آنَ يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ
أنْ نقولَ الذي لا يُقالُ، الذي لا نقولْ
أنْ تَدِبَّ البراءةُ فينا ونَخْضَرُّ،
يطلعُ برقُ الجذورِ، وعَصْفُ الشَمولْ
آنَ يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ.
حيثُ كان الذي كان،
حين دفنّا صبايا الينابيعِ ﻓﻲ التلّة العاليةْ
شاهداً كان هذا الهواء
شاهداً كان عرجونُ هذا النخيلْ
شاهداً كان هذا الحَجَرْ
القلاعُ العتيقةُ كانت سُيولاً من الأرجوانْ
السماءُ التي... رَغْرَغَ الدمعُ ﻓﻲ مَحْجريها يجولْ.
ﻟﻢ تكن للخيولِ رؤوسْ
ﻟﻢ يكن للرؤوسِ عيونْ
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ العيونِ ندىً ﻓﻲ الحقولْ
ﻟﻢ يكن للندى شَجَرٌ أو ثمرْ
الجنازةُ كانت بياضاً من الملح، كان البياضْ
صرخةَ القُبَّرةْ
ﻟﻢ تكن ﻓﻲ المدى مقبرةْ
الرمادُ يغطي تعاريجَ هذا الرحيلِ الطويلِ الطويلْ.
آن يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ
أن تطيرَ اليمامةُ من أسرها، فوق جسرِ الهوى!!!
- نوغلُ ﻓﻲ حقلِ الزيتونِ الأكحلِ،
نفرحُ، إذْ نهجرُ موسيقا الباراتْ
عاصمةُ الأعمدةِ النورانيةِ نادتني: يا كنعانَ الغاباتْ
وشوشني الثعلبُ: يا هذا مَرُّوا تحت الصفصافةِ ﻓﻲ الليلْ
تركوا رُضَّعَهُمْ ﻓﻲ أحضانِ غزالاتِ البريَّةْ.
صدّقتُ البلبلَ، حين اعتدلتْ قامتُهُ، وروى ﻟﻲ:
ﻟﻢ تكنِ الغابةُ دائِمةَ الخُضْرةْ
ﻟﻢ يكنِ النهرُ عميقاً ﻓﻲ أغوارِ الروحْ
أخذوا شاراتٍ من طميِ النهرْ
أخذوا سيماهمْ، تركوا دمعاً وجروحْ.
نتنسّمُ رائحةَ العشبِ، قريباً من سدٍّ مكسورْ
ننسى أصواتَ الباعةِ ﻓﻲ أسواقِ النهب، وننسى
ﻓﻲ هذا الحقل المجنونِ، ضجيجَ العرباتْ.
كلّمتُ السَرْوَةَ ﻓﻲ أعلى قلبي، أشعلتُ الحطَبَ حنينا
ﺛﻢَّ سألتُ البلّوط القاتمَ عن تلكَ الخطواتْ
فازدادتْ ذكراهُمْ ﻓﻲ الصمت رنينا.
كان رنينُ القاع يلاحقني ﻓﻲ الأغوار
- لا تشربْ، لا تشربْ، لا تشرب هذي الأخبارْ
تصفرُّ عروقك ﻓﻲ ساحِ الدار
فَتّشتُ صنوبرةً ﻓﻲ الغار، وجرّحتُ الأحجار
ﺛﻢ سألتُ رصاصاتٍ مرميَّةْ:
هل تركوا رمزاً محفوراً فوقَ جذوعِ الأشجار؟!!
- لا تسأل يا هذا... النجمةُ تهطلُ أسراراً ﻓﻲ حقلِ الأسرار
قالت ﻟﻲ حبَّةُ بلّوطٍ جفّتْ وعلاها الشيبُ،
اشتاقت للطوفانِ الأخضرِ... والأشعار.
سوف أحكي وأحكي وأحكي،
وإلاّ فقدتُ الصوابْ
عابراً صرتُ ﻓﻲ مَهْمَهٍ من رمالْ
بعدما عبروا فوقَ نهرِ العذابْ
عابراً نحو نبعكِ، طُفت المدائن، عُدتُ أَشيل الإيابْ
عابراً صرتُ ﻓﻲ مُدُني، غجريَّ الثيابْ
عابراً يا دموعَ الرمالِ التي صَوَّحَتْ
عضَّها ﻓﻲ الغيابْ
رجالٌ ﻟﻬﻢْ ﻓﻲ الجباهِ قرونْ
وﻟﻬﻢْ ﻓﻲ الشطوطِ نساءٌ يُضاجعن رُمْحَ الغريبِ،
ويُفْردنَ أثداءهُنَّ الجميلاتِ للعابرينْ.
عابراً يا أميرةُ كلّ الشطوطِ البعيدةِ،
هل يولدُ العشبُ تحت البساطيرِ، هل يعبر العابرونْ؟!!
يا نساءَ القبائلِ
طرّزنَ هذا الشهيدَ على شجرِ القلب،
فوقَ جذوعِ الزمانِ الجديدْ
يا نساءَ القبائِل
سجّلنَ أعمالهمْ... والشهودْ
يا نساءَ القبائِل
ودّعنَ كنعان، قُلنَ لأطفالهِ... سيذوبُ الجليدْ
يا نساءَ القبيلةِ، أرضعنَ أطفالكنَّ حليبَ النشيدْ
يا نساءَ الجبالِ البعيدة، مرسومةً ﻓﻲ الأفُقْ
يا نساءَ التمزُّقِ قبلَ الوصولِ ﺇﻟﻰ النهر، عَبْرَ السماءْ
يا نساءَ التباريحِ والبوحِ ﻓﻲ الغُرفِ المغلقة
يا نساءَ حمامِ الرسائلِ، والرمزِ، والشرفةِ المُقْفَلَةْ
سوف أرسمُ هذي الوجوهَ الحزينةَ ﻓﻲ قلبِ هذا التراب.
- يا هِلي - يزحفُ الرملُ نحوَ المدينة، يأكلُ منّا العظامْ
يا هِلي - يا اخضرارَ الحقولِ التي لا تنامْ
يا هِلي - عَبقُ النعنعِ الحجريّ مع الفجرِ،
يحملُ منكمْ... سلامْ
يا هِلي - وثلوج الشِتا، شَلَّعتْ شجر الحب ﻓﻲ
معمعان الزمان الرديءْ
يا هلي - تتساقطُ منّا ثمارُ الكلامْ
يا هلي - إنّهم يعبرونَ هنا، يقطعون السهوبْ
يا هلي - قد دفنّا الجميلاتِ، حين عَبَرنَ المياه
يا هلي - إنَّ بيروتَ ﻓﻲ دمنا، إنْ سكنتمْ ﺑﻬﺎ
قَبَّلوا نحو باب الخليلْ... يا هلي.
شمَّلوا باتجاه بحارِ الجليلْ... يا هلي
يا هِلي، يا هلي، يا هلي. *
- آنَ يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ:
أنْ نرمي حجراً ﻓﻲ عينِ المنفى
ونَرُدَّ الخيلَ الجامحةَ الصفراء.!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق