منظمة شنغهاي تخيب آمال طهران/ د. عبدالله المدني

في عام 1996، وعلى إثر التطورات الجيوسياسية الناجمة عن تفكك الإتحاد السوفياتي وولادة كيانات مستقلة في آسيا الوسطى، اقترحت الصين تحت وطأة القلق من امتداد الإضطرابات في الأخيرة إلى تخومها، والخوف من تفجر الخلافات الحدودية بينها وبين هذه الكيانات الاسلامية الجديدة، إنشاء منتدى يضم الصين وروسيا وكازاخستان وقرقيزستان وطاجيكستان بهدف بناء وتعميق الثقة. 
هذا المنتدى تطور عبر القمم المتلاحقة إلى أن جاءت قمة شنغهاي عام 2001 التي شهدت ضم اوزبكستان، وإطلاق "منظمة شنغهاي للتعاون". ومع مرور الوقت تبين أن التعاون المشار إليه في إسم المنظمة ليس تعاونا اقتصاديا فقط وإنما أيضا تعاون في مكافحة الارهاب والتطرف وتجارة الأسلحة والمخدرات والبشر والحركات الانفصالية ورفض التدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول الأعضاء تحت أي ذريعة (لاسيما ذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان)، الأمر الذي حوّل المنظمة إلى ما يشبه الحلف العسكري بقيادة الصين وروسيا، خصوصا بعد أن قامت الدول الأعضاء بمناورات عسكرية ضخمة في جبال الأورال الروسية شارك فيها نحو 6500 عنصر معظمهم من الصين وروسيا.
وقتها هلل عرب كثر مبشرين بميلاد تحالف عملاق قادر على الوقوف في وجه "الغطرسة الأمريكية ــ الأوروبية ــ الأطلسية"، وراحوا يعددون الإمكانيات المتاحة بتصرف التحالف الجديد بشريا وماديا وعسكريا واقتصاديا ونوويا، بل راحوا يبشرون بتوسع التحالف ليضم دولا كثيرة أخرى فذكروا مثلا "إيران الجالسة على العتبة النووية، وكوريا الشمالية التي اقتحمت النادي النووي". وتجاوز الأمر المعلقين العرب إلى معلقين غربيين بارزين من أمثال أرييل كوهن الباحث في الدراسات الروسية والأوراسية في "هيريتيج فاونديشن Heritage Foundation" الذي قال إن:"عودة الصين إلى حديقتها الخلفية في آسيا الوسطى بعد غياب دام ألف عام، وعودة روسيا إلى ممتلكاتها القديمة في الإتحاد السوفيتي السابق، يجب أن تدقا أجراس الإنذار في واشنطن، ليس فقط حيال وجودها في هذه المنطقة الغنية بالطاقة، بل أيضا إزاء مستقبل زعامتها العالمية".
وبطبيعة الحال، فإن ما أغرى المعلقين العرب بالحديث عن توسع المنظمة لجهة الدول الأعضاء هو أن ميثاقها لم يغلق بابها على الدول الست المؤسسة، بل خلق صفة عضو مراقب التي مُنحت أولا لمنغوليا في  2004، ثم للهند وباكستان وإيران في  2005، ثم لإفغانستان في 2012، فروسيا البيضاء في 2015.
بالإضافة إلى صفة العضو الكامل والعضو المراقب، أنشأت المنظمة صفة "شريك حوار" في عام 2008، وقد حصلت على هذه الصفة حتى الآن كل من: سريلانكا، تركيا، كمبوديا، أرمينيا، أذربيجان. وهناك قائمة طويلة من الدول تنتظر الحصول على إحدى الصفات الثلاث، من بينها أوكرانيا والنيبال وبنغلاديش والمالديف ومصر.
والحقيقة أنه على الرغم من مرور نحو 15 سنة على تأسيس المنظمة، وعلى الرغم من الآمال العريضة التي أحيطت بها، إلا أنها لم تنجح كثيرا في الملفات الأساسية التي استدعت قيامها مثل مكافحة الإرهاب والتطرف والحركات الانفصالية، وإنْ كانت نجحت في تخفيض حجم القوات العسكرية على الحدود المشتركة وتعزيز التعاون الاقتصادي من خلال عدد من المشاريع المشتركة. 
وإذا كان هذا حالها وهي مكونة من ست دول تربطها الجغرافيا والتاريخ والثقافة والأهداف المشتركة، فما بالك لو منحت عضويتها الكاملة لدول جديدة بعيدة لكل منها مشاكل مع جاراتها أو مع المجتمع الدولي. 
والحقيقة أن موضوع توسعة المنظمة بمنح عضويتها الكاملة إلى عدد من الدول التى تحمل صفة عضو مراقب، مثل إيران وباكستان والهند كان على رأس جدول أعمال قمة المنظمة التي عقدت مؤخرا في العاصمة الكازاخية. في هذه القمة تم قبول الهند وباكستان باجماع الأصوات، وهو ما سوف يشكل عبئا إضافيا على المنظمة، من وجهة نظرنا، بسبب الخلافات الثنائية المزمنة بين البلدين، تماما مثلما سيحدث في حال منح العضوية لآذربيجان وأرمينيا مثلا. 
لكن على عكس المتوقع لم تـُمنح العضوية لإيران على الرغم من الدعم القوي من جانب بكين وموسكو. أما السبب فهو على ما يبدو استخدام طاجيكستان للفيتو(ينص ميثاق المنظمة أن قبول الأعضاء الجدد مشروط بموافقة جميع الأعضاء المؤسسين). والمعروف أن حكومة طاجيكستان مستاءة من دعم طهران للجماعات الإسلامية المتشددة العاملة ضدها.
وفي اعتقادنا أن المنظمة فعلت خيرا برفض منح عضويتها الكاملة لإيران، لأنها لو كانت فعلت العكس لخسرت الكثير من الإحترام والمصداقية كون إيران دولة متمردة على النواميس الدولية، بل راعية للإرهاب والتطرف اللذين تأسست المنظمة من أجل مكافحتهما. لكن يبدو أن هذا لا يهم موسكو وبكين المعروفتين بدعم النظام الايراني سرا وعلنا نكاية بالولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول تحجيم تطلعاتهما. والجدير بالذكر أن معلقين روس استبعدوا في 2010 أن تحصل طهران على العضوية لأن ميثاق المنظمة ينص على عدم قبول دول خاضعة لعقوبات أممية، أما اليوم فإنهم يتحججون بأن تلك العقوبات قد رفعت نهائيا بعد تعاون الإيرانيين (المزعوم) بشأن برامجهم النووية وبالتالي فإن الطريق معبد أمامهم لدخول نادي شنغهاي على قدم المساواة مع الآخرين.
أما حماس الصين فقد تجسد في قول مساعد وزير خارجيتها أوائل يونيو الجاري من أن موضوع انضمام إيران للمنظمة ستتم مناقشته في قمة أستانة وسوف يتم قبولها كعضو فاعل "لأنها حملت صفة مراقب لسنوات وشاركت بنشاط في أعمال المنظمة ولديها مساهمات إيجابية في نموها"، مضيفا أن بلاده تقدر هذا كثيرا وترحب وتدعم رغبة إيران في أن تصبح عضوا في المنظمة.

د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: يونيو 2017 
الايميل: Elmadani@batelco.com.bh 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق