السؤال المٌحِق والمُلِحْ والذي يُفرَض علينا جميعاً ان نطرحه على أنفسنا هو: ما هي الخطوه القادمة التي يخطط لها حلف الأعداء ضد القضية الفلسطينيه وضد الشعب الفلسطيني ومصالحه وضد هؤلاء الشرفاء من أشخاص وحركات ودوّل، الذين يقفون الى جانب الشعب الفلسطيني في كفاحه من اجل تقرير مصيره واسترجاع وطنه المغصوب وعوده لاجئيه؟
من الخطأ ان نعتقد بان بالاعتراف بالقدس، بشقيها الغربي والشرقي، عاصمة اسرائيل قد فَرَٓغت سلة الأهداف الصهيونيه ضد الشعب الفلسطيني وأصبحت خاليه وتحققت احلامهم وانتهى مشروعهم الذي بدأ تطبيقه عمليا بوعد بلفور قبل مئة عام … العقل الصهيوني، هكذا علمنا التاريخ وهكذا علمنا علم سياسة قراءة الواقع وتمحيصه، هو عقل كولونيالي استعلائي جشع لا يستكفي بالربح ضد "أعداءه" بل يسعى داءما الى تركيعهم واذلالهم… وهذا العقل لا يكتفي بإنصاف الأمور ولا بإنصاف الحلول وهذا العقل بأكثريته العدديه لا يقبل المحاصصة بينه وبين خصومه، بمفهومه الكاوبويي طبعاً … من هذه المنطلق اعتقد ان بعد معركة القدس سيُفْتَح باب التوطين للاجئين الفلسطينيين في دول الطوق وأوروبا بالتحديد لاستكمال المشروع الصهيوني.
لماذا هذا؟ وكيف؟ وبأية اليه؟ وهل سننصاع ونرنخ أم سوف نقاوم ونتشبث بالحقوق ؟ كل هذه الأسئلة محقة وفِي موقعها ووقتها الصحيحين …
بقي ان ننوه بداية وقبل ان نبدأ بقراءة الواقع السياسي والاستراتيجي للمشروع الصهيوني وتحليله بعد الاعتراف "بالقدس الموحدة" عاصمة لإسرائيل، الى ان مقاومة ما يحصل الان هو حماية لما تبقى من قضية الامه ألعربيه… والمقاومة المدروسه والمحكومة ببرنامج سياسي واضح والبعيده عن استراتيجية فش الخلق الشرقي هي دفاعاً عن الحق الذي يجب ان يبقى حياً حتى احقاق الحق … ومن يتقبل ما صاغه وحاكه ترامب للقدس وتنفذه اسرائيل على الارض، هذا هو من أنزلق الى وسط الشبكه وأصبح فريستهم السهله وهذا سوف يتقبل دون أدنى شك ما يأتي بعد القدس من مصائب وخطط!
وعودة بِنَا الى جوهر المقال… لماذا نتوقع هجوماً صهيوامريكي مدعوم عربياً على حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفتح مشاريع توطينهم في بعض دول الإطار ودوّل اخرى بالعالم تحديدا في غرب اوروبا؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من عوده سريعة الى تاريخ الحمله الاستعماريه الصهيونيه في فلسطين… الحمله التي بدأت بادعاء كاذب "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" كانت محاولة لإنكار وجود بشر يقطنون ارض فلسطين ألعربيه منذ مئات السنين ويملكونها قانونياً أباً عن جد دون انقطاع بعمرانهم وتجارتهم وزراعتها وحضارتهم وازدهارهم…بعد ان انكشف كذب اباء الصهيونيه وأدرك من انجر لكذبهم من اليهود بان فلسطين لم تكن يوماً خاليه انقلب البعض على الصهيونيه كما فعل مارتن بوبر، وهنا ارند وغيرهم من يهود أوروبا وبدأ الكشف عن خططهم لتهجير أهل البلد الأصليين واقتلاعها من مدنهم وقراهم والاستيلاء بالقوه على ممتلكاتهم كما كشف عنه كل من المؤرخ اليهودي الان بابيه والمؤرخ الفلسطيني نور الدين مصالحه في كتبهم العديده حول التطهير العرقي والاجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وجرائم حربهم ومجازرهم ضد الشعب الفلسطيني… بعد فشلهم بالتطهير العرقي الكامل لأهل البلد الأصليين وبقاء حوالي مئة وخمسون الف في حدود الدوله الصهيونيه تحول الخطاب الصهيوني من إنكار وجود الشعب الفلسطيني الى الكلام عن "عرب" أتوا من الدول المجاورة الى فلسطين مع بدأ الحمله الصهيونيه وقبلها لقلة مصادر المعيشة بالدول المجاورة … كذب وتلفيق وتزوير تاريخي عاد نتانياهو بعد تسلمه السلطة للمرة الاولى بتكراره اثناء زيارته للنمسا وعاد نفتالي بنت بالتأكيد على هذا الكذب في خطابه سنة 2014 امام اللوبي الصهيوني في أمريكا. هذا كان السبب الأساسي لتسمية فلسطينيي الداخل ممن بقوا صامدون على ارضهم وأرض اجدادهم بالإقلية ألعربيه والذي تبناه للاسف الكل الفلسطيني، من بقيوا على ارضهم ومن هجروا ، كما وتبناه الخطاب العربي الرسمي والشعبي ايضاً ، ولكي تظهر الدوله الاستعماريه الصهيونيه بصوره حضاريه ديمقراطية سمحت "لهؤلاء العرب" بالمحافظه على هويتهم ألعربيه من لغه وعادات وتقاليد وكتب واعلام وشعائر دينيه ومنعتهم من استعمال هويتهم الوطنية الفلسطينيه… واستمر هذا التعتيم على الهوية الفلسطينية لفلسطينيي الداخل حتى توقيع اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بين م ت ف وإسرائيل.
مع تطور الأحداث ونشوء م ت ف والكفاح الفلسطيني من اجل حق تقرير المصير وعودة اللاجئين وتعويضهم وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على ما تبقى من الارض وعاصمتها القدس الشرقيه والحصول الى اعتراف اممي بهذا الحق وادانة الصهيونيه كحركة استعماريه عدائية تحول الخطاب الصهيوني من إنكار وجود الشعب الفلسطيني الى الحديث عن "سلام مقابل الارض" مع الشعب الفلسطيني… هذا الامر لم يأتي بسهولة وعلى طبق من ذهب… الشعب الفلسطيني دفع للحصول على هذا الإنجاز دماءاً غالياً وتحمل وما زال يتحمل ألم وصبر قل نظيرهم في التاريخ الحديث…
منذ بداية الحملة الاستعمارية الصهيونية على فلسطين مدعومة من دول غربية وانظمة عربيه وهم يعملون لتحقيق استراتيجيتهم الواضحه: "ارض اكثر وشعب اقل" هذه الاستراتيجية التي تعتمد سلب ونهب الارض من أهل البلد الأصليين واقتلاع اكبر عدد منهم من هذه الارض وتهجيرهم وابقاء من هجروا بالمهاجر الى ان ينسوا وينساهم التاريخ !
الانسحاب من غزه، المكتضه بالبشر والتي لا قيمة دينيه مميزه لها عند الصهيونيه والاستيطان الغزير والمستمر دون انقطاع في الضفة الغربيه والقدس الفلسطينيه ألعربيه ومحاولة اقتلاع الفلسطينيين من غور الاْردن والنقب كلها تكتيتات ضمن هذه الاستراتيجيه… الاعتراف بالقدس الشرقيه جزأ من "القدس الموحده" كعاصمة لدولة الاستعمار الصهيوني هي حجر أساسي في هذه الاستراتيجيه. بتحقيق هذا الإنجاز مع السكوت العربي الرسمي على هذه الخطوه والضعف الفلسطيني الرسمي لن يتوقف مشروع تحقيق استراتيجية "ارض اكثر وشعب اقل" بل سيستمر هذا المشروع بتسارع كبير. الخطوه القادمة بعد الاستيلاء على اكثر الارض الفلسطينيه هي توطين المهاجرين للتخلص منهم نهاءياً والاجهاض الكامل على القضية الفلسطينيه.
اقدام ترامب على الاعتراف "بالقدس الموحده" لإسرائيل لم يأتي عن فشة خلق أو هستيريا أو عدم ادراك للواقع كما كتب البعض عندنا بالشرق… هذه الخطوة أتت كرد مباشر على الواقع الجديد بالإقليم الشرق أوسطي المتجدد. في الشرق الأوسط لم تعد أمريكا هي ألقوه الاولى وحلفها المكون من اسرائيل والسعوديه ومن لف حولهم من أنظمة الإقليم لحقت به خسائر جمة في معظم صراعات الإقليم ونفوذهم اضمحل وبدأ بالتلاشي… في المقابل عادت روسيا كقوة عالميه لها حضورها القوي بالشرق الأوسط مدعوماً بالقوه الإقليمية الصاعدة الكاسحة، ايران، ودوّل حلف المقاومة التي حققت انتصارات عظيمة وأخفقت استراتيجيات أمريكا وإسرائيل للاستيلاء على الشرق الأوسط…خطوة ترامب هي برهان عن ضعفه وضعف حلفه بالشرق لكن هذا لا يعني انهم هزموا نهاءياً وان إمكانية قدومهم على خطوات اخرى اصبح مستحيل… هزالة الرد الفلسطيني الرسمي على قرار ترامب وتخاذل أنظمة عربيه على الرد الصحيح على هذا القرار وانخراط بعضهم بالتخطيط لهذا القرار يجعلنا نصل الى الاستنتاج بان الخطوة القادمة ستكون محاولة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار ودوّل أوروبا …بالتحديد. ضعف القبيل يثير جشع وشراسة المهاجم…لهذا نطالب برفع وتيرة مجابهة القرار الامريكي بكل مناطق تواجد الشعب الفلسطيني والضغط على قياداته السياسيه بان تكون شجاعة وتقف الى جانب الشعب وقواه الديمقراطيه وتجمد العمل بالاتفاقات مع دولة الاحتلال. الموقف الفلسطيني الرسمي امام مفترق طرق هام وعليه الان الاصطفاف الصحيح…اما ان يبقى بموقف سلبي منتظر مرتبط بالسعوديه وحلفها لضمان بعض الفتات من المصالح السياسية والمادية لفلة صغيرة وأما القطيعة مع هذا الحلف والعوده كحركة تحرر وطني تقود شعب جبار صامد مكافح في حلف المقاومة الذي ما زال رافع شعار تحقيق المصير وتحرير الارض والإنسان من الاستعمار والهيمنه الصهيوامريكية…
سياسة ترامب أصبحت بعد المعركة الدبلوماسية بالأمم المتحده واضحه للعيان: من ليس معنا فهو ضدنا وعليه ان يتحمل العقبات السياسية والماديه لموقفه! هنالك أنظمة ودوّل في شرقنا ما زال ارتباطها السياسي والمادي بالولايات المتحده الامريكية قوي جداً لدرجة ان باستطاعة ترامب ان يطلب منهم امور اعتبرناها حتى الان مستحيلة … كتوطين الفلسطينيين عندهم أو استقبال إعداد اخرى من الفلسطينيين وممكن ان يحصل هذا الامر ضمن ما يسمى زوراً "بالمساعدة الإنسانيه وحقوق الانسان" … لبنان والأردن ومصر ودوّل في الغرب الاوروبي مثل المانيا والسويد والدانمارك كلها دول مرشحة لان تتلقى مثل هذا الطلب من ترامب قريباً وما تابعناه من اداء كاوبويي أمريكي في الامم المتحده سوف يستمر… وهذا هو التكتيك الجديد للرئيس الامريكي.
ملامح هذا التحرك بدأنا بمتابعتها ببعض الدول …فهذا لبنان يعلن فجأة ودون سبب مقنع أو حاجة ملحة ان عدد الفلسطييين على ارضه لا يتعدى 180 الف خلافاً لما كان الجميع يتداوله من رقم شبه مضاعف … وهذه الدانمارك تنصاع لاوامر أمريكا وتقلل دعمها للشعب الفلسطيني… وانسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل من اليونسكو هو تحضير واشارة واضحه ان الامم المتحددة ومؤسساتها، بالقراءة الاستراتيجيه الترامباتيه، أصبحت تُبْتَز ولَم تعد اله سهله بيد الولايات المتحده الامريكية كما كانت بعد انتهاء الحرب البارده وانهيار المعسكر الاشتراكي وهي دون أدنى شك تحضير لانسحاب دول اخرى من الأنروا وتهميشها لتسهيل عملية التوطين للاجئين الفلسطينيين.
في النهايه لا بد ان أشير الا ان كل ما يحصل الان وسيحصل بالمستقبل القريب ليس قضاء وقدر …بل هذه هي السياسة المبنيه على استراتيجيات واضحه وتتحكم بتحقيقها تكتيكات تعتمد البراغماتية أساساً للعمل والاداء السياسي. البرامج السياسيه يمكن اعتراضها والوقوف امام تحقيقها وتعطيلها ويمكن ايضاً ان يجبر منفذي ومخططي هذه البرامج بالتراجع عنها أو تغيير مسارها، لكن هذا لا يحدث من تلقاء نفسه بل تربطه علاقه طرديه مع النضال الشعبي والرسمي ضد هذه البرامج … والتاريخ القديم والحديث قدم لنا أمثلة عديده عن نضالات شعوب وقفت امام مشاريع هيمنه واستعمار واذلال واجبرت الاعداء على التراجع وتغيير مسار خططهم… تجربة شعب فيتنام وشعب كوبا في الماضي وتجربة الصمود الأسطوري لسوريا واليمن بالحاضر برهان ان بالسياسه لا قضاء ولا قدر …بل استراتيجيات مقابل استراتيجيات ونضال وكفاح وصمود مقابل تخاذل وانهزام وانتفاع…
القضيه الفلسطينيه تتواجد على مفترق طرق خطير جداً والذين يدفعون بها الى الهاويه اقوياء ومتشددين من الغرباء والاخوه ومعهم سرب من الغربان الداخلية ينعق بجوقتهم… مواجهة هذا التحدي الخطير لعبور المفرق الى المسار الصحيح يتطلب قبل كل شيء رص الصفوف الفلسطينيه ووحده قوية متينة ومرنه في نفس الوقت… الان ليس وقت المنازعات الحزبية الضيقة ولا وقت التركيز على القشور كما يفعل البعض من التيارات الفلسطينيه…الان الشعب الفلسطيني في مرحلة مصيرية تتطلب الابتعاد عن إلانا والانانيه الفصائلية على الجميع ان يدعم ملف المصالحه ويسهر على تنفيذه دون تخوين وتجريح وعلى الجميع ان يقف خلف قياداته السياسيه لتقوية ظهرها ومطالبتها وحثها على السير بالمسار الصحيح لعبور مرفق الطرق… التخوين والتجريح والمطالب اللاواقعية للبعض تضعف الصف الداخلي الفلسطيني وهذا خدمة مجانية للاعداء… كتبنا بالماضي ان ملف المصالحة مسارات طويل الامد ومعقده وليس عمليه انيه لمرة واحده وان تحقيقها ليس شأن فلسطيني داخلي فقط وعلينا ادراك هذا الامر قبل ان نعبيء الجماهير بمطالب خياليه أحداً لا يستطيع ان يلبيها في هذا الوقت القصير العصيب… وبهذا يعم اليأس على الجماهير ويكسر عودها في وقت نحن بحاجة ماسه لعود قوي … اثارة النقاش في هذه الأيام حول خليفة الرئيس محمود عباس ومشاركة البعض الفلسطيني بهذا النقاش في هذه الفترة الحرجة هو خنجر في ظهر القضية الفلسطينيه… فلسطين ليس إمارة ولا مملكة وشعب فلسطين ليس قطيع لا حول له ولا قوه ليرسم رئيساً له أو يبايع خليفة ما له…شعب فلسطين يملك قراره بيده وهو الوحيد المخول لانتخاب قياداته السياسيه بارادته الكامله…الوحده قوه والتشرذم ضعف … هذه مرحلة تحديات مصيرية تتطلب وحده ورص الصفوف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق