في السادس من شهر كانون اول 2017، الولايات المتحدة الاميركية بلسان رئيسها دونالد ترامب تعترف بالقدس عاصمة أبدية لأسرائيل، وتنوي نقل سفارتها الى القدس ، وفي 18/12/2017 اميركا تستخدم حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار لإلغاء القرار الاميركي، أيدته 14 دولة من مجموع أعضاء مجلس الامن الخمسة عشر، وهو القرار الثالث و الاربعين ضد قضية فلسطين ولحماية الاجراءات الاسرائيلية في فلسطين والقدس، وفي21/12/2017 الجمعية العامة للأمم المتحدة المتحدة تصوت بأكثرية 128 دولة لصالح قرار يدعو الولايات المتحدة الاميركية لسحب أعترافها بالقدس عاصمة لأسرائيل، وقد أمتنعت 35 دولة عن التصويت و9 دول ضد منها اسرائيل وأميركا و7 دول لا يتجاوز تعدد سكانها 300000 ألف نسمة.
ما تقدم، يضعنا مجدداً أمام حقائق حاولنا التعامي عنها لعقود، أذن، أنها لحظة المكاشفة، إنها لحظة المصارحة، بعيداً عن البعد الديني للقدس وعلى أهميته، بعيداً عن التغني وكتابة الشعر بالقدس، على الرغم من أنها تترك القضية حية في وعي الاجيال ووجدانها كي لا تُنسى، تبقى قضية القدس، والقضية الاساس قضية فلسطين، قضية شعب سلبت أرضه وشرد منها بالتواطؤ مع القوى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى والثانية لإقامة أسرائيل. ولاحقاً أمنت دول الاعتلال العربي التغطية لهذا ألأحتلال.
لذلك لا أريد أن أغوص في تاريخ القدس الديني ومنزلتها عند الاديان والذي يعرفه الجميع.
إن الذين تفاجأوا بقرار دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لأسرائيل، ألا يدركون أن هذا القرار أقره الكونغرس عام 1995، أي بعد إتفاق أوسلو ووادي عربة وقبلهما إتفاقية السلام مع النظام المصري، واستمرت ما سمي بعملية السلام وأطلقت المبادرة العربية للسلام في قمة العرب في بيروت عام 2002.
أما لماذا التنفيذ الآن ومن المستفيد، وهل هذا القرار هو قرار الرئيس أم المؤسسة السياسية الاميركية، وهل صحيح أن المؤسسة السياسية الاميركية لا تدرك أبعاد القرار وعدم مشروعيته؟ الجواب ببساطة ما سمي صفقة القرن، وطبعاً معروف لصالح من ستكون تلك الصفقة إذا ما تمت.
إنه زمن الاسئلة المؤجلة عند البعض حول طبيعة الصراع، لأنه مع فلسطين والقدس يجب أن لا يكون هناك أذ ولكن، فهناك الابيض والاسود، ولم تعد أقنعة المفاوضات وعملية السلام وحل الدولتين وغيرها وغيرها من المعزوفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي لم تكن كذلك بالأساس لأن أسرائيل هي من دفن اتفاق أوسلو، وعملية السلام ولم تنعيهما لأن الشيء الوحيد الذي تريده أسرائيل هو التفاوض من أجل التفاوض لتكريس مشروعها الاستعماري الاستيطاني.
والى الذين يراهنون على موقف أوروبي، أو صحوة ضمير من هنا أو هناك، نقول لهم أن المسالة مسألة توزيع أدوار بين الولايات المتحدة والاوروبيين، الم يقل نتانياهو مؤخراً أمام وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي ال28 إن القدس عاصمة أسرائيل ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك… وهذا يجعل السلام ممكناً لأن الاعتراف بالواقع هو جوهر السلام. وصفقوا له!
قد يقول البعض أن الاوروبين صوتوا في مجلس الامن والامم المتحدة ضد قرار ترامب، صحيح، أولاً، لان تلك الدول على يقين من أن الولايات المتحدة سوف تستخدم الفيتو وهذا ما حصل، وثانياً بالنسبة لقرار الامم المتحدة تعلم تلك الدول أن الامم لا حول ولا قوة لها وقراراتها معنوية أكثر منها عملية وغير ملزمة.
لقد سقطت ورقة التوت، فأوروبا وأنظمة الاعتلال العربي بالتحالف مع الولايات المتحدة الاميركية، هي من تآمر على فلسطين ودمرالعراق وسوريا وليبيا واليمن ويحاول ضرب لبنان.
ما زال البعض يحدثك عن أوراق ضغط دبلوماسية وسياسية، ويراهنون على قرارات ألأمم المتحدة، متناسين أن ورقة الضغط الاساسية والرئيسية هي فعل ألإرادة وأعرف ماذا تريد كما يقول المثل الشهير : ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمرك.
ألم يقل لهم ترامب بقراره (أغسلوا قرارات الامم المتحدة واشربو زومها) أوليس هذا ما تقوله أميركا عن القضية الفلسطينية منذ تأسيس أسرائيل، سواء كان رئيسها جمهوري أو ديمقراطي، أبيض أو أسود، لان أميركا ليست راعية عملية سلام موهوم، لا بل إنها راعية عملية هيمنة واستيطان أستعماري.
الى هؤلاء نقول، إن القرار الوحيد الذي نفذته الامم المتحدة بما يتعلق بقضية فلسطين هو الغاء القرار 3379 للعام 1975 الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، (الغي عام 1991) رغم عشرات القرارات الخاصة بالقدس وفلسطين.
إذن، إنها مرحلة الاسئلة الصعبة والمصيرية، إنها مرحلة الانتقال من ردة الفعل المعمول بها منذ 69 عاماً الى الفعل وأخراج العقل والارادة العربية من سجن الخوف الى ساحة التحدي والمقاومة، وإذا نسوا كيف تهجى الكلمة نقول لهم (أ ل م ق ا و م ة) إسالوا عن ذلك أهل غزة ومقاومتهم، واهل القدس والضفة المنتفضين ضد الاحتلال والذين يقدمون الغالي والنفيس، حتى الان هناك (تسعة شهداء وأكثر من 3000 جريح و500 معتقل ومعتقلة) واسألوا عن ذلك اللبنايين ومقاومتهم التي استعادت الارض دون مقابل عام 2000، وقوضت مشروع الشرق الاوسط الاميركي الكبير بصمودها بوجه عدوان أسرائيل ورعاتها في العام 2006، ووقوفها وقفة العز لانها تدرك أن الحياة وقفة عز فقط كما قال أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة كما قال الرئيس الراحل المرحوم جمال عبد الناصر.
لنا 100 سنة نلعن بلفوروأسرائيل تكرس مستوطناتها وتهويدها لفلسطين، فإن لم نقف وقفة العز هذه، فلا شك أنه بعد 5 أجيال سيقف من يلعن ترامب المجنون كما يقولون ودون نتيجة. ولمن ما زال يعتقد أن المفاوضات والحلول الدبلوماسية لم ينتهي مفعولها عليه أن يدرك أن الحق بدون قوة كالشيك بدون رصيد. ونحيلهم الى ما قالته مندوبة الولايات المتحدة الاميركية في الامم المتحدة نيكي هايلي بعد التصويت في مجلس الأمن: "إهانة لن ننساها أبداً" متهمة الامم المتحدة بالضرر لعملية السلام قائلة:" مثال جديد على تسبب الامم المتحدة بالضرر أكثر مما تتسبب بما هو مفيد في التعامل مع النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني"
واللبيب من الاشارة يفهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق