الأب يوسف جزراوي رجل دين يصلي على وتر/ احمد الياسري

الأب الأديب يوسف جزراوي شخصية دينية ادبية من زمن استثنائي لا يشبه زمننا ،النقاء الذي  يحمله هذا الصديق نقاء المتصوفة والحكمة التي يتسلح بها حكمة الرهبان المتعالية والقلب الذي يحركه قلب طفولي متسامح ، طموح يتسابق مع الزمن لينجز شيئا لا نعرفه وكأنه رسول من السماء جاء ليذكرنا بتعاليم الشعر وقيامة المحبة... 
يوسف جزراوي لم أكن اطيقه حين التقيته اول مرة  ( كنت أتصور انه رجل دين نمطي يحاول ان يصبح وصياً على ارائنا وكتاباتنا) .. لكنه كان يقابل صدي عنه بمزيد من التقرب والمحبة ... وجه لي دعوات لالقاء شعر بمختلف المؤسسات الثقافية التي شارك بتأسيسها وعمل بها لكني رفضتها جميعاً وكنت احاول ان اجد المبررات المقنعة لكل عملية رفض ارتكبها ... 
_ وذات يوم اتصل بي الأب يوسف وطلب لقائي فالتقينا في فيرفيلد .. ففوجئت بشخصيته النموذجية وأخلاقه وثقافته المتأججة ..قرأنا الشعر وتجاذبنا أطراف الحديث عن المشهد الثقافي العراقي الخصوصيات والتحديات .. كان الأب يوسف يعاملني معاملة الاستاذ حين يسألني عن اديب أو يطلب رأيي بقضية ادبية وكنت أعامله معاملة الأب حين اطلب منه ان يذكي شمعة لي بكنيسة مريم العذراء لقضاء حاجتي .. بمرور الأيام تحول هذا الرجل المبدع الى اجمل لوحة من لوحات غربتي التي اشكو بها نقصاً حاداً بالأصدقاء والأحبة 
_ مدينة سيدني حولها العراقيون الى مدينة مخيفة لا تستطيع ان تثق بأحد فيها ، الانعزال الذي فرضته على نفسي منذ سنوات لم اجد بداً منه فأن لم تك ذئباً منعزلاً  افترسك العراقيون .. 
يوسف هو الذي أخرجني من عزلتي وأعاد لي الأمل بالحياة وعلمني كيف اهدأ  وأزيل التوحش الذي كان يتفجر من كتاباتي ، تخيلوا ان احدى مقالاتي يوماً اصابت الشخص الذي هاجمته بها بنوبة أدخلته المستشفى .. الذي يقع فريسة في عمود طگ بطگ قبل سنوات تتقطع أوصاله .. انا شخصيا لم اسلم من هذا العمود وتعرضت لمحاولات اغتيال واعتداء تناولتها وسائل الاعلام والسبب الوحيد كان وحشيتي في النقد وسخريتي القاتلة . 
_ تسرب يوسف الى أعماقي كما يتسرب صوت فيروز الى افئدة عشاق الصباح وأوقف البركان المتأجج دون ان اشعر ،  لم يقف معي صديق حين توفي والدي  في استراليا الا يوسف كنّا نتناصف الدموع و الالم، 
_ الأب يوسف جزراوي يعد ابرز شخصية عراقية مؤثرة في المشهد الثقافي بجاليتنا ... جمع الشعراء العرب والعراقيين وأصبحت منتدياتهم واحدة وساهم بتأسيس جمعيات تعني بالأدب العربي بأستراليا وختمها بتأسيس رابطة البياني للشعر التي تعد انشط مؤسسة شعرية في سيدني .. ابرز المهرجانات الأدبية والشعرية كانت بصمات الأب يوسف واضحة عليها ، دعم الكثير من الكتاب وساعدهم على إنجاز مؤلفاتهم بعد ان كانت حركة التأليف في سيدني شبه متوقفة .. عمل في الكنائس العراقية وكان من ابرز رجال الدين الذين التف حولهم الشباب ، لمحاضراته القيمة وثقافته المعرفية المميزة . 
_ الأب يوسف هو الشخص الوحيد في العالم الذي لم يشعرني يوماً انه رجل دين منذ عرفته  لسبب بسيط لأنه لا يتحدث معي في الدين مطلقاً ..   مع انه درس اللاهوت في العراق وأوربا والفقه الجعفري والحنفي ببغداد  لكنه يتجنب الحوارات والنقاشات الدينية دائما حتى لا يشعر المقابل بانه مختلف .. يوسف جزراوي شخصية أنصهارية تذوب فيها العوائق ، كم كنت أتمنى ان تهتم الفضائيات العراقية بهذه الشخصية وتحول التسامح الذي يتجلى بأبهى صوره بشخصية الأب يوسف جزراوي الى منهج وطنيٍ نزيح به الركام الذي يتطاير من خطاب المتطرفين . 
_ لا اعلم حقيقة لماذا اكتب هذه الكلمات بهذا الرجل الذي يصغرني عمرا ويفوقني معرفة وحكمة ، ولكني زرته البارحة فوجدته مصاباً بوعكة صحية  فأحسست برغبة تدفعني بصمت الى الكتابة عن هذا الصديق الاستثنائي الذي علمني الكثير ، الرجل الذي يعشق الاوتار والموسيقى ... 
رجل الدين الذي يصلي على وترٍ .. 
ابي واخي وأستاذي الأب الأديب يوسف جزراوي

هناك تعليق واحد: