إيران الخمينية تتفق مع ألد أعدائها من أجل مصالحها. ألم يتفق الخميني مع صدام حسين في مظاهر القلق من المرجعية العربية المؤثرة في الشارع الشيعي كمرجعية آل الصدر؟
علاقة آل الصدر بعوام الشيعة علاقة الآباء بالأبناء، لا علاقة السيد بالتابع، ذلك السلوك البرجوازي المتعارف عليه بين المرجعية الشيعية والعوام، والتي رسختها نظرية الخميني سياسيا فيما بعد بولاية الفقيه. قد يكون مقتدى الصدر ليس نموذجا مثاليا لعلاقة الصدريين بالشيعة، لكنه بالتأكيد انعكاسا حتميا لطبيعتها.
في العراق هناك ثوابت تتعرض لاهتزازات لكنها لا تنكسر أو تتلاشى، من هذه الثوابت سلطة آل الصدر وتأثيرهم على الشيعة العرب. لم يكن انسحاب آل الصدر من واجهة المشهد السياسي بعد تظاهرات 2011 يعني انكسارهم أو اكتفائهم بمقتدى، لكنه رضى العوام وسكوتهم على وضع البلد من جهة، والإرهاب الذي لم يترك لانتمائهم الوطني خيارا غير الصمت من جهة اخرى.
المطلعون على تاريخ آل الصدر يعلمون بأن من الصعب المزايدة على انتمائهم الوطني، ابتدا من محمد باقر الصدر ودعوته للوحدة الوطنية بين أبناء الطائفتين السنية والشيعية تحت مظلة الإخوة، إلى ولده جعفر الذي استقال من البرلمان بعد رفض رئيس الوزراء نوري المالكي الاستجابة للتظاهرات الجماهيرية المطالبة بالإصلاح عام 2011.
لكن ماذا عن مقتدى الصدر، وما الذي يريده للعراق وشعبه بعد زيارته المملكة العربية السعودية؟ ماذا يريد من وجه العراق العربي بعد أن مسخته إيران بهيمنتها على سياسته واقتصاده وثقافته؟
كيف يمكن لمقتدى إستعادة ملامح العراق العربية بعد أن ركبت إيران موجة دماء آل الصدر لتهيمن على السلطة؟ وكيف ذابت رؤية محمد باقر الصدر الفلسفية للإسلام بنظرية ولاية الفقيه السياسية للخميني؟ مِنْ منح حزب الدعوة الحق بمصادرة مأساة محمد باقر الصدر مع النظام السابق لتكون رصيد فوزه المستمر بالسلطة؟ هل كان باقر الصدر خمينيا أم عراقيا وطنيا، مثلما كان موسى الصدر لبنانيا وطنيا عندما قال " إحفظوا وطنكم قبل أن تجدوه في مزابل التاريخ" ؟
بعد عام من الثورة الإيرانية وصعود الخميني إلى السلطة بتسهيلات أمريكية وغربية، غيب الموت باقر الصدر في معتقلات النظام السابق ليكون تاريخه بوابة المشروع الطائفي الإيراني لشيعة العراق. مات باقر الصدر تاركا خلفه عبارته الشهيرة " ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام". هل الإسلام الذي ذاب فيه الخميني إسلام المذاهب والمِلل، أم إسلام الطائفة؟ وهل ذاب الخميني في الإسلام، أم أراد للإسلام أن يذوب فيه وفي نظريته ولاية الفقيه؟
رغم حجم وخطورة الأزمة الفكرية بين السيد باقر الصدر ورئيس النظام السابق صدام حسين، ورغم دكتاتورية الثاني، كانت إيران ترسل برقياتها للمرجع الشيعي المحكوم عليه بالإقامة الجبرية في بيته عن طريق إذاعة إيران/ القسم العربي، كيف يمكن تفسير مثل هكذا سلوك لدولة تعادي نظام البعث الحاكم في العراق من جهة، وحريصة على حياة مرجع شيعي مؤثر مثل الصدر من جهة اخرى؟ هل كانت الغاية من فضح العلاقة بين الصدر والخميني رمي الأول بين فكي اعدائه، كي لا يكون عقبة وطنية في طريق ثورة طائفية، كما صار محمد صادق الصدر، والد مقتدى لاحقا؟ وثورة الخميني التي أيدها باقر الصدر، مثله مثل الكثير في العالم العربي والإسلامي، بل حتى الغربي، هل كانت دكتاتورية فقهية تمنح الفقيه دستوريا صلاحيات الحكم المطلق للدولة، أم ثورة إسلامية تتخذ من الشريعة دستورا لها؟ هل كانت ثورة على نظام الشاه العلماني القومي، أم على باقي المذاهب والديانات؟ وهل تأييد الصدر لها كان من منطلق طائفي أم إسلامي؟
يقول السيد باقر الصدر " ترفض النظرية الإسلامية النظام الملكي فضلا عن مختلف أشكال الحكم الديكتاتوري، كما أنها ترفض الأنظمة الأرستقراطية، وتقترح شكلا من أشكال الحكم الذي يحتوي على جميع الجوانب الإيجابية للنظام الديمقراطي".
وهل نظرية الخميني إلا شكلا من أشكال الدكتاتورية التي حررت المذهب من حدود القضاء والفتوى وقذفت به في متاهات السياسة والحكم؟ ومفهوم الفقيه الوارث للحكم الذي أنتجته النظرية، وتبلور بوضوح في العراق بعد سيطرة اولاد المراجع في النجف على القرار السياسي، الا يعتبر توريث طائفي للحكم؟ ثم ماذا كان شكل الديمقراطية التي كان السيد باقر الصدر يقترحها؟ هل هي الديمقراطية الأمريكية التي يحكم بها حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري العراق اليوم؟
الفكر الصدري كان فلسفيا إسلاميا قائما على الجدل مع الفكر العلماني بشقيه السائدين في وقته، الماركسي والقومي. وعلى أساس جدلية الرؤى بين الأطراف كتب محمد باقر الصدر كتابيه "اقتصادنا" و "فلسفتنا"، وكتاب ثالث لم يرى النور أطلق عليه"مجتمعنا"، لم يكتب الصدر في السياسة، ولم يلملم أفكاره عن الديمقراطية الإسلامية في كتاب، لأنه كان ملزم بشروط حوزة النجف ومرجعيتها المقيدة بالقضاء والفتوى. حتى حزب الدعوة الذي كان باقر الصدر من ضمن المجتمعين لتشكيله، انسحب منه التزاما بتلك الشروط التي تمنع انتماء المرجع الشيعي إلى حزب سياسي.
بالتأكيد مَس الخطاب الإسلامي للخميني وجدان الصدر، وانسجم مع توجهاته الفلسفية ، لكن الوقت الذي منحه إياه صدام حسين للحياة لم يكن كافيا ليراجع الصدر، مثل الكثير من المخدوعين بالنظرية الخمينية ومشروعها الطائفي، موقفه من الخطاب ، لم يكن المتبقي من عمره كافيا ليكتشف مقدار التنافر بين خطابه الفلسفي الإسلامي الإنساني وبين خطاب الخميني الدكتاتوري الطائفي.
يقول الخميني" يجب أن يعي أنه من اتبع غير عبد الله الخميني فقد ضَل سبيلا"، فإذا كانت قداسة الدم المتوارث قد منحت الخميني حق القيادة والهادية والحكم، فأن الدستور الإيراني المكتوب بأمره رسخ ديكتاتوريته التي كان باقر الصدر من الرافضين لها.
اليوم هناك جدل واضح بين مرجعية قم الفارسية الخاضعة لولاية الفقيه وبين مرجعية النجف الراغبة بالابتعاد عن الحكم وحصر توجهاتها بالفقة،،،لكن ما هو دور مقتدى الصدر في هذا الصراع وهو الوارث الشرعي لدماء آل الصدر واتباعهم؟
نعم من الصعب الرهان على قدرة مقتدى وثباته على المواقف، لكن يمكن أن تكون حوزة النجف الصدرية صاحبة قرار سحب العراق من إيران الخمينية ومشروعها الطائفي، وعودته لعروبته، هويته الممهورة على لسان 80% من شعبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق