محمود درويش الشاعر الفلسطيني العربي الكوني ، واحد أهم الشعراء الذين ينتمون الى شعر الثورة والحرية والوطن ، الذي ملأ سماء الابداع غناءً جميلاً ، وشعراً لا أجمل ولا أحلى ، وحول أغاني التيه الفلسطيني الى ملاحم مدهشة للعودة المؤجلة ، هذا الشاعر الرمز لم يكن شاعراً ومبدعاً فذاً فحسب ، بل كان ايضاً مفكراً يتميز بالعمق والأفق الواسع ، والرؤية الثاقبة ، والبصيرة النافذة .
ورغم انه خط وثيقة اعلان استقلال فلسطين ، ومن العائدين الى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ، الا أنه كان له موقفه المغاير والمختلف من اتفاق اوسلو ، الذي رأى فيه خطيئة أكبر من أن تغتفر ، ووصف خطوة الرئيس الفلسطيني التوقيع على هذا الاتفاق مع الكيان الاسرائيلي أنها مجازفة تاريخية . وقال أن نص اتفاق اوسلو مليئاً بالغموض الذي يخدم الأقوى ، أي الاحتلال الاسرائيلي .
ولذلك رفض درويش تأييد اعلان مبادىء اوسلو ، وقدم استقالته من عضوية المكتب التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ورفض الانضمام الى السلطة الفلسطينية وتسلم منصب وزير الاعلام في عهدي ياسر عرفات ومحمود عباس ، شأنه في ذلك شأن المناضل والمفكر الفلسطيني الكبير شفيق الحوت ، الذي آثر هو الآخر الخروج من منظمة التحرير الفلسطينية مع أنه كان أحد أعمدتها وأوتادها الإساسية ومن مؤسسيها الأوائل التاريخيين .
لقد تنبأ الراحل محمود درويش واستشرف بمأزق عملية التسوية السلمية الصعب ، حين قال : " اسرائيل تدير السلام بعقلية احتلالية دون الاعتراف بأن العرب شركاء لهم ، ورابين يمارس على الارض سياسة حزب الليكود ، دون أن يعطي فوارق ملموسة " .
وبين ذلك التاريخ ويومنا هذا مسافة زمنية ممتدة وطويلة غنية بالدلالات ، والوقائع على الارض لم يطرأ عليها اي تغيير يذكر ، سوى تراجع العمل الانتفاضي الشعبي الفلسطيني ..!
ان الفلسطينيبن يدفعون ثمناً باهظاً نتيجة اتفاق اوسلو الكارثي المشؤوم ، الذي بفعله استفحل الاستيطان ، وتم تهويد القدس ، ومحاصرة الاقصى ، وتدمير الزراعة واقتلاع اشجار الزيتون ومنع الفلاحين الفلسطينيين من الوصول الى اراضيهم لجني المحاصيل الزراعية ، وزج بالاف الفلسطينيين ، والعديد من القياديين الفلسطينيين في المعتقلات والزنازين الاحتلالية ، والسلطة بلا سلطة ، والدولة لا ارض لها ، وكما قال المفكر والمثقف الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد في كتابه عن اوسلو انه " سلام بلا ارض " .
وعدا عن ذلك فان الحكومة اليمينية الاسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو تتمادى في انهاك الشعب الفلسطيني نفسياً وقهرياً بشكل يومي ، وغيرت استراتيجية الحصار والتجويع والتدمير والاستيطان ، مما أدى الى تزايد العقبات والعواقيل ، وتولدت خيبات الأمل ، وبلغ اليأس والاحباط مداه في المجتمع الفلسطيني ، خاصة في ظل انسداد أي أفق للسلام نتيجة العنجهية والغطرسة الاسرائيلية ، ومحدودية عمل السلطة ، والانقسام البغيض في الصف الوطني الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس أكثر من عشر سنوات ونيف ، ونتج عن ذلك سياسة التشكيك والتخوين وهشاشة الموقف السياسي ، والمعاناة التي وصلت الى حد موجع ومؤلم .
وكان محمود درويش ترك وراءه وصية للرئيس الفلسطيني محمود عباس " أبو مازن " تختلف عن كل الوصايا المتروكة ، وفيها يطلب من أبي مازن أن يردد أمام الفريق الاسرائيلي المفاوض ،،وبوجه الضغوطات للادارة الامريكية في أي مفاوضات قادمة :
خذوا ارض أمي بالسيف .. لكنني
لن أوقع باسمي على بيع شبر من الشوك حول حقول الذرة .
كم كان محمود درويش صاحب رؤية ورؤيا ونظرة بعيدة الأمد ، فمثلما استشرف وتوقع ، فانه إصاب في نبوءته ونقده الرمزي لاتفاق اوسلو الكارثي ، ويؤكد ذلك الوقائع والحقائق على الارض ، حيث يتكرس الاحتلال للارض الفلسطينية . وكما قال الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي صاحب " رأيت رام الله " : " اتفاق اوسلو يشبه " جثة في البيت " كان ينبغي اخراجها ودفنها ، وقد تأخر كثيراً " .
والسؤال المطروح أخيراً : هل سيردد محمود عباس أمام الاسرائيليين والامريكيين ما طلبه محمود درويش في وصيته الأخيرة ..؟!!
الجواب : لا اعتقد أنه سيفعل !
**
مساهمة حول مواصفات رئيس السلطة المحلية !
بدأت الاستعدادات المبكرة لانتخابات السلطات المحلية ، التي ستجري في تشرين أول في العام القادم ٢٠١٨ ، واخذت العائلات والحمائل والاحزاب بعقد الاجتماعات لاختيار مرشحيها للرئاسة والعضوية ، وتم الاعلان عن عدد من الشخصيات التي ستخوض الانتخابات المقبلة ، عبر وسائل الاعلام المختلفة .
والواقع ان هناك استياءً عاماً من عمل المجالس المحلية والبلدية العربية ، وذلك نتيجة فشل الادارات السابقة ، وغياب التعاون ، وكثرة المناكفات الحزبية والعائلية التي تمنع اقرار الميزانيات وادت بالتالي الى تعيين المحاسبين المرافقين في عدد من المجالس المحلية .
وعليه فان نجاح السلطة المحلية بحاجة الى التكاتف والتعاون من قبل الجميع ، اهالي واعضاء ، ائتلاف ومعارضة ، وبالأخص على المواطن الذي يقع عليه الدور الأهم ، باختياره الصحيح الجيد والصالح لمن سيمثله في ادارة السلطة المحلية ، حيث انه من الضرو ري أن يبتعد المواطن عن مفهوم المصلحة الشخصية والذاتية التي تربطه بالمرشحين ، لأن السلطة المحلية ملك لجميع السكان ، وليست حكراً على هذه العائلة الممثلة في المجلس المحلي ، أو هذا الحزب أو ذاك ، فالاختيار الصحيح لمنصب رئاسة السلطة المحلية يجب أن يكون وفق المواصفات الصحيحة للرئيس ، وهي أن يكون قبل كل شيء مؤمناً بأن العمل البلدي هو عمل طوعي شاق ومرهق ، وليس الجلوس على الكرسي المريح الاورتوبيدي في غرفة مكيفة ، وانتظار آخر الشهر لقبض المعاش السمين الدسم .
ان المجلس المحلي أو البلدي هو مؤسسة أهلية تقدم الخدمات الاجتماعية والبيئية والصحية ، وتعمل على تطوير وازدهار وتنمية البلد في جميع المجالات ، وتحسين البنى التحتية وغير ذلك من خدمات .
ولذلك فان السلطة المحلية تحتاج الى شخصية قيادية قوية تتمتع بشخصية قوية وبكاريزما القيادة .
وايضاً من مواصفات الرئيس الناجح أن يكون على ثقافة ووعي ونزاهة ونطافة يد ، وادارياً انهى دورة في العمل الاداري ، قبل أن يتصف بأي لقب ، وأن يكون على المام ومعرفة تامة بقوانين وأنظمة ادارة الحكم المحلي ، ولديه قدرة على التخطيط المستقبلي لجميع النواحي الادارية والمالية والخدماتية ، وان يبتعد عن سياسة الأبواب المغلقة ، فالعمل البلدي يتطلب مشاركة الجميع من مواطنين وموظفين ، وان يكون ميدانياً وليس مكتبياً ، يضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار ، ويكون قادراً على اختيار البطانة الحقيقية الصالحة الجيدة ذات الكفاءات العالية من مستشارين ومساعدين واصحاب قرار .
اننا ونحن على اعتاب الترشيحات للسلطات المحلية ، يجب البحث عن الشخص الكفؤ المناسب ، الذي تهمه المصلحة العامة قبل المعاش والمحسوبيات وتوزيع الوظائف الشاغرة على اقربائه ومن انتخبوه ، الانسان المناسب في المكان المناسب ، لما فيه مصلحة البلد ومستقبلها وتطورها وازدهارها ، وان غداً لناظره قريب .
**
مساهمة حول مواصفات رئيس السلطة المحلية !
بدأت الاستعدادات المبكرة لانتخابات السلطات المحلية ، التي ستجري في تشرين أول في العام القادم ٢٠١٨ ، واخذت العائلات والحمائل والاحزاب بعقد الاجتماعات لاختيار مرشحيها للرئاسة والعضوية ، وتم الاعلان عن عدد من الشخصيات التي ستخوض الانتخابات المقبلة ، عبر وسائل الاعلام المختلفة .
والواقع ان هناك استياءً عاماً من عمل المجالس المحلية والبلدية العربية ، وذلك نتيجة فشل الادارات السابقة ، وغياب التعاون ، وكثرة المناكفات الحزبية والعائلية التي تمنع اقرار الميزانيات وادت بالتالي الى تعيين المحاسبين المرافقين في عدد من المجالس المحلية .
وعليه فان نجاح السلطة المحلية بحاجة الى التكاتف والتعاون من قبل الجميع ، اهالي واعضاء ، ائتلاف ومعارضة ، وبالأخص على المواطن الذي يقع عليه الدور الأهم ، باختياره الصحيح الجيد والصالح لمن سيمثله في ادارة السلطة المحلية ، حيث انه من الضرو ري أن يبتعد المواطن عن مفهوم المصلحة الشخصية والذاتية التي تربطه بالمرشحين ، لأن السلطة المحلية ملك لجميع السكان ، وليست حكراً على هذه العائلة الممثلة في المجلس المحلي ، أو هذا الحزب أو ذاك ، فالاختيار الصحيح لمنصب رئاسة السلطة المحلية يجب أن يكون وفق المواصفات الصحيحة للرئيس ، وهي أن يكون قبل كل شيء مؤمناً بأن العمل البلدي هو عمل طوعي شاق ومرهق ، وليس الجلوس على الكرسي المريح الاورتوبيدي في غرفة مكيفة ، وانتظار آخر الشهر لقبض المعاش السمين الدسم .
ان المجلس المحلي أو البلدي هو مؤسسة أهلية تقدم الخدمات الاجتماعية والبيئية والصحية ، وتعمل على تطوير وازدهار وتنمية البلد في جميع المجالات ، وتحسين البنى التحتية وغير ذلك من خدمات .
ولذلك فان السلطة المحلية تحتاج الى شخصية قيادية قوية تتمتع بشخصية قوية وبكاريزما القيادة .
وايضاً من مواصفات الرئيس الناجح أن يكون على ثقافة ووعي ونزاهة ونطافة يد ، وادارياً انهى دورة في العمل الاداري ، قبل أن يتصف بأي لقب ، وأن يكون على المام ومعرفة تامة بقوانين وأنظمة ادارة الحكم المحلي ، ولديه قدرة على التخطيط المستقبلي لجميع النواحي الادارية والمالية والخدماتية ، وان يبتعد عن سياسة الأبواب المغلقة ، فالعمل البلدي يتطلب مشاركة الجميع من مواطنين وموظفين ، وان يكون ميدانياً وليس مكتبياً ، يضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار ، ويكون قادراً على اختيار البطانة الحقيقية الصالحة الجيدة ذات الكفاءات العالية من مستشارين ومساعدين واصحاب قرار .
اننا ونحن على اعتاب الترشيحات للسلطات المحلية ، يجب البحث عن الشخص الكفؤ المناسب ، الذي تهمه المصلحة العامة قبل المعاش والمحسوبيات وتوزيع الوظائف الشاغرة على اقربائه ومن انتخبوه ، الانسان المناسب في المكان المناسب ، لما فيه مصلحة البلد ومستقبلها وتطورها وازدهارها ، وان غداً لناظره قريب .
**
شيابنا العرب الى أين ..!!
يعيش شبابنا العرب وضعاً مثيراً للقلق بفعل حالة التغريب الفكري والتسيب والانحدار الاخلاقي والفوضى العارمة الحاصلة في مجتمعنا ، ونتيجة ثقافة العولمة الاستهلاكية الواقدة الينا .
ومن يواكب أوضاع الشباب العرب من الناحية الثقافية يرى بأم عينيه حالة الاسترخاء الثقافي ، والغياب الملموس في الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي العام ، رغم الفرص المتوفرة والمتاحة لهم في ايامنا .
ان شبابنا لا يشاركون في الندوات الثقافية والادبية والسياسية الا النزر القليل ، وجل المشاركين فيها من كبار السن الذين تعودوا على حضور مثل هذه الندوات ، والذين عايشوا التحولات والتغييرات التي طرأت على وضع مجتمعنا ، لكنهم بقيوا على ارتباط وثيق بهذه الندوات كجزء لا يتجزأ من عالمهم وعاداتهم .
الكثير من شباب اليوم لا هم لهم سوى المنافسة على آخر صرعات الموضة دون أي وازع أخلاقي أو معيار اجتماعي ، فترى أمامك البنطلونات الممزقة ، والملابس الخليعة ، والاجساد العارية ، وقصات الشعر والصبغات الغريبة ، وباتت حياتهم تقتصر على الأكل السريع ومشروبات الطاقة وارتياد مقاهي النرجيلة ، ولقاءاتهم تافهة لا تتعدى آخر أنواع السيارات والهواتف النقالة ومباريات كرة القدم في العالم ليس الا ، وعادة تنتهي هذه اللقاءات بشجار ..!!
اننا لا نريد الا شباباً طامحين ، لا يرتضون الا ذرى الجبال مطية لهم ، وجسر التعب ليصلوا الى الراحة الكبرى ، الى رياض الخير والبركة ، وعلى طريق الاخلاق والقيم والهدى .
فرقي الأمم والشعوب في مجالات الحياة كافة يبدأ بالشباب ، فهم عماد الأمة ، وأمل الحاضر ، ورجال الغد ، وتربية الشباب ليست سهلة ، ولا هينة ، وانما تحتاج الى رعاية ومتابعة دقيقة من الآباء والعاملين الاجتماعيين والمستشارين التربويين والاخصائيين النفسيين ، ومن الضروري أن يبدأ الأهل والمربون في اعداد وتهيئة الشباب منذ الطفولة ، والاستمرار في هذا الاعداد السليم والصحيح ، حتى يشتد عود الطفل ويبلغ مداه في مرحلة النضوج الفكري والعقلي والعملي .
وينبغي على المربين تريية طلابهم على اساس خالص من الشوائب ، واول شيء زرع القيم الاخلاقية ، وغرس روح العطاء والتطوع وحب الثقافة والمعرفة في نفوسهم وعقولهم ، وتعزيز الثقة لديهم ، فثقة الطالب او الشاب هي التي تجلب له الاحترام من الغير .
يجب ان يكون طموح شبابنا وتطلعهم الى المثل العليا السامية ، فالشباب بلا طموح كشجرة لا تزهر وبالتالي لا تثمر ، افلم يقل الشاعر :
شباب قنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا
ولتسمحوا لي استبدال كلمة " قنع " بكلمة " خنع " فهي الاكثر وصفاً للكثير من شباب اليوم .
واخيراً ، نريد شباباً ليكونوا قدوة ، ويسيروا على نهج الصالحين ، ويتخذوا من ثقافة الاستنارة سلاحاً لهم يمتشقوه في معارك الحياة الحضارية .
**
صورة قلمية
زارني الليلة في منامي وحلمي أخي الأديب المتثاقف المرحوم نواف عيد حسن ، فقمت واعددت له فنجاناً من الشاي والميرامية اعتاد أن يشربه في ليالي الصيف على ضوء القمر على ساحة بيتي ، فحدثني قائلاً : منذ اربعة عشر عاماً ونيف غادرت الحياة الى دنيا وعالم الخلود بعد ان اصابني نزيف دماغي حاد ، وطوال هذه السنوات كنت بمفردي ، لا صديق ، ولا أنيس ، ولا مثقف أفهم عليه ويفهم علي ، فجيراني تحت التراب بعيدون عن عالم الثقافة والأدب ولا يعرفون من هي " عناة " ولا " كنعان " سوى ابن عمي محمد طه حسن ، الذي دفنوه بعيداً عني ، وهو الذواقة وعاشق لغة الصاد الذي لو اكمل دربه في عالم الكتابة لكان له شأن كبير في هذا الميدان ، حيث كان قاصاً مجيداً ، وبذلك بقيت وحيداً اندب حظي ، انتظر احداً من رفاق الدرب الذين كانوا شركاء لي في الهم والقلق والمعاناة الوجودية ، وكم غمرتني السعادة حين علمت بقدوم صديقي وحبيبي الشاعر والمفكر أحمد حسين " أبو شادي " آخر الكنعانيين ، الذي كنت ادرك وافهم معنى ومغزى قصيدته أكثر منه على حد قوله ، فحكى لي عن داعش والحب الدمشقي وانتصار سوريا على اعدائها الاشرار ، وعن الدحية واختفاء الديراوية التي كنت اطرب لها ويتراقص قلبي مع نغماتها ، وعن توقف " الآداب " اللبنانية عن الصدرر ، التي كنت من قرائها المثابرين والباحثين عن اعدادها وممن حظيوا بمجلداتها في مكتباتهم ، وابلغني ان ابنائي تبرعوا بمكتبتي الثرية والغنية بالعناوين والمؤلفات والمطبوعات النادرة لمكتبة كلية القاسمي في باقة الغربية ، وحدثني ايضاً عن أهل بلدي وعن أصدقائي ممن بقيوا على قيد الحياة ، وقال أن صديقك الأكثر وفاءً ومحبة والأقرب الى روحك الشاعر سعود الاسدي أصابه ما أصابني من جلطة دماغية ، شلت قدراتنا على المشي ، ومنعته من التجوال والسوح بين الغابات في صفورية بحثاً عن نبتة " الهليون " ، ولم يشفع له ولم يسعفه أنه يتناول الثوم كأكثر شخص في البلاد . وقد حملني سلامه وعبر له عن شوقه لي ، واعطاه مجموعة كتبه التي اصدرها في الأعوام الأخيرة ، وباقة من اشعاره الغزلية الوجدانية الفاتنة ، وقصائده الرعوية الجميلة التي لم يتسن لي ان اطلع عليها قبل النشر وابداء رأيي فيها ، لعلي اجد فيها متنفساً في وحدتي ، واعطاه أمانة كبيرة وهي اسطوانات موتسارت وبيتهوفن التي طالما استمعنا اليها كثيراً ، وقرأ أمامي قصيدته التي رثاني فيها يوم رحيلي ، فيا لفرحي وسعادتي بقدوم صديقي " أبو شادي " ، وما كان منه الا أن ودعني وعاد الى صومعته تحت التراب .
يعيش شبابنا العرب وضعاً مثيراً للقلق بفعل حالة التغريب الفكري والتسيب والانحدار الاخلاقي والفوضى العارمة الحاصلة في مجتمعنا ، ونتيجة ثقافة العولمة الاستهلاكية الواقدة الينا .
ومن يواكب أوضاع الشباب العرب من الناحية الثقافية يرى بأم عينيه حالة الاسترخاء الثقافي ، والغياب الملموس في الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي العام ، رغم الفرص المتوفرة والمتاحة لهم في ايامنا .
ان شبابنا لا يشاركون في الندوات الثقافية والادبية والسياسية الا النزر القليل ، وجل المشاركين فيها من كبار السن الذين تعودوا على حضور مثل هذه الندوات ، والذين عايشوا التحولات والتغييرات التي طرأت على وضع مجتمعنا ، لكنهم بقيوا على ارتباط وثيق بهذه الندوات كجزء لا يتجزأ من عالمهم وعاداتهم .
الكثير من شباب اليوم لا هم لهم سوى المنافسة على آخر صرعات الموضة دون أي وازع أخلاقي أو معيار اجتماعي ، فترى أمامك البنطلونات الممزقة ، والملابس الخليعة ، والاجساد العارية ، وقصات الشعر والصبغات الغريبة ، وباتت حياتهم تقتصر على الأكل السريع ومشروبات الطاقة وارتياد مقاهي النرجيلة ، ولقاءاتهم تافهة لا تتعدى آخر أنواع السيارات والهواتف النقالة ومباريات كرة القدم في العالم ليس الا ، وعادة تنتهي هذه اللقاءات بشجار ..!!
اننا لا نريد الا شباباً طامحين ، لا يرتضون الا ذرى الجبال مطية لهم ، وجسر التعب ليصلوا الى الراحة الكبرى ، الى رياض الخير والبركة ، وعلى طريق الاخلاق والقيم والهدى .
فرقي الأمم والشعوب في مجالات الحياة كافة يبدأ بالشباب ، فهم عماد الأمة ، وأمل الحاضر ، ورجال الغد ، وتربية الشباب ليست سهلة ، ولا هينة ، وانما تحتاج الى رعاية ومتابعة دقيقة من الآباء والعاملين الاجتماعيين والمستشارين التربويين والاخصائيين النفسيين ، ومن الضروري أن يبدأ الأهل والمربون في اعداد وتهيئة الشباب منذ الطفولة ، والاستمرار في هذا الاعداد السليم والصحيح ، حتى يشتد عود الطفل ويبلغ مداه في مرحلة النضوج الفكري والعقلي والعملي .
وينبغي على المربين تريية طلابهم على اساس خالص من الشوائب ، واول شيء زرع القيم الاخلاقية ، وغرس روح العطاء والتطوع وحب الثقافة والمعرفة في نفوسهم وعقولهم ، وتعزيز الثقة لديهم ، فثقة الطالب او الشاب هي التي تجلب له الاحترام من الغير .
يجب ان يكون طموح شبابنا وتطلعهم الى المثل العليا السامية ، فالشباب بلا طموح كشجرة لا تزهر وبالتالي لا تثمر ، افلم يقل الشاعر :
شباب قنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا
ولتسمحوا لي استبدال كلمة " قنع " بكلمة " خنع " فهي الاكثر وصفاً للكثير من شباب اليوم .
واخيراً ، نريد شباباً ليكونوا قدوة ، ويسيروا على نهج الصالحين ، ويتخذوا من ثقافة الاستنارة سلاحاً لهم يمتشقوه في معارك الحياة الحضارية .
**
صورة قلمية
زارني الليلة في منامي وحلمي أخي الأديب المتثاقف المرحوم نواف عيد حسن ، فقمت واعددت له فنجاناً من الشاي والميرامية اعتاد أن يشربه في ليالي الصيف على ضوء القمر على ساحة بيتي ، فحدثني قائلاً : منذ اربعة عشر عاماً ونيف غادرت الحياة الى دنيا وعالم الخلود بعد ان اصابني نزيف دماغي حاد ، وطوال هذه السنوات كنت بمفردي ، لا صديق ، ولا أنيس ، ولا مثقف أفهم عليه ويفهم علي ، فجيراني تحت التراب بعيدون عن عالم الثقافة والأدب ولا يعرفون من هي " عناة " ولا " كنعان " سوى ابن عمي محمد طه حسن ، الذي دفنوه بعيداً عني ، وهو الذواقة وعاشق لغة الصاد الذي لو اكمل دربه في عالم الكتابة لكان له شأن كبير في هذا الميدان ، حيث كان قاصاً مجيداً ، وبذلك بقيت وحيداً اندب حظي ، انتظر احداً من رفاق الدرب الذين كانوا شركاء لي في الهم والقلق والمعاناة الوجودية ، وكم غمرتني السعادة حين علمت بقدوم صديقي وحبيبي الشاعر والمفكر أحمد حسين " أبو شادي " آخر الكنعانيين ، الذي كنت ادرك وافهم معنى ومغزى قصيدته أكثر منه على حد قوله ، فحكى لي عن داعش والحب الدمشقي وانتصار سوريا على اعدائها الاشرار ، وعن الدحية واختفاء الديراوية التي كنت اطرب لها ويتراقص قلبي مع نغماتها ، وعن توقف " الآداب " اللبنانية عن الصدرر ، التي كنت من قرائها المثابرين والباحثين عن اعدادها وممن حظيوا بمجلداتها في مكتباتهم ، وابلغني ان ابنائي تبرعوا بمكتبتي الثرية والغنية بالعناوين والمؤلفات والمطبوعات النادرة لمكتبة كلية القاسمي في باقة الغربية ، وحدثني ايضاً عن أهل بلدي وعن أصدقائي ممن بقيوا على قيد الحياة ، وقال أن صديقك الأكثر وفاءً ومحبة والأقرب الى روحك الشاعر سعود الاسدي أصابه ما أصابني من جلطة دماغية ، شلت قدراتنا على المشي ، ومنعته من التجوال والسوح بين الغابات في صفورية بحثاً عن نبتة " الهليون " ، ولم يشفع له ولم يسعفه أنه يتناول الثوم كأكثر شخص في البلاد . وقد حملني سلامه وعبر له عن شوقه لي ، واعطاه مجموعة كتبه التي اصدرها في الأعوام الأخيرة ، وباقة من اشعاره الغزلية الوجدانية الفاتنة ، وقصائده الرعوية الجميلة التي لم يتسن لي ان اطلع عليها قبل النشر وابداء رأيي فيها ، لعلي اجد فيها متنفساً في وحدتي ، واعطاه أمانة كبيرة وهي اسطوانات موتسارت وبيتهوفن التي طالما استمعنا اليها كثيراً ، وقرأ أمامي قصيدته التي رثاني فيها يوم رحيلي ، فيا لفرحي وسعادتي بقدوم صديقي " أبو شادي " ، وما كان منه الا أن ودعني وعاد الى صومعته تحت التراب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق