الوقفة الأولى... استهلال.
ما حدا بي أن أقف هذه الوقفات هو الإسفاف والإسفاف المضاد والتحريض والمُضاد منه، حول سقوط العميد السوريّ عصام زهر الدّين خدمة للعلم السوريّ في مواجهة "الدواعش"، التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعيّ والمواقع، لما في ذلك من إثارة للفِتن أعتى أعدائنا والأشدّ من القتل كما جاء في القرآن الكريم.
لو كان اقتصر تعليق البعض من أيتام شيوخ المماليك على سقوط هذا الضابط على التعبير عن موقف من الدولة السوريّة وقيادتها والجيش العربيّ السوريّ وقادته، لقلنا هذا رأيهم وكلّ حرّ في رأيه، ولكن أن يلفّع هؤلاء موقفهم بالانتماء المذهبيّ لهذا القائد أو ذاك فهذا إسفاف مذهبيّ ووطنيّ وأخلاقيّ، ولا يختلف عنهم أولئك من الطرف الآخر الذين راحوا يكيلون لهم الصاع صاعين ومن نفس المنطلق المذهبيّ وبعضهم خدمةٌ لأسيادهم في المؤسسة الصهيونيّة.
غير أنّ الأنكى أن بعض المثقّفين الدروز والوطنيّين راحوا يدلون بدلائهم في النقاش، بمدوّنات على مواقع التواصل الاجتماعيّ وبيانات على المواقع الالكترونيّة لا تقلّ خطورة، وإن لفّعوها بغطاءات مختلفةِ النصوص والمنطلقات.
الوقفة الثانية... مع داود وتركماني وخُزام وزهر الدّين وآبائهم.
داود راجحة وحسن تركماني وعلي خزام وعصام زهر الدين أبناء للشعب السوريّ الواحد الموحّد بغالبيّته العظمى في وجه هذه الحرب القذرة، وهم جنود في الجيش العربيّ السوريّ أولا وقبل كلّ انتماء ولاديّ، وسقوطهم حول العلم لا يختلف عن سقوط أي نفر أو عريف أو رقيب في هذا الجيش الذي لم تعُد تعوزه شهادة أحد في البطولة والانتماء، الاختلاف الوحيد بينهم هو في الوَقْع والأثر الذي يتركه كلّ منهم، عند الأحبّاء وعند الأعداء.
وإن كان لا بدّ وحتّى يَسمع الشرفاء وحرصا على البُسطاء، فإذا عُدنا إلى استقلال سوريّة فنجد، يوسف العظمة (السّنّي) وابراهيم هنانو (الكرديّ السّنيّ) وصالح العلي (العلويّ) وحسن الخرّاط (السنّي) وفارس الخوريّ (المسيحي) وسلطان الأطرش (الدرزي)، وإن عرّجنا على تاريخ حركتنا الوطنيّة الفلسطينيّة فنجد أحمد طافش (الدرزيّ) وعز الدين القسّام (السنّي) وسلمان الغضبان (الدرزيّ) ونجد ميشيل متري (المسيحيّ) وعبد الرحيم حاج محمّد (السنّي).
هذا هو شعب سوريّة الكبرى بشمالها وجنوبها بشرقها وغربها، عروبته والدّفاع عنها فوق كل انتماء ثانويّ، كان وما زال وسيبقى، هذا الانتماء سدّ سابقا الطريق على شيوخ المماليك فلم يمرّوا ولن يمرّ أيتامُهم لا هناك في دير الزّور ولا هنا في الجليل، إذا أحسنّا نحن الأبناء اقتفاء أثر الثلّة أعلاه من الآباء.
الوقفة الثالثة...مع التاريخ وإعادةِ نفسه.
في كلّ حرب تعرّضت لهل سوريّة منذ نصف قرن، كان يبرز اسم ضابط "درزيّ" وما أشبه اليوم بالأمس، ففي حرب أكتوبر 1973م برز اسمان، نايف العاقل ورفيق حلاوة، أمّا الأول فقائد فرقة المغاوير التي حرّرت جبل الشيخ وأسرت عشرات الجنود الإسرائيليّين وجرّتهم إلى ساحات دمشق، وفي عام 1982م في حرب الطعن بالظهر للإخوان المسلمين على سوريّة، قاد معارك حماة. أمّا رفيق حلاوة فقد كان في العام 1973م قائد لواء المدرّعات في منطقة "حضر" وحين مالت الكفّة لصالح إسرائيل، اُمر بالانسحاب فرفض وظلّ متقدّما ولم يسقط قبل أن يوقف الزّحف الإسرائيلي، وهذا عصام زهر الدّين يبرز في هذه الحرب العدوانيّة "الأميرإسراليجيّة" على سوريّة.
لم يختلف هؤلاء عن عشرات لا بل مئات القادة السوريّين من رفاقهم لا في بطولاتهم ولا في سقوطهم دفاعا عن الحياض، الاختلاف الوحيد، والغريب بالمناسبة، هو التحريض الطائفي "المتقابل" الذي يرافق سقوطهم من ناحية، ومن أخرى والأنكى هو الالتقاء بين دسائس وسائل الإعلام الإسرائيليّة وأزلامها وحلفائها العرب وبعض المثقّفين الحاملين لواء العداء ل-"النظام السوريّ" ديموقراطيّة وحريّة، في خلاصات أسرع من البرق وكأن النظام هو من تخلّص منهم، هكذا ببساطة وبجرّة قلم على ورق أو ستاتوس على الفيس بوك!!!
الوقفة الرّابعة... مع الحكّ على بيت جَرب.
أستطيع أن أتخيّل الهناء الذي يعلو قسمات وجوه رجال الغرف المظلمة في المخابرات الإسرائيليّة و-"حذوك النعل بالنعل" الأخرى المتعاونة، وهم يقرأون المدوّنات والبيانات على الصّفحات الإلكترونيّة، ضاحكين ملء جحورهم كمن "يُحكّ له على بيت جَرب"، ولسان حالهم يقول: "ناب الكلب في جلد الخنزير".
هذا تماما ما يفعله المحرّضون من حيث يدرون أو لا يدرون، وبعضهم في سياقنا من حيث يدرون، في أيدي مفكّرينا وكتّابنا وقادتنا أن يقلبوا ضحكَ الأوائل عواءً من بين أنيابهم، وتحريض الأواخر ارتدادا إلى نحورهم، إن أحسنوا جميعا إغلاق أفواه أصحاب الستاتوسات وكل في موقعه ومن موقعه، ابن الناصرة في الناصرة وابن باقة في باقة وبن معليا في معليا وابن بيت جن في بيت جن !
القضيّة ليست سقوط هذا الضابط أو ذاك والتّشفي بموته وإنما حشر انتمائه المذهبيّ، واستغلال حتّى مثل هكذا أحداث عاديّة في الحروب، وجعلها موضوعا متناولا ومتداولا زرعا مقصودا ومع سبق الإصرار للفِتنة بين مكوّنات الشعب الواحد والأمّة الواحدة، خدمة مدفوعة الثّمن من إعداء العرب والعروبة.
لم يدخل يوما حياض العرب معتدٍ إلا حينما شرّع له مثل هؤلاء مثل هذه الأبواب !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق