من حق المتنافسين للوصول الى الندوة البرلمانية استعمال كل قواهم وامكاناتهم من أجل ذلك الهدف، لكن قد يفوت البعض أن هناك قواعد تضبط تصرفات المرشحين، ونحن هنا لا نتحدث عن القانون والنصوص القانونية، والتي تضربها معظم القوى السياسية عرض الحائط، خصوصاً لجهة الانفاق والدعاية الانتخابية وما يحكى عن شراء الأصوات، لكن التركيز هنا يتمحور حول الرؤية الأخلاقية لإسلوب التنافس وتأثيراته السياسية، الاجتماعية، الأقتصادية، الأمنية والثقافية والأخيرة يجب ان تكون الاساس الذس يُبنى عليه من أجل التغيير والازدهار المنشودين لوضع حد للتدهور الأقتصادي الأجتماعي وتراجع الشعور الوطني، في الوقت الذي تطغى فيه الجوانب الطائفية، المذهبية والفئوية من خلال استمرار العمل بالاعراف والتقاليد والممارسة، حيث أصبح الهم الأساسي الوصول الى البرلمان وبأي كلفة حيث الحديث وعلى رؤوس الأشهاد عن شراء الأصوات أو إحضار المغتربين للتصويت مع تغطية كلفة السفر والإقامة.
إن الجهل والفقر والكراهية والتعصب بالإضافة الى الأستغلال والظلم بلغ درجة مخيفة حيث أصبح تمجيد الوجاهات والمال يتقدم على كل شيئ عند معظم الناس.
الملفت للنظر أن المُستغلِين يسعون الى تثبيت قوتهم السياسية ومكتسباتهم على حساب المُستغلْين وعلى حساب بناء الدولة على أُسس متينة فمن أين يمكن أن يأتي التغيير المنشود؟!
الشعوب المتحضرة تسعى الى تحقيق رغباتها وأهدافها وتقوية قيمها وترسيخ معتقداتها وتأمين حاجاتها عن طريق تنظيم مؤسساتها واستثمار خيراتها وقواها البشرية ووضع القوانين التي تحكم هذا الانتظام بعيداً عن الاعراف لأن القانون هو الأساس الذي تقوم عليه الدول.
إن النموذج الأخلاقي المعمول به لدى معظم القوى بعيد كل البعد عن الأنسانوية والعقلانية والحيوية المنشودة، رغم أن الخطاب يحاول لا بل يجاهر بقيم ثقافية تسقط أمام أول اختبار وتحدي، فكيف ننتظر من منْ لا يملك حس أخلاقي أن ينبثق منه حكم أخلاقي بمعنى آخر أن فاقد الشيء لا يعطيه.
إن غياب النموذج الأخلاقي وتقدم مفهوم المنفعة الذاتية للأفراد والجماعات المتنافسة للوصول الى البرلمان لا يمكن أن يوصل الى حياة آمنة للمجتمع والأفراد، ولا يؤسس لمستقبل أفضل.
مفهموم السلطة التشريعية هو التعبير عن إرادة الشعب الذي يفوض نوابه لتحسين الشروط المعيشية، الأقتصادية، السياسية، القانونية والثقافية للمواطنين وتحقيق تلك الأرادة الشعبية فهل التجارب السابقة وما يحصل على أرض الواقع يبشر بالخير؟!
قد يقول قائل لماذا استباق الأمور، لكن المشكلة تكمن في أن المؤسسات تفتقد الإرادة السياسية والرؤية المبدعة والمستقبلية لا بل أن طموحات الأكثرية سلطوية ومن يراقب التحالفات الأنتخابية يدرك فوراً من أين والى أين نحن ذاهبون، وترقبوا الأشتباك المرتقب حول تشكيل الحكومة بعد انتهاء الأنتخابات لكي ندحض الشك باليقين.
التغيير إنجاز أنساني راق ولكن للتغيير شروطه علماً ان التغيير لا يحدث "بكبسة زر"أو بصورة تلقائية، لا بل يجب أن يقوم على أُسس الحرية والعدالة والأخلاق والديمقراطية التي يُبنى عليها السياسي، الأجتماعي، الأقتصادي والفني وكل ذلك ينبثق عن ثقافة المجتمع فكيف بمجتمع يرزح تحت الطغيان السياسي والديني والمذهبي والعصبي والسلطوي، وهنا أحب أن استشهد بالمقولة الشهيرة للرئيس سليم الحص أطال الله بعمره: في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية.. السياسة في لبنان لعبة بلا قواعد..
أذاً، كيف تكون حرية ان لم نستطيع أن نخاطب العقل والقلب الوطني والأنساني، ونستغل في مخاطبة الغرائز المميتة!
تتردد على ألسنة اللبنانيين عبارة "هذا لبنان" وحتى الأن لا أملك تفسيراً لهذه العبارة، ولا أعتقد ان معظم من يقول بها يملك تفسيراً الا استعمالها السياسي للحفاظ على مكتسبات أوسلطة، لكن من الواضح أن هذه المقولة أصبحت مهرباً مقبولاً من الجميع. فلماذا لا يتم تطوير معايير أخرى لهذا اللبنان قائمة على التجربة الوطنية والأنسانية بعيداً عن الخنوع والنفاق وضيق الأفق.
هناك الكثير من التحديات التي نواجهها في حياتنا ووجودنا، ولكن هناك الكثير من القيم التي تساعدنا على مواجهة الصعاب، ومن هذه القيم ما هو ثابت وما هو متحول، فلماذا لا نشتغل على تطوير المتحول وتحصين الثابت في عالم تتسارع فيه الاحداث والتحولات لأن محيطنا والمنطقة العربية حبلى أكثر من غيرها بالمشاريع والمؤامرات التي تُحاك حولها ولها، ونحن في لبنان نعرف أن أسرائيل تتربص بنا وبثروتنا النفطية والمائية وتدعمها في طموحاتها هذه الولايات المتحدة الاميركية.
إن معرفة الذات والأمكانيات والحاجيات كوطن ومواطنين واحدة من الأسس التي تساعدنا على توضيح كيف يجب ان نحقق تطلعاتنا وأنفسنا وننمو مع بعضنا البعض بعيداً عن طبقة سياسية متسلطة همها الاحتفاظ بسلطتها واحكام قبضتها على مقدرات البلاد والعباد.
نعم، الدولة هي الإطار الثقافي- الأجتماعي- السياسي الذي ينمو فيه الفرد والجماعة ونحقق أنفسنا بعيداً عن النفاق المتبادل والعمل على تعزيز المعرفة والثقافة حتى يكون الأختلاف في السياسة والرأي أحد عناوين القوة وليس نقطة ضعف ينفذ منها أعداءنا، خصوصاً إذا كان هذا الأختلاف يرتكز على المبادىء الوطنية والأخلاقية والأنسانية.
لكن مشكلتنا مع الدولة هي ان كل فريق لديه مفهومه الخاص لهذه الدولة، وهذا أيضاً أحد التحديات التي تستوجب الحل لتأمين دولة حاضنة للجميع كمواطنين ولا تحكمها هواجس الديمغرافيا والاكثرية والأقلية وحقوق الطوائف والمذاهب على حساب المصلحة الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق