منذ المحاولة الفاشلة للنيل من دولة رئيس الوزراء الفلسطيني حمد الله اثناء زيارته الاخيرة لغزه وماكينة البحث عن منفذ أو منفذي العملية الإرهابية تعمل بكل ما في وسعها وقدرتها لكشف الحقيقة… حتى الان تم تداول اسماء عديدة ونسبت مسؤولية العمليه لجهات مختلفه… يدعي المروجون انها تقف وراء عملية الاغتيال الفاشلة… وانهال علينا سيل من التمحيص والتحليل المبنيين على نظرية المؤامرة التي أصبحت للاسف المحرك الوحيد الطاغي لماكينة التفكير الفلسطيني.
قبل ان ادخل في تحليل ابعاد هذه العملية الإرهابية وإرهاصاتها على ملف المصالحة الفلسطينية لا بد ان أسجل بعض النقاط التي اعتبرها مسلمات لكنها أساس متين لفهم معادلة ما يجري في فلسطين بهدوء ولكي لا نقع في فخ التكهنات والتخوين وننسى المصلحة الوطنية العليا:
اولا هذه ليست عملية محاولة الاغتيال الاولى لشخصية مركزيه في الساحه السياسية الفلسطينيه…قبل أشهر حاول ارهابيون النيل من اللواء توفيق ابو النعيم في غزه وبين الحين والآخر نسمع عن حوادث قتل وموت بأسباب غريبة عجيبة لعناصر من كلا طرفي الصراع، فتح وحماس.
ثانياً هذه لن تكون المحاولة الاخيرة لاغتيال شخصية وطنية في فلسطين المحتلة…انا على يقين تام بان اعمال ارهابية مشابهة سوف نسمع عنها في الأشهر القادمة ووحشية وغزارة هذه العمليات سوف تزداد كلما تقدمنا خطوات باتجاه إنهاء الانقسام.
ثالثاً في مقالات سابقة نوهت الا ان المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام امران مختلفان جداً من حيث المضمون والاستراتيجية والتوقيت… كما انه ليس بديهي ان تأتي المصالحة بعد إنهاء الانقسام! وحذرت من التفائل المضخم، بأننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من المصالحه وليس فقط لتخطي الانقسام وإنهائه، هذا التفائل الذي نشرة العديد من الزملاء بعد الزيارة الاولى لدولة رئيس الوزراء لغزه …وقلت اننا الان بدأنا بمسار إنهاء الانقسام وهذا مسار معقد وطويل وسوف نعايش إخفاقات عديدة ترغمنا أحياناً على البطيء بالسير الى الامام وأننا سنرغم أحياناً للوقوف وليس فقط لإبطاء المسار… ولَم نبدأ بعد بالمصالحة ( انظر مقال بصفحة 60 و 61)…علينا جميعاً ان نأخذ الفرق بين المصالحة وانهاء الانقسام على محمل الجد لكي لا نخلق انطباعات خاطئة حول الواقع في فلسطين ولكي لا نزرع أمل كاذب في نفوس وعقول البشر.
رابعاً اجزم على ان الصف الاول من القيادة السياسية لكل من حركة فتح وحركة حماس لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بهذه الاعمال الإرهابية والتكهنات التي حاول البعض نشرها حول تورط بعض الأسماء المعروفه بهذا العمل ما هي الا محاولات نشر الفوضى وخلق جو رعب بالشارع وتشكك بكل ما هو سياسي ووطني…
يخطىء من يعتقد ان إنهاء الانقسام الفلسطيني شأن فلسطيني بحت تحكمه إرادة ورغبة القياديون السياسيون في الساحة الفلسطينية فقط… هذا الاعتقاد السائد للاسف في صفوف أبناء شعبنا الفلسطيني وفِي صفوف نخبته هو نابع من تمني فقط وهذا بعيداً عن ان يكون قراءة واقعية لحال الامر ومكونات السياسية في فلسطين. حتى قبل الانقسام كانت إستقلالية الرأي السياسي للنخبة السياسية في فلسطين امر محدود ومرتبط، في اغلب القرارات الحاسمة، بمراكز قرار خارجية بعيدة عن الحيّز الفلسطيني الضيق… بعد الانقسام انكمشت قدرة التحرك السياسي المستقل، المحدود اصلاً، للنخبة السياسية في فلسطين خصوصاً تلك النخب التابعة للحركتين المهيمنتين على الحالة الفلسطينيه، فتح وحماس. نعم نحن لم نعد ومنذ زمن طويل اسياد أنفسنا واصحاب قرارنا ومتابعي مصالحنا الوطنية فقط…الحالة الفلسطينيه أصبحت كرة يتقاذفها اللاعبون في الساحة الإقليمية والدولية وأصبح المصير الفلسطيني موضوع مقايضة بين اصحاب المصالح السياسية والامنيه بالإقليم…هذا الدياليكتك يقودنا لنظرة واقعية لحال الامر ويدفعنا للابتعاد عن التمني ونشر الأمل الكاذب ويقربنا من نظرة واقعية لحالنا على أمل ان تقود هذه النظرة الى التفكير باستراتيجيات اخرى للخروج من المأزق الذي اوقعتنا به كل من فتح وحماس…اللوم على قيادات هاتين الحركتين وتكراره صباحاً ومساءاً وتحميلهم مسؤولية اكبر منهم، كمسؤولية إنهاء الانقسام لوحدهم، دون الأخذ بالحسبان ان قرارهم ليس ملكهم… فهذه هي شعبوية بدائية وسجال لن يقودنا الى الهدف.
محاولة اغتيال دولة رئيس الوزراء هي دون أدنى شك محاولة أطراف معينة لإعاقة تكملة ملف إنهاء الانقسام. هذه الأطراف ممكن ان تكون فلسطينية وممكن ان تكون خارجية بحته أو داخلية بارتباطات باجندة خارجية…كل الاحتمالات مطروحة. الجهه المعنيه عن العمليه الإرهابية برأيي ليست مهمة بقدر ما هو مهم هدف العمليه…وهو واضح للقاصي والداني ولا حاجة هنا لاجتهادات تحليلية…وحدة الشعب الفلسطيني وقوته الممكنه على مواجهة الاحتلال هي الهدف الأساسي لهذه العملية الإرهابية وليس شخص دولة رئيس الوزراء.
إنهاء الانقسام الفلسطيني عملية سياسية معقدة رغم الإدراك عند الجميع ان الانقسام مضر…كما هو الحال في كل عملية سياسية هنالك طرفين، طرف رابح وآخر خاسر… الطرف الخاسر من إنهاء الانقسام، كخطوة أولى للانتقال الى مسار المصالحة الوطنية، متشعب وله امتدادات داخل النخبة السياسية والعسكرية والاقتصادية الفلسطينية كما وله امتدادات خارجية اجنبية وعربيه وكلهم سوف يخسرون ان تم إنهاء الانقسام…هذا الطرف الخاسر طويل الذراع وله تأثيره وإمكانياته لإعاقة وحدة الصف الفلسطيني كبيرة جداً ومحاولات اغتيال شخصيات وطنية هي فقط إمكانية من عدة إمكانيات سوف يوظفها هذا الطرف لعرقلة العمليه أو على الأقل لاطالة عمر الانقسام.
كم وان الانطباع الذي ساد لفترات طويلة ان احد طرفي النزاع مستفيد من الانقسام قد اضمحل وها نحن نشهد ان الكل اصبح مستهدف… وابتعاد الجماهير الفلسطينية عن العمل السياسي وفقدان ثقتها بالفصائل الفلسطينية جميعاً، كما أظهرت استطلاعات الرأي الاخيرة، إشارة واضحة على ان الكل خسران والكل يدفع ثمن هذا الانقسام، شعباً وفصائل.
طرفي الانقسام، فتح وحماس، لم يدركوا بعد كبر الخسارة الوطنية والثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني يومياً، رغم انني على يقين ان الأكثرية منهم ترغب بانهاء هذا الوضع المدمر… الا ان قدراتهم الذاتية غير كافية لعبور النقطة الحاسمة في مسار إنهاء الانقسام… ما العمل؟
سؤال محق وَمُلِح علينا جميعاً ان نعمل يدا بيد وكل حسب امكانياته لنجيب على هذا السؤال…
صدق الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي عندما قال:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
قدر شعب فلسطين ان يمر بهذا المرحلة العويصة وان يعيش في ظل نظام سياسي متهلهل تقوده قيادات سياسية لم تعد تؤمن بقوة الشعب وإمكانياته… لكن أبدا ليس بقدر شعب فلسطين، هذا الشعب الذي تحدى منذ قرنين ونيف وما زال يتحدى اخطر وأشرس انواع الاجرام الحربي والسياسي المنظم ضده، ان يستسلم للامر الواقع وينتظر اندثاره… الان نحن امام مفترق طرق كبير وخطير وكما قال المثل الفلاحي: "ما بحك جلدك الا ظفرك" علينا ان لا نستسلم للقدر …علينا ان نتحدى العقبات وان نأخذ بقول الشاعر التونسي:
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
الحفرة التي أعدت لنا بالانقسام يجب علينا أفراد وفصائل شيوخ وشباب نساءاً ورجال ان نغلقها بايدينا… التمني بان طرفاً عربياً أو اجنبياً سوف يساعدنا على تخطي هذا القدر ما هو الا سراب ووهم…
تجارب الشعوب تعلمنا ان الفرج يأتي من الذات ومن قناعة الذات بقدراتها وامكانياتها… نظرة سريعة لشعب فيتنام وشعب اليمن وشعب سوريا وشعوب افريقيا الجنوبية يعلمنا ان التغيير ممكن والنصر حليف الشعوب المناضلة وليس حليف الشعوب المنتظرة فرجاً من السماء أو من الخارج…
فقط حركة شعبية فلسطينية واسعة مستمره منتشره فِي كل أماكن وجود شعب فلسطين تستطيع ان تضغط على قياداتها لتساعد هذه القيادات ان تعبر نقطة الحسم، رغم الصعوبات الجمة، في مسار إنهاء الانقسام وسد الطريق على المرتزقة، من فلسطينيين وعرب واجانب وصهاينة، الذين يحاولون بالاغتيالات السياسية وبالنفاق افساد مسار الوحدة الوطنية في فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق