كنت أدرس في السنة الخامسة ابتدائي, في مدرسة ابن باديس. كان يزاملني عبدالغني,تلميذ يكبرني بثلاث سنوات, رسب عدة مرات...
تحول عبد الغني الى عذاب يرهقني. أخبرت والدي...أخبرت معلم اللغة العربية وأيضا معلم اللغة الفرنسية... شكوته الى مدير المدرسة باكيا بالدموع الغزيرة...لكن بدون جدوى..يتوعدني ويهددني باللكمات والركلات اذ أنا لم أحاسبه يوميا على الساعة العاشرة وقت الاستراحة في فناء المدرسة برسم جديد لأحد شخصيات السنافر..وكل ليلة بعد أن أنهى واجباتي المدرسية أشرع في الرسم, وأنا أشد ما أكره أن أرسم الشيء مرات ومرات...ندمت على تفوقي في رسم الشخصيات الكرتونية...
وفي أحد الأيام تغيب عبد الغني.فرحت كثيرا لأني سأستريح الليلة من الرسم, ورسم اليوم أعطيه له غدا...لكنه لم يأتي في الغد...سمعت زملائي يخبرون معلم اللغة الفرنسية أن اخته الصغيرة توفت..بمرض خطير يسمى السرطان.. فأمرنا المعلم أن نذهب اليه ونعزيه في أخته,فهذا واجبنا كزملاء مدرسة...
كان عبد الغني يجلس منزويا بعيدا عن المعزين, وقد أكتست وجهه ظلال حزينة...كان والده يحدث المعزين,وقد اختلط كلامه المبحوح بدموعه الحارة:
ـ إن ابني عبد الغني أشد حزنا على أخته..كان لا يأكل حتى تأكل هي...ولا يشرب حتى تشرب هي...تصوروا هو الوحيد الذي استطاع ان يدخل السرور الى قلبها ويجعل وجهها المريض يبتهج ويبتسم..لم تحب شيئا مثلما كانت تحب تلك الرسوم الكرتونية المرسومة باليد...تفرح بها لما يسلمها لها كل يوم..كانت متعلقة أشد التعلق بتلك الرسوم لأن أخاها كان يأتيها بها....ولم يستطع الوالد أن يكمل الحديث لأن الدموع غلبته..
وفي طريق عودتي الى البيت ندمت أشد الندم لأني اشتكيت زميلي عبد الغني الى المدير....
الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق