رأي في سلوك ومواقف القائمة المشتركة/ شاكر فريد حسن

رغم الانتقادات الجارحة والهجومية الشديدة الموجهة الى القائمة المشتركة بخصوص مسألة التناوب، وممارساتها ومسلكياتها، والخطوة التي قام بها أعضاؤها أثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي بينس وخلال القائه خطابه في الكنيست، حيث قاطعوا جلسة الاستقبال، ورفعوا يافطات منددة بقرار ترمب بخصوص القدس، ومنها يافطة"القدس عاصمة فلسطين"، وطردهم من الجلسة بسبب ذلك. 

ورأى الكثير من المغرضين والمزايدين والغوغائيين، أن خطوتهم بمقاطعة الجلسة تخدم مصلحة اسرائيل و"الديمقراطية"الاسرائيلية المزيفة. 

وتبقى حقيقة واحدة أن المشتركة هي جسم سياسي فاعل، وانجاز كبير هام لجماهيرنا العربية، وكنز ثمين يجب صيانته والحفاظ عليه، ومنع انهيار القائمة وتفككها، رغم كل ما يقال، ورغم التطاول والمهاترات والنقاشات من على صفحات التواصل الاجتماعي. ويجب ان لا يغيب عن الأذهان أن أحد الأطماع الاسرائيلية هو تفسيخنا وضرب وحدتنا وطمس هويتنا وتشويه تاريخنا وتذويب لغتنا وسرقة تراثنا.

ومن أهم ما قامت به القائمة المشتركة هو تعرية سياسة حكومة الاحتلال والحرب والعدوان الكارثية، واظهار الوجه الحقيقي للنظام الابرتهايدي الحاكم، واسهامها ومحاولاتها في استئصال التمييز العنصري المتواصل ضد المواطنين العرب، واعتبارهم درجة ثانية، فضلًا عن الدفاع عن هموم شعبنا ورفع وطرح قضايا جماهيرنا في الاجندة المختلفة، ونضالها المثابر من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والسلام العادل، وانجاز الحق الفلسطيني.

وكذلك مساهمتها في تدويل القضية الفلسطينية، وفتح أبواب ونوافذ جديدة لتدويل مطالب شعبنا الحي الباقي في أرضه ووطنه داخل الخط الأخضر، سعيًا لنيل حقوقهم الكاملة، واقناع العالم الواسع انهم الأحق بهذا الوطن أكثر من سواهم، فهو وطنهم التاريخي الاصلي الذي ولدوا وكبروا وعاشوا وصمدوا فيه، وطن الآباء والأجداد.

وقد تجلى ذلك بالمشاركة في فعاليات لجنة حقوق  الانسان في البرلمان الاوروبي، حيث قام النائب د.يوسف جبارين، الاخصائي الحقوقي والخبير بقضايا حقوق الانسان، ممثلًا عن لجنة العلاقات الدولية في القائمة المشتركة.

وفي نظري أن ما قام به النائب د.جبارين، لا يقل أهمية وبعدًا ومردودًا سياسياً ايجابياً عن الصفعة التي وجهها أعضاء المشتركة بوجه نتنياهو وحكومته العنصرية خلال زيارة بينس للكنيست. 

فكفى للمزايدات والمهاترات والبيانات والتراشق الكلامي والاعلامي بين مركبات القائمة، ولنعمل جميعًا دون استثناء، وبكل قوة وشجاعة لمنع انهيار المشتركة، وصيانة وحدتها، خدمة لمصالح ومستقبل جماهيرنا العربية الفلسطينية، الطامحة والمناضلة من أجل حقها بالحياة الحرة الكريمة الشريفة، والصمود والبقاء في وطنها الذي لا وطن لها سواه، رغم أنوف العنصريين والترانسفيريين.

هل فعلاً هي "أميركا أولاً"..؟!/ صبحي غندور

عامٌ مضى على وجود دونالد ترامب في "البيت الأبيض". عامٌ كان حافلاً بالمواقف المتناقضة لترامب تجاه جملة من القضايا الدولية، لكن ليس تجاه إسرائيل ومصالح حكومة نتنياهو تحديداً، حيث كانت بالنسبة لترامب هي "إسرائيل أولاً"!. فشعار "أميركا أولاً" الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية، وكرّره ويكرّره في أكثر من مناسبة، هو عكس الواقع والممارسة العملية لسياسة إدارته. 
فالمصلحة القومية الأميركية تتطلّب على المستوى الداخلي رئيساً يحرص على التعدد الإثني والعرقي في المجتمع الأميركي، وترامب صرّح وتصرّف عكس ذلك مع الأميركيين الأفارقة والمسلمين والمهاجرين اللاتينيين. والمصلحة القومية الأميركية تفترض وجود رئيس في "البيت الأبيض" يعمل لصالح الفئات الفقيرة والمتوسّطة من الأميركيين، وترامب خدم ويخدم الفئة القليلة من الأثرياء في الكثير من مراسيمه الرئاسية ومشاريع قوانين الكونغرس "الجمهوري"، وما يتّصل بها من مسائل الصحّة والهجرة والضرائب والضمانات الاجتماعية. 
الحال هو نفسه على مستوى السياسة الخارجية الأميركية حيث أخرج ترامب الولايات المتحدة من اتفاقيات دولية وهدّد بالخروج من المزيد منها، وهي اتفاقيات تحقّق مصالح قومية أميركية مع جيرانها الكنديين والمكسيكيين ومع الحلفاء الأوروبيين ودول أخرى في آسيا. أيضاً، سبّبت تصريحات ترامب وتغريداته أزماتٍ عديدة مع زعماء دول أخرى، حتّى مع داخل إدارته، كما حدث مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون في ختام زيارته للصين لوضع تسوية سياسية للمشكلة مع كوريا الشمالية!. 
فأين مثلاً، "المصلحة القومية الأميركية"، في إضعاف دور وزارة الخارجية لصالح سفيرة ترامب في الأمم المتحدة؟! وأين هذه المصلحة في تزايد مشاعر الغضب لدى شعوب دول العالم تجاه السياسة الأميركية ورمزها في "البيت الأبيض"؟! حتّى بريطانيا الحليف التاريخي لأميركا رفض شعبها استقبال ترامب! فكيف بتقييم ترامب لدى شعوب فرنسا وألمانيا وأوستراليا، وهي شعوب صديقة للولايات المتحدة؟! بل كيف تنظر مجتمعات دول العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية والصين وغيرها الكثير، إلى ترامب وسياسته؟!.
وأين كانت "المصالح القومية الأميركية" في قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وبنقل السفارة الأميركية إليها، وهو قرار يتناقض مع قرارت دولية صادرة عن "مجلس الأمن" ومع سياسة أميركية سار عليها كل من سبقه من رؤوساء أميركيين؟!. وأين المصلحة الأميركية في معاقبة الشعب الفلسطيني والملايين من اللاجئين الذين يعتمدون على مساعدة الوكالة الدولية (الأونروا)، وبما يخالف أيضاً سياسة دول العالم كلّه؟! ترامب تحدّث بحضور نتنياهو عن حجم المساعدات الأميركية للفلسطينيين ولم يرَ مليارات الدولارات التي تقدّمها واشنطن لتل أبيب والتي لم يتمّ وقفها أو تخفيضها رغم خلافاتٍ عديدة حدثت بين الطرفين ومع أكثر من إدارة أميركية!.
ترامب أعلن إخراج القدس من جدول المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو طبعاً لم يشِر إطلاقاً لمشكلة المستوطنات ولا لحقّ العودة ولا لحدود دولة إسرائيل، فعلى ماذا يريد ترامب من الفلسطينيين أن يتفاوضوا، عِلماً أن والد صهره جيرالد كوشنر (المعني الآن بالمسألة الفلسطينية في إدارته)، وأيضاً سفيره الحالي في إسرائيل، هما من أشدّ الداعمين للإستيطان والتطرّف الصهيوني، وكذلك الملياردير الأميركي الصهيوني شيلدون أديلسون الذي كان أبرز الداعمين لترامب في حملاته الانتخابية!.
فأين ترامب من الرئيس الأميركي "الجمهوري" السابق جورج بوش الأب الذي قرّر تجميد مبلغ 10 مليارات كانت مخصّصة كقروض للحكومة الإسرائيلية (إضافةً للمساعدات السنوية) إذا لم يستجب مناحيم بيغن للدعوة للمؤتمر الدولي في مدريد؟! وأين نيكي هيلي، سفيرة أميركا في الأمم المتحدة، والتي هدّدت بحذائها كل من ينتقد إسرائيل، من الوزير جيمس بيكر الذي قطع التواصل مع حكومة بيغن وأعطاه رقم "البيت الأبيض" في جلسة علنية في الكونغرس إذا أراد تغيير موقفه من الدعوة الأميركية لمؤتمر مدريد في مطلع عقد التسعينات؟.
طبعاً، ما فعلته الإدارات الأميركية السابقة (ومن ضمنها إدارة بوش الأب) من دعم وتخاذل وخنوع أمام الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية التي احتلّت في حرب العام 1967 كان، وما زال، هو السبب الرئيس لاستمرار الصراع لخمسين عاماً بعد هذه الحرب ولعدم تنفيذ القرارات الدولية بشأن المسألة الفلسطينية، وهي أيضاً مسؤولية عربية وفلسطينية أن تحصل معاهدات واتفاقيات وتطبيع مع إسرائيل قبل إنهاء احتلالها لكلّ أرضٍ عربية، وقبل تحصيل كل الحقوق الوطنية الفلسطينية.  
لا ليست "أميركا أولاً" هي حقيقة عنوان أجندة ترامب، بل هي "إسرائيل أولاً" على المستوى الخارجي، وهي "التيّار الديني المحافظ" والأثرياء على المستوى الداخلي. ولن تثمر هذه "السياسة الترامبية" إلاّ مزيداً من الأزمات والانقسامات الداخلية، وتصاعداً في احتمالات التورّط في حروب عسكرية حذّر منها رئيس لجنة الشؤون الخارجية (الجمهوري) في مجلس الشيوخ، واعتبر أنّ ترامب قد يورّط أميركا في حربٍ عالمية ثالثة!.
ومرّةً أخرى، ستكون المنطقة العربية، في حقبة رئاسة ترامب، حقل تجارب لمشاريع إقليمية للولايات المتحدة الأمريكية تستهدف دول منطقة "الشرق الأوسط". فبعد مرحلة إدارة الرئيس جيمي كارتر (الديمقراطي) التي كرّست في معاهدات "كامب ديفيد" نتائج ما بدأه هنري كيسنجر (في فترة  الرئيس فورد الجمهوري) من اتفاقيات بين مصر- السادات وإسرائيل، جاءت فترة إدارة ريغان الجمهورية التي وافقت على غزو إسرائيل للبنان ولأوّل عاصمة عربية وعلى إخراج قوّات "منظّمة التحرير الفلسطينية" منها. ثمّ كانت فترة جورج بوش الأب (الجمهوري) التي رعت "مؤتمر مدريد" في مطلع عقد التسعينات ليكون مقدّمةً ل"سلام عربي/إسرائيلي" شامل يتضمّن تطبيعاً للعلاقات بين كلّ العرب وإسرائيل، وفق مقولة "شيمون بيريز" عن "الشرق الأوسط الجديد". وفي هذه الحقبة الزمنية: عقد التسعينات، وتحت رعاية إدارة بيل كلينتون الديمقراطية، وقّعت إسرائيل اتفاقية أوسلو مع "منظّمة التحرير" ومعاهدة السلام مع الأردن، وفشلت محاولات عقد معاهدات مع كلٍّ من سوريا ولبنان.
وجاء القرن الحادي والعشرون ليضع الولايات المتحدة، لأوّل مرّة بتاريخها، في موقع المحتلّ لبلدٍ عربي، حينما استغلّت إدارة بوش الابن (الجمهورية) ما حدث من أعمال إرهابية في أميركا لتبرير غزوها للعراق، ومحاولة تغيير عموم منطقة الشرق الأوسط بالمزج بين الوجود العسكري الفاعل فيها وبين حروب إسرائيل على رام الله وغزة ولبنان، طيلة فترتيْ حكم بوش الابن وحتّى نهاية العام 2008.
وما ميّز إدارة أوباما (الديمقراطية) عن سابقتها الجمهورية المحافظة هو تجنّب توظيف الدور الإسرئيلي في تحقيق مشروع أوباما للمنطقة، والذي راهن على تغيير سياسي في المنطقة من خلال دعم ما سُمّي باسم "الربيع العربي"، فكانت النتائج وخيمة على كل المنطقة، وأيضاً راهن أوباما على الفصل بين السعي لتحقيق "الدولة الفلسطينية" وبين صراعات الإقليم، ولم ينجح في ذلك بسبب مواقف حكومة نتنياهو. 
وفي كلّ هذه الحقب الرئاسية الأميركية الممتدّة منذ عهد ريغان، كان "الملفّ الإيراني" حاضراً بأشكال مختلفة ابتداءً من الحرب العراقية/الإيرانية وصفقات "إيران-كونترا"، وصولاً إلى توقيع الاتفاق الدولي مع طهران بشأن ملفّها النووي، ومروراً بعلاقة إيران مع قوى لبنانية وفلسطينية مقاومة لإسرائيل، ومع الحكم السوري منذ حدوث الثورة الإيرانية في العام 1979، ووصولاً لعلاقات خاصة مع جهات عدة في العراق واليمن وبعض دول الخليج العربي. فإيران هي الآن عنصر مهمّ جداً في السياسة الخارجية لإدارة ترامب، كما كانت في الإدارات السابقة، وهي في أولويات نتنياهو منذ وصوله للحكم في العام 2009. 
وستشهد واشنطن قريباً حركة دبلوماسية مهمّة لها علاقة بمصير عموم منطقة "الشرق الأوسط"، وقد أشار ترامب إلى وجود مشروع إقليمي يعمل على إعداده زوج ابنته جاريد كوشنر، يتجاوز مشاكل "الملفّ الفلسطيني" ويتعامل مع قضايا المنطقة كلّها. 
إنّ الحديث يتكرّر الآن عن إستراتيجيات دولية وإقليمية تجاه المنطقة، بينما الغائب الأكبر هو الإستراتيجية العربية المشتركة، والحاضر الأفعل هو الصراعات البينية بين العرب والتي تشمل بسلبياتها كلّ دول المنطقة، فالقادم على المنطقة، بفضل سياسة ترامب وحليفه الإسرائيلي، ليس هو الخيار بين "محور مقاومة" و"محور سلام مع إسرائيل"، بل بكلِّ وضوح: الخيار بين أوطان موحّدة مستقرة وبين دويلات متصارعة لصالح المشروع الإسرائيلي.. أوّلاً وأخيراً!.

مكتظ بالطحالب الضريرة/ حسن العاصي

1
رماح داجنة
    *
وأنتَ تسحبُ رماحكَ من غابة الخبز
ازرعْ عصافيراً لقلوب الجائعين
كي ينمو على نصالك السلام
وأنتَ تحتسي صوت الشراع
افتحْ باباً لصراخ البحر
وباباً لهذا التيه الموغل
وأنا من سقط في قدمي الطريق
استعصتْ عليَّ الثمار
وأنهكتني النهايات
قُلْ لي: كيف تبدّدت رحلتي في المنام؟

2
مواعيد مؤجلة
       *
كثيراً أحبُّ ثرثرتكِ في الحربِ
تُخبئين ترياق الخوف خلف الرداء المرتبك
تقولين: في تجاعيد الضوء التالي أراكَ
في العتمة نتوغّل
والمتاريس تُواري نوافذ المدينة
الأقدام دامية حتى ينزف الرصاص
لم أرى صوتكِ
انتظرتكِ طويلاً على الشرفة المبتورة
قال حرّاس الفوانيس
في غفلة من الشرخ رحلتْ
نَسيِتْ ارتداء الملجأ

3
شيء من الخوف
        *
ولدتُ في مرج السوسن
أرضعتني العصافير العابرة
لذلك أمقت الأماكن الضيقة
تراني أضم الغيم في جيبي
وأشاطر وجه السماء لوني
طويلاً أضحك على أسوار الوحشة
أحلّق بلا أسماء ويستدرجني درب الصناديق
أغفو فوق السرو المهجور
وأرقب موكب الجنازة
في البيت الجدران كثيرة ومرتفعة
جُلّ ما أخشاه أن أصبح فزّاعة بقبّعة من الذرة
تنتصب وسط المقبرة القديمة
ولا أستطيع الضحك

4
حكاية غير حقيقية
       *
في النطقِ تأخرت كثيراً وأنا صغير
كنت أبكماً مشروخ الفم لا يدرك الكلام
دائماَ ما كان ينعقد لساني بما ينبت فيه
تجري أصابعي لآخر مزمار
ويظل لساني مكانه
قالت أمي: ابني مكتظ بالطحالب الضريرة سطره
شدوا حرفه مسافة نور منكسر كي نراه
يأبى المعنى أن يطاوعني
كانت عيوني ظمأى للحزن
كبرتُ وأصبحت صوفياً
 وضاقت الجهات على صوتي
امتطيت سدرة الاستدلال أقشر قافية النصوص
أرتل أوراد الغيم الموروث
وصار صوتي مطراً لكل عشب جاف
وجناح لكل أبكم

5
هسيس مرتبك
      *
كنتُ أصنع زوارقاً ورقية وأنا صغير
أرسم عليها أجنحة
تشبه الطيب المسافر لمقابر الخزامى
أحمّلها حبّات القمح وأدفعها
في الضفة الأخرى للساقية تلتقطها العصافير
أنا لا أخشى البحر
ولا الأسماك
لكنني جداً أخاف من المراكب الكبيرة
ولون البحر
وكثيراً كثيراً أخشى الورق
كلّما أحضرتُ القلم تموت الطيور
لم يعد من القمح ما يكفي
يقولون الأزرق لون الموت

همسات ليلية/ شاكر فريد حسن

تعالي حبيبتي

يا من تشعلين دمي

اقتربي مني

يا فراشة الربيع

وعصفورة الحب

فثغرك لؤلؤ

وخدودك ألماس

وكلامك عناق

من شفاهك تعلمت

أبجديات الغرام

ومن حروف اسمك

كتبت أجمل ملاحم

العشق

ومن نهديك نقشت

أحلى لوحتين

على جدار المرسم

فلا عجب أن يلتقي القلبان

في حدائق العشاق

في أروع عناق

كيف لا

وحبك أسر قلبي

وتغلغل في أعماقي

حتى بت أرى الطريق أمامي

على هدى نور عينيك الساحرتين

المليئتان بالورد

وحسبي الورد الخمري

بلون خديك

يا من تسكبين نهديك

لأرض جفافي

محردة/ محفوض جروج

لا يكون للمدن ازدهار وكيان مميز يثبت في أذهان الناس على مدى الأيام ، ويعترف به من قبل الجميع مقدرين إياه حق التقدير إلا إذا كان لها دورها الفاعل فيما حولها ، وما يتعلق بها ، ولا يتم لها هذا إلا بتوفر أسباب كثيرة ، وقوانين متصلة ومتشابكة .
من هذه الأسباب والقوانين القوة المعنوية والروح الوثابة ، والتمسك بالخصال الكريمة ، والمبادئ السامية ، والاعتداد بالنفس ، والتطلع إلى الأمام عوضا ً من التطلع إلى الوراء ، والثبات في وجه الشدائد والمحن مهما اشتد عنفوانها واضطرابها ، والتمسك بالمثل العليا في الحياة ، وممارسة هذه الفضائل في حياتها العملية .
من هذه المدن مدينة محردة الغالية على قلبي ، وعلى قلب كل من يعرفها ، فهي تدرك تمام الإدراك بأن الحياة كتاب جميل ، لكنه غير ذي نفع لمن لا يستطيع قراءته ، ولذا فهي قد تمسكت بقراءة هذا الكتاب الجميل ، واتخذته نبراسا ً لها ، فكان لها تأثير فاعل وكبير جدا ً في محيطها من قرى ومدن ، وشادت لها كيانا ً مميزا ً بين الناس ، وغرست من محبتها للآخر أنبل الشمائل والأفكار في النفوس ، وأكرم الصفات مما حملته في كيانها ، ومارسته في حياتها العملية ، ولم تعط مدينة مما حملته في كيانها أكثر مما قدمته هذه المدينة الجميلة الوديعة ، فهي ترفض الضيم وتأبى الذل والهوان ، لأن هذه القيم العالية من صميم تكوين إنسانها ، وتربيته الراقية ، وهذه الفضائل تمثل في نفسه كلَّا ً لا يتجزأ لأنها حقيقة جوهرية لا يستطيع أحد أن ينكرها ، فقد اختارت أن تكون متفوقة في محبة من هم حولها ، وأن تعمل على تجديد نفسها كل يوم لأن في داخلها أشياء تدعوها إلى حياة أفضل وأسمى ، وهذه هي المعجزة .


ترجمها إلى البرتغالية : Roberto Abraham Nazario

* Muhrada *

Por: Mḥfwḍ George

Las ciudades no tienen un auge y una forma especial en la mente de la gente a lo largo de los días, y lo reconocen todos los que lo agradecen a menos que tengan un papel que desempeñar en su alrededor y en lo que se refiere a ella. Hay muchas razones, y las leyes están conectadas y están interrelacionadas.
Entre esas razones y las leyes, la fuerza moral y el espíritu hola, la adhesión a las cualidades nobles, los nobles principios, la moderación, la aspiración hacia adelante, en lugar de mirar hacia atrás y prueba ante la adversidad y la adversidad, sin importar lo mucho que se se. Su trastorno, la adhesión a los ideales de la vida y el ejercicio de esas virtudes en su vida práctica.
Desde estas ciudades, la preciosa ciudad de muhrada en mi corazón, y en el corazón de todos los que la conocen, se da cuenta de que la vida es un libro hermoso, pero no es bueno para los que no pueden leer, así que se ha unido a la lectura de este hermoso libro. Le dio una luz, y tuvo un efecto muy importante en su entorno de pueblos y ciudades, vi una entidad especial entre las personas, clavé de su amor a la más noble y más noble de las ideas de las almas, y la generosidad de las cualidades. Lo llevé a su casa, lo sostuve en su vida laboral, y no le dio a una ciudad de lo que lo había llevado más allá de lo que había hecho esta hermosa ciudad.
Porque estos valores altos son el núcleo de su propia composición, su educación de alta calidad, y esas virtudes son no, ya que es un hecho fundamental que nadie puede negar. Se está renovando todos los días porque dentro de ella hay cosas que le llaman una vida mejor y más ciega, y ese es el milagro.

الشيخ محمد علي اليعقوبي والانتخابات العراقية ثم أخوانيّاته وطرائفه/ كريم مرزة الأسدي


8 - أشهر أخوانيات وطرائف شعراء  النجف الأشرف
الحلقة   الثامنة ِ
 بين 1775 م -  1975م 

1 - مقدمة صاعقة : يقول الشيخ محمد علي اليعقوبي ( ت 1965م) عن الانتخابات العراقية من قبلُ ، وهي هي من بعدُ..!!
للانتخابات قــــــــامت *** معـــــاركٌ ومعامعْ
لكلّ حزبٍ  هـتـــــــافٌ ***تستك منه المسامعْ
فللشباب  طمــــــــــوحٌ **و(للشيوخ)  مطامعْ
سوق  الضمـائر فيها*** مابين شارٍ وبائــــعْ
ذرائعُ  القــوم شتى ***والمال بعض الذرائـعْ
وليس يــــربح إلا *** من رشّحته المـــراجـعْ

2 - اليعقوبي والانتخابات العراقية :

سأشرع ( عكرف لوي) بهذا البحث الممتع الظريف اللطيف مع أخوانيات وطرائف شيخنا الشاعر والمؤرخ والخطيب  الجليل الشهير محمد علي اليعقوبي رحمه الله ( توفي 1965م) 
الانتخابات العراقية من قبلُ ومن بعدُ ...!!      
الانتخابات النيابية (البرلمانية)  الشغل الشاغل للإنسان وللمجتمع بقياداته الدينية والسياسية والعشائرية ، وأنا أتكلم على مستوى العراق وبخصوصه ،  فحين قامت في عشرينات القرن الماضي لأول مرة ، استعد الشعراء لها ،  ووجدوها الفرصة المناسبة لنقد الأوضاع السائدة ، وإبراز الذات الشاعرة ، وهل تعتقد ان الشاب المتألق الشيخ محمد علي تفوته هذه اللقطات؟ 
اذا اجبت بنعم ، فاذاً أنت في خطأ مبين!!
 ففي بداياتها نظم مقطوعة ، تلاقفتها الألسن ، ونشرتها صحيفة (الرعد) ، فشاعت في البلاد بين أفواه العباد ، قدّمناها ونكرر :
للانتخابات قـــــــــامت *** معـــــاركٌ ومعامعْ
لكلّ حزبٍ  هـتـــــــافٌ ***تستك منه المسامعْ
فللشباب  طمــــــــــوحٌ **و(للشيوخ)  مطامعْ
سوق  الضمـائر فيها*** مابين شارٍ وبائــــعْ
ذرائعُ  القــوم شتى ***والمال بعض الذرائعْ
وليس يــــربح إلا *** من رشّحته المـــراجعْ
( المراجع)  - جزماً  - لا يقصد  بهم ( مراجع الدين) ، إذ أنّ معظمهم - ولا أقول كلّهم -  على امتداد تاريخهم لم يتدخلوا بشكل مباشر أو غير مباشر بتنصيب هذا أو خلع ذاك ، لأن هذا يقلل من شأنهم الديني  ، وهو الأدرى بخفايا الأمور ، وكان الرجل من حاشية بعض المراجع الكبار ، فليس من المعقول والمنطق أن يدين نفسه ، على أغلب ظني يعني مراجع السياسة والسياسيين ، أو في عصر القصيدة لم تكن المرجعية الدينية قد انفردت لأحدهم ، والكبار منهم قد هجّروا إلى إيران ، وهم الشيخ مهدي الخالصي ، وشيخ الشريعة ، والسيد أبو الحسن الأصفهاني في بداياته.   لم يكتفِ اليعقوبي بهذا...ولكن لا ندري بتورية (الشيوخ) ، هل عنى شيوخ الدين أم شيوخ العشائر أم كبار السن ؟! شيخنا اليعقوبي ليس بالرجل البسيط ، يعرف كل الشيوخ ، ويضرب على أكثر من وتر ...!! 
 المهم كل مدعبل عند الناخبين جوز! ولو كان من طين جامد ،  ولسان صامت ، فكان يرى الأعضاء تماثيل منحوته ،  وهياكل ً مصنوعة، لذلك ارتجل حين سئل عنهم ببيتين قائلا:
أرى البرلمان ونـــوابه ***سكوت به ســكتة الأخرسِ ِ
تماثيل ينحتها الإنتداب ** وتعرض في قاعة المجلس
وهل تتصور أنّه سكت عند هذا الحد؟ 
كلا! ...بل تابع أمر المجلس  ، وعقد جلساته ، وإكمال نصابه ، وأهمية قرارته ،  لإيقاف الخراب ،والمطالبة بالحساب ،  نظم قصيدة نشرتها الصحف ،  وتداولها الجمهور استهزاء بالأمور، اقرأ وتذكر:
أرأيت في بــغداد مجلسنا الذي ***أخذت  مقاعدها به  النــــــوابُ
نصبت على تلك الكراسي التي  *** فيها هياكل كلّهــا  أنصــــــابُ
نجحوا وأسباب النجــاح  كثيرةٌ  ** في الانتخاب ، وبئست الأسبابُ
رضيت نفوسهم بنيل مرارهـــا  **** وجميع أبناء البلاد غضـــابُ
ما ضرّهم ،وقصورهم  فيما ازْ **  دهت معمورة ، إنّ البلاد خـرابُ
سيطول موقفهم  إذا ما حوسبوا *** حيث الجرائم ما لهنّ حســـابُ
ومن الأمور المستحيلة أنّــه   *** ينجو القطيع ، وحارسوه ذئـــابُ
لا درّ درّ مجـــالس ٍ أعضاؤها   ** سيّان إن حضروا بها  ،أو غابوا (1)


3 - اليعقوبي: نشأته ، حياته : 

خرّجت مدينة النجف الأشرف العديد من العباقرة والأعلام ، ولكن الحكومات العراقية وكعادتها ، لم تنصف العراق ورجاله ،  ولم تعرف قدر عباقرته وأثرهم على مسيرة الحضارة الإسانيه ورقيها.
في الحفل التأبيني الذي أقيم بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة اليعقوبي ، تفضل الدكتور عبد الهادي التازي سفيرالمملكة المغربية في بغداد عام (1965) بكلمة حملت بعض مضامينها : ستحمل شوارعنا بلا ريب اسم الشيخ اليعقوبي كما حملت من قبل أسماء لرجال العراق . ولا نعلم هل تم الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه أم لا ،  ومن الجدير ذكره ،  يضم ديوان اليعقوبي عشر قصائد عن فلسطين  وحدها،  ومثلها لأقطار المغرب العربي الثلاثة  .
 4 - من الظلم سعي اثنين  في قتل  واحـــدِ:
يعجبني من اليعقوبي هذا التضمين الرائع والبليغ لقول ( القاضي الجرجاني )  ، كما أعجب من قبلي الأستاذ الكبير جعفر الخليلي رحمه الله ،  وذلك إثر معارك ( الريف ) في المغرب ، وشموخ عبد الكريم الخطابي ( الريفي ) ، إذ تهجم شيخنا اليعقوبي على الفرنسيين والأسبان بسخرية لاذعة :
  أتت زمرة الأسبان تترى وخلفها **الفرنسيس في جيش ٍ على الريف  حاشدِ
فيا دولتـي بغي حدا الظلم فيـهما **** إلى حرب شـعب ٍ ماله   من   مسـاعـدِ
حنانا  على الريف الضعيف  فأنّـــه *** من الظلم سعي اثنين  في قتل  واحـــدِ
يعتبر اليعقوبي من الطبقه  الأولى  من بين شعراء عصره ، إن أنصف الحكم  - إذا أستثنينا الجواهري ،  فهو حالة متميزة -   لسهولة شعره الممتعة ،  وجزالة لفظه ، وعذوبة نغمه ، وقوة معانيه المبتكرة ، وسرعة بديهته 
.
5 - فالشعر ما ترتاح عنـد نشيده كل ّالعواطفْ:
ففي مقطوعة من قصيدة نظمها سنة 1344هج - 1926 م ، ونشرها في مجلة ( الفضيلة ) ، قال عن الشعر :
ما الشعر ، ما رقم اليراع**** منمقا فيه  الصحائــفْ
فالشعر ما ترتاح عنــــ  *** ـــــد نشيده كل ّالعواطفْ
تصغي له الأسماع مـــن ***طرب ٍ،  وتهتزّ  المعاطفْ
الشعر ما تكسوه رقّــّــ  ***  ـة لفظه أسنى  المطارفْ
وحوت معانيه الحقـــــا   **ئق والطرائف   والظرائفْ
هذا شعره ، وهذا منهج مسيرته الأدبية .

6 - ولي مقول ٌ في الشعب ناه ٍ وآمرُ: 
أما خطابته ، فهو الخطيب المفوّه الذي يسحرك بنبراته الجياشة ، وقصصه التاريخية الممتعة لما يريد أن يدلك عليه من تجارب الأولين ، وأخبار الماضين بأسلوب جذاب ،  فتسمع ولاتمل ،بل تستزيد ، وشواهده الشعرية الممتعه والمكملة  للمعنى الذي يريدك أن تذهب إليه فرضاً ، وأنت  طائع مطيع ! ، وكانت هذه شغلته  ومهنته ،وشغله الشاغل ، ولم يقبل لها بديلاً ،  لأن ببساطة على المنبر هو الآمر الناهي ، وعلى الكرسي هو المأمور المنهي ، وقد صرح بذلك صراحة ، عندما أغرته السلطات بمنصب رفيع لاستمالته وإسكاته وسكوته عن النقد الفاضح ، والتصريح الجارح قائلاً :
أأرتاح  بالكرسي  مزدهيا  به  *** وتهتز ّ من  شوق  ٍإلي ّ المنابرُ ؟
وأضرع   مأمورا   لناه ٍ وآمرٍ  ***ولي مقول ٌ في الشعب ناه ٍ وآمرُ
رضيت لنفسي في الحياة بمقنعٍ ٍ** من العيش  يأباه خطيب ٌ  وشاعرُ
ولم أدخر غير القناعة    ثروة ً***وتلك  التي  تبقى  وتفنى   الذخائرُ              
  7 - أما بحوثه التاريخية .. فهو باحث قدير ، ومحقق ثبت ،  وعلامة مقتدر ، وأديب كبير . وكان الرجل الشيخ حسن المعشر ، لطيف الدعابة ، خفيف الروح ، طيب القلب ، بسيطاً مع البسطاء ، عظيماً مع العظماء ، هكذا عرفته جاراً لنا في محلة البراق ، وهكذا عرفته خطيباً في مجالسنا ، أو عندما يقضي شطراً من ساعات المساء – أحياناً في ( براني بيت جدي ) ،وهكذا عرفته وأنا في شرخ الشباب عن بعد ، وفهمته عند كهولتي بعد مماته عن قرب ، إنه رجل عملاق .. وهو الآن أمامي بقامته المربوعة التي تميل إلى القصر ، وأكلتها سنوات العمر ،ونظاراته بزجاجيتيها الشفافتين أمام عينيه الصغيرتين الثاقبتين ، تجلس معه ولا تود أن تفارقه ، الزمن الطويل قصير بحضرته ، والساعات تنقلب معه دقائقاً ، رحم الله شيخنا الجليل , ورحم الله تلك الأيام.    
8 - ولادته  : 
ولد شيخنا اليعقوبي في النجف الأشرف (2) في شهر رمضان المبارك سنة 1313 هـ / 1895 م واسمه محمد علي بن يعقوب بن جعفر بن ابراهيم النجفي 3) , كان والده فاضلاً أديباً شاعراً تخرج على يد السيد أبراهيم الطباطبائي النجفي الشاعر المشهور (4) ، حمله والده معه في هجرته إلى الحلة وهو صغير فنشأ فيها محاطاً برعايته ، وقرأ القرآن الكريم على يد السيد سليمان وتوت (5) ، ثم أخذ يختلف على دار السيد محمد القزويني، فرعاه وأحسن رعايته ، وشجعه على حفظ الشعر وفهمه ( 6) ، ولازم الشيخ محمد حسن أبا المحاسن وتخرج عليه ( 7) وهاجر من الحلة الفيحاء 1333 هـ / 1913  ، فسكن قرية جناجة ،ثم هاجر إلى السماوة (8) ، وأمتهن الخطابة ، وعندما سقطت بغداد 1916 م لجأ إلى النجف (9) وبعدها انتقل إلى الحيرة وكانت الحيرة تشتهر بأنتقائها الخطباء ، فمكث بها إلى 1923 م ، وانتقل منها إلى النجف .
9 - تأسيس جمعية الرابطة الأدبية :

في سنة 1932 أسست جمعية الرابط الأدبية وكان عميدها السيد عبد الوهاب الصافي ومن أعضائها المترجم له , وبعد فترة عُين الصافي قاضياً  ، فانتخب اليعقوبي عميداً لها إلى آخر حياته ( 10)  ، ومما يذكر أن السيد عبد الوهاب الصافي لما كان عميداً للجميعة ، وكان يكثر من زيارة الشيخ محمد رضا الشبيبي ، إذ كان وزيراً للمعارف ويرهقه بإطراء الرابطة ومشاريعها وأعمالها حتى تضايق الشبيبي ، فقال للصافي ، أنت مريض بذات الرابطة ، فلما انتقل الصافي إلى سلك القضاء ، كتب شيخنا اليعقوبي إلى السيد الصافي ممازحاً بعد أن اشتهر الصافي بـ ( ذات الرابطة ) :
 ياصاحب الذات التي أعيا الورى ****منها شفاك ولات حيت شفاءِ
عوفيت  منهـا  وابتليت  بغيرهـا **** من ذات  رابطة  لذات قضاءِ
والشيخ اليعقوبي على مايبدو أيضاً أبتلي هو الآخر بـ  (ذات الرابطة ) ، لأن هذا الواجب الإنساني يحتاج إلى جهد جهيد ، فكتب اليعقوبي ، مرة ثانية للسيد الصافي قائلاً :
ياصاحب الذات التي***علقت به  طول الزمان
أشكر  إلاهــك   إنّه  **عافاك منها وابتلاني(11)

10 - بزوغ نجمه الخطابي: كأنك موسى والعصا عنده العصا!!  
بعد أفول نجم السيد صالح الحلي ، بدأ نجم اليعقوبي بالصعود وهو يتلألأ، ويشيع أكثر يوماً بعد يوم (12) حتى أصبح سيد المنبر الحسيني ، له اليد الطولى في توجيه الناس وإرشادهم (13) واشتهر في المدن العراقية الكبيرة ، وصار لمنبره وزن كبير ، ولشخصيته مكانة في النفوس ، لما إمتاز به من غزارة العلم ، وجمال الأدب، ورقة الطبع ، ونقاء السريرة (14)،ثم أنّ المرجع السيد أبا الحسن ( رحمه الله ) بالتزامه للشيخ اليعقوبي ، ومساندته له  ، وحضور بعض مجالسه ، شجع الناس على الإحتفاء به ورفع ذكره. ومما يذكر الأستاذ جعفر الخليلي في ( هكذا عرفتهم ) : وقد رآه مرة السيد أبو الحسن يمشي في معيته وهو في طريقه إلى الحرم الشريف متعثراً فسأله عن عصاه ، وكانت لليعقوبي عصا هي دون الصفصاف  الرخيصة الثمن ، فقال اليعقوبي : لقد كسرت عصاي  أمس ، فناوله السيد أبو الحسن عصاه ، وهي عصا من الأبنوس الثمين ، فكان من أكبر رموز التقدير ان يدفع المرجع الروحي الكبير بعصاه التي يستعين بها إلى أحد في وسط ذلك الجمع الغفير ، الذي اعتاد أن يحيط السيد أبا الحسن في أثناء سيره ،فقبلها اليعقوبي شاكراً، ولم يسر بضع خطوات في الطريق حتى تقرب من السيد أبي الحسن، وأنشده قائلا : 
أبا حسنٍ ٍلا غرو أن ألقت العصا ****يدٌ  منك  أبصرنا  مواهبهــا  فيـضا
كأنك موسى والعصا عنده العصا ***وإنّ اليد البيضاء منك اليد البيضا (15)
11 - مؤلفاته : ستنفعني  في  يوم  تفنى  الذخائرُ.           
وخلّف اليعقوبي عدة دواوين ومؤلفات منها ( الذخائر ) ،وتتضمن حوالي خمسين قصيدة في مدح ورثاء أهل البيت طبعت سنة 1949 م ، وقدصدرها بالبيتين الآتيين ، ولاتفوتك طبعا التورية في شطر البيت الثاني :
سرائر  ودٍّ  ٍّللنبيّ  ّورهطــــــــــه  *** بقلبي ،  ستبدو يوم تبلى  السرائرُ
وعندي ممّا قلت فيهم  (ذخائرٌ )   ***  ستنفعني  في  يوم  تفنى  الذخائرُ         
والمقصورة العلية قصيدة من (450) بيتاً في سيرة الإمام علي (عليه السلام ) ، طبعت سنة 1925 م ، والرجل - والشيء بالشيء يذكر- بسبب عقيدته وبيئته و التزامه الديني ، كثير التعلق بالإمام ( ع )  وزياراته الدورية لحضرته ،  وفي إحدى  السنين شكا الشيخ ألماً حاداً أصاب عينه ، منعه من زيارة 27 رجب المخصوصة لأمير المؤمنين (ليلة المحيا ) ، والدنيا قامت قيامتها عنده،والسيد جواد شبر الخطيب  كان يعوده ، فأنشده اليعقوبي متحسراً لعدم قدرته على الزيارة ، ومعتذراً لإمامه  قائلاً :
أبا حسن ٍ عذراً ، إذا كنت لم أطق ****زيارة مثواك الكريم مع النــــــــاس
فلولا أذى عيني ورأسي  لساقني ****إليك الولا سعياً على العين  والرأس
ومثل هذا الرجل الذي يُعتبرخادما لآل البيت قولاً وفعلاً ، عنده الزيارة تعادل الدنيا وما فيها ، وقالها بصريح العبارة :
قالوا ترى الأيام قد  أدبرت  ****عنك، وزادت في تجنيها
فقلت :حبي لبني المصطفى  ****خيرٌمن الدنيـــا وما فيها          
وللشيخ  ديوان شعر يتضمن القصائد الوجدانيه والوطنية والتاريخية طبع سنة 1928 م ، و ( البابليات ) ثلاثة اجزاء طبع سنة 1952 م , وحقق الشيخ اليعقوبي عدة دواوين لشعراء , كاد يطويهم الزمان بعد أن جمع شعرهم ودققه وحققه ,, كالشيخ صالح الكواز ، والشيخ عباس الملا علي ، ووالده الشيخ يعقوب الحاج جعفر ،  والشيخ عباس شكر ، والشيخ  محمد حسن ابي المحاسن (16) .

 12 - وفاته :
توفي الشيخ اليعقوبي رحمه الله في النجف الأشرف فجر يوم الأحد 21 / جمادي الثانية سنة 1385 هـ - المصادف 17 / 10/1965 عن سبعين عام . 
رحم الله اليعقوبي إنساناً وشاعراً وخطيباً ومؤرخاً ومحققاً  . 

13 - قالو عنه:
قد وصفه الأستاذ توفيق الفكيكي في جريدة الهاتف مرة قائلاً : الأديب البارع ، والشاعر المبدع المخترع ، والمؤرخ الضليع المتتبع ، والخطيب المصقع الذي يتصرف بالعقول والقلوب من فوق منبره ،  مملوء الإهاب بالفتوة ،  ذكي الفؤاد , مرهف الحسّ ، قوي الذهن ، سريع الخاطر، حاضر البديهية ، ذو شاعرية فياضة دفاقة ، وما فيه عيب إلاّ انّه حلو المذاق ، وريحانة الندماء (17)   ،ويقول عنه السيد جواد شبر في ( أدب الطف ) : أديب خطيب وباحث كبير ،علم من أعلام الأدب ، وسند المنبر الحسيني ، له اليد الطولى في توجيه الناس وإرشادهم ،  ولا زالت مواعظه حديثاً معطراً ، لايكاد يملّه جليسه ، فمن أشهى الأحاديث حديثه ، وما جلس إلا وتجمع الناس حوله من الأدباء وأهل الذوق الأدبي يتوقعون نوادره وملحه ، وأحاديثه الشهية ( 18)  ، ويقول الأستاذ جعفر الخليلي : اليعقوبي من أكثر الشعراء المعاصرين الذين يزخر شعرهم بالبديع من الجناس والتورية والأمثال والتضمين الذي يرسله عفو الخاطر دون تكلف ودون تعقيد (19) ، ونعته العلامة الشهير والمحقق الكبير ( اغا بزرك الطهراني) (20 ) في كتابه ( نقباء البشر ) : خطيب شهير ، وشاعر كبير ، وباحث فاضل .. وقد سطع نجمه في مجال الأدب ونوادي الشعر ، وذاع اسمه وبرز في الخطابة ، واشتهر في المدن العراقية الكبيرة ، وصار لمنبره وزن كبير ، ولشخصيته مكانة في النفوس لما امتاز به من غزارة الفضل ، ورقة الطبع ونقاء السريرة (21) ، أما الشيخ علي الخاقاني بالرغم من تحفظه عليه نتيجة حزازات شخصية في قلبه عليه لا يتسع المجال لذكرها ، فقد شهد بأنّه خطيب شهير ، وأديب معروف ، وشاعر رقيق (22) ثم ذكره قائلاً : وهو إنسان مرح الروح ، لطيف المعشر ،رقيق الحديث مليح النكتة ، قصاص بارع ،وفكِه متين ، متواضع ما وسعه التواضع (23) .
14 - طرائفه ومواقفه الوطنية : 
الرجل وطني غيور على مصالح شعبه ، وقضايا أمته ، وشاعر ثائر ، لا يخشى لومة لائم في قول الحق ، وإظهار الحقيقة ، يتمتع بجرأة أدبية كبيرة  ، وقدرة على نظم البيتين والثلاثة حيث تسير مسير الأمثال على ألسِنة العامة والخاصة ، مما تسبب إحراجاً كبيراً للسلطات  (24)، وكان الأجدر بها أن تتقبل النقد  ، وتصلح نفسها ، وتتنبه إلى أخطائها ، وتقوم المعوج . 
15 - قد عزّ  يا انكلتـــــرا مـــــا تبغيـــن: 
أثناء الحرب العالمية الأولى ، عندما كانت ألمانيا تحارب إلى جانب الدولة العثمانية ، دول الحلفاء،كان الألمان يركزون قسطاً كبيراً من دعايتهم حول منطاد ( زيبلن ) ،وهو منطاد ضخم جداً يحلق عاليا في السماء وترسله المانيا لقصف لندن وباريس ،  وتدعي انه يَحدث دماراً كبيراً لعظمته ، ومن طريف ما يذكر في هذا الصدد أن الشيخ اليعقوبي نظم قصيدة أثناء حصار الكوت ، أشار فيها إلى منطاد زيبلين ،  ومبلغ التدمير الذي أحدثه في لندن ، وهذه بعض أبيات منها : 
لله جيش المسلميـــن المنعـــوتَ *** كلّ حجي قد عــــاد منه مبهــوتَ 
صال على انكلترا وهي الحوت ***  ولم  يزل  يطردها  حتى  الكــوتَ 
من بعد ما جاست خلال سلمـان 
قد عزّ  يا انكلتـــــرا مـــــا تبغيـــن *** وراءك اليوم عن المــعصومين  
ليس   الـعراق   مثلـما    تظنيـــــن ****فلندن حــــام  عليها  زبــــــلين 
يقذفها   قنــــــــابلاً ً   ونيـــــــران (25)
16 - الموصل الحدباء رأس بلادكم:  
وثار الشيخ اليعقوبي على طلب تركيا بإلحاق الموصل الحدباء إلى أراضيها في مؤتمر لوزان الشهير سنة 1923 م ، بأعتبار أن الموصل كانت خارج النفوذ البريطاني عند إعلان الهدنة عام ( 1917) ، واستمرت المشكلة فترة من الزمن واعتبر اليعقوبي ، إن الموصل رأس العراق ، ولا يمكن أن يعيش بدونه ، فقال مخاطباً المجلس التأسيسيي : 
ياأيها الـــنواب صونوا شعبكم  **** بالاتـــحاد وبالحجى والبـــاسِ ِ 
الموصل الحدباء رأس بلادكم ****  والجسم يفنى بعد قطع الراسِ (26)
17 - ولندن ليس بها حامية:  
وعندما اصطدم العراق بالجيش الإنكليزي عام 1941م إبان الحرب العالمية الثانية ، نظم اليعقوبي قصيدته اليائية التي أنشدها في دار الرابطة الأدبية في النجف ومطلعها : 
بالشعب قد عاثت يد عادية *** فجددوها نهضة ثانية (27)
ومنها البيت : 
جاءت لتحميك على زعمها  ***ولندن ليس بها حامية 
قد نشرتها أمهات الصحف العربية ، وأذيعت من أغلب المحطات العربية حتى لقد كان المستر (بيرون) الذي كان رئيساً للعلاقات البريطانية  ، كلما رأى أديباً قائلاً اختصر: ( ولندن ليس بها حامية ) ، ثم يسأل على سبيل المزاح والتهكم كيف صحة اليعقوبي ؟! (28) 

18 - يا قوم : ما الأحزاب غير سحابة ٍ *** جوفاء ترعد في السماء وتبرق
وعلى مايبدو أن اليعقوبي ( رحمه الله ) ، قد خاب أمله في أواخر أيامه , واعتصر قلبه الالم لما وصلت اليه الأوضاع السياسية من عدم انسجام وطني يلم شعث الشعب ، فسمعت منه قصيدة في إحدى المناسبات أتذكر منها هذا البيت وهو الشاهد : 
سل ثورة العشرين أين رجالها *** فجهادها وجهودها ذهبت سدى !! 
وعلامات التعجب لكاتب هذه السطور ، وله بيتان آخران من ضمن قصيدة ألقاها في جامع الهندي في النجف بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام الحسين (ع ) سنة 1964  ، قبل وفاته بسنة ، وكان العراق حينها يمرّفي ظروف بالغة الخطورة والصعوبة،والصرعات السياسية وصلت إلى  درجة لا يمكن السكوت عنها ، فقد سخط على الأحزاب السائدة  ،وهذا رأيه ، وعلى أغلب الظن ، كان يمثل وجهة نظر المرجعية , يقول فيهما :
يا قوم : ما الأحزاب غير سحابة ٍ *** جوفاء ترعد في السماء وتبرق
طورا  بهم  فهدٌ  يســـــود  وتارةً *** يتزعم القطـــــرين  فيهم عفلق 
ونقول لو أدرك شيخنا هذا الزمان ما ترى سيقول ؟!

 19 - بغداد قد جُبيت للغرب ثروتــها  *** والشعب ثروته تَجبى لبغـداد
على كل حال يحفظ الجيل المعاصر للشيخ اليعقوبي كثير من نتفه السياسية  ، ونحفظ معه هذه النتف ،وأرتأينا أن نذكر ما يسرّ الخاطر : 
قد أصبح الوطن المسكين بينهم ****حباله نصبت في كف صيادِ 
بغداد قد جُبيت للغرب ثروتــها  *** والشعب ثروته تَجبى لبغـداد
20 - خلّص عبادك  من طه وياسينِ:   
ولمّا تولّى ياسين الهاشمي رئاسة الوزراء ، وأخوه طه رئاسة أركان الجيش ، ضربهما دفعة واحدة ، ولا أعتقد ستفوتك التورية في البيت الثاني عن سورتي ( طه ) و (ياسين ):
قالوا وزارتكــــــــــم ياسين يرأسها *** ويرأس الجيش طه في الميادين ِ
يا ربّ ( طه ) و( ياسين ٍ) بحقّهما  ****  خلّص عبادك  من طه وياسينِ
21 - أضرّ على البلاد  من الجرادِ:   
  واحفظ له بيتين من بحر الوافر - من بعض ما أحفظ له  منذ مطلع الستينات - يعبران أجمل تعبير عن ضرر الفساد الأداري للمجتمع , وكيانه الأقتصادي,وبعده الأخلاقي: 
           آلا قل  للوزارة  وهي  تبغي*** مكافحة الجراد عن البــــلادِ 
فهلا كافحت في الحكم قوماً ***أضرّ على البلاد  من الجرادِ
22 - فاستقبـــــــــل الشعب الوزا  *** رة بالصلاة على محمدْ  
ولما شكّلت وزارة ( أرشد العمري ) ، قد تناولها بداية بالاستهزاء من التقلبات السريعة، ولم يكن يحمل ضغينة على العمري ، بل لم يكن يعرفه أصلاً ، فالسخرية عامة  : 
قالو الوزارة شكلــــــــــــت  *** بــرئاسة العمري ارشدْ 
فاستقبـــــــــل الشعب الوزا  *** رة بالصلاة على محمدْ
23 - بيت الله ولينين ...!! 
ومن سخرياته  اللاذعة ، وصوره للمفارقات البارعة  ،عندما أدّى الرئيس العراقي عبد السلام عارف العمرة ،  وعاد إلى العراق ، سرعان ما شدّ الرحال ليزور موسكو ، ويضع أكليلاً من الزهور على قبر لينين ، خاطبه الشاعر قائلاً :
بالأمس  كنت ببيت الله  مــــعتمرا ً *** ترمي الجمار على مآوى الشياطين ِ
واليوم ترمي أكاليل الزهور على *** **ضريح قبر ٍ بنوه فـــــــــــوق لينين (29) ِ
لا أخالك تختلف معي أن الصورة مضحكة ، والمفارقة ملفتة ، والشيخ كان يعرف العرف الدبلوماسي ، والوضع الرسمي ،  ولكن التوقيت الغريب ، للرئيس العجيب ! جلب هذا الشعر المصيب ، لأعين الرقيب !      

24 - منازل قد كانت بهنّ العواهرُ:
 ليس بعيداً عن السياسيين ، فالشيخ يحمّل هؤلاء المسؤولية الكبيرة في تردي الأوضاع الأقتصادية ،  وتفشي الفساد الأداري بين صفوف المجتمع ، هو لايحتمل الضررالواقع على غيره منهم، فكيف الحال إذا مسّه الضرر مباشرة ، وبشكل مبين من موظف مستهين ، أحكي لك:
 تم توزيع قطع أراضي في النجف على علماء الدين إبان حكومة الدكتور فاضل الجمالي ، وعند مراجعة شيخنا إحدى دوائر بغداد المختصة لتنفيذ القرار ،  استغفل الموظف المسؤول الخطيب المشهور ،  وكان يجهله لجهله بالأمور ، فأعطاه رقماً وهمياً لا أساس له ولا راس ، وعند ذهابه للنجف لغرض تسجيل القطعة باسمه لدى الدائرة العقارية ، أخبره الموظف النجفي لا وجود للرقم المزعوم في سجلات القيد المرسوم ، وما هذه إلاّ حيلة ، فعاد خائباً إلى بغداد ،  ولكن توجه إلى مكتب رئيس الوزراء ، وكان الرئيس نفسه قد أصدر أمراً - في الفترة نفسها - بغلق دور الدعارة في محلة الصابونجية البغدادية ، دخل الشيخ الجليل على الدكتور الجمالي ،استقبله الرجل  استقبالاً حافلاً  ، يليق بمن مثله ، وطلب منه الجلوس ،  رفض الشيخ اليعقوبي  هذا العرض ،وقال له : أقرأ عليك هذين البيتين:
قالوا ببغداد الجمـــــالي قد محى*** منازل قد كانت بهنّ العواهرُ
فإنْ طهّرت تلك المنازل لم تكن ***لتطهر من أبنائهنّ الدوائـــــُر
وعندك الجواب ، ما كان الحساب!

25 - الناس تضربه الذيول ** وأنت تضربك الصدورُ 
ومما يثير الإعجاب ، تناوله قضية إحالة القاضي الشرعي التمييزي الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي (1292-1370 هج\1876-1950م) على التقاعد بأمر صادر من السيد محمد الصدر رئيس محكمة التمييز العليا في حينه - أصبح السيد رئيسا للوزارة ولمجلس الأعيان... مرات -  وليس بناء على ذيل قانون انضباط الموظفين.
 فصرخ الشيخ  السماوي القاضي:
 (ما ضربني الذيل ، ولكنه الصدر) .
 فتلقف الشيخ اليعقوبي صرخته مضمناً مورّياً... قائلا:
قل للسمــــــاويِّ الذي ** فلك القضاء به يـــدورُ
الناس تضربه الذيول ***وأنت تضربك الصدورُ
تورية الذيول والصدور توضحت من مقدمة الحديث، أمّا القضاء فهو تورية عن المنصب الوظيفي العدلي ،  وليس القضاء والقدر كما يتوهم بعض القراء.

26 -  ثارت عليك ضغائن (السوداني) 
ومن مواقفه الأدبية الطريفة مع الشيخ كاظم بن الشيخ طاهر السوداني (1303-1379هـ \1885-1959م) ، كان الأخير لا يميل إلى المتنبي ،  ويعتبر شعره مسروقاً ،  ويثور على كل من يفضله على غيره من الشعراء، حتى أنّه هجا المتنبي بقصيدة ،  فتناوله الشيخ اليعقوبي مخاطباً المتنبي - وكان اليعقوبي  شديد الإعجاب به -:
يا ابن الحسين ، وقد جريت لغايةٍ *** قد أجهدت شعراء كلّ زمــــان ِ
لكنّما الســـــــودان حين هجوتهم ** ثارت عليك ضغائن (السوداني) 
ولاتخفي الإشارة إلى هجاء المتنبي لكافور الأخشيدي،  وخصوصا قوله ( لاتشتري العبد إلا والعصا معه...)!! 

27 - (واذاأتتك مذمتي من ناقصِ ِ):  
ومرة ثانية يخاطب الشيخ السوداني نفسه - كأنما ما كفاه ما قد رماه - بشكل أقسى وأمرّ ،  اقرأ وركّز على التضمين لشطر بيت المتنبي الشهير:
ياهاجياً ربّ القوافـــــــي أحمداً****بلواذع من نظمه وقوارص ِ
حسبي وحسبك في جوابك قوله **(واذاأتتك مذمتي من ناقصِ ِ) (30)

28  - ودع القوم يهلكون ظمـاءا: 

ونختم حديثنا عن الشيخ اليعقوبي ، بذكر - متصرفين بصياغتنا ، موجزين وفق مرادنا - مانقله الشيخ محمد الخليلي بمقالة كتبها في أواخر أربيعينات القرن الماضي (31) ، أقام نادي (المتنبي) في الكوفة حفلة تكريمية لقائم مقام النجف السيد حسن الجواد ، ألقى الشاعر المبدع الشيخ  علي البازي قصيدة ختام الحفل ،  قال فيها مخاطباً الجواد:
أفي مثل عصر النور نحيــا  بظلمةٍ  ***ومثلك فينا يملك النهي والأمرا
على النهر من شاطي الفرات بيوتنا  **وأكبادنا ممــــــــــــا تكابده حرّى
وما ان انتهى البازي من شعره حتى انبرى اليعقوبي مرتجلاً ومداعباً ومخاطباً الجواد نفسه:
لا تعر أهل كوفة الجند سمعــاً  ***ودع القوم يهلكون ظمـاءا
كيف تسقي يا ابن الجواد أناسا ً **منعوا جدّك الحسين الماءا
كانت مداعبة الشيخ اليعقوبي مفارقة لطيفة،  ومبادرة غريبة ،  طلب الحضور تشطيرهما من السيد محمود الحبوبي ، فشطرهما في الحال ضاماً صوته لصوت صديقه الحميم اليعقوبي ، وأيده الشيخ عبد الغني الخضري ، ولكن الشيخين محمد الخليلي والبازي دافعا عن الكوفة وأهلها، ومما قاله البازي الجميل:
لا تعر أهل كوفة الجند  سمعـــــاً ***عجبا منك, يطلبون جفاءا
ويقولون لا تجبـــــــهم  بشـــيءٍ *** ودع القوم يهلكون ظماءا
كيف تسقي يا ابن الجواد أناســاً  **** وسواهم يكابدون العناءا
أو ترضى أنْ تعد من حزب قومٍ  *** منعوا جدك الحسين الماءا؟
رحم الله ما فات على شاطئ الفرات ،الماء يجري ، والنفوس تغلي ، أمّا ما هو الآن الحال ، فأنّه لا يمر ببال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع (الشيخ محمد علي اليعقوبي, نقد سياسي ساخر...) مقال بقلم محمد جواد الغبان\موقع حزب الفضيلة اللاسلامي\الشعر
 (2) يذكر الشيخ علي الخاقاني في ( شعر الغري ج9 ص 505 انه ولد بقرية ( جناجنة) عند آل مرزوق يوم هاجر والده من النجف الى اطراف الحلة. اما اغلب المصادر تجعل ولادته في النجف الاشرف . راجع ( نقباء البشر ) لاغا بزرك الطهراني . القسم الرابع ص 1560-1563 ( ادب الطف ) للسيد جواد شبر ج10 ص 194 ( فلسطين في شعر النجفي المعاصر ) د. محمد حسين الصغير ص203. 
  (3) نقباء البشر: المصدر السابق.
 (4) الامين : السيد محسن ( اعيان الشيعة ) م 10 ص 314. 
   (5) نقباء البشر : المصدر السابق.
 (6) المصدر السابق : الخاقاني ج 9 ص 505 ،ادب الطف :المصدر السابق.
  (7) نقباء البشر : المصدر السابق.
(8) شعراء الغري : ص 5 .
 (9) المصدر نفسه.  
            (10) نقباء البشر : المصدر السابق. 
 (11) مجلة الموسم العدد ( 109) 1991 م ص 607 نقلنا الرواية.  
 (12) الخليلي : جعفر ( هكذا عرفتهم ) ج2 ص146.  
 (13) شبر : جواد ( أدب الطف ) ج 10 ص 194 وما بعدها.
       (14) نقباء البشر ( المصدر السابق. 
 (15) هكذا عرفتهم : ج2 ص 155.
 (16) أدب الطف ج10 ص 194. 
(17) هكذا عرفتهم / جعفر الخليلي ج2 ص147. 
 (18) جواد شبر ( ادب الطف ) ج10 ص194 وما بعدها. 
  (19) هكذا عرفتهم / المصدر السابق / ص157. 
  (20) اتذكر الكلمة التابينية للشيخ اغا بزرك الطهراني ( قدس) قد بداها( وتقدرون فتضحك الاقدار) ثم اردفت الكلمة التي القيت نيابة عنه ما معناه : كنا قد ذخرنا الشيخ اليعقوبي لرثائنا , واذا بنا نرثيه . 
   (21) نقباء البشر /القسم الرابع /ص1560 – ص 1563 للشيخ اغا برزك الطهراني. 
    (22) الخاقاني : علي / شعراء الغري / ج9 ص 505. 
(23) المصدر نفسه ص 506. 
        ...) ط ثانية 1984 ص203.  (24) الصغير :محمد حسين (فلسطين
 (25) الوردي: د.علي  (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)  ج4 ص22.
 (26) مجلة الموسم \ العدد 9-10 - 1991 ص18-19.
 (27) ادب الطف: ج10 ص196.
 (28) هكذا عرفتهم: ج2 ص156.
 (29) الموسوي: عبد الصاحب،  حركة الشعر في النجف الاشرف \ص429.

(30) ادب الطف\ مصدر سابق الجزء العاشر ص148.
(31) مجلة (البديل) النجف الاشرف\السنة الثانية العدد3 \ محرم 1366هـ -كانون الاول 1946.  

همس فى حلم/ ليلى حجازى

فى فضاءات الليل

والقادم إليك سيدي

حرف معبق بالمدى

والحلم والضياء

حين تغادر جحافل العتمة

تحلق في الضوء نبضة حنين

تتلظى بالعشق

باحثة عن صباحات الأحرف

في دوائر الانعتاق

وسر الحياة والوجود

بين همسة تولد

وأخرى تنتحر

بين حنايا


الفصْليّةْ/ كريم عبدالله

إهتضمتْ أزهارها الملوّنةِ المترنّحةِ ايدي التقاليد الخشنة شققتْ ملمسها آثار ( العمّالة )* وزناد البنادق الرعناء تتجولُ في بساتينها الغافيةِ رائحةُ المكر تشوّهُ نظراتها الخائفة عطشُ الحيوانات الهاجعة تحتَ براثنِ السطوة تغدقُ الدموعَ توسلاً انوثتها المتنرجسةِ تفيضُ براءةً أمامَ هيكلِ العنادِ المتشامخ غباوةً يحرقُ أحلامها الصغيرة قطعةً قطعةً قطعةً وكـ قطّةٍ تحتمي بـ الظلام تخفقُ خابيةً على سريرِ التدّنيس يلتهمها . حشَّتْ سننُ القبيلةِ أفراحها ودميتها السمراءَ تطالعُ حجابُها الذابلَ الطلاسم مذهولة كيفَ تتخلّى عنْ جِيدها وأساورها يتوسّدها التراب تتنهّدُ في خزانتها المفجوعةِ حتى شرائط المدرسةِ البيضاءَ تحزّمتْ بها دفاترها الجديدة حروفها مسجونة لا يخطّها قلمُ الرصاص سلبَ رونقها سجنٌ بعيدٌ أرهبَ قاصتها فظلّتْ نقودها المعدنيّة تنتظرُ الصدأَ يمحو ملامحها وقد غادرتها أنامل تشكوها ملابس تحلم أنْ تلاطفها وترتدي عطرها الخافتَ كـ أشعةِ الشمس عبرَ النافذةِ المسدلةِ دوما تبحثُ عنها وتختلي بـ خيالها الشاحب . إندفنت الثلوجُ التي خلّفها الشتاء فوقَ صدرها سكنتها ذئابُ الوحشةِ دائماً تعوي مخالبها القاسية رسمتْ خارطةً أخرى تكوي رياحينها منزويةً في كهفِ زمانها الطووووووويل تتحسسُ رغبات سنابلها المخضّبةِ بـ الصهيل تنزعُ أعنّتها تستريييييييييح وتلمُّ بروقها الملوّحةِ للشمسِ تصوغُ شرنقةَ صمتٍ تحصدُ الخيبات .
الفصْليّة* : المرأة "الفصلية" ضحية زواج الدم، الذي ينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بعنوان "الثأر" في أغلب الأحيان. وهذه المرأة تعيش خلال هذا الزواج في الغالب تحت ضغط نفسي "صعب جداً. 

بغداد
العراق


بيدي لا بيدك عمرو ظاهرة الانتحار عند أدبائنا/ ابراهيم مشارة

وأما العنوان فهو مثل أطلقته ابنة الزباء ملكة الجزيرة وقنسرين لما وقعت في أيدي قصير وعمرو وكان لها خاتم فيه سم فمصته مفضلة أن تقتل نفسها قبل أن يقتلها عمرو.

هكذا يخبرنا صاحب فرائد الأدب في الأمثال والأقوال السائرة عند العرب.

وأما عمرو الذي نعنيه هنا في هذا المقال فهو القضاء أو القدر ويكون المثل بعد التحوير بيدي لا بيدك أيها القضاء ، وهكذا ينجلي المعنى ويتضح المقصد أي ظاهرة انتحار بعض أدبائنا وهي ظاهرة تستحق الالتفات إليها والكتابة عنها لأن الأديب أو المفكر هو صوت الأمة ولسانها وضميرها وعقلها وذهابه خسارة تصيب الأدب والفكر.

كان ميشال فوكو معنيا بالوضعيات الصعبة كالجنون وقد استمعنا إليه في حديث خاص مسجل عبر الفيديو وهو من أرشيف المركز الثقافي جورج بومبيدو في باريس يركز على هذه الوضعيات الصعبة لفهم العقل الإنساني وآلية تصرفه في خضم الحياة الاجتماعية والسياسية المعقدة.
وكان أستاذنا الكبير الدكتور عبد الرحمن بدوي الذي رحل عن دنيانا معنيا بهذه المآزق والوضعيات الحرجة فكتب " شخصيات قلقة" و" من تاريخ الإلحاد في الإسلام" إسهاما منه في كشف وتجلية المواقف الصعبة والحرجة بل والشاذة في تاريخ الفكر إنصافا للحق وأمانة في ذمة التاريخ.

أما ظاهرة الانتحار عند أدباء الغرب فهي ظاهرة مألوفة يعرفها قارئ العربية جيدا وليس في حاجة إلى أن أذكره بانتحار كوستلر ، وهمنغواي، ويسنين و مايا كوفسكي، وكاواباتا، وفرجينيا وولف ، وجاك لندن وغيرهم، إنما تجدر الإشارة إلى انتحار الأدباء اليابانيين ذي الطقوس المعروفة بـ"الهاراكيري" ولقد نقل التلفزيون الياباني في السبعينات على المباشر انتحار الأديب مشيما بأن غرس السيف في صدره بينما تولى شخص أخر قطع رأسه والعجيب أن ذلك كان على المباشر وقد كتب عن هذا الحدث في إحدى مقالاته الأستاذ أحمد بهاء الدين الذي تصادفت زيارته إلى اليابان مع حدث الانتحار هذا.

وللانتحار أسبابه والسبل المؤدية إليه ، فقد يكون الداء وأوجاعه واستحالة البرء منه ذريعة للعبور إلى ضفة العدم، ولكن الشائع في الانتحار عند الأدباء هو رفض المجتمع وقيمه واستحالة التكيف مع نواميسه فيلغي الأديب ذاته ويشطب نفسه من قائمة الأحياء بعد أن يدب اليأس إلى قلبه ويسكن في سراديب روحه وتلافيف مخه ، وعند بعض الأدباء والمفكرين حالة خاصة تصل بهم إلى الاعتقاد بعبثية الوجود الإنساني وبعماء الكون وانتفاء القصدية في الطبيعة والبشر وهذا يستلزم الوحدة والكآبة وتخلخل التوازن الذهني والنفسي يعجل بصاحبه إلى قعر الهاوية.

على أن الفشل والخيبة وعدم إدراك النجاح المتوخى والشهرة الكاسحة بعد عمل أو عملين أدبيين أو فنيين يصيب صاحبه باليأس وينتهي به إلى الموت الإرادي وهذا ماحدث بالتحديد للأديب الألماني هينرش فون كلا يست الذي عاش في زمن غوته ففشل مسرحيته " الإبريق المكسور" عجل به إلى الموت الإرادي .

وكان المعري كعادته في طرق المسكوت عنه والإفصاح عن المكبوت قد تناول ظاهرة الانتحار في لزومياته ورأى بأنها حيلة الأنا في إنقاذ نفسها من تصاريف الحياة لولا الخوف من المجهول وهو خوف لا شعوري ، يقول المعري:

لولم تكن طرق هذا الموت موحشة 
مخشية لاعتراها الناس أفواجا

وكل من ألــقت الدنيا علــــــيه أذى
يؤمها تاركا لــلعيــش أمــواجا

كأس المنية أولى بي وأروح لــــي 
من أن أعالج إثــراء وإحواجــا

وأغرب حادثة انتحار في أدبنا الحديث مارواه الأديب الأستاذ إداور الخراط عن الشاعر الشاب المصري منير رمزي وهو من جيل الأستاذ الخراط وكان حينها أي في الأربعينيات طالبا جامعيا، رهيف الحس، رحب الخيال ، سيال القلم ، آنس من نفسه القدرة على كتابة الشعر فاستجاب لمواهبه فنظم الشعر ولا شك أنه كان شعرا رومانسيا ، يصف خفقات القلوب ولواعج الهوى وألم السهاد والبعاد، وكان ذلك عهد صعود "أبولو" وشعراء الرومنطيقية الكبار رامي وناجي وصالح جودت وأبي شادي وغيرهم وكان منهم منير رمزي الذي أحب فتاة جامعية ونظم فيها الشعر ولما كان حييا خجولا لم يجد القدرة على الحديث معها حتى شجعه الأصدقاء ولعل الأستاذ الخراط واحد منهم فلما لم تأبه الفتاة لكلامه ولا وضعت لحبه اعتبارا ولا لشعره قيمة قضى على نفسه ومات في ميعة الصبا.

أما الشاعر أحمد العاصي وأحسب أن مجلة الفيصل السعودية وفي عدد من أعدادها الصادرة في الثمانينات تناولت قصة حياته وتفاصيل موته منتحرا.

وكان أنور عاصي كئيب النفس يحمل في وجدانه معاناة الوجود واليأس من الحياة وتباريحها، ولربما لم يحقق أنور عاصي ما طمح إليه من شهرة كاسحة ودوي يخترق الآذان، خاصة والإنسان في حياته الأولى وفي صدر شبابه يتعشق الشهرة تعشق الفراش للنور ويسعى لشيوع الذكر سعيا غير كليل ، فلربما كان ذلك سببا لاختيار الشاعر الموت مختنقا ، فقد اكترى غرفة في أحد الفنادق وفي ليلة الرحيل تناول مخدرا أو منوما بعد أن فتح أنبوب الغاز يتسرب بهدوء وهكذا مات هذا الشاعر الشاب مختنقا بالغاز.

ويقص علينا الأستاذ صالح جودت في كتابه الصادر عن دار المعارف في سلسلة " إقرأ" وأذكر أن عنوان الكتيب هو " بلابل من الشرق" والأستاذ صالح جودت شاعر معروف كان من جماعة "أبولو" وكان صديقا لناجي وعلي محمود طه أقول يقص علينا قصة الشاعر صالح الشرنوبي(1924/1951)

وكان شاعرا نزح من قرية من قرى مصر إلى القاهرة ، وعرف هذا الشاعر بليونته وتسامحه حتى أنه كان يتأبط ذراع راهب من رهبان الكنيسة وهما يمشيان سويا في شوارع القاهرة وهو القائل :

غدا يا خيالي تنتهي ضحكاتنا 
وآمالنا تــفنى وتــفنى المـشاعــر

وتسلمنا أيدي الحياة إلى البلى 
ويحكم فينا الموت والموت قادر

وقد كان شاعرا يائسا من الحياة ، يحمل هم الوجود وتصاريف الفكر وأعبائه فضل إنهاء حياته بإلقاء نفسه تحت عجلة القطار على طريقة الشاعر التشيكي جوزيف أتيلا بعد أن ترك في جيبه ورقة كتبها إلى أهله أوصاهم فيها بطبع ديوانه الشعري، هكذا يخبرنا صديقه الشاعر صالح جودت في كتابه الآنف الذكر.

أماالكاتب إسماعيل أحمد أدهم(1911/1940) فهو حالة خاصة درس الرياضيات العليا في روسيا وجاء إلى مصر وهو من أصول تركية يعلم بالجامعة ويكتب في الأدب وعرف بخصومته الشديدة لعميدالأدب العربي الدكتور طه حسين ، ولربما أراد الشهرة لنفسه بافتعال الخصام ومعارضة النابهين والمشهورين، غير أن إسماعيل أدهم كان مضطرب الفكر متقلب النفس، ميالاإلى الإلحاد ولربما كان إلحاده انتقاما من الله بنفي وجوده وانتهاك محرماته أكثر مما هو جدل عقلي واستدلال منطقي وهو ماندعوه بالإلحاد النفسي، وقد كتب كتابا بعنوان " لماذا أنا ملحد؟"،وحاول النيل من طه حسين بالتشهير به وتسفيه آرائه في الشعر الجاهلي واتخاذه مطية للصعود، أضف الى ذلك كله مرضه بالربو ومعاناته من هذا الداء العضال كل هذه الأسباب اجتمعت فأقنعته بالتخلص من حياته فأغرق نفسه في البحر في مدينة الإسكندرية.

ولازال قراء العربية وأنصار الشعر الحديث والمتحمسون للشاعر الأردني تيسير سبول وهو من رواد الشعر الحديث في الأردن أقول لازالوا يذكرون انتحاره يأسا من الحياة العربية وإخفاقات الواقع ونكد السياسة وعربدة إسرائيل بعد نكسة حزيران 67 واحتلال الجولان والضفة الغربية وسيناء وهو الشاعر القومي الطموح المتغني بأمجاد قومه، المتوثب لنهضة عربية تعيد بهاء صورة الأمس ، وإلى حرب تستأصل فيها الصهيونية ، ولكن الطموح الكامن في روح الشاعر لم يجد الواقع الذي يتجسد فيه هذا الطموح ، فرحل تيسير سبول بيده لا بيد القضاء. ويأتي في قائمة المنتحرين الشاعر اللبناني الكبير خليل حاوي (1925/1982) الشاعر والأستاذ الجامعي ، صاحب السمعة الذائعة والشهرة المدوية وهو شاعر كبير من رواد الشعر الحديث استملك أدواته وأتقن فنه فصار من الكبار من فئة صلاح عبد الصبور وأمل دنقل والسياب والملائكة والبياتي، واللافت في هذا الشاعر خريج الجامعة الإنجليزية والمتمكن من الثقافة العربية ميله إلى الوحدة والكآبة في سني عمره الأخيرة وكأنه استشعر راحة اليأس واستلذ مرارة الكآبة بعد عمر حافل خفق فيه القلب للأمجاد القومية، وتوثبت الروح للنهضة المنشودة واستشرف الشاعر قيام طائر العنقاء من رماده صحيحا معافى،مبشرا بعصر الخصوبة والربيع ونهاية الكابوس باندحار العدو – إسرائيل- ولكن الأيام أظهرت للشاعر غير الذي تمثله في خاطره، وتمناه في حلمه، فانطوى على نفسه وكان آخر دواوينه الشعرية يومئ بهذه الكآبة والإخفاق واليأس الوجودي ولا أدل على ذلك من عنوان الديوان ذاته " نهر الرماد" وهو عنوان يوحي بالخيبة والعقم بعد أن تحولت الجذوة الملتهبة نورا ونارا رمادا واقرأ هذا المقطع من هذا الديوان لتستشعر اليأس وتعرف الكآبة وتقدر الإخفاق:

خلنــي للبــحـــر لــلــريـــح لــموت

ينشـر الأكـــفــان زرقـــا للــغـريــق

مبحر ماتت بعينيه منارات الطريق

مات ذاك الضوء في عينيــه مــات

لا البطولات تنجيه ولاذل الصــلاة

واحص مفردات الكآبة واليأس والخيبة والقرف من الوجود في هذا المقطع من مثل : ( موت ، الأكفان، الغريق ، ماتت ...) وأدرك هذا اليأس الذي سكن في روع الشاعر، بعد أن بدأ المشوار حاملا صليبه إلى ذروة الجلجلة ، أو بدأ كأبطال السير الشعبية وانتهى كأبطال التراجيديا اليونانية إنه كملاح صلاح عبد الصبور في " الظل والصليب"

ياشجر الصفصاف إن ألف غصن من غصونك الكثيفة

تنبت في الصحراء لوسكبت دمعتين

تصلبني ياشجرالصفصاف لو فكرت

تصلبني ياشجر الصفصاف لو ذكرت

تصلبني يا شجر الصفصاف لو حملت ظلي فوق كتفي ، وانطلقت

ومن الواضح الجلي أن دلالة الصفصاف هنا هي الخصاء الذهني والعقم النفسي .

انتهى خليل حاوي كملاح عبد الصبور وهوى إلى قاع العدم ولكن ملاح عبدالصبور مات من غير جرح من غير دم بينما مات حاوي منتحرا ببندقيته بعد أن ملأت الدماء غرفته .وهكذا أسدل الستار على حياة شاعر كبير مشى إلى النهاية بيديه وتحدى الموت الذي كان يدب نحوه بأن حث هو الخطى إليه

وفي الواقع فإن القائمة لا تتسع للكثيرين من الأدباء الذين أنهوا حياتهم بإرادتهم ويضيق المقام كما لايتسع المقال لذكر الجميع من شعرائنا وكتابنا الذين رحلوا بأيديهم لابيد عمرو.



التوراة السامرية بقلم وليم إ. بارتون The Samaritan Pentateuch/ حسيب شحادة

جامعة هلسنكي

William E. Barton, The Samaritan Pentateuch: The Story of a Survival among the Sects. Bib-liotheca Sacra, October, 60 (1903), 601-632. 

ارتأيت أن أُشير إلى النقاط والأمور الهامّة في تقديري، التي وردت في هذا المقال، خدمة للمهتمّين بالشأن السامري من القرّاء العرب عامّة والسامريين خاصّة وقد أضفت ملاحظاتي وتعليقاتي باختصار بين قوسين (). نُشر هذا المقال في منابرَ أخرى وينظر في الكاتالوج :

Alan David Crown, Reinhard Pummer, A Bibliography of the Samaritans.Third Edition: Re-vised, Expanded and Annotated. ATLA Bibliography, No. 51. The Scarecrow Press, Inc. Kanham, Maryland. Toronto. Oxford 2005, p. 37.
كما نشر في الموقع الإلكتروني الأمريكي المعروف عن الدراسات السامرية: www.theSamaritanUpdate.com, 2011.
 The Samaritan Pentateuch: The Story of a Survival Among the Sects, Oberlin Ohio: The Bibliotheca Sacra Company, 1903  
http://shomron0.tripod.com/articles/biblioupdate2014.pdf

في الصفحة الأولى يُثبت المؤلّف بارتون صورة صفحة من مخطوط قديم للتوراة السامرية بالحروف السامرية، ٢٩ سطرًا من سفر العدد ٢٧: ١٩ לפני כל העדה וצוית אתו / לעיניהם ונתתה מהודך / עליו ולמען ישמעון وحتى ٢٨: ٤ את הכבש האחד תעשה בבקר ואת הכבש השני בין הערבים (هنالك شبه بالنص اليهودي). وفي الصفحة التالية صورة فوتغرافية كُتب تحتها بالحرفين العربي والسامري: يعقوب بن هرون الكاهن الأوّل بنابلس. في أعلى الصفحة الثالثة يعرِض بارتون صورة لرسالة قصيرة بالعربية كان الكاهن المذكور قد أرسلها له في ٢٥ نيسان ١٩٠٣ (نشرتُها مشفوعة ببعض التوضيح وبترجمة إلى العبرية والإنجليزية بعنوان: رسالة يعقوب هرون الكاهن الأوّل لبارتون). 

يحاول القسّ الدكتور وليم إدوارد بارتون (١٨٦٨- ١٩٥٥) في هذا المقال عرض وضع السامريين ومساهمة توراتهم في معرفة العهد القديم. كان بارتون قد اهتمّ بدَرْج التوراة السامرية المقدّسة بنابلس عدّة سنين قبل زيارته لفلسطين عام ١٩٠٢. يُعتقد أنّ هذا الدَّرْج المخطوط هو الأقدم في العالم. الكهنة لا يعرضونه حتّى لأبناء الطائفة إلا مرّة واحدة في السنة في عيد الغفران. صديق بارتون الثري الأمريكي  E. K. Warren (١٨٤٧-١٩١٩)، رئيس مدرسة الأحد العالمية، كان قد زار فلسطين عام ١٩٠١ وشاهد الدَّرْج القديم. وقد زوّد وارين صديقه بارتون بتوصية موجّهة للكاهن الأكبر. وهكذا دخل بارتون عالم السامريين وحياتهم. شهدت تلك الفترة نهضة بخصوص الاهتمام بنصّ التوراة السامرية في أعقاب اكتشاف توراة سامرية قديمة في دمشق نسخت ، كما ٱعتقد، عام ٧٣٥ للهجرة (١٣٣٤م.) ويقال إنّ هذا المخطوط موجود الآن في القاهرة. ويذكر بارتون أنّه سمع بأنّ الكاهن الأكبر قد سجَن أحد الكهنة الشباب بتهمة اختلاس وبيع مخطوط قديم من الكنيس. ويعتقد بعض الناس في سوريا بأنّ التوراة التي اكتشفت حديثا هي الكتاب المفقود. إذا كان هذا المخطوط أصيلًا من حيث تاريخه فإنّه سيكون عدّة قرون أقدم من أقدم مخطوط للعهد القديم في المُتحف البريطاني؛ إلا أنّه يُعتبر حديثًا إذا ما قورن بالدَّرْج المقدّس في نابلس الذي يعود وَفْق اعتقاد السامريين لحفيد هارون، أمّا الباحثون راهنًا فيذهبون إلى أنّه يعود إلى بداية المسيحية تقريبا. 

إنّ الطائفة السامرية لم تكن قطّ مبعثرة على نحو واسع؛ قبل قرنين من الزمان، أي في القرن الثامن عشر، كانت هناك جاليات سامرية في دمشق والقاهرة وغزة، إلا أنّها انقرضت وبقيت لحسن الحظ الجالية الأقدم في نابلس. الاسم ”نابلس“ محرَّف من ”نيابوليس“، تقع في شكيم القديمة وهي المدينة الرئيسة في فلسطين؛ تقع في واد جميل غني بالمياه وبين الجبلين عيبال وجريزيم، بئر يعقوب؛ من أخصب أراضي فلسطين. على هذه الأرض بقيت الطائفة التي أسّسها سانبلت وصهره منشه، والتي بنت كنيسها على الجبل بعد عام ٤٣٢ ق.م. يبلغ عدد السامريين الآن  (١٩٠٣) حوالي ١٦٥ نسمة وهو ثابت. إنّهم بحاجة إلى فتيات في سنّ الزواج وهم لا يتزوّجون من خارج طائفتهم؛ هم فقراء جدّا وبالكاد يستطيعون العيش بدون ما يدفعه السيّاح. 

وصل بارتون ومن معه من مرافقين نابلس، راكبين على الخيل في شهر آذار وترجّلوا سائرين في أزقّة نابلس الضيّقة إلى أن وصلوا إلى مبتغاهم، كنيس السامريين البسيط، حيث الدَّرْج المقدّس ذو القيمة النفيسة الوحيد تقريبا. عُرض عليهم هذا الدرج وبديله بشكل فاق ما كان مؤخّرا. وقف الكاهن الأكبر يعقوب بجانب الدرج، مُظهرًا إيّاه بفخر واعتزاز مهيب، وهذا الكاهن يُطلق على نفسه بخط يده بالخط السامري والعربي: يعقوب بن هرون، كاهن نابلس. إنّه رجل اجتاز قليلا منتصف العمر، أسمر، جليل، طويل القامة. قدّم بارتون ورقة التوصية التي خطّها وارين ولكن تعذّر على الموجودين التفاهم، فهؤلاء لا يعرفون العربية وأولائك لا يعرفون الإنجليزية، ولكن كتابة اسم الكاهن الأكبر بالخط السامري  فعلت فعلتها الإيجابية.

بارتون ورفاقه ملأوا الكنيس، ولم يتسنّ له فحص النسختين القديمتين بدقّة وتفصيل، ومع هذا تكوّن لديه انطباع يؤكّد وصف كوندر (Tent Life in Palestine, p. 26)  بخصوص صندوق/علبة المخطوط الأحدث المصنوع من النحاس وفيه أرابيسك فضّي رفيع؛ في حين أنّ صندوق المخطوط الأقدم مصنوع، على ما يبدو، من الفضّة الصلبة، المخطوط قديم جدّا، أصفر اللون، ممزّق، مرقّع مرمّم ورُبطت الأطراف بحرير أخضر. الحبر باهت جدّا يميل إلى اللون الأرجواني في حين أنّ لون الحبر في جميع المخطوطات الأخرى أسود (Deutsch Remains, p. 407)  الخطّ صغير وغير عادي، السطور متباعدة.

يعتقد السامريون بأنّ أقدم مخطوطاتهم التي كانت مصدرًا لمخطوطات أخرى، نسخها أبيشع بن إلعزار بن أهرون، ١٢ سنة (عادة يذكر السامريون ١٣ سنة) بعد عبور الأردن الأوّل، ويصرّحون أنّ فيها تشقيلا ذُكر فيه اسم الكاتب وتاريخ الكتابة. ومع هذا، يُعتبر هذا المخطوط أقدم بقرون  كثيرة من أيّ  مخطوط لأيّ قسم من الكتاب المقدّس. يعتبر هذا المخطوط  الأهمّ والأعزّ عند السامريين، ويظن بارتون أن المخطوط قد يعود إلى القرن الثامن للميلاد. المخطوط مكتوب على جلد الخِراف الخارجي، الخراف التي قُدّمت في عيد الفسح وعددها في تقدير كوندر وآخرين حوالي عشرين خروفًا، وهذا تخمين لا غير. عرض الرقّ حوالي  ١٦ إنشًا (الإنش يساوي ٢،٥٤سم) وطولها مائة قدم (القدم يساوي ٤٨، ٣٠ سم) على الأقلّ. 

مجموعة بارتون ابتاعت الكثير من المخطوطات، منها نُسخ عن المخطوط القديم. أمّا بارتون فقد استطاع بعد مفاوضات طويلة مع ابن الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون (المقصود أبو الحسن، أب حِسده، ١٨٧٩-١٩٥٥) الذي عرف بعض الكلمات بالإنجليزية، أن يشتري دَرْج السفر الأول بعد أن خبّأه ابن الكاهن في مِعطفه وسلّمه بعد ذلك للمشتري بعد أن ابتعدا عن منطقة الكنيس، وفي اليوم التالي اشترى بارتون من كاهن آخر دَرْجًا بسعر أقلّ ممّا طلب منه في اليوم السابق. كما اشترى بارتون مجلّدًا صغيرًا يضمّ قصّة يوسف وورقة من مخطوط قديم تحتوي على سفر العدد ٢٦: ١٩-٢٧: ١٥ (هكذا وليس ٢٧: ١٩-٢٨: ٤ كما جاء أعلاه في البداية) بخطّ جميل جدًّا وقُصاصة رَقّ كُتب عليها آيات التكوين ٢٦: ٢٠-٢٢، بخطّ قديم من جهة، وعلى الجهة الأخرى كتابة حديثة. ويظنّ بارتون أن هذه القُصاصة قد تكون مقتطعة من الدَّرْج المقدّس نفسه لقدمها، وللونها، عدم انتظام أسطرها وحبرها الأرجواني. يقول بارتون إنّ الادّعاء بأنّ السامريين لا يبيعون مخطوطاتِهم هو أمر مزعوم كلية تقريبا. كانت هناك أوقات تعذّر فيها ابتياع نسخة من توراتهم مهما كان المبلغ المعروض، مثال على ذلك محاولات الدكتور روبنسون (في منتصف القرن التاسع عشر، أنظر : ٍResearches/أبحاث، مج. ٢، ص. ٢٨١-٢٨٢، ١٨٣٨م؛ مج. ٣ ص. ١٣٠، ١٨٥٢م) لشراء نسخة وقد باءت بالفشل. في زمن بارتون اختلفت الحالة وأصبح السامريون مستعدّين لبيع مخطوطاتهم الحديثة أو تحضيرها عند الطلب. ويذكر بارتون بأن الدرج الذي اشتراه كامل صحّح ونقِّح وعرضه كعرض الدَّرْج القديم ونسخه كهنة في كنيس نابلس، وقارنوه بمخطوطاتهم القديمة واستعمل في الكنيس، بعكس ما في المكتبات الأوروبية من مخطوطات كهذه غير كاملة في كثير من الحالات (قارن قائمة Kennicott حول المخطوطات السامرية في أوروبا). 
بعد عودة بارتون إلى بلاده، أمريكا، وبمساعدة صديقه القسّ الدكتور فرانك هـ. فوستر (Frank H. Foster) الذي قضى معه في زيارته لفلسطين بضعة أسابيع، اتّضح له أن دَرْج سفر التكوين الذي اقتناه في نابلس غير كامل وأتمّ الأصحاحات الناقصة الكاهن الأكبر بعد مراسلات أجراها بارتون مع الكاهن عن طريق الدكتور رايت في مستشفى الجمعية الإرسالية الكنسية في نابلس. ويذكر بارتون بأنّه قد تحصّل على سفر الخروج في أربعة مجلدات صغيرة ويسعى لشراء مخطوطات أخرى من خلال أصدقاء آخرين لأن الدكتور رايت قد أُستدعي للعودة إلى إنجلترا. 

يعبّر بارتون عن سعادته في إيصال تحيّات الرئيس الراهن لهذه الطائفة القديمة لقرّاء مقاله هذا، تلك الطائفة التي حافظت على الاحتفال بعيد الفسح وشعائر أخرى من أسفار العهد القديم بدون انقطاع تقريبًا على مدى ثلاثة وعشرين قرنًا من الزمان. يحجّ السامريون إلى جبلهم المقدّس، جريزيم جنوبي نابلس ثلاث مرّات في السنة، في الأعياد: الخبز غير الخامر (عيد الفسح)، الأسابيع والعُرش. السامريون موحِّدون بحزم وينتظرون المسيح الذي سيأتي بعد قرن بقليل، عندما يكون عمر العاَلم بحسب حسابهم ستّة آلاف سنة (حساب السامريين المدعر بحساب الحق يبدأ بدخول بني إسرائيل الأرض المقدسة، عام ٢٠١٧ هو عام ٣٦٥٥ لدى السامريين)؛ وفي اعتقادهم سيكون المسيح (لاحظ عدم ذكر الاسم تاهب وهو اسم المسيح لدى السامريين ويعني العائد ويلفظ تائب) مثل موسى إلا أنّه لن يكون أعظم منه. 

الديانة السامرية ذات نظام عبادة مستقل منذ العام ٤٣٢ ق.م. ويعود أصلها إلى معارضة محاولة نحميا لفصل الكهنة الذين تزوّجوا من نساء أجنبيات. ومن أولئك الكهنة منشه صهر سنبلّت حاكم نابلس، أُسّس الإيمان هناك وما زال حتّى الآن. عندهم عبادة الله، يهوه (من المعروف أنّ السامريين يسمّونه شيما أي الاسم ولا يلفظون هذه الكلمة أبدًا كما يقول اليهود أدوناي أي سيّدي) على أساس أسفار التوراة الخمسة فقط (ومن المعروف أن هناك قرابة الستّة آلاف فرق بين هذه التوراة والتوراة اليهودية) ويدّعون أنّ جبل جريزيم سبق القدس وهو مكان العبادة الشرعي (يذكر أنّ السامريين في دفاعهم عن مكانهم المقدّس، جبل جريزيم وهو أحد أركان ديانتهم الخمسة قد جاء ذكره مراتٍ عديدة في التوراة ولا ذكر فيها للقدس). القدس قد احتلّت واحتلّت وتبدّلت ديانتها من اليهودية إلى المسيحية إلى المحمدية، إلا أنّ إيمان مؤسّسي الديانة السامرية مستمرّ بدون تغيير المكان أو تغيير جوهري في الشكل. 

للسامريين مدرسة في كنيسهم في المدينة نابلس؛ ويسرّون عند حصولهم على فرانك واحد عادة من كل سائح، مقابل رؤية مفترضة لمخطوطهم القديم. علاقة السامريين بالمبشّرين ودّية، ولا يرى بارتون أيّ سبب في الشكّ في إخلاص نواياهم حيال المسيحيين. وكان الكاهن الأكبر يعقوب بن هرون قد أعدّ لبارتون قائمة بأسماء الكتب التي بحوزة السامريين، وهي هامّة في مساهمتها في إعداد ببليوغرافيا حول الديانة السامرية. هذه القائمة كان البروفيسور ج. ر. جيويت (J. R. Jewett) من جامعة شيكاغو،  قد ترجمها لبارتون إلى الإنجليزية. قارن بارتون قائمته هذه بقائمة بروفيسور پيك (Pick) الموجودة في McClintock and Strong ومقالاته هناك وفي المجلة Bibliotheca Sacra تعتبر أكثر الأعمال قيمة بالإنجليزية عن هذه المواضيع. أضاف بارتون على ترجمة جيويت ملاحظات قليلة  بناء على المقارنة. تحتوي كلّ قائمة على عناوين غير موجودة في الأخرى، البروفيسور ميلتون س. تيري (Milton S. Terry) قد أبدى ملاحظاته. (موضوع القوائم بالكتب التي بحوزة السامريين، لا سيّما الكهنة منهم، بحاجة لبحث منفرد للتعرف على ما استجدّ أو طرأ على هذه المكتبة للتراث السامري لا سيما باللغة العربية. لديّ قائمة كهذه بخط صديقي المرحوم عبد المعين صدقة الكاهن الأكبر، ١٩٢٧-٢٠١٠، يعود تاريخها إلى سبعينات القرن الماضي وتضمّ أسماء ٥٨ كتابا وهي مقسمة إلى أربعة أعمدة: الرقم، اسم الكتاب، المؤلف وملاحظة). 

١) دَرْج التوراة، أسفار موسى الخمسة.
٢) كتاب الميمار، المعروف بميمار مرقه، يضمّ علومًا روحية تتطرّق لشؤون قيّمة في التوراة المقدّسة. هذا المؤلّف قديم، يعود إلى أكثرَ من قرنين من الزمان بعد المسيح كما ورد في شرح التوليدة؛ مرقه كان أكثر علماء السامريين علما؛ الكتاب كامل ويضمّ  ٦٦٣ صفحة؛ ترجم للعربية مع النص ّ  بالآرامية السامرية ومفسّر بالعربية. ملحوظة: بروفيسور پيك يذكر التاريخ ٥٠ ق.م.، تفاسير على أقسام من التوراة (بروفيسور زئيڤ بن حاييم، ١٩٠٧-٢٠١٣، أصدر هذا الميمار بطبعة علمية وترجمه للعبرية وأضاف شروحا في الهوامش، תיבת מרקה והיא אסופת מדרשים שומרוניים יוצאת לאור, מקור, תרגום ופירוש. ירושלים: האקדמיה הלאומית הישראלית למדעים, תשמ’’ח, 411 עמ’).
٣) كتاب الطباخ، ٣٠٠ صفحة، أي كتاب التضحية بقلم الشيخ أبي الحسن الصوري؛ عربية قديمة وأمثلة بالعبرية؛ فيه تعليمات قيّمة بخصوص شؤون دينية سامرية وحلّ الشُّبُهات والتفريق بين المسموح والممنوع (أنظر المخطوط التالي). 
٤) كتاب الكافي، ٢٧٠ صفحة بالعربية والأمثلة بالعبرية بالخط السامري،  بقلم الشيخ يوسف العَسكري، قديم، حول تعليمات واستفسارات دينية. ملحوظة: پيك يقدّر تاريخ الكتاب بـ ٧٠٠م (مهذَّب الدين يوسف بن سلامة بن يوسف العسكري، كتاب الكافي لمن كان بالمعرفة لكتاب الله موافي وقلبه صندوق له صافي، كتب عام ١٠٤١م؛ د. درية محمد عبد العال درست هذا الكتاب مقارنة إيّاه بكتاب الطبّاخ لأبي الحسن إسحق فرج بن ماروث الصوري والد الطبيب والنحوي المعروف إبراهيم شمس الحكماء في أطروحة دكتوراتها التي قدّمتها لجامعة ليدس البريطانية عام ١٩٥٧؛ لم يصدر كتاب الكافي بعد ولكن ترجمته للإيطالية بقلم سيرجيو نويا نوسيدا ١٩٣١-٢٠٠٨ الإيطالي قد صدرت عام ١٩٧٠؛ أمّا بخصوص كتاب الطبّاخ فقد صدر نصفه الأوّل تقريبًا بطبعة علمية مشفوعًا بترجمة للألمانية في إطار أطروحة دكتوراة لچيرهارد ڤيدل، عام ١٩٨٧ بإرشاد الباحث الفذّ المرحوم رودلف ماتسوخ، ١٩١٩-١٩٩٣).
٥) شرح الفاتحة، ٢٠٠ صفحة بقلم الشيخ إبراهيم القباصي، عمره ٣٥١ سنة؛ ملحوظة: إنّه شرح البركات واللعنات في التوراة (كي أفْشِم شيما إقرا, كتب عام ١٥٤٠، هنالك عدّة تسخ لهذا المخطوط في حوزة أبناء الطائفة السامرية ولا سيّما عند الكهنة وفي مكتبة إسحاق بن تسڤي رقم ٧٠٠٨ وفي مكتبات في أوروبا مثل مجموعة جاستر في لندن، BL Or. 10864 وفي مانشسترJRUL 146 وفي المكتبة الوطنية بباريس BN Samaritains 58 إلخ. إلخ. ).
٦) كتاب رحلة القلب لمعرفة الربّ سبحانه وتعالى، ٢٠٠ صفحة. (وقع خطأ هنا في الاسم فالصحيح ”سِيَر…/הלכות הלב“ للشيخ المشهور إبراهيم بن يوسف القبّاصي الدمشقي ألّفه عام ١٥٣٢. ولدى عائلة المرحوم يعقوب بن عزّي الكاهن الأكبر في نابلس، ١٨٩٩-١٩٨٧،  نسخة من هذا المخطوط كان يعقوب بن هرون بن سلامة بن غزال الكاهن اللاوي صديق بارتون قد نسخها برسم ابنه أبي الحسن وبرسم يعقوب ابن ابنه شفيق/عزّي الذي توفي شابًّا وتمّ النسخ في ١٨ ذي القعدة من عام ١٣٢٥هـ أي ٢٣ كانون الأول من عام ١٩٠٧؛ أشكر صديقي الكاهن عزيز بن يعقوب الذي زوّدني إلكترونيا بصورة لثلاث صفحات من المخطوط المذكور في الثامن من تشرين ثان ٢٠١٧). 
٧) كتاب شرح السفر الأوّل ، سفر التكوين، ٨٦٠ صفحة بقلم الشيخ مُسَلِم آل مَرْجان الدنفي (في الأصل: id-Deuafi). ملحوظة: تاريخ الشرح القرن الثامن عشر بحسب پيك الذي يقول بأن هناك شرحًا أقدم لسفر التكوين ١: ٢٧ يعود إلى القرن الثاني للميلاد (هكذا!، مسلم بن مرجان بن إسماعيل بن إبراهيم الدنفي عاش في القرن السابع عشر وهو عمّ إبراهيم العية الشهير الذي أكمل هذا التفسير).
٨) كتاب شرح السفر الثاني، سفر الخروج، ٨٠٥ صفحة، بقلم الشيخ غزال الدويك (القرن الرابع عشر، له شرح سور البركات لبلعام وبالاق وكتاب المقالة الشافية في ثبوت الدولة الثانية وقد تُرجم إلى الإنكليزية وترجمه الكاهن أبو الحسن بن يعقوب هرون ت. ١٩٥٩ إلى العبرية؛ له شرح على سفر الخروج وكتاب مفقود حول رماد البقرة، أسرته تأسلمت).
٩) تاريخ طائفتنا منذ يوم دخول السامريين الأرض المقدّسة وإلى هذا اليوم، ٨٠٧ صفحة، جمع يعقوب الكاهن الأكبر الحالي (يعقوب بن سلامة بن غزال الكاهن اللاوي ١٨٤٠-١٩١٦ وكاهن أكبر، أو كما كتب هو: الكاهن الأول.بين السنتين ١٨٧٤-١٩١٦).
١٠) كتاب التوليدة بالعبرية ١٢٠ صفحة، حوادث هامّة وتواريخها.
١١)  كتاب ذو ٣٧٠ صفحة،  فيه عشرة فصول حول طقوس الديانة السامرية، نهجهم في الصلوات في كل عيد وموعد، الزواج، الطلاق، الصوم، الطاهر والنجس، قراءات يوم الغفران، بقلم الكاهن الأكبر الحالي، أي يعقوب بن هرون بناء على طلب أحد الباحثين الأوروبيين الذي توفي قبل انتهاء الكتاب.
١٢) كتاب صلوات قديم تأليف، كما قيل، مرقه وعمران والكاهن فنحاس وبعض الصلوات مستمدّة من يهوشوع بن نون، ٣٦٠ صفحة.
١٣) شرح التوراة، أي ترجمة عربية، قسمان، بالعربية والعبرية، ٦٢٠ صفحة.
١٤) كتاب ترتيب صلوات سبت عيد الفسح (في الأصل: الخبز غير الخامر) وليلة البداية ويوم البداية أي بداية السنة وصلوات ليلة أوّل الشهر الواقعة يوم السبت، تأليف عدد من الكتّاب المعروفين، ٢٥٠ صفحة.
١٥) كتاب ترتيب الصلاة لأربعة عشر يوم موعد الفسح (في الأصل: Moed Aphsah) صباحًا ومساءً وصلوات يومي السبت فيها، ١٧٥ صفحة. ملحوظة: هذا هو عيد الخبز غير الخامر الذي يحتفل به السامريون مدّة أسبوعين والتمييز بين هذا العيد وعيد الفسح لدى السامريين أوضح مما هو عند اليهود.
١٦) كتاب ترتيب صلوات عيد الفسح بلياليه وأيّامه وترتيب صلاة سبعة أيّام الخبز غير الخامر والسبوت وكل ما يمتّ بالأضحية بصلة. غفران عيد الفسح بعامّة وبخاصّة؛ ٢٤٠ صفحة.
١٧)  كتاب ترتيب صلوات الخمسين يومًا، أي الأسابيع، وكلّ تلك الأسابيع بترتيباتها المختلفة؛ ٢٢٠ صفحة.
١٨) كتاب ترتيب صلوات يوم الأربعاء المعروف بأربعاء يوم العنصرة (الخمسين) ويوم السبت، ٣٤٠ صحة.
١٩) كتاب ترتيب صلوات الاحتفال بالصوم،  أي لقاء موسى وهارون، وصلوات ليلة ويوم رأس السنة وعشرة أيّام طلب الغفران (هسليحوت، وفي الأصل: Hassalihu) مساء وصباحًا، ٣٠٠ صفحة. 
٢٠) ترتيب صلوات ليلة ويوم العيد العظيم وطقسه (حرفيا: أقوال)، ٦٥٠ صفحة.
٢١) ترتيب صلوات سبعة أيّام عيد العُرش/المظال واليوم الثامن منه وترتيب يوم السبت الواقع فيه، ٢٤٠ صفحة.
٢٢) كتاب شرح الوصايا العشر، مؤلَّف قديم بقلم أبي الحسن الصوري، ٨٠ صفحة (أنظر مثلا , 143 ,JRUL 142 في مكتبة جون رايلندس الجامعية في مانشستر).
٢٣) كتاب المسائل والخلاف بقلم الشيخ مُنجّا (في الأصل: Menja) لغة عربية فصيحة حول الديانة السامرية وجواب لليهود والجدال بين الشيخ منجّا والشيخ الفيّومي الرابّي اليهودي؛ ٢٤٠ صفحة. ملحوظة: منجا نفيس الدين (في الأصل:  Menaji Naphes el-Din) مؤلف هذا العمل المثير للجدل عاش في القرن الثاني عشر (أبو الفرج منجّا بن صدقة بن غروب شمس الحكماء، أواخر القرن الحادي عشر وبدايات الثاني عشر، اشتهر بكتابه مسايل الخلاف أو كتاب الأبحاث المختلف عليها بين السمرة واليهود، جزءان، سلك فيه طريقة السؤال والجواب، ترجمه إلى العبرية الكاهن الأكبر أبو الحسن بن يعقوب في مستهلّ القرن العشرين؛ لا يمكن وصف لغة هذا الكتاب بالفصيحة).
٢٤) كتاب عبري حديث حول ميلاد موسى وماذا حصل على يده وما ساعده مع المصريين ومديح له بقلم المرحوم الكاهن كزار (Kazar) ١٢٠صفحة (لا علم لنا بهذا الكاهن، المقصود على ما يبدو سفر מולד משה وهو بقلم إسماعيل بن بدر الرميحي، القرن السادس عشر).
٢٥) كتاب عربي حديث بقلم الشيخ إسماعيل إسراشي؟ (في الأصل: Ismial is-Rashi، غير معروف!، هل المقصود الرمحي؟) رحمه الله، ١٢٠ صفحة.
٢٦) كتاب يهوشوع وشرح عليه وكذلك قصّة بلعام وقصّة الدولة الثانية، مؤلَّف قديم، ١٥٠ صفحة. ملحوظة: عرف الباحثون هذا الكتاب منذ العام ١٥٨٤ حين الحصول على نسخة منه في القاهرة، يأتي بعد التوراة من حيث الأهمية والقيمة. (مقتطفات من هذا السفر موجودة في عدّة مخطوطات في المكتبة الروسية الوطنية في سانت بطرسبورغ، vi: 11-16, 25, 32). 
٢٧) كتاب عيد طائفة إسرائيل بقلم مجموعة من الكتّاب والشيوخ، ١٥٠ صفحة.
٢٨) كتاب الفرح (في الأصل: علامة استفهام بعد الاسم) لمؤلف مجهول؛ مجموعة من موادّ متنوعة، ٢٠٠ صفحة. ملحوظة: من الممكن أن يكون هذا الكتاب سفر الزواج المذكور في بعض الببليوغرافيات التي كتبت في القرن الثاني عشر بقلم أبو البركات. (مقتطفات كثيرة من مؤلَّف بهذا الاسم محفوظة في المكتبة الروسية الوطنية في سانت بطرسبورغ مثل ix: 66, 78, 103, 10, 155, 160؛ يشار إلى أن زئيڤ ين حاييم قد نشر بعض أشعار الفرح، זאב בן חיים, פיוטים שומרוניים לשמחות. תרביץ י: ב–ד, ירושלים תרצ’’ט עמ’ 190–200, 333–374).
٢٩) كتاب قديم لمؤلف مجهول فيه مواد كثيرة، ٣٠٠ صفحة. ملحوظة: هذا الكتاب ذو عنوان غير واضح  قد يكون عرضًا تاريخيًا يبيّن كيف احترم القدماء الناموس/الشريعة بقلم الحبر (في الأصل: Elhhabr) يعقوب في القرن الثاني عشر.
٣٠) كتاب توصيات ووصايا، ٢٠٠ صفحة. ملحوظة: مؤلِّف هذا الكتاب أبو البركات من القرن الثاني عشر والذي كتب كتابا عن الزواج أيضًا، ربّما كان رقم ٢٨.

هذه المخطوطات تضاف، ينوّه بارتون إلى الستّة عشر مخطوطًا غير الكاملة الموجودة في أوروبا كما يذكر أن محاولات الحصول على مخطوطات كهذه قبله، كانت قليلة، أمّا في أمريكا فعدد المخطوطات قليل جدا. في سيمينار اللاهوت في درو (Drew Theological Seminary) كودكس قيّم حصل عليه القسّ و. سكوت واتسون ( W. Scott Watson) عام ١٨٩٢ والآن في مكتبة نيويورك العامّة (Presbyterian and Reformed Review, 1893; American Journal of Semitic Languages and Literature, Vol. xviii. p. 188-191; Hebraica 1892-1893, pp. 216-225, 1893-1894, pp. 122-156)؛ وكان واتسون قد اقتنى مخطوطًا آخر واعتقد أنّه قديم جدا (.Journal of the American Oriental Society, Vol. xx. pp. 173 et seq). وقد تمتلك كل مكتبة عامّة كبيرة وكل مكتبة لاهوتية مخطوطًا واحدا (منذ إرسال هذا المقال للطباعة علم بارتون بأنّ المُتحف البريطاني قد اشترى مؤخرًا عددًا ضخمًا من المخطوطات المرغوب بها من السامريين). 

الجدير بالذكر أن السامريين يقبلون أسفار موسى فقط وعند انفصالهم عن اليهود أخذوا معهم أكثر الأسفار احترامًا وتبجيلًا في فلسطين. لم يأخذوا أيًّا من الأنبياء بالرغم من أنّ بعضهم كان من سبطهم، ولم يأخذوا سفر يهوشوع التوراتي فلهم روايتهم. التوراة بأسفارها الخمسة أو الستّة كانت كاملة أيّام نحميا ٤٤٤ ق.م. وانشقاق السامريين حصل عام ٤٣٢ ق.م. ويسأل بارتون الآخرين لماذا لم يكن للسامريين ستّة أسفار؟ 

إنّ لتوراة السامريين قيمة  كبيرة لدقّتها؛ وفي خلال قرون الفراق والانشقاق حافظت كل من الطائفتين اليهودية والسامرية على استقلالية توراتها بدون المقارنة بينهما، ولا توجد الآن أية نزعة للقيام بذلك. كل جانب نسخ عن نسخه، ومن الجدير جدّا بالملاحظة بأنّ الفروق بينهما طفيفة لحدّ   كبير  وغير ذات بال بصورة عامّة. تعتبر الترجمة السبعينية (Septuagint) مرجعًا نصيًّا عاليًا وبحقّ ويعود تاريخها إلى قرن أو أكثر بعد التوراة السامرية. هذه التوراة بالكاد أكثر من نقحرة لأبجدية قديمة معدّلة. الترجمة السبعينية كانت قد قورنت مرارًا بالتوراة العبرية  أما السامرية فمستقلّة وهي بالتأكيد ليست أقلّ قيمة من السبعينية. 

أوريجن (Origen، لاهوتي مسيحي من آباء الكنيسة، ١٨٥-٢٥٣م، مؤلفاته كثيرة باليونانية حول مواضيع لاهوتية متشعبة، شروح، وعظ ونقد النصّ) كان يقتبس من التوراة السامرية باحترام وكان هناك آباء كنيسة آخرون فضّلوا هذه التوراة على تلك اليهودية. ولكن نقد النصّ كان قد توقّف في كنيسة القرون الوسطى عند تبنّي الترجمة اللاتينية، الڤولچاتا (Vulgate، الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، أواخر القرن الرابع، أصبحت المرجع الرسمي في الكنيسة الكاثوليكية خلال القرن السادس عشر، قام بمعظم الترجمة القديس جيروم). طيلة قرون من الزمان لم ير الباحثون نسخة من التوراة السامرية وبدأ التشكيك في وجود مثل هذه التوراة. في عصر الإصلاح حيت ازدهرت الترجمات فظهرت ترجمة الملك جيمس الشهيرة المعتمدة على النص الماسوريتي اليهودي فقط. 

في ذلك الوقت تقريبًا ذهل الباحثون عند وصول نسخة من التوراة السامرية لباريس واحتدم الجدال في أوساط بحث الكتاب المقدّس في العصر الحديث. يُقال إنّ يوليوس كيسر سكاليچر(Julius Caesar Scaliger, 1484-1558) كان أوّل من نبّه إلى أهمية إيجاد نسخة من التوراة السامرية، في ما إذا كانت ما زالت موجودة. ثم حاول ابنه جوزيف سكاليچر(Joseph Scaliger 1540-1609) أعظم الباحثين آنذاك، والذي فاق أباه باهتمامه بنقد النصّ، الحصول على مخطوط للتوراة عن طريق مراسلة السامريين أنفسهم في القاهرة ونابلس الذين أجابوا عن أسئلة سكاليچر، وتأخّر وصول الجواب ومات قبل تسلّم الإجابات على استفساراته وأسئلته وكان ذلك قبل إتمام نصّ الملك جيمس بسنتين. 
اقتراح السكاليچريْن، الأب والابن، أثمر عام ١٦١٦ بواسطة النبيل الإيطالي، پيترو دِلّا ڤَلّي (Pietro della Valle, 1586-1652)؛ أصيب بخيبة أمل في حبّه، فكّر أولا مليًا بالانتحار ولكن بدل ذلك قام برحلة إلى الأرض المقدّسة؛ مكث سنة في القسطنطينية/إسطنبول حيث حصل من السفير الفرنسي دي سانسي على تفويض/وكالة لشراء مخطوطات سامرية. واسى نفسه بتزوّج امرأة سورية مسيحية أثبتت بأنّها رفيقة جريئة ومساعدة وسافر بعيدا. حاول عبثًا اقتناء مخطوطات في القاهرة وغزة ونابلس. ولكن في دمشق تمكّن من شراء نسختين من التوراة السامرية، الأولى مدوّنة عى الرَقّ والثانية على الورق. أرسل الأولى لدي سانسي الذي بدوره أرسلها لمكتبة الأُراتْوار (Oratoire) في باريس واحتفظ بالثانية. استُخدم المخطوطان في إعداد توراة باريس متعدّدة الألسن (١٦٢٩-١٦٤٥)، الپوليچلوتا التي طُبعت بعد ذلك في پوليچلوتة لندن (١٦٥٧). 

اهتمّ رئيس الأساقفة أُشير (James Ussher, 1581-2656، اشترى سبعة مخطوطات للتوراة السامرية واحدة منها بالعربية والبقية بالعبرية في عشرينات القرن السابع عشر) بالمخطوطين وبدأ بجهوده للحصول على المزيد. أحد تلك المخطوطات التي أرسلت بحرًا قد وقعت في يد قراصنة ولكن تمّ الحصول على آخر  بثمن باهظ. وفي العام ١٦٧١ زار روبرت هنتنچتون (Robert Huntington، ١٦٣٧-١٧٠١، مطران ومستشرق بريطاني، هو الذي أبلغ السامريين بوجود إخوة لهم في إنجلترا، أي خدعهم بالعربي الفصيح؛ ما جمع من مخطوطات موجود في أكسفورد وينظر في كاتالوج Alexander Nicoll, Oxford 1835) المطران لاحقًا سامريي نابلس. يبدو أن السامريين فهموا أنّه يمثّل السامريين في أوروبا فزوّدوه بنسخة من التوراة، وكتبوا رسالة لإخوتهم المزعومين في إنجلترا. توماس مارشال (Thomas Marshall، ١٦٢١-١٦٨٥ ) عميد كليّة لنكولن في أكسفورد ردّ على هذه الرسالة وخمس رسائل لاحقة وقد نشرت هذه الرسائل عام ١٦٩٩.

في العام ١٧٣٣ نشر بنيامين كنيكوت (Benjamin Kennicot, 1718-1783) أطروحة دكتوراته ”وضع/حالة النصّ العبري المطبوع للكتاب المقدّس“ وفي العام ١٧٥٩ أصدر عملًا آخر حول الموضوع ذاته وأرفق كاتالوجًا بالمخطوطات العبرية الموجودة في لندن وأكسفورد وكمبردج، وقد دافع عن النصّ السامري. وقد أثار عمله هذا خصومة وعداوة شديدة ولكنه تمخّض عن الحصول على عشرة آلاف جنيه استرليني لشراء مخطوطات عبرية، وهكذا جمع وقورن ٦١٥ مخطوطًا وطبع النصّان العبري والسامري بأعمدة متوازية في ٣٠ مجلدا. في هذا العمل الضخم استخدم ١٦ مخطوطًا سامريا غير كامل. عادة عارض البروتستانت التوراة السامرية والكاثوليك أيّدوها ولكن هذا الخلاف خمد تدريجيا. ونصّ الملك جيمس غدا شعبيا. وغدت الإحالات للتوراة السامرية نادرة أكثر. 

كرّس الباحث چيزينيوس (Wilhelm Gesenius، ١٧٨٦-١٨٤٢، مستشرق وباحث ألماني لوثري، أطروحته للدكتوراة باللاتينية كانت حول أصل التوراة السامرية ) في العام ١٨١٥ عملًا مستفيضًا حول الموضوع وأظهر رجحانا عامًّا للنص الماسورتي، ومنذ ذلك الوقت كانت هناك نزعة عامّة لدى الباحثين المحافظين لرفض ذلك كلية. وكان كوپنچر (Copinger) قد أشارإلى العدد الكبير من التوافق بين النص السامري للتوراة والترجمة السبعينية والقيمة الكبيرة التي نسبها آباء الكنيسة لنصّ السامريين. ويضيف كوپنچر بأنّ في النص السامري بالتأكيد، قراءات مغايرة لما في النصّ العبري الحالي وبعضها لا شكّ ناتجة عن كونها منسوخة عن نصّ اختلف عن ذلك الذي اعتمده الماسورتيون. 

هنالك تخمينات كثيرة حول أصل التوراة السامرية وتوافقها المتكرّر مع الترجمة السبعينية، ويبدو أن نظرية چيزينيوس التي أيّدها موسى ستيورت (, Biblical Repository, 1832, p. 714 Moses Stuart) هي الأكثر منطقية وقَبولا وهي القائلة بأنّ النصّين السامري والسبعيني مستمدّان من مصدر مشترك أقدم من كليهما ومختلف عن النص الماسورتي. لا يمكن ألّا يكون للنص السامري قيمة ما بالرغم من أنّه بصورة عامّة يعرِض نصًّا دونيًا واضحًا مقارنة بالنص الماسورتي، اليهودي. عندما يختلف النص السامري عن النصين اليهودي/المقبول والسبعيني فهو ربّما ذو قيمة ضئيلة. هنالك على الأقلّ ألف قراءة، معظمها عديم الأهمية، فيها تختلف الترجمة السبعينية عن النص العبري اليهودي وتتوافق مع النصّ السامري. وقد قام البروفيسور بيرنهارد پيك (Bernhard Pick، ١٨٤٢-١٩١٧، باحث وقسّيس ألماني/أمريكي لوثري، كتب عن تاريخ اليهود والقبالاه والتلمود) بتدوين الاختلافات الأساسية بين التوراتين اليهودية والسامرية في مقالات نشرت تِباعًا في  الدورية Bibliotheca Sacra (مج. ٣٣، ١٨٧٦، ص. ٢٦٤-٢٨٧، ٥٣٣-٥٥٧؛ مج. ٣٤، ١٨٧٧، ص. ٧٩-٨٧؛ مج. ٣٥، ١٨٧٨، ص، ٧٦-٩٨، ٣٠٩-٣٢٥) ، وهذا العمل حقًّا في تقدير بارتون ذو قيمة أكبر من عمل چيزينيوس. وينظر كذلك في مقاله الشامل والدقيق في McClintock and Strong.

باستثناء مواضع قليلة في الخلافات المذهبية بين التوراتين اليهودية والسامرية فإنّ النصّ السامري  مرجع جيّد تمامًا مثل الترجمة السبعينية وربّما أفضل منها بقليل إذا أُخد قِدمه بالحسبان. إذا زُعم بأنّ الكهنة السامريين كانوا أقلّ علمًا من كهنة أورشليم ولذلك كان الاهتمام بنسخ المخطوطات أقلّ فمن الممكن الردّ على ذلك بالقول من ناحية أخرى، بأنّ المخطوطات السامرية مع ذلك تمتاز بتناغم مدهش لانحصارها في مجموعات أو جاليات قليلة، وأخيرًا لواحدة فقط حيث تواتر النسخ كان أقلّ وكثرت المقارنة بنصوص لا شكّ في قِدمها. أضف إلى ذلك أنّ اهتمام اليهود الفريد بمخطوطاتهم يرجع بشكل خاصّ إلى الكتبة الماسورتيين وللسامريين على الأقلّ مخطوط واحد أقدم من الماسورتيين. وبشأن الخلافات المذهبية بين اليهود والسامريين فإنّ القيمة الراجحة تسقط ولكن في مثل تلك الحالات السؤال حولة صوابية أيّ نصّ تبقى بدون حلّ أو إثبات.
هنالك اختلافات ثانوية قليلة ما بين التوراة اليهودية والتوراة السامرية، وفيها النصّ السامري مطابق للترجمة السبعينية فهنا الصواب بالتأكيد تقريبًا إلى جانب النصّ السامري. على سبيل المثال في سفر التكوين ٤: ٨ الذي ترجم للإنجليزية ”وقاين قال لأخيه“، ولكن ماذا قال له؟ في التوراة السامرية وكذلك في الترجمة اليونانية، السبعينية قال قاين ”نمضي الى الصحراء/للبرية“ (أُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربية لتوراة السامريين، المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج، القدس: الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم والآداب، ١٩٨٩، ص. ١٦-١٧). والظروف تثبت على الأرجح صحّة تلك الرواية.  ولكن بدلًا من أن يخبر قاين شقيقه هابيل ما قاله له الله فإنّه يُخفي ذلك، ودعا هابيل إلى البرية حيث قتله غدرًا ومع سبق إصرار. وكذلك في سفر التكوين ٤٧: ٢١، روي بأن المصريين أتوا إلى يوسف وعرضوا عليه بيع أراضيهم وأنفسهم، وتقول الترجمات الإنجليزية عن العبرية ”وهو نقلهم إلى المدن“ ولكن النصّ السامري وكذلك الترجمة السبعينية يقولان ”والقوم استعبدهم/استخدم معه عبيدًا/فلاحين“  وهذا على الأرجح هو الصواب (أُنظر شحادة المذكور، ص. ٢٤٠-٢٤١). 

ثمّة ثلاثة اختلافات ذات بعض الأهمية ما بين التوراة السامرية والتوراة اليهودية، وأحد النصّين كان قد غُيّر عمدا. الاختلاف الأوّل في سفر التكوين ٢٢: ٢ حيث أُمر إبراهيم بتقديم ولده إسحاق أضحية في أرض مورية (Moriah) ولا نعلم شيئًا عنها، ولكنّنا نعرف عن جبل موريّة حيث أقيم في ما بعد الهيكل في أورشليم ونحن نعلم عن أرض موريه (Moreh) في منطقة شكيم. إمّا أن يكون اليهود قد بدّلوا نصّهم لموريّة ليظهر أن أضحية إسحاق حدثت حيث أقيم لاحقًا الهيكل، وإمّا أنّ السامريين قد غيّروها إلى موريه لنفس السبب، أي إضفاء قدسية لمنطقتهم الخاصّة. يحيل السيّد بارتون إلى دين ستانلي (Arthur Penrhyn Stanley, 1815-1881، معروف بدين ستانلي، أكاديمي ورجل كنيسة بريطاني) الذي عالج هذه الجزئية باقتدار، وأظهر في نظر بارتون بشكل لا يقبل إعادة نظر أنّ جريزيم وليس أورشليم كان على الأرجح، المكان الذي قدّم فيه إسحاق ومكان لقائه بملكيصادق [Stanley’s Sinai and Palestine, pp. 316-319].  

اختلاف آخر ممتع يتمثّل في إقحام فقرة تأمر بإقامة العبادة على جبل جريزيم بعد الوصايا العشر في التوراة السامرية. وقد أُكّد مرارًا بأنّه من أجل إقحام هذه الوصيّة جعل السامريون الوصايا العشر تسعًا وووضعوا هذه العاشرة. ولكن المخطوط، الكودكس، لدى بارتون لا يؤيّد هذه الرأي. الوصايا العشر موجودة في ثلاث مجموعات ، سفر الخروج ٢٠: ١-٧، ٨-١١، ١٢-١٧، بالضبط كما هو الوضع لدى المسيحيين ولكن طبعًا بدون التقسيم إلى آيات/أعداد. بعد هذا رأسًا وفي درس اليوم ذاته، جمعت من ثلاثة مواضع من سفر التثنية ٩: ٢٩؛ ٢٧: ٢ إلخ.؛ ١١: ٣٢، تظهر وصية العبادة على جبل جريزيم. ويثبت بارتون القسم التالي للوصايا ١٣ سطرًا بالرسم السامري من سفر الخروج ٢٠: ١٤أ-١٤هـ أي من והיה כי יביאך (الياء الثانية والألف أضيفا فوق الباء والكاف)  יהוה אל ארץ הכנעני … אצל אלון מורא מול שכם. (في أول السطر السادس ورد בהרגיזים/بهرچيزيم (الراء الثانية ساقطة) بهذا الشكل؛ والكلمات: והעלית עליו עלות ליהוה אהיך، ناقصة في فقرة بارتون). بعد هذه الفقرة بالرسم السامري يثبت بارتون 
نقحرتها إلى الحرف العبري المربّع بالتشكيل الكامل وبترجة للإنجليزية أعدّهما لبارتون د. فوستر/ Foster. 

لا ضرورة في إطالة النقاش هنا حول أيّ النصّين أصحّ. من الموثوق به اتّباع القراءة الأقصر واعتبار هذه الفقرة في التوراة السامرية بأنّها إضافة أو إقحام جيء بها من فقرات متماثلة في سفر التثنية. التساؤل يتكرّر عند التطرّق لأهمّ الاختلافات، ألا وهو مكان بناء الحجارة التذكارية التي أُمر بوضعها يهوشوع؛ أهو على جبل عيبال أم جبل جريزيم؛ أنظر سفر التثنية ٢٧: ٤. لا يمكن البتّ في هذا السؤال لصالح تفوّق النصّ اليهودي، مجموعة كاملة من المخطوطات بالعبرية تقول إنّ الحجارة أُقيمت على جبل عيبال ؛ ومن جهة أُخرى هنالك مجموعة كاملة من المخطوطات تقول على جبل جريزيم. كلا الفريقين من النسّاخ توخّيا الدقّة بصورة عامّة؛ هنا لا وجود لإمكانية خطأ أو تبديل متعمّد لإثبات نقطة ما. مثال معروف يقدّمه سفر القضاة ١٨: ٣٠ حيث بدّل النسّاخ اليهود الاسم ”موسى“ إلى ”منشه“ بإضافة حرف النون بعد الحرف الأوّل (משה > מנשה) لرغبتهم في تخليص حفيد موسى من السلوك المخزي المشين، أي أن يكون الوثني الأوّل وكذلك في الوقت ذاته إلحاق قذف مبرّر حِيال السامريين. إذا لم يحسن اليهود في إجراء مثل هذا التغيير لمنفعة تافهة فإنهه بالكاد يكونون قد أحسنوا في تغيير الفقرة في سفر التثنية  المتعلّقة بأولوية مكان العبادة.

روبرتسون سميث (Robertson Smith) والنقّاد في الوقت الراهن بصورة عامّة يتّفقون مع المحافظين في زمن كنّيكوت (١٧١٨-١٧٨٣ ،Benjamin Kennicott) لصالح الرواية اليهودية. يعتقد روبرتسون سميث في الموسوعة بريتانيكا Britannica بأن القراءة السامرية ”غير تاريخية بشكل ساطع“. والمكان المقدّس غير المسمّى في سفر التثنية لا يمكن أن يكون جبل جريزيم ويجب أن يكون أورشليم برأيه طبعًا، لأنّ سفر التثنية قد نُشر عام ٦٢١ وأورشليم كانت حقيقة واقعة. ولكن في تلك الحالة لماذا لم يكتب اليهود سفر التثنية وفق الحقائق كما كانت لدرء أي احتمال للنزاع والخصومة. وحينما اختار السامريون واحدًا من الجبلين لهيكلهم، لماذا اختاروا ذلك الذي يتطلّب تبديل نصّ التوراة الذي كان بأيديهم؟ على كل حال يرى بارتون أنّ لا أحد تمكّن من الردّ على دراسة كنّيكوت التي خلصت بالأساس إلى أنّ الحجارة التذكارية أُقيمت على جبل جريزيم كما يدّعي السامريون لأسباب منها، أنّ جبل جريزيم كان جبل البركات، ولا يعقل أن يقام المذبح على جبل اللعنة، عيبال والجبل الأوّل جميل ومثمر، أما الثاني فقاحل؛ ويوتام اختار جريزيم ليكون منبرًا لوعظه أمثاله الرمزية لأنّه كان بقعة مقدّسة من قبل؛ وجريزيم كان على الأرجح  المكان التقليدي لتقدمة إسحق؛ وسبط يهوشوع هو إفرايم والعاصمة كانت شكيم عند تكريس الحجارة التذكارية . لو وضعت الحجارة في عيبال للمذبح فمن هناك كان سيقوم بالتقدمة؟ رئوبين، جاد، آشر، زبولون، دان، نفتالي الذين كانوا على عيبال؟ الأسباط الكبيرة كانت على جبل جريزيم وهناك اللاويون المخوّلون الوحيدون لتقديم الأضاحي. من غير المعقول الافتراض بأنّ المذبح أُقيم على الجبل حيث لا أحد يستطيع استخدامه (أنظر أطروحة كنّيكوت الثانية حول النصّ العبري المطبوع، أكسفورد ١٧٥٩، ص. ٧٥-٧٦). يعتقد بارتون بأنّ الأمر بإقامة مكان مقدّس المتكرّر في كثير من الأحيان في سفر التثنية مثل ١٢: ٥-٢١؛ ١٤: ٢٣؛ ١٥: ١٩-٢٠؛ ١٦: ١١؛ ٢٦: ٢ إلخ.  أقدم بكثير من العام ٦٢١ ق.م. ولكن إذا كان لدى اليهود هذا الأمر بإقامة مكان مقدس مركزي هل قاموا بذلك؟ بالتأكيد ليس في أورشليم ولا في شيلو حيث تابوت العهد، إذا كانوا أقاموا أيّ مكان مقدّس مركزي فكان في نابلس في جريزيم والذي غيّروه بعد ذلك بمدة طويلة إلى عيبال من أجل الشرف المفترض لهيكلهم المقام بعد ذلك في أورشليم . يعتقد بارتون أنّه من المحتمل أن تكون شكيم العاصمة المنطقية في وقت الاستيطان في فلسطين، واعتبر المكان مقدّسًا لكل الأمّة. شكيم الواقعة في وسط الطريق بين دان وبئر السبع؛ بين النهر والبحر، نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسّط؛ المكان الذي توجّه إليه إبراهيم؛ المشهد التقليدي للقاء إبراهيم بملكيصادق ومكان تقديم إسحق قربانا؛ بيت يعقوب؛ قبر يوسف بعد أربعين سنة؛ كانت شكيم ملائمة بشكل رائع  لتتبوّأ منزلة العاصمة الوطنية والمكان المقدّس. وهناك بنى يهوشوع بيته؛ وهناك في البداية أدّى إلى إقرار التوراة؛ وهناك أقام التذكار والمذبح؛ وهناك دعا الأسباط لاجتماع احتفالي. 

ينهي بارتون مقالته بالقول إنّ أورشليم ويهودا قد أقيمتا على حساب شكيم وإفرايم وعبء الضرائب في عهد سليمان كان ثقيلًا على الأسباط الأُخرى باستثناء يهودا، أنظر سفر الملوك الأوّل ٤: ٧-١٩. اتّسعت مملكة سليمان وازدهرت وتفكير الملك كان مقتصرًا على مملكة يهودا وفي آخر المطاف حدث الانفصال المحتوم بين يهودا وإسرائيل. وهكذا وقفت يهودا بعاصمتها الريفية إزاء مملكة إسرائيل الحقيقية والأعظم. 

إذا كانت شكيم العاصمة الوطنية بما لها من تداعيات معان مقدسة وكونها عزيزة على كلّ الأسباط ومركزية لها؛ إذا كان تابوت العهد في جريزيم بدلًا من في المدينة التي احتلّها داڤيد من اليبوسيين (أورشليم) والتي بدون ماضٍ مقدّس بقدر معرفتنا؛ وإذا كان يهودا أقلّ تكبّرًا وغرورًا وتجبرًا والملوك تحيّزوا إليه أقلّ على حساب الأسباط الأخرى، كما كان ينبغي لكانت العاصمة في منطقة إفرايم؛ وإذا كان الشعب قد تركّز حول مدينة لم تبن على جبل بدون ماء بل في أخصب وادٍ في البلاد ومحاطة بجبلين فوقها للدفاع عنها، أكان سيكون هناك الاضطراب والمنافسة ومؤهلات سيّئة لرجل الدولة والسقوط  الواردة في الكتاب المقدّس؟ 
ماذا كان سيحصل لو ساروا وفق التوراة السامرية؟

وأخيرا وبخطّ الكاهن يعقوب بن هرون بن سلامة بن غزال الكاهن الأول، الكاهن الأوّل وبالرسم السامري في الأصل. هذا الخطّ المائل/ يشير إلى نهاية سطر وبداية آخر: 
קצין. ר.ונ: / א.ב.ג.ד.ה.ו.ז.ח.ט.י / כ.ל.מ.נ.ס.ע.פ.צ.ק /.ר.ש.ת.