يثبت الشعب الفلسطينى جيل بعد جيل وأزمة تلو الأخرى أنه هو الوحيد فى المشهد السياسى الذى على مستوى عدالة قضيته، فهو الشعب المغيب الغائب قسراً فى تفكير قادته لكنه الحاضر دوماً فى ميادين الدم والفخار والتضحية حيثما وجدت، سخيا بتضحياته مذهلاً بصبره؛ شعب الجبارين كما سماه قائده التاريخى الراحل أبوعمار أبوالوطنية الفلسطينية القائد الذى عرف شعبه واحبه فعشقه شعبه وخلده، كان أبو عمار القائد الفلسطينى الوحيد الذى أدرك مكنون الشخصية الفلسطينية وأخرج أفضل ما فيها، وكان البعض من الحمقى يسخر من عبارته المتكررة عن القرار الوطنى الفلسطينى المستقل ظانين أن القرار الوطنى الفلسطينى المستقل هو قرار القيادة لكن الختيار كان يعرف أن القرار الوطنى الفلسطينى المستقل الحقيقى هو قرار الشعب الفلسطينى، عندما يقرر فلا قرار لغيره هو من قرر عام 1936من القرن الماضى فى ثورة البراق وهو من قرر عام1987 انتفاضته الأولى وهو من قرر أن يبقى فى أرضه داخل الخط الاخضر وفى الضفة والقطاع، واحتضن قيادته فى المنافى، وهو الذى أوقف المخططات وأطاح بالمؤامرات وأعاد فلسطين إلى الخارطة السياسية وانتصر ديمغرافياً؛ وحافظ على هوية الأرض، وها هو يقرر اليوم ويفرض السيادة الفعلية فى القدس وفى كل فلسطين فهو صاحب القرار الوطنى الفلسطينى المستقل فهو أكبر من قادته وأقوى من أعداءه فهو ليس تابعاً لأحد لا حسابات سياسية لديه ولا مصالح له يخاف خسارتها فلم تُبقى قيادته له شئ ليخسره .
إن مشهد القدس اليوم يظهر للعالم أن الفلسطينيين ليسوا الطرف الأضعف فى معادلة الصراع ويظهر كذلك لكل قادته مدى الخطأ التاريخى الذى ارتكبوه عندما تجاهلوا شعبهم وأخرجوه من دائرة التأثير فى الصراع، اليوم الشعب الفلسطينى يتجاهل الجميع ويقرر ليس بحسابات فصائلية و فئوية أو مناطقية بل بحسابات وطنية استراتيجية مستقلة، هو يقرر اليوم أن الحرم القدسى هو مكان لعبادة المسلمين فقط رغم أنف الاحتلال ومن يدعموه ويقرر أن القدس عربية وهى عاصمة دولته المستقلة ذات السيادة، وإسرائيل اليوم فى حالة إرباك وتتخبط ليس خوفا من صواريخ غزه أو من وقف الاتصالات مع رام الله بل من وقع أقدام الشعب على الأرض الذى يسمع صداه فى كل أنحاء الارض مجلجلاً ليسقط القناع عن وجه اسرائيل ويظهر حقيقته كوجه كولونيالى عنصرى قاتل وبشع، ويحيل جهود عقود للدبلوماسية الاسرائيلية فى تجميل وجهها القبيح هباءً منثورا ويعيد للقضية الفلسطينية مكانها الطبيعى فى السياسة الدولية ويعيد الصراع إلى أصوله الطبيعية والفعلية باعتباره صراع سياسى حضارى صراع بين الظلم والعدل بين الخير والشر بين الباطل والحق .
إن دائرة الصراع التى ظنت اسرائيل أنها استطاعت عبر عقود من المفاوضات تضييقها مع الاقليم تتسع مجددً اليوم ليس عبر الإقليم فحسب بل عبر قرابة المليار مسلم فى جميع أسقاع المعمورة الذين يروا اسرائيل اليوم تنتهك تانى أقدس مكان عبادة لهم وتحرمهم من الولوج إليه لأداء صلواتهم فيه؛ فيما تسمح لقطعان مستوطنيها بتدنيسه عنوة بحماية جيشها، إنه الكابوس الأسوء التى حرصت اسرائيل على اجتنابه لعقود الصراع ليس فلسطينياً اسرائيلياً بل اسلامياً اسرائيلياً، وعلى اسرائيل أن تتوقع الأسوء فيما هو قادم فعندما تمس المقدسات العقائدية لا مكان عندها للسياسة، فالسياسة فن الممكن أما العقيدة فهى بحار من المطلق تحركها المشاعر والأدرنالين ليخرج مالا يتوقعه بشر ولا يحسب حسابه صناع السياسية أو تقدره أجهزة استخبارات .
لقد تعجلت اسرائيل كثيراً وأخطأت خطأً تاريخياً فادحاً عندما قررت بداية استراتيجية تهويد الحرم القدسى مستغلة عملية قتل جندييها ومستغلة حالة الوهن والتشتت الفلسطينى والعربى ووصول مسيحى انجيلى صهيونى لسدة الحكم فى الولايات المتحدة لتمرير أول خطوة فى فرض سيادتها على الحرم القدسى متجاهلة البعد العقائدى العميق للمكان والتصاق المقدسيين روحا وجسدا به .
إن اسرائيل التى تتفاخر بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط هى اليوم أمام العالم دولة تقمع التظاهر السلمى وحرية العبادة وتمعن فى احتلال شعب آخر والتنكيل به، تلك هى اسرائيل الحقيقية التى تدرك أن دمقرطة الشعب الفلسطينى هى أكبر تهديد لها لأن الديمقراطية الفلسطينية الحقيقية هى قرار الشعب لا قرارات القادة أو أهواء التنظيمات فأولئك تحسن اسرائيل التعامل معهم بسياسات العصا والجزرة والردع والحصار والحوافز الاقتصادية، أما الشعوب فلا يخيفها ولا يردعها محتل خاصة عندما تريد الحياة وشعبنا يستحق الحياة بكرامة على أرضه المقدسة ومستعد أن يدفع الثمن مهما كان غالياً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق