يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد حسم أمره فى قضية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما يعنى ببساطة حسم أهم قضايا الحل النهائى فى الصراع الفلسطينى والعربى الاسرائيلى، وكما قلنا سابقاً فإن الرجل الذى تعهد بحل الصراع باستراتيجية جديدة حسبما قال، ضمن ما يعرف بصفقة القرن، فمن الواضح أن الاستراتيجية الجديدة تعتمد تطبيق خطوات عملية على الأرض، وأن نقل السفارة الأمريكية للقدس؛ والاعتراف الأمريكى بها كعاصمة لإسرائيل يندرج ضمن هذه الاستراتيجية؛ والتى من المرجح أن تليها خطوات مشابهة؛ يتم من خلالها فرض واقع التسوية؛ طبقاً لرؤية الإدارة الأمريكية لشكل الحل النهائى، وعلينا أن ندرك أن قضية البوابات الالكترونية فى الصيف الماضى؛ تندرج كذلك ضمن نفس الاستراتيجية التى تعتمد بالأساس فى تقدمها إلى الأمام على ردة فعل أطراف الصراع، وبالأخص الطرف الفلسطيني والعربى على كل خطوة تباعاً، فلولا ردة الفعل الشعبى الفلسطينية على تلك الخطوة، لاستطاعت الولايات المتحدة تغيير الوضع القائم فى الحرم وإشراك إسرائيل فى إدارته توطئة لإيجاد موطئ قدم يهودى داخل أسواره ضمن الحل النهائى الأمريكى المستقبلى لما يعرف بصفقة القرن .
عليه فمن الجلى اليوم أن التصور الأمريكى لقضية القدس ضمن صفقة القرن؛ هو أن تكون المدينة بشطريها عاصمة لإسرائيل؛ بمعنى أن قرابة 5% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، والتى ضمتها إسرائيل لها بواسطة مستوطناتها وجدارها العازل ضمن حدود القدس الكبرى؛ أصبحت خارج طاولة التفاوض، وأن أى مفاوضات قادمة ستكون على تلك المستوطنات؛ التى لا زالت خارج حدود القدس الكبرى، والتى تطوقها من الخارج كمعالى أدوميم، والتى أصبحت اليوم مدينة بمساحة 50 كم مربع، وأن عاصمة أى دولة فلسطينية طبقا لتلك المحددات لن تتعدى الحدود الغربية لضاحيتى أبوديس والعيزرية، وهو ما أكدته تسريبات متعمدة نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضى حول ما يعرف بصفقة القرن .
والأخطر هنا إننا اليوم أمام رئيس أمريكى وإدارة أمريكية؛ ينتمون إلى التيار الدينى الإنجيلى المتطرف؛ المتحالف مع الصهيونية العالمية؛ وهو التيار المسيطر على تلابيب الاقتصاد والسياسة الأمريكية، والذى ينتمى إليه ملاك كبريات الشركات والبنوك الأمريكية، وهو الذى يسيطر على السلطة التشريعية، الممثلة بمجلسي النواب والشيوخ الأمريكى، والذى صادق على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ أولئك يؤمنون بأن عودة المسيح مرهونة؛ بإعادة بناء الهيكل الثالث فى القدس الموحدة تحت الحكم اليهودى، تلك هى الحقيقة التى لا يجرؤ أحد من السياسيين على قولها؛ رغم أن كل أفعال إدارة ترامب تأكدها يوم بعد يوم . أننا أمام حل توراتى للصراع الفلسطينى الاسرائيلى، حل لا يمت بأى صلة للسياسة، إنها صفقة القرن التوراتية الإنجيلية كما يتصورها التلمود، والتى تتحول فيها شعوب المنطقة (الأغيار) خداماً لشعب الله المختار.
إن المستقبل الحضارى للتعايش الإنسانى اليوم فى خطر، وعلى العالم أن يتدارك هذا الخطر قبل فوات الأوان، فالقدس ليست مدينة يهودية، وكل الكنائس الأرثوذوكسية والكاثوليكية والبروتستنتية لن تقبل بذلك؛ ولن يقبل مسلموا العالم بكل مذاهبهم أن تُهود أولى القبلتين حتى وإن صمت حكامهم، ورضوا بهذا الهوان؛ وتحالفوا مع السيد ترامب لمحاربة الإرهاب .
ان اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، هى جريمة سياسية بحق الأمن والسلم الدولى، وكذلك بحق الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة؛ تستلزم ردة فعل مساوية لحجم تلك الجريمة من كل دول العالم؛ وخاصة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، أما ردة الفعل الضرورية فيجب أن تأتى من الدول العربية والاسلامية؛ وخاصة تلك التى ترتبط بعلاقات استراتيجية واقتصادية مع الولايات المتحدة؛ ردة فعل تكون على الأقل بنصف ردة فعل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الحاسمة، أما ردة الفعل البديهية فيجب أن تأتى من الشعب والقيادة الفلسطينية، والتى يجب أن تبدأ بإنهاء الدور الأمريكى كراعى لمسيرة التسوية وإلى الأبد، كما أن على الشعب الفلسطينى فى الاراضى الفلسطينية المحتلة فى كل فلسطين التاريخية؛ أن يوصل الرد الشعبى على هذه الجريمة للإدارة الأمريكية؛ ومن وراءها لحكومة إسرائيل .
إن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل سيفتح أبواب جهنم ليس على المنطقة فحسب؛ بل على العالم بأسره، وسنكون أمام فصل جديد من فصول الحروب الدينية والتطرف والإرهاب هو الأسوء فى تاريخ الانسانية، وعلى العالم أن يتدارك مخاطر ما هو قادم، وأن يكبح جماح التطرف للإنجليين الصهاينة فى الولايات المتحدة قبل فوات الأوان. وعلى العالم أن يدرك أن ثمن الحق والعدالة وإن ارتفع، فهو أقل كثيراً من الأثمان المستحقة على الباطل والظلم .
وسؤالنا الآن إذا كان هذا هو مصير القدس، وهى أخطر قضايا الحل النهائى، فما مصير باقى تلك القضايا فى صفقة القرن الأمريكية ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق