ومن هو شكسبير على كل حال؟ صحيح أنه كتب روميو وجولييت التي انفَعَطَ بها العالم وتُرجمت الى معظم اللغّات، ومُثِّلت على المسارح وفي الافلام وقرأها ملايين الناس وتأثَّر بها الكتّاب والشعراء ونسجوا على منوالها. ولكن أنا أيضاً كتبت رواية رومانوس وجوليا التي لم تُتَرجم الى أية لغة، ولم يقرأها إلا أربعة من أصدقائي الذين مدحوها كثيراً بحضوري ولما أدرت ظهري لعنوها. أما زوجتي فأُعجبت بها كثيراً وكذلك جارتنا جوليا التي كانت تسألني دائماً متى تصل الرواية الى نهايتها السعيدة بانتحار زوجها رومانوس؟ وصحيح أن روايتي لم تُعرض على مسرح أو في فيلم سينمائي، ولكنها تستحق ذلك أكثر من رواية شكسبير، وهنا يلعب الحظ لعبته، طبعاً لصالح شكسبير. وصحيح أن الأخير كتب روايات خالدة كثيرة، منذ أكثر من 500 سنة، من الملك لير الى ماكبث الى هاملت، الى تاجر البندقية الى... وأنا كتبت أيضاً روايات خالدة والايام بيننا. انتظروا 500 سنة اخرى لتتأكدوا من كلامي.
شكسبير هذا، تفوَّقَ عليه الكثيرون في جاليتنا. كلهم كتبوا روايات خالدة كرواياتي، وكلهم فاقوه شهرة حسب مرآة نرجسيتهم وفي أعين المدّاحين. منهم من حلَّق فوق الثريا وترك المسكين شكسبير على الارض. منهم من حمل، مع لقب شكسبير الجالية، ألقاباً اخرى لم يحلم بها شاعر الانكليز. ففي امسية "من المدح المتواصل"، وما أكثر هكذا امسيات، ألصقوا بصاحبها أكثر من عشرين لقباً:
قالوا عنه شكسبير العرب. ولم يعترض سفير بريطانيا ولم يقم دعوى انتحال صفة.
قالوا عنه المتنبي الجديد. وبما انهم لم يبينوا لنا لماذا؟ فهل استحق اللقب لأنه كتب على غرار: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، أم لأن شعره على نسق: ما أنصف القوم ضبَّه/ وامه الطرطبة؟
وقالوا عنه جبران المهجر. كنا قبلنا لو اكتفوا بذلك. لكنه تفوَّق على جبران في عينَي نفسه وفي أعين المدّاحين.
وقالوا: أمير الشعر، العبقري، الملك، البطرك... وكل من كتب حرفاً في هذه الجالية عبده أو عبداً لعبده.
عندما أصدر الشاعر أمين نخله ديوانه "دفتر غزل" صدَّره بقصيدة لأحمد شوقي موجهة الى الامين يقول فيها:
هذا وَلِيُّ عهدي وقيِّم الشعر بعدي
فكل مَن قال شعراَ في الناس عبدٌ لعبدي
ورغم هذه الفتوى الشوقية بقيت امارة الشعر دون أمير. ورغم شاعرية أمين نخلة الفذّة لم يجد من يلبسه تاج الامارة. حتى امارة شوقي لم تسلم من التنكر لها من قبل كبار أمثال طه حسين والعقّاد والمازني ومارون عبّود وغيرهم. فكيف إذا أتت الدعوات، لالباس هذا أو ذاك تاج الامارة أو عمادة الادب أو أعطائه صولجان شكسبير أو وشاح جبران، ممن لا يملكون هذا الحق أصلاً أو ممن لا رصيد لهم في بنوك الشعر والادب؟
يا مانحي الالقاب الكبيرة في جاليتنا، ويا مصدّقينهم، أقسم لكم بالله العظيم، لا يوجد شوقي عندنا ولا أمين، ولا جبران ولا شكسبير. ولكن لا أجزم بالنسبة للعبيد وعبيد العبيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق