من هو الكلب ومن اللصوص؟/ نسيم عبيد عوض

أثار قول غبى لرجل جاهل من وجوه المجتمع القبيح التى ظهرت على السطح ‘ بعد فيضان ثورة 25 يناير ‘فى وصفة لأدب نجيب محفوظ أثار في المشاعر ‘وتذكرت على الفور رائعة من روائع الكاتب العظيم ‘ رواية اللص والكلاب ‘‘ والتى صدرت عام 61 ‘ وقد هزت هذه القصة جدران المجتمع الأدبى والثقافى ‘ ولعل صدورها وإرتباطها بسفاح حقيقى روع البلاد عام 60 ‘ اسمة محمود أمين سليمان ‘شغل الرأى العام عدة شهور حتى لقى حتفة برصاص البوليس‘ فقد خرج محمود سليمان على القانون وأصبح مجرما عتيدا ‘ بسبب خبانة زوجته مع محاميه ‘ فخسرإبنته وكل مايملكة ‘وفى سبيل إنتقامه أوسع البلد رعبا وجرائم قتل وسفك دماء ‘ وحتى كنا نتتبع أخبار محمود أمين سليمان كل دقيقة والبوليس يطارده من مكان الى مكان‘ حتى أوقع بة البوليس ‘ وعمت السكينة على الشارع المصرى .

وخرجت عبقرية نجيب محفوظ بهذه الرواية بعد هذه الأحداث بشهور قليلة ‘ فأبهر القراء ‘ وأنا كنت واحدا منهم ‘ وكنت فى بداية الطريق فى صفحة الأدب بجريدة وطنى الاسبوعية ‘ فكتبت أول نقد أدبى لى عن رائعة نجيب محفوظ ‘ وقد ذهب بى إعجابى بأدب الأستاذ الى انى طالبت فى هذا المقال بوجوب فوز اديبنا بجائزة نوبل ‘ وقد تحقق ذلك بعد سنوات ‘وقد أفرزت قصة اللص والكلاب فى نقدى على طراز الأدب الإجتماعى الذى يمثل مبضع الجراح الذى يشق المجتمعات فيخرج من باطنها العفن والخيانة وكل أمراض المجتمع الغائرة فى عمق وفى باطن مغلق‘ وأذكر ان الأستاذ الكبير العظيم فى أدبه الدكتور لويس عوض ‘ قد خرج علينا بمقال ملئ صفحة كاملة من جرية الأهرام كعادته كل يوم جمعة ‘ بمقال عن الرواية وأعتبرها من الأدب الرومانسى ‘ وغيره رآها من أدب الوجودية والسريالية ‘ إختلف النقاد فى تحليلها ولكنهم أجمعوا على روعتها ‘ و أكتب لكم بعض سطورمن هذه الرواية البديعة بأسلوب أدبى من طراز فريد حتى تروا روعة الإبداع الأدبى عند نجيب محفوظ ..فيكتب عن تفكير سعيد مهران بطل الرواية وهو فى منزل الشيخ على الجنيدى " لكن الشمس لم تغرب بعد. آخر خيط ذهبى يتراجع من الكوة. أمامى ليلة طويلة . هى أولى ليالى الحرية . وحدى مع الحرية. أو مع الشيخ الغائب فى السماء. المردد بكلمات لا يمكن أن يعيها مقبل على النار . ولكن هل من مأوى آخر آوى إليه " 
هل رأيتم إبداعا أعظم من هذا الروعة الأدبية والفلسفية فى ذات الوقت ‘ من أجل هذا إستحق أديب مصر جائزة نوبل‘ بعد ان إنتشرت كل رواياته فى بلاد العالم وقرأها ملايين البشر.

ونعود للقصة وأبطالها‘ بطل الرواية " سعيد مهران خارج لتوه من سجن أربعة سنوات ‘ بخيانة زميله فى الإجرام وصديق حياته "عليش سدرة" الذى دبر إصطياد البوليس له ‘ ليخلو له التنعم مع زوجة سعيد "نبويه" بعد ان أغراها بطلب الطلاق منه وهو فى السجن لتتزوج من عليش ‘ ويخرج سعيد ليرى إبنته " سناء " تعيش فى بيت الخائن ‘ فلا تتعرف عليه لأنها لم تراه أصلا ‘ وأظلمت الدنيا فى وجهه ‘ فالصديق والزوجة ‘ صورة حية للخيانة ‘ فخرج يبحث عن مأوى يلملم فيه نفسه قبل ان يخرج للمجتمع ‘ فقادته رجلاه لمنزل الشيخ على الجنيدى ‘ وهو معرفة والده ‘ فجاء ليقص على الشيخ مشكلته " لم يقبض على بتدبير البوليس ‘ كلا ‘ كنت كعادتى واثقا من النجاة ‘ الكلب وشى بى ‘ بالإتفاق معها وشى بى ‘ثم تتابعت المصائب حتى أنكرتى إبنتى..
فقال الشيخ بعتاب:
- توضأ وأقرأ "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله " وأقرأ " واصطنعتكم لنفسى" وردد قول القائل" المحبة هى الموافقة أى الطاعة له فيما أمر‘ والإنتهاء عما زجر ‘ والرضا بما حكم وقدر." ولكن كلمات الشيخ لم تخرج سعيد من حالة الإحباط ‘ ومن عزمة على قتل "عليش ونبوية "‘ وفى الطريق يجد رجلا كان قد تعرف عليه وهو طالب فى كلية الحقوق ‘ أصبح الآن رجلا مشهورا ورئيس تحرير جريدة الزهراء ‘ الأستاذ " رؤوف علوان" الذى سبق وأنقذ سعيد من حادث سرقة أحد الطلبه ‘ وقت ان كان والد سعيد يخدم فى بيت الطلاب‘ فذهب اليه كمنقذ لحالته فلم يجد منه إلا اعطائه عشرة جنيهات ولم يهتم به كما توقع سعيد منه .
والتناقض العجيب ان يخرج سعيد مهران من بيت الشيخ على الجنيدى ليذهب الى بيت فى المقابر ل " نور "والتى فتحت له أحضانها وخبأته فى قلبها ‘ فكانت المأوى الحقيقى له ‘ وتقول له كلمات الغزل والحب " أحطك فى عينى وأكحل عليك"!

ولتصميم سعيد مهران على الإنتقام من كل الخونه ( أو الكلاب كما يصورهم نجيب محفوظ) بدأ الصراع بينه وبين المجتمع ‘ حتى إصطادتة رصاصات البوليس ‘ كواقع القصة الحقيقية لمحمود أمين سليمان ‘ وهنا أتوقف لأعاتب الأستاذ الكبير فى تسميته للخونة بالكلاب ‘ والحقيقة ياأستاذى ‘ ان الكلاب تتمتع بثلاث صفات "جينية" الوفاء والإخلاص والحب " لصاحبها ‘ وهذه الفضائل قل أن تجدها فى بشر ‘ ولأن الكلب حتى مماته يظل وفيا ومخلصا ومحبا لصاحبة ‘ لا يعرف الخيانة أبدا ‘ وقد يكون لوجود الكلاب السعرانة فى شوارع مصر وقتها ‘ سببا فى هذا التشبيه ‘ والحقيقة أن الكلب الوحيد فى هذه القصة هى نور ‘ التى ظلت وفيه ومخلصة ومحبة لسعيد حتى مقتله ‘ بل ساعدته على الإنتقام وقامت بحياكة بدلة ظابط بوليس لتساعد ه فى تحركات إنتقامه ‘ وإن كانت نور هى الكلب الوحيد فى الرواية ‘ فإن باقى الأشخاص ماهم إلا لصوص ‘ سواء للمال أو بالتغييب عن الواقع.

ولعلى أفكر اليوم ‘ فيما لو كان الكاتب الكبير مازال حيا ‘ يرى الشعب يخرج فى ثورة ‘ ليكتشف أن كل النظام وأعوانة ورموزة وأركانه لصوصا ‘ وكلهم فى سجون مصر ينتظرون المحاكمة ‘ كان نظاما خائنا لشعب مصر ‘ تاجر بحرية بلدة وحياة شعبه فى سبيل سرقة ثروته وتهريبها الى الخارج ‘ وحتى أمثال رؤوف علوان مشاهير كثيرة فى كل وسائل الإعلام المصرية ‘ والخونة منتشرين الآن فى ربوع مصر يرمون العيش والملح الذى أكلوه مع جيرانهم ومواطنيهم ‘ يقتلونهم بسبب دينهم ‘ ويخطفون أولادهم ويهدمون ويحرقون بيوتهم بأسم الدين ‘ وهناك القتلة الذين قتلوا أولادنا فى ماسبيرو غدرا تحت المدرعات ‘ والسفاحين الذين قتلوا بالقنابل الكيماوية شبابنا فى ميدان التحرير ‘ وكل القتلة أحرارا ‘ وأصبحت مصر البلد الوحيد فى العالم الذى لا يعاقب على جرائم القتل ‘وهؤلاء وحوش سافكى دم وليسوا كلاب لأن الكلاب لا يتشبهون بأمثالهم ‘ ومن أمثال سعيد مهران وعليش سدرة ‘ البلطجية الموظفون فى أمن الدولة بمرتبات خيالية ‘ أما أمثال نور فالمجتمعات تخفى الآلاف من نور ‘ ومازال الوقت متسعا حتى يرى المجتمع مزيدا من اللصوص والخونة والقتله والمجرمين فى حق بلدهم مصر ‘ فياترى ياكاتبنا العظيم من هو فى رأيك الكلب ومن هم اللصوص فى يومنا هذا؟

هذا مقال كتبته فى يوم 10 نوفمبر عام 2011 ووجدت أنه يمكن إعادة نشره فى هذه الأيام !!! ) )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق