لعبة الدولة الفلسطينيه: برتوكول زيارة رسميه/ رائف حسين

يخطأ من يضن ان الدوله تُبنى بعمران ومراكز تجاريه واجهزه أمنيه مدججة بالسلاح وسيارات فخمه لهؤلاء الذين يجلسون على العرش من وزراء ومدراء وأشباه مدراء وموظفين. لو كان الامر كذلك لكانت كوستاريكا ليس بدوله.. فهي لا تملك جيش ولا اجهزة مخابرات متعددة وعمرانها بسيط ومراكز قرارها تجتمع بعمران ترى اعظم منه في قرى رام الله ونابلس وشرطتها ليست مدججة بالسلاح ومعظم وزراءها كما هو الحال في معظم الدول الإسكندنافية  لا مرافقين آمنين لهم! 

في زيارتي الرسمية الاسبوع الماضي ضمن وفد الرئاسة الالمانيه زرت رام الله بعد غياب عشرين عام. ما رأيته وراقبته وعايشته خلال زيارتي القصيرة مع الرئيس الالماني شتاينماير اثار اشمئزازي وزاد سخطي على الواقع المر بفلسطين المحتله وشحذ عزيمتي ان لا اسكت عن الخطأ وان أبقى مدافعاً عن فلسطين العلمانية الوطنيه دولة الشعب كله، التي صمد وقاتل شعبها من اجل كرامتها وعزتها منذ اكثر من مئة عام وما زال يصمد ويعاني امام العدوان الصهيوني وظلم المقربين.
 رأيت بزيارتي اناس يلعبون دوله دون سياده، رأيت ممثلين بمسرحية اسمها دوله.. وشعب يركض وراء قوت يومه .. شعب اصيل صامد رغم الالم،  اصبح بعد ربع قرن من المهزله يبغض السياسه والسياسيون وهو الذي قدم لهم الغالي والرخيص. 
المشاركه الهزيلة في الانتخابات الاخيره قبل ايام للبلديات والمجالس المحليه بالضفه التي لم تتعدى ال 30% تشهد على هذا البعد الشاسع بين الجماهير وقياداتها السياسيه... الشعب بوادي واهل السياسه بوادي اخر!
بدأت الزياره بمعبر بيتونيا حيث انتقلنا من القافلة ( الاسكورت) الاسرائيلي للقافلة الفلسطينيه. شعرت بالفرح واعتلت جسدي نشوة عندما رأيت القافله والعلم ورجال الأمن الفلسطينيين وظننت للوهلة الاولى اني كنت على خطأ بتقييماتي السابقة للسلطه الوطنيه وايداءها.. لكن سرعان ما طار الفرح وتطايرت النشوه بعبور القافله بمحاذات الجدار العنصري  وزاد سخطي عندما طلب الرئيس الالماني من القافلة ان تسير ببطء عندما اقتربنا من معتقل عوفر الصهيوني البني على اراضي بلدة بيتونيا وقرية رافات التابعه للسلطه الفلسطينية. عندما شرح لنا مرافقنا من الممثلية الالمانية برام الله ان بالسجن العديد من الأسرى المضربين عن الطعام منذ أسابيع وان قطعان من المستوطنين الصهاينه قاموا الاسبوع الماضي بحفلة مشاوي امام السجن زاد سخطي ودمعت عيني الماً ولم استطع تحمل المنظر رغم مواساة المستشارة السياسية للرئيس الالماني لي وثارت حفيظتي من رجل الأمن الفلسطيني الذي اجاب ببروده وشبه اللامبالاه على سؤال احد المرافقين عن وضع الأسرى فصرخت به بالعربية ليسكت. 
استغربت من الحشد الغفير لاجهزة الأمن الفلسطيني بكل الوانها وسلاحها التي اغلقت كل الطرقات لعبور القافله وكما اوضح لي احد رجال الأمن بان هذا امر طبيعي بفلسطين ان تغلق كل المعابر المؤدية الى طريق القافله. الإغلاق المحكم لم يكن لدقائق مرور القافلة بجانب شارع فرعي ما،  كما عايشته بإسرائيل،  بل كان لفترة زمنيه طويله قبل وبعد مرور القافله مما زاد من معاناة الناس وزاد التضييق على حياتهم وكبل حركتهم والتي هي ضيقة اصلا بسبب الاحتلال والمستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز. وزاد استغرابي من رجال الأمن المدججين بالسلاح على سيارات الدفع الرباعي (بيك اب) وأحسست اني بمخيم عين الحلوة  وبعد قليل سوف يحدث الاشتباك وليس بدولة كما يسميها اَهلها! انها مسرحية بإخراج بائس
الصورة التي انطبعت برأسي بعد المشهد كانت اننا بكيان عسكري وليس بكيان مدني!!! يا له من قضاء وقدر... فلسطين وشعبها الأصيل لا تستحق مثل هذا! 

فرحت للوهلة الاولى بلقاء وزير خارجية فلسطين رياض المالكي الذي استقبلنا في مصح المعاقين في قرية قوبيه. التقيت به قبل سنوات عندما كان قائدا ميدانياً للرفاق بالجبهة الشعبيه في الضفه. طارت وتلاشت فرحتي بلقاءه بعد ان تصرف بسلبية لم أراها ولم أعايشها من سياسي بأي مكان في العالم. فبينما كان كل اعضاء الوفد الالماني وعلى رأسهم الرئيس شتاينماير وزوجته بمصافحة ومكالمة المرضى والممرضات والطاقم الاداري الكنسي الذي يقوم على إدارة المصح وكلية التمريض الموجودة هناك، بقي وزيرنا منزويا لوحده قرب النافذة ولم ينطق بحرف ولم يصافح احد وكأن الامر لا يعنيه!! استغربت من هذه السلبية ولم ادري اهيه نابعه عن عدم ثقة بالنفس ام انه تعالي على ابناء شعبنا! في كلا الحالتين هي مصيبه وواقع يفسر لي أبابا الشرخ العميق بين الشعب واهل السياسة في فلسطين. 

المفاجأة الكبرى التي صدمتني وهزت كياني الداخلي كانت عندما زرت مع الوفد الرئاسي الالماني ضريح المرحوم الشهيد القائد الرمز ابو عمار. استقبال عسكري بالحرس الوطني للرئيس الالماني ووفده ... نظرت حولي وحدقت بالعسكر باحثاً عن الكوفية! رمز الثوره، رمز الشهيد ابو عمار... رمز الهوية الفلسطينيه. رأيت عسكر يرتدي الزِّي البريطاني... يا لها من مذله واستنكار للهوية وللرمز. انظروا يا فلسطينيون  الى الحرس الوطني الأردني بكوفته الحمراء ولباسه ! المشهد نفسه تكرر اثناء زيارتنا للمقاطعه. عندها تذكرت قول احد الحكماء الذي قال: ان تناست وتجاهلت فلة من البشر رموز عزتها وهويتها بدأ فناءها. 

ما رايته برام الله من جديد بعد عشرين عام غربه هو بناء عالي وضخم في كل مكان ورجال أمن مسلحه تظهر سلاحها علناً لتأكيد رجولتها وأكوام من النفايات في كل زاوية ونظام حكم من سلطة ومعارضه يمثل مسرحية دولة وشعب يعاني.     


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق