سيدة لبنان وجارة القمر في عيد ميلادها/ إبراهيم مشارة

قرأت مرة للراحل محمود أمين العالم أنه عندما يستمع إلى فيروز يحب الحياة أكثر، ترى من أين اقتبست ذلك الصوت الملائكي الذي ينبعث من حنايا الأبدية فيلامس شغاف القلب ويمسح على الروح بيد من كريستال تعيد إليها بلوريتها وشفافيتها ياسيدة لبنان؟ 
تميزت في الغناء مع الرحابنة عن عبد الوهاب وأم كلثوم بشكل يقترب من الموسيقى الغربية التي لا تنسى جذورها الشرقية أو نسيت يا سيدة فنيقيا أنكم من أعطى أروبا اسمها أليست أروبا فتاة فينيقية هربت إلى هذه القارة فلحق بها أخوها قدموس ليستردها فماتت هناك فسميت هذه القارة على اسم الفتاة الفينيقية؟ 
غنيت للحب ولجمال لبنان وأرزه وللفصول وللطائر حتى أحييت ما نسيناه من روائع سيد درويش “طلعت يا محلا نورها” وغنيت للقدس بوجه كالح لا يعرف الابتسامة فكانت الأجيال تصيخ السمع وتذرف الدمع وتذوب القلوب لوعة على تموجات صوتك ونظراتك المستنهضة الرافضة كأنك تريدن تحرير القدس بصوتك وتطردين الغاصبين بغنائك؟ 
إن الفرق بينك وبين مغنيات اليوم أن أصواتهن عورات يخصفن عليها من ورق الأجهزة الحديثة أما صوتك فتنحي له كل الأجهزة ليتطامن فريدا فيروزيا جميلا خالدا لا يشيب ولا يهرم وكم تودد إليك رويبضة في الفن على عالميته فرفضت بإباء أن تغني معه لأن ذلك إهانة للمتنبي وأبي فراس وجميل بن معمر وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأنت داخلة إلى معبد الخلود لتقرأعنك الأجيال كما نقرأ اليوم عن ابن سريج وعائشة وزرياب وإسحق الموصلي لهذا لا يختلط التبر بالتراب ولا تنحني السماء للأرض فمن عاش مع القمم لا يرضى صحبة النجاد، وفي عامك الثاني والثمانين تقفين كأيقونة شرقية خالدة لمعنى الإنسانية والفن الراقي والتسامح بين الثقافات وما أعجبني فيك سيدتي الخالدة تقديرك لفنك واستمراريتك وعدم تراجعك لأنك على صواب داعية إلى الفضيلة والرقي والحياة فعلام تتراجعين؟ وهو نفس الموقف الذي اتخذه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فقد لقيه العالم الفاضل الدكتور مصطفى محمود وهما في أرذل العمر فقال مصطفى لمحمد: هو أنت حتلاقي ربنا بشوية موسيقى؟ 
فقال عبد الوهاب بكل ثقة :نعم وأدخل الجنة إن شاء الله، أقول هذا لجحافل المفكرين الذين يغيرون جلودهم كل يوم ويتقلبون بين اليمين واليسار وللفنانين الذين اخترعوا لنا بدعة التوبة إن الفن الراقي من المفروض أن يمارسه الإنسان من المهد إلى اللحد ولا تراجع عنه وذاك هو الدرس الذي قدمته لجحافل المستمعين أو حتى الرافضين بخلفية ما. تحية إليك في عرشك في بيروت ولن أجد في وصف قوة ونفاذ صوتك أجمل من قول ابن الرومي في وحيد المغنية”
تتغنى كأنها لا تغني من
سكون الاوصال وهي تجيد
مد الله في عمرك فقد تفيأنا ظلال صوتك في صحراء الحياة ونهلنا من نبع موسيقاك في هجير الأيام وذلك أدنى ما يقدم إلى أمثالك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق