ايمان/ وفاء القناوى

..... رحلت عن عالمنا إمرأة هذا الزمان الحديدية , رحلت ولم ترحل إبتسامتها من على شفتيها ,,, رحلت إيمان الملقبة بأسمن إمرأة فى العالم , والتى أهلّها وزنها لدخول موسوعة جينيس ولم يؤهلها لدخول الدنيا والحياة بها , بل فرض عليها الإنعزال والبعد عن الحياة ومن فيها , ولِدت إيمان طفلة غير عادية بوزن غير طبيعى مثل بقية الأطفال , بعد فترة ونتيجة لنمو إيمان السريع تأكد لأهلها إنها تعانى مرضا ما , جعلهم يذهبون بها للأطباء الذين بدورهم قرروا إصابتها بخلل فى الغدد أثّر على إفراز الهرمونات , وتمر الأيام والسنين ويزداد وزن إيمان وتزداد معاناتها فى الحياة وهى فى سنوات عمرها الأولى , قريناتها قد ذهبن إلى المدارس وهى قعيدة فى المنزل لا تستطيع الخروج منه  فقد زاد الحمل على الساقين وأصبحت لا تسطيع  أن تحملاها وتحولت إلى طفل صغير مرة أخرى تحبو على يديها وركبتيها تتنقل بين حجرات البيت  فقط لا غير  وتجرى السنين  وتمُروإيمان على أعتاب البلوغ وتفتح الأنوثة وبدلا  من أن تقف أمام المرآه لترى جسمها وتستدير لتتفقد كل ما هو جديد فى شكلها لم تستطع حتى أن تعيش تلك اللحظة وترى نفسها وإنما اكتفت بالنوم فى سريرها فقد أصبحت طريحة الفراش  وهى فى ربيع العمر , وإن كان  الشاعر السورى أبو العلاء المعّرى لٌقب برهين المحبسين وهما ظلام العمى واعتزال الناس والحبس فى البيت  إلا إن إيمان كانت حبيسة البيت والجسد الذى لم تستطبع الخروج منه لترى الدنيا وتعيش الحياة بحلوها ومرها والتى لم تأخذ منها غير المر والحنظل , إيمان ومن أول لحظة قرأت  ما نُشرعنها وهى تُشحن مثل أى شُحنة فى سيارة نقل و تٌرفع بالونش   وطيارة خاصة لظروف مرضها ووزنها, وملابسات تلك  الرحلة وتوابعها جعلتنى أتتبع أخبارها وأستمد منها القوة كل لحظة , فقد كانت تٌمثل حافز للتحدى والصمود ثلاثة عقود مٌثابرة صابرة مبتسمة لقدر تقبلته بصدر رحب رغم الأمراض التى توالت عليها بسبب الوزن الزائد لإصابتها بمرض الفيل ,رحلت إيمان من الأسكندرية موطنها والتى لم تعرف غيرها وبرغم أنها لم تراها وسط شو إعلامى ضخم تابع رحلتها إلى الهند  ورصدها ,وسواء كانت هذه الرحلة فى صالح صحتها  أم أدت إلى تدهورها  أكتر إلا إنها , أخبرت العالم بوجودها فى هذه الحياة وإصرارها على مواصلة التحدى فهل هناك من مساعدة لهذا التحدى على الإستمرار؟؟   ولأن هناك أيادى بيضاء كثيرة فقد وجدت إيمان أولاد زايد الخير أبناء الإمارات الذين قرروا أن يكون هذا العام هو عام الخير والأيادى البيضاء لكل من يحتاج , وامتدت أياديهم لتأخذ إيمان وتبدأ رحلة جديدة خلت من اليأس بل كان الصمود والإصرار على مواصلة الحياة بكل شجاعة  رغم ماعاناتها ورغم الألم والنفى من الحياة وهى ما زالت على قيد الحياة , ومنذ أيام رحلت إيمان عبد العاطى  والتى اعتبرت أسمن إمرأة فى العالم من الحياة وكل حلمها  وآخر أمنياتها أن تأكل أيس كريم و تتمشى على كورنيش البحر بالأسكندرية حلم بسيط جدا أكيد ظل يراود خيالها على مدى ثلاثة عقود ولكن القدر برغم بساطة هذا الحلم لم يمهلها  لتستمتع به  , برغم إنها عانت على مر السنين من  أمراض كثرة لا حصر لها , من عدم الحركة وصعوبة التنفس وصعوبة الكلام وانسداد فى الشرايين ونقص الفيتامينات الأساسية ومشاكل فى القلب  و جلطة دماغية وتقرحات الفراش من طول الرقاد والتهابات شديدة فى المجارى البولية وارتجاع فى الصمام الأورطى واخيرا اختلال فى وظائف  أعضاء الجسم بما فى ذلك الفشل الكلوى  وبعد أن كنا نحلم معها ونقول (لسه الأمانى ممكنة ) إلا إنها أخيراً استسلمت فى حربها ضد تلك الأمراض , لتنتهى مأساتها وتٌخلد فى راحة أبدية بعد معاناة 36 عام لم تعرف خلالها غير العذاب والألم  رحم  الله إيمان وأسكنها فسيح جناته لتنعم بما لم تحظى به فى الدنيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق