والصَّقيلَ   الألمَعَا 
      قالوا قضَى والموتُ كأسٌ لا يلذ َّ لِشاربٍ 
      تأبى   النوائبُ    إلا َّ   أن   تجرعا 
      وهوَى كنجم ٍ ساطع ٍ  في  كبدِ السَّما 
      فاهتزَّ رُكنُ القصيدةِ  تأوُّهًا  وتوجُّعَا 
      وإذ     المنابرُ   تميلُ    في  أركانِها  
      حزنا ً  وقد   كانَ  الأديبَ   الأصقعَا   " )  
  والقصيدةُ  كلاسيكيَّة  من  ناحيةِ  الشكل ِ ويلتزمُ  الشاعرُ بالقافيةِ  في نهايةِ كلِّ بيتٍ  ولكنَّهُ  لا يلتزمُ  بوزن ٍ  معيَّن  … وبإختصار هي قصيدة ٌ جميلة ٌ ومُعبِّرة  ويذكرُ فيها أهميَّة َهذا الشَّاعر العملاق  ودورَهُ  في  مسيرةِ التجديدِ  والإبداع ِ  في  الشِّعر ِالعربي  الحديث  .  
    وفي  هذا الديوان يتطرَّقُ الشَّاعرُ إلى مواضيع  وقضايا  عديدةٍ : إنسانيَّةٍ  وإجتماعيَّة  وفلسفيَّة  ووجدانيَّة  وغزليَّة  ووطنيَّة  وسياسيَّة  وأمميَّة ، وكانَ للقضيَّةِ  الفلسطينيَّةِ ولقضايا  الأمَّةِ  العربيَّة  بشكل ٍعام  دورٌ  كبير ومسافة ٌ واسعة  في  شعرهِ ،  في  هذا  الديوان  وفي  غيرهِ  من  دواوينهِ  الأخرى، وقد  كتبَ  أيضًا  لمآسي ورزايا  المسلمين  في  البلقان (البشناق )  بأوروبا  الذين   تعرَّضوا  لأبشع ِ  وأعنف ممارساتِ  الإجتياح  والإغتصاب  والقتل  والإبادة الجماعيَّة من  قبل الأوروبيِّين الأكثريَّة في تلك البلاد الذين  يدَّعُونَ التحضُّرَ  والرّقيَّ  والتقدُّم  والعولمة  وأمام  صمتِ  جميع ِ  وسائل ِ الإعلام  الغربيَّة المعادية للشرق والعرب والمسلمين ودول العالم الثالث كما يسمُّونها  في مفاهيمهم  وتجاهلها الكلِّي لهذه  الجرائم البشعة والنكراء  .  ولهُ  قصيدة  في  هذا  الديوان  بعنوان  : ( " هتلر والبلقان  "-  صفحة 122 125 )  – ويقولُ فيها  :  
( " إليكِ  يا   بشناقُ  وأهلها   //    دم    اليراع    يسيل  //  
     لآلافٍ عُزَّل ٍ ذبحوا  ظلمًا //   بوحشيَّةٍ ليسَ لها  من  مثيلْ  
ويقول : ( " بنات  سراييفو  تنادي //  يا حُماة  َالكلابِ   والقرودْ   // 
               هل  تساوي سراييفو  دُبًّا  مفقودْ  ؟؟  //  
              الأمَّهاتُ في  البشناق ِ يرفعنَ الأيادي  الصَّابرَهْ  //   
              بإصبعِ  اللإتهام ِ تشيرُ //  للصامتين َ  على  المآمرَهْ  // 
              في  عرفِ  نظامكم  الجديد   يا  سماسرهْ   !!! //  
              ألا نساوي  دلفينا ً أو  َخدَّ  عاهرَهْ  //  
              سلَّحوا الوحشَ  بأحدثِ  السلاح //       
              وحرَّموهُ على الضحيَّة َ لتكتملَ  المآمرَهْ  //  
               وألقوا الأبرياءَ للوحوش ِالكاسرَهْ // 
              دعني يا  يراعي  أجترُّ  أحزاني //  
              ألملمُ  ما  تبقى  منَ  الأشلاءِ الطاهرَه ْ //   " ) …   إلخ  .         
إنَّ معاني القصيدة موفهومة ٌ وواضحة ٌ جدًّا  فهو  يُخاطبُ هنا دولَ  الغرب  الأمبرياليَّة التي  ُتسَلِّحُ  سكانَ البلقان الأوروبيين ليقتلوا المواطنين المسلمين  هناك  بدم ٍ بارد وهذه الشعوب والدول الاوروبيَّة ومع أمريكا الذين  يدعون الحضارة والتقدم  ويتبجَّحُونَ بالعولمةِ وأخوَّةِ الشعوبِ ومناصرةِ المظلومين ومعاداة  الإرهاب  وفي الحقيقةِ  همُ  الإرهابيّون  والقتلة ُ والذين   يمتصُّون دماءَ  الشعوبِ  الضعيفةِ  والفقيرةِ  والمسحوقةِ  والمغلوبةِ  على  أمرها  .       
  ونجدُ الشاعرَ شكيب في العديدِ من قصائد هذا الديوان  يوظفُ  شخصيَّات تاريخيَّة وأسطوريَّة ، مثل : " زرقا ء اليمامة - في قصيدة لهُ صفحة (  77 – 80 )  ، و" يابوس " – مدينة أورسالم  ( أورشليم ) التي بناها اليبُّوسيُّون العرب وقد احتلّها الملك داود منهم  ،  والمثنى بن حاثة الشيباني  وسعد  بن أبي وقاس والمقداد بن الأسود  في قصيدة : ( قصيدة كفوا الأذى عن  شعبِ العراق -  صفحة  24 - 25  ) ….  وغيرهم  من  الشَّخصيَّات   .       

وأخيرًا : إنَّ هذا الديوان  من أجمل وأحسن الدواوين الشِّعريَّة التي  صدرت  محلَّيًّا ، وشاعرنا  قبل كلِّ  شيىءٍ هو إنسانٌ  بكلِّ  ما  تعنيهِ  هذه الكلمة ُ من أبعادٍ ، فهو  مؤمنٌ وَمُتسربلٌ  بالمبادىءِ  والقيم ِ والمناقب  الحميدةِ  وشاعرٌ وطنيٌّ   ملتزمٌ  وحُرٌّ  من  الدرجةِ  الأولى ،  وشعرهُ  وجدانُ  وضميرُ  كلِّ  إنسان ٍعربيٍّ حُرٍّ وشريف في كلِّ بقعةٍ  ومكان ٍ،  َويُجَسِّدُ  ما  يُعانيهِ ويُحسُّ  بهِ من هذا الواقع الأليم … وما تكابدُهُ الأمَّة ُالعربيَّة والشَّعبُ الفلسطيني وما  يتعرَّضون لهُ من مآمراتٍ ودسائس ٍعلى جميع الأصعدة:الإقليميَّة والعالميَّة.   ويُصوِّرُ  شاعرنا  في معظم  قصائد الديوان بالضبط  ما  يدورُ على السَّاحةِ العربيَّة والفلسطينيَّة من أحداثٍ  وأمور جسام  وبلغةٍ  شعريَّةٍ  صافيةٍ  راقيةٍ  منمَّقةٍ ورائعة ، ولا يستطيعُ أيُّ شاعر ٍ أن يصلَ إلى مستوى  شاعرنا وَيُعبِّرَ ويُصوِّرَ الأمورَ والأحداثَ  بهذهِ  الدِّقةِ  والرَّوعةِ  والإبداع . 
   وأحبُّ  أن  أذكرَ  أنهُ  لم  يكتبْ حتى الآن  عن   الشاعر ِ القدير ِ والمبدع  " شكيب عبد  الحليم  "  وعن  دواوينِهِ وإصداراتِهِ أيُّ  ناقدٍ ( نويقد ) محلِّي (  رغم   مكانته  الأدبيَّة  والشعريَّة  والثقافيَّة  وأعماله  وإصداراته  الكثيرة والمميَّزة ونشاطه المتواصل ثقافيًّا ) ، وخاصَّة ً أولئكَ الذين  ينالون الجوائزَ السُّلطويَّة مقابلَ سكوتِهم وخصائِهم  ثقافيًّا وفنيًّا وفكريًّا …أو مقابلَ عمالتِهم واذدِنابهم  وخنوعِهم  وإذعانِهم  وتشويشهم  وتخريبهم  على الأدبِ  والشِّعر والإبداع ِ المحلي  وتزييفهم  وتشويههم   للحقائق ِ  فيجعلون  الأسودَ  أبيض والأبيض أسود ،  والمعتوه  وغريب الأطوار والعميل  يجعلونَ  منهُ  مبدعًا وفنانا ً وشاعرًا وووطنيًّا ، والفنان الكبير والأديب والشاعر الحقيقي الوطني النظيف  والشريف  والمبدع  لا  يكتبون  كلمة ً واحدة ً نظيفة ً في حقهِ ، بل قد   يهاجمونهُ  بشكل ٍ سخيفٍ  وتافهٍ  ظلمًا  وافتراءً  بإيعاز  من  أسيادِهِم ، والذي يكتبونهُ  ويخربشونهُ  في حقِّ الشعراءِ والكتاِب المحلِّيِّين  سواء  كانَ مديحًا أو هجاءً  هو  مجرَّد هذيان وتخبيصاتٍ وخزعبلاتٍ  فارغة  ونفاياتٍ ليسَ  لهُ  علاقة ٌ إطلاقا  بالنقدِ والأدبِ  .  وهذه الظاهرة ُ السلبيَّة ُ والخطيرة  موجودة ٌ  بشكل ٍ واضح ٍ ومقرفٍ على الصَّعيدِ المحلِّي ،على الساحةِ الأدبيَّة والثقافيَّة ، وتعكسُ مدى الهبوطِ الإنحطاط  الذي  وصل  إليهِ  وضعُ  الأقليَّة العربيَّةِ في الداخل ( داخل دولة  إسرائيل )  وتعكس  مدى  مصداقيَّةِ  أولئك القيِّمين على الثقافة والأدب والفن  والإبداع  الموجَّهين والمسيَّرين  من  قبل السُّلطة  الغاشمة  ومستوى هؤلاء النويقدين والشويعرين السلطويِّين والمقرَّبين من  السُّلطة  ومستوى  ثقافتهم  المزعومةِ  وانحطاطهم  السياسي  والفكري والإنساني .  وكيفَ أنهم  يتجاهلون كلَّ إنسان وفنان ٍ وشاعر ٍ وطنيٍّ مُبدع ٍ   مثلَ شاعرنا  شكيب عبد  الحليم  الذي خدَمَ  شعبَهُ وعروبتهُ بإخلاص ٍ وقدَّمَ  أسمَى وأروع  الكلمات والدُرر الخالدة .  وتعكسُ أيضًا  مستوى  ومصداقيَّة جوائز التقرُّغ السلطوية التي  ُتمنح كلَّ عام  لعددٍ  من الكتابِ المحليِّين الذين معظمهم  ليست  لهم  أيَّة ُ علاقةٍ  مع  الثقافةِ  والإبداع  . 
         وفي النهايةِ  أقول : رحمَ اللهُ الشَّاعرَ القدير والمُبدع والمُمَيَّزَ الأستاذ "شكيب عبد الحليم "...وكان فخرٌ وشرفٌ كبير لي أن  أكتبَ  دراسة مطولة لديوانه هذا(خمائل فوق روابي الشَّمس) القيِّم،وكم كنا نتمنّى لهُ العمرَ المديدَ والمزيدَ منَ الإصدارات شعرًا ونثرًا ولكن يدَ القدر لم تمهله  فخطفهُ  الموتُ وهو في أوجِ  نشاطهِ  وعطائهِ  وتألقهِ  .  وللأسف الشديد أقول وأكرِّرُ : إنَّ شاعرنا رغم  قدراته الأدبيَّة الفذه ومستواه الشعري الراقي والمميَّز لم  يأخذ حقهُ  من شهرة وانتشار وأهتمام من  قبل الجهات  والأطر الثقافيَّة  والأدبيَّة  المسؤولة  ولم  تُقم  له أمسيات  تكريميّة  خارج   قريته  احتفاء  باصداراته  وإنجازاته  وإبداعاته  الشعريَّة  والادبيَّة ...وشعرُهُ   يضاهي  مستوى  كبار الشعراء  المعروفين   والمشهورين   ويستحقُّ  أن   يدرَّسَ   في   المدارس والجامعات محليًّا وفي العالم العربي  .