من الجيد أن يقوم أى حزب بمراجعات لسياساته خاصة تلك الأحزاب التى تنتمى لأيديولوجيات مرجعية، ويبدو أمراً جيداً أن نرى اليوم حركة أيديولوجية كحماس تقوم بإصدار وثيقة مراجعات لسياساتها وأفكارها حتى وإن كانت موجهة لطرف دولى بعينه، لكن الأهم فى اعتقادى لأى حركة أو حزب سياسى أن يتوجه أولاً لجمهوره وشعبه قبل أى طرف آخر فهو الأهم نظراً لأنه مصدر الشرعية والدعم والنفوذ الأساسى والرئيسى له، لكن من الواضح أن الوثيقة الجديدة سالفة الذكر ليست مراجعة فعلية بقدر ما هى خطوة أولى فى طريق معروف ومجرب سار فيه كل حركات التحرر التى أخفقت فى تحقيق أهدافها بالرديكالية الثورية المسلحة والتى ترفض الاعتراف بالإخفاق فتلجأ إلى التراجع خطوة للوراء . وحدث هذا فى إيرلاندا الشمالية مع الجيش الجمهورى، وفى مقاطعة الباسك فى أسبانيا مع منظمة ايتا، وفى أمريكا اللاتينية مع حركات عدة كفارباندو مارتى فى المكسيك وجبهة الساندينستا فى نيكاراجوا وحزب العمال الكردستانى تركيا وجبهة البوليساريوا فى المغرب، ولكن في الحالة الفلسطينية نجد الحالة تتكرر بعد ثلاثين عام ولم تقدم الوثيقة جديد بل هى نسخة عن مبادرة النقاط العشر التى أعلنها الشهيد الراحل ياسر عرفات فى ثمانينيات القرن الماضى ولكن بديباجة جديدة، ولعل الفرق الحقيقى والجوهرى هنا أن الراحل ياسر عرفات كان رئيس منظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للفلسطينيين ولم يكن يمثل تنظيماً بعينه بل كان يمثل قيادة الشعب الفلسطينى، وكانت الجغرافيا السياسية فى المنطقة أقل قسوة وتعنت مما هى عليه اليوم، ورغم ذلك اضطر الشهيد الراحل ياسر عرفات أن يسير لاحقاً خطوات أكثر تقدماً فى نفس الطريق المعروف وصولاً لاتفاقية أوسلو، ولكنه فى نهاية الطريق كان أمام خيارين فى كامب ديفد إما التنازل وإما الشهادة فاختار أشرفهما لتاريخه وشعبه وكان شهيد فلسطين . والقيادة الفلسطينية قد أعلنت أكثر من مرة عن تعنت الجانب الاسرائيلى ورفضه لتنفيذ الاتفاقيات ولكنها متمسكة بخيار السلام لتثبت للعالم أننا اصحاب حق وقضية عادلة والجانب الاسرائيلى الرافض لتحقيق السلام، ولحشد أكبر قدر ممكن من التضامن الدولى مع قضيتنا وقد نجحت بتسجيل العديد من الانتصارات الدبلوماسية لصالح فلسطين.
ولكن مع حركة حماس المعارضة وبشدة لأى تنازلات عن أى شبر من أرض فلسطين التاريخية القضية تختلف فهى التى خونت وما زالت في كل مناسبة كل من ذهب لأوسلو وتتهمه بالعمالة والتنازل عن أرض الأنبياء . وكان من الأولى وفى هذه الظروف الاقليمية والدولية حافظت على برنامجها السياسى المعارض فنحن بحاجة ماسة لمعارضة قوية كما في اليمين المتطرف الاسرائيلى، المعارضة الوطنية الحقيقية التى تقوى الموقف الفلسطينى ولا تطرح نفسها بديل له .
هنا وأمام هذه الوثيقة التى تؤكد عدم الاستفادة من التجارب السابقة نجد أنفسنا مقابل مجموعة من الأسئلة المشروعة لجميع أبناء الشعب الفلسطينى أولها ما الذى يضطر حركة حماس الآن أن تعيد صياغة برنامجها السياسى وتخرج بوثيقة مكررة لما سبقها ولم تقدم أى جديد لإنهاء الصراع الفلسطينى الاسرائيلى بل هى رؤية منظمة التحرير الفلسطينية منذ زمن بعيد، وما هو الغرض من من هذه الخطوة فى ظل حالة الانقسام؟ ألم يكن من الأولى بحماس أن تنضم لمنظمة التحرير الفلسطينية وتختصر عليها نزول السلم، أم أن وراء الأكمة ما وراءها وإننا أمام منظمة تحرير اسلامية جديدة يعاد صياغتها فى قطر لقطاع غزة وأن أوسلو تانية فى الطريق ستنتهى بحل نهائى بدولة فلسطينية فى القطاع؟ أسئلة كثيرة تراود المواطن الفلسطينى على حركة حماس أن تجيب عليها .
الشعب الفلسطينى وبعد هذه التضحيات الكبيرة الذى قدمها وأصبح بفعل السياسات الحزبية الفاشلة والاخفاقات المتتالية لم يفكر بقضيته بقدر التفكير في كيفية توفير الكهرباء والماء ولقمة العيش يستحق من الجميع التنازل عن الأجندات الحزبية وانهاء الانقسام والشروع في ترتيب البيت الفلسطينى بما يليق بتضحياته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق