مقالتكم وصلتني هذا اليوم بعنوان " حقيقة عصرنا : الرأسمالية طريق للتطور والديمقراطية "
أنا لستُ مثلك ضليع ومتمرّس في هذه الأمور بعد أنْ فاتني زمني ولعب بي ( الشوملي ) ... لذا ومع ذلك ورغم كل ذلك أستطيع توجيه بعض الأسئلة والملاحظات ذوات الصلة عسى أنْ أحظى بما يُشفي من إجابات وتوضيحات لا ريبَ أنك قادر ومحيط بها.
قبل كل شئ أود أنْ أثبّت رأيي وقناعتي المعززة بشواهد وأحداث التأريخ المعاصر وما قبل المعاصر أنَّ الدمقراطية هي وسيلة وما كانت غاية لذاتها وبذاتها أبداً وبالصدد الذي نحن فيه اليوم أعني أنها خادمة وعبدٌ مأجور مطيع خلقتها الرأسمالية وكبار طُغاة الرأسماليين في البلدان الرأسمالية وتنادوا ونسقوا وشرّعوا القوانين ودستروا الدساتير لغاية واحدة : لإدامة الرأسمالية وضمان بقائها في أيدي كبار طغاتها وأباطرتها. وماذا عن التنمية والرخاء الإقتصادي للشعوب وفائض القيمة ؟ للأستاذ عودة رأي خاص واجتهاد خاص غريب بشأن فائض القيمة هو أنها تصب في هدف التنمية ومن ثم تطور الدمقراطية بتطور الرأسمالية والنمو الإقتصادي وفائض الإنتاج.
ليست موضوعة القيمة الزائدة من إختراع ماركس بل سبقه إليها علماء إقتصاد معروفون هم سميث وريكاردو وموركان ربما. سؤالي المِلحاح أبداً : كيف تنمو وتتطور الدمقراطية بنمو وترسّخ الرأسمالية ووفرة الإنتاج وتوسيع الحريات والآمان لمواطني هذه الرأسماليات ؟ سؤالي الآخر : هل المقراطية في أمريكا مُصممة للشعب الأمريكي فقط دون بقية شعوب الأرض بل ولفئة معينة من هذا الشعب ؟ كم من الزمن بقي الأمريكان من ذوي الأصول الإفريقية عبيداً من غير حقوق يمارسها البيض في أمريكا ؟ هل دمقراطية أمريكا الشمالية تبيح لها غزو واستغلال وقتل الشعوب الأخرى وهذا ما حصل وما زال يحصل وأمامنا الكثير من الشواهد والأمثلة منها العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا وما حصل لليابان وضربها بالقنابل الذرية في شهر آب 1945 ثم الحرب الكورية وفيتنام ؟ أهذه هي الدمقراطية في أمريكا وسبق وأن عاصرنا زمان دمقراطية الإنكليز سواء في الشرق الوسط أو شبه القارة الهندية ودمقراطية فرنسا في الجزائر ثم في سوريا.
يجب أنْ تكون الدمقراطية ظاهرة كونية عابرة للقارات غير قابلة للتجزئة إلى مقاسات ومواصفات موسمية مطاطة تأخذ لوناً معينا وبُعداً مُحدداً هنا يختلف عمّا تأخذ من ألوان وأبعاد في مكان وبلد آخر وزمان آخر وإلاّ فإني لا أراها إلاّ مسرحية هزلية قرة قوزيّة تخرجها الرأسماليات الكبرى وفق ما تتطلب مصالحها الستراتيجية العسكرية والإقتصادية والمالية ثم السياسية. أنت أستاذ نبيل عودة مقيم في الأرض المحتلة ومن فلسطينيي عام 1948 ... هل تمارس ما يمارس غيرك من مواطني إسرائيل من حقوق ؟ هذا وجه آخر من الوجوه الكثيرة لما يُسمّى بالدمقراطية التي وصلت إسرائيل من الغرب في عام 1948.
أتت الرأسماليةُ العالمَ أولاً ثم أتت الدمقراطية لاحقةً ومتممةً وخادمة لها تُعرّص وتنافق وتدجّل وتزني لكي يٌقال إنها مُعافاة وبخير ما دامت الرأسمالية بخير وصحّة وعافية إنتاجها وفير والخدمات متوفرة وبناء القواعد العسكرية برّاً وبحراً وجوّاً قائم على قدم وساق سوادَ الليل وآناء النهار وشعوب الأرض تنحني وتُنيخ وتُنعم بما تستورد حكوماتها من سلع وبضائع وأسلحة ودمار متنوع الأشكال والسمات. الحرية لشعوب أمريكا وفرنسا وبريطانيا والتأخر والخراب والدمار وخسران الأراضي بالإحتلال وبالتمدد الإستطياني من نصيبنا في زمن التوحش الرأسمالي وجنّات نعيم دمقراطيات العُهر والتعريص حيث البشر سلع رأسمالية للإيجار وللبيع والشراء والتشرّد والغرق في بحار الدنيا هرباً من ظلم وجوع وفقدان ( الدمقراطية ) في إفريقيا وآسيا والشرق الأقصى خاصةً.
تتكلم أخي نبيل كأنك لست من هذا الشرق الأوسط العربي وكأنك لست الفلسطيني النجيب المخلص والمثقف الواعي الذي عانى ما عانى من حيف وظلم جرّاء التفرقة العنصرية والإثنية والقومية لا أدري ماذا جنيتَ من هذه الدمقراطية التي روّجتَ في مقالك الأخير هذا لها وهل يساويك نتنياهو بالمهاجر الروسي الأصل وزير خارجيته الحالي ليبرمان من حيث الحقوق والواجبات علماً أنك فلسطيني أصيل وابن فلسطيني أصيل من الناصرة ؟
الدمقراطية وسيلة وضيعة لخدمة أغراض وأهداف أسطورية خرافية لتخليد وإدامة وسيطرة سلطان الرأسمال حتى قيام قيامة السيد المسيح. أمريكا خاصة تحاول تأسيس ما لا يمكن تأسيسه لأنها تؤسس لنظام رأسمالي كوني ثابت مكين على رقعة من الأرض ليست ثابتة وزمانها زمن حر ثابت الحركة والتغيّر لا سيطرة لبشر عليها جميعاً ومن يزعم خلاف ذلك معتوه مجنون موسوس يحلم بالمستحيل وهذا بالضبط هو شأن عُتاة الرأسمالية وخاصة الأمريكان منهم . لا دوامَ للرأسمالية مهما قيل عن الدمقراطية ومهما أوّل وتفلسف المصابون بسعار التمدد السرطاني للإستحواذ ثم الإستحواذ ومراكمة الثروات المالية والعقارية وتأسيس المزيد ثم المزيد من الشركات والبنوك والإستثمارات في البلدان الأخرى وحمّى تجارة الأسلحة وإقامة الأحلاف العسكرية والسياسية. لا نصرَ حاسماً ومكيناً للرأسمالية ما دامت الأرض دائبة على الحركة يتحكم في حركتها قانون التجاذب المتبادل بينها والشمس ضمن قوانين مجرّتنا الشمسية . لا ثبات لقدم على رمال متحركة ولا ثبات لنظام لا علاقة له بطبيعة مادة الكون وقوانين هذا الكون. لم تكد الولايات المتحدة الأمريكية تتفرد في العالم قطباً أوحدَ حتى وجدت نفسها أمام قطبين عملاقين آخرين وستواجه لا شكَّ أقطاباً أُخَرَ فلتتأهب للتنازل والنزول ... النزول وليس الزوال فهذا غير ذاك.
قننت الرأسماليةُ الدمقراطيةَ ووضعتها في قوالب دعتها قوانين تحتويها دساتير. طيّب ، ألا تغيّر الأنظمة الرأسمالية هذه القوانين والدساتير بين حين وآخر لظروف ومستجدات تستدعيها أنْ تقوم بهذه التغييرات ؟ هل منعت دمقراطية أمريكا الرئيس السابق نيكسون من ممارسة التجسس على تلفونات منافسه الرئاسي ؟ هل منعت هذه الدمقراطية من تزييف الإنتخابات التي خاضها بوش الإبن ضد منافسه ؟ هل منعت أمريكا من غزو العراق وليبيا واليمن وتدمير سوريا بجيوش مرتزقتها المعروفين وتمويل بعض أصدقائها وحلفائها في المنطقة ؟ أهذه دمقراطيتهم أم لهذه وجوه شتّى أخرى مهيأة أنْ تلعب أدواراً متباينة شتّى حسب قانون العرض والطلب الرأسمالي ؟
كيف تتطور الدمقراطية بتطور الرأسمالية وزيادة الإنتاج وتضخم فائض القيمة أو القيمة الزائدة
Surplus Value?
هل المملكة السعودية بلد فقير ويخلو من التنمية الرأسمالية والسعوديون فيها فقراء معوزون ؟ لِمَ إذاً يفتقر هذا البلد الذي يوزع وينفق المليارات إلى أبسط أشكال وممارسات الدمقراطية التي يعرفها الجميع ؟ ما التفسير ؟ قد يقول قائلٌ نعم، السعودية بلد رأسمالي ثري بالنفظ وبعض المعادن كالذهب مثلاً لكنه رأسمالي إستيراد لا إنتاج وأغلب عماله من الأجانب فكيف ينمو ويتطور رأسمالياً ؟
أتكلم عن أمريكا الشمالية : أرى المعادلة فيها معكوسة ، أعني كلما ازدادت الرأسمالية فيها تطوراً وشراسة وتمادت طبيعتها السرطانية كلما ازداد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل وتوسعت الهوّة بين هؤلاء وطواغيت المال ورجال الصناعة والتجارة والإعلام وتغوّلت السياسة الأمريكية وتفاقم جنون عظمتها وهوس الغزو والتوسع ومرض إقامة المزيد من القواعد العسكرية وحصار شعوب بأكملها وفرض عقوبات جائرة عليها وأمامنا أمثلة يعرفها القاصي والداني مثل كوبا وروسيا وسوريا وإيران والعراق زمان صدام حسين ولا ننسى اليوم كلاً من كوريا الشمالية واليمن.
أخي نبيل : أرجو أنْ تصمم على فك الإرتباط الذي أقمتَ بين الدمقراطية ( وهي لُعبة رأسمالية ) والرأسمالية التي أسئَ استعمالها وانحرفوا بها لتخدم غير أغراضها الإنسانية العادلة وأوردوها موارد التآمر والهلاك. مفهوم كيف وتحت أية شروط تتطور الرأسمالية كنظام إقتصادي ـ سياسي ـ إجتماعي ولكن أرجو عزيزي النبيل أنْ تبين كيف تتطور الدمقراطية بمعزل عن سيّدتها ومخدومتها وولية أمرها : الرأسمالية ؟ تتطور إلى ماذا ؟ إلى المزيد منها كمّاً أو تنويعها كيفاً على طريقة الأغنية " كتّرلو كترلو من حبّك كترلو ... " ؟
من يقرأ مقال الأستاذ نبيل عودة يفهم على الفور أنَّ الرجل يروّج للرأسمالية في مشرقنا العربي ويراها السبيل الأمثل والأوحد لإشاعة وترسيخ الدمقراطية في بلدان هذا المشرق أي لا دمقراطية بدون رأسمالية ! قد لا يهضم هذه النظرية مَنْ يعرف أنَّ الرجل الأخ نبيل عودة قد أمضى أحلى سنيِّ عمره ناشطاً ماركسيّاً سواء عضواً في حزب شيوعي أو طالباً في أحد معاهد الإتحاد السوفييتي السابق. قناعاته مسؤوليته الخاصة لا أحدَ يتدخل فيها وكذلك خياراته العقائدية والسياسية لكنني أناقشه بما قال وحسبما أجتهد وأعرض ما قد لا يرى أو يرى لكنه لا يقتنع بما يرى سواه وحريته في التفكير والتعبير مكفولة وعلى العين والرأس ويبقى الأخ العزيز والكاتب القدير والجدير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق