طريق الامل/ ليلى حجازى

وقفت لدقائق معدودة أمام المرآة تتأمل وجهها الشاحب وملامحها المرهقة, إنها على موعد مع حبيبها ولا تدري ما سر هذا الفتور الذي تشعر به..
قادتها خطواتها المتثاقلة إلى الخارج حيث موعدها مع حبيبها الذي كان على تواصل معها طوال الطريق عبر الهاتف..
كعادته وصل قبل موعده وحثها علي أن تسرع بدورها..
بعصبية شديدة أغلقت الهاتف لأنها لم تعد تحتمل رنينه المتواصل..
أغمضت عينيها للحظات وحبال الضوء تدلت من اللامكان في متاهة الظلام الأبدي..
عجبآ إنها أيضآ لا تشعر بلهفتها وحنينها المعتاد إليه..
يكاد هذا الشعور أن يعصف بوجدانها..
عبثا تحاول أن ترسم علي وجهها شبح ابتسامة لتخفي ذلك الجحيم المستعر بأعماقها..
تملكت هدوءها وتحسست دقات قلبها فكان ملمسها كقطعة القماش البالية..
ها قد وصلت إليه.. تراه من بعيد يجوب الأرض ذهابا وإيابا في توتر وقلق لتأخرها القليل وهاتفها المغلق..
ما لبث أن رآها وتبدد قلقه وتوتره وأقبل عليها بلهفته المعتادة وعيونه الحانية.. ابتسمت بدورها.. سألها عن سر شحوبها وصمتها القاتل، ولكنها تعللت بالصداع الملازم لها..
وصلا بعد قليل إلى مقصدهما..
وانطلق رنين هاتفه فجأة فانشغل عنها قليلا وتركت لعقلها العنان.. عقلها الذي راح يسترجع كلمات والدتها غير الراضية عن علاقتهما لصعوبة ظروفه وفقر حاله.. وتذكرت كذلك ردها الحاسم بأنها لن تتخلى عنه إلا إذا تركها هو أولا.. نظرت إلى الأسفل إلى العالم الباكي المستصرخ وذرفت الدموع.. دموع لا تعرف الحنان فانطلقت على وجنتيها بحرية شرسة تجرف معها تراب الدهر المتراكم فوق قلبها ويخنق خفقاته الشابة الحزينة..
صوبت نظراتها إلى القمر، خفضت عينيها ونظرت إلى الأرض تحت قدميها، ثم مدت يديها وأمسكت بحفنة تراب وقذفتها صوب القمر..
صوت ضعيف صرخ في سماء الفراغ القاسي يستنجد بالإنسانية الغارقة في بحر الغفلة العميق..
أنا إنسانة أيها العالم.. إنسانة ذات مشاعر قوية تنبض بالحياة وبالعذاب.. هل سأضع رأسي فوق وسادة الأحلام لكي أنام وابتعد عن العالم الوحشي الغضبان؟..
لا أدري ماذا دهاني!!.. ولكن للحظة فقدت الوعي بكل ما يحدث حولها.. لملمت أطرافها وعادت إلى وعيها حيث أتت..
ولكن شيئا ما استوقفها، فنظرت خلفها وحولها وأمامها ولكنها لم تر سوى الظلام الدامس الذي أسدل عباءته حولها..
فجأة وجد الخوف طريقه إلى قلبها، من بين الظلام القاسي شق ذو القناع الفضي طريقه باتجاهها.. تراجعت خطوتين إلى الوراء فعثرت قدماها فإذا بها تسقط في منحدر اليأس الأبدي..
نظرت إليه النظرة الأخيرة، لقد وقف هناك وعلى شفتيه الفضيتين ابتسامة غامضة مزقت ما بقي من قلبها، ومدت يدها ولأول مرة لمست القمر..
أغلقت عينيها وتركت السنين تقودها إلى حيث المجهول..
لا لن أقاوم.. ذلك لن يجدي لقد حاولت مسبقا.. وبدون إنذار مسبق اخترق سهم العذاب صدرها ونزف ما بقي فيه من الدماء وتركها جثة هامدة تعاني الوحدة والحرمان..
تشعر الآن بأن كلماتها كانت ككلمات الحكومة لشعبها الفقير، لا تحمل في طياتها سوي الكذب, تشعر بأنها ضاقت بظروفه والحياة غير المستقرة التي تنتظرها..
وفى لحظة.. قطع سيل أفكارها عندما شعرت بيديه تحتضن يدها، يديه التي سحبتها فجأة وانطلقت.. وأخذت تركض بعيدآ لا تدري هل يسوقها العقل أم يدفعها الجنون إلى طريق الأمل..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق