شكوى أمام دالية الأرجوان/ عز الدين المناصرة

صَيَّفوا ﻓﻲ أريحا وشتيتُ ﻓﻲ غيمةٍ من دمِ المذبحة
كم أنا طَيبٌ مثلُ هذي اللغَةْ
كم أنا طَيبٌ مثلُ داليةٍ ﻓﻲ السفوح
ﻓﻲ مدارجِ حبّي تغازلُ طينَ السطوح.
حَبَقٌ ﻓﻲ زوايا المَقامْ
شاهداً كان، ﻟﻤَّﺎ تسرَّبَ هذا المطر
على جبهة الحيّ، ﻟﻢ يستطعْ
أن يُنظّفَ أردانهُ أو يُلملمَ شَمْلَ الحُطامْ.
كم أنا طَيبٌ مثل هذي اللغةْ
لا تُوشوشُ أسرارها الرعويّةَ للزعفران
خلفها نجمةٌ ذاتُ نارْ
حيث يركبُها شاعرُ الوأوأهْ
أوْ يُدجّنُها سيّدُ التأتأهْ
وأنا راقدٌ ﻓﻲ سماءِ الدخانْ
أُشاغبُ مسترسلاً رائقاً ﻓﻲ دُجنَّةِ هذا الولهْ
صار تشكيلةً من بلالينِ أطفالها ﻓﻲ الهواءْ
ﺛﻢّ صار زجاجاً تَعشّقَ بين الحنايا، تناثرَ كالأبرياءْ.
أحسبُ المسألةْ
من جميعِ الوجوهِ،
لكي لا أُزحلقَ روحي بقاعٍ سحيقْ
أوْ أكونَ ضحيّة طيبةِ هذي اللغةْ
حين يركبها شاعرُ المغْمغَةْ.
- لن أصافحهم
قال ﻟﻲ ذلك المتبرجُ بالريشِ والأقحوانْ
ﺛﻢ صافحهمْ ﻓﻲ هوانِ اللغةْ.

- أعطني نرجسَ الماء، أعطيك خفقَةَ أجنحةٍ من غرامْ
(لا يساورني الشكُّ) ﻓﻲ أن هذي التي
(لا يساورها الشكُّ) قد أصبحتْ كومةً من عظام
فإن طقَّ قلبي وصاحْ:
خيولُ الثغورِ ستحرسُ جمرك هذا الزمان الجديدْ
قيل: بل ﺇﻧﻬﺎ سوف تهرس صمتَ الحدود.
يا خيولَ الثغور
أعطني قوّةَ القلب، كي أصهر الزمهرير
أعطني قوةَ الذاكرة
كي أنادي امرأَ القيس من قبرهِ ﻓﻲ البقيع
حيث أُكملُ هذا المساءَ هجائيةً للفرزدق أو لجرير.
- صَيَّفوا ﻓﻲ أريحا وَرَبْعَنْتُ ﻓﻲ أنقره
بانتظارِ الذي سوف يأتي ولكنه ليس يأتي
لا أنا مع (سيدو) بخيرٍ ولا مَعَ (ستّي).

- طَرْبنَ اللوزُ ﻓﻲ ساحةِ الدار، حيثُ تشعبطتُ سورَ الحرمْ
ﻟﻢ أكن شوكةً ﻓﻲ التواءاتِ هذا السياج.
إنّما كنتُ أسبحُ، كيما أعلّقَ خفقةَ صمتِ العلمْ
ﻓﻲ زمانٍ خداج.
ﻟﻢ أكن ﻓﻲ نقوشِ الخشبْ
حيث أُنقّر بعضَ الزخارفِ فوقَ العريشْ
ﻟﻢ أكن طائراً دونَ ريشْ
ﺇﻧﻤﺎ كنتُ أرسمُ تشكيلةً كي تناسبَ مرثيَّةَ الأرجوان.

- كان قبلي فراغٌ من العشبِ والماءِ والنار، غطَّى
شقوقَ الجبالْ
كان قبلي بياضُ نعاجِ الغيومِ الثقال
كان قبلي ارتعاشُ العصافيرِ ﻓﻲ الثلج،
قد بلّل الماءُ أعشاشَها ﻓﻲ سكونِ الثلوجْ
كانت الغابةُ الساحرة
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ الحقولِ عجول
قبلَ أن أُورثَ الأرضَ ملحَ الخطأْ:
قُمتُ ملَّكتُ هذا الغريبْ
قبرَ زوجته، حيث أشفقتُ ﻓﻲ هدأةِ الليلِ،
حزناً على لاقطاتِ السنابلِ بعد الربيع
ﺛﻢ جاء الشتاءُ ليمسحَ أردانها ﻓﻲ الصقيع
ﺛﻢ قلت: اهدئي، هذه الأرضُ باقيةٌ كي يُنَقّرَ
أطرافها سربُ هذا الدجاج
مرسلاً شعرُها كان فوق الجبين
وأنا قوسُ عاجْ
ينحني ليُقبِّلَ نقشَ الزجاج.
- ها أنا مثلُ هذا الحصانْ
أناطحُ هذا السرابَ على هامشٍ من جيوشِ الأُفولْ.
ﻟﻢ أكن قد قرأتُ الكتابْ
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ سماها كتابْ
هذه الأرضُ كانت تُبرْبرُ بالحرفِ،
ترسم للأرضِ لوحاتِ هذا الكتابْ
كي تُصدّرَ للثلجِ نارَ الحروف
لغةً تتناسلُ مثلَ المصابيحِ ﻓﻲ أولِ النطقِ
قامت تُرندحُ أغنيةً طازجهْ
قَبْلَ هذا أقمنا على شجرِ الدوحِ آياتنا،
بل رفعنا السماءَ على بارجهْ
كي تسافرَ للعالمين.

هل أكلّمُ داليةً، نَسْغُها من دمِ الأرجوان القتيل
حيث لا تسمعُ المرحلةْ
حيث لا تسمعُ الوردة الذابلةْ
حيث ﻟﻢ تستمعْ لصراخي العتيقِ الخيولْ
حيث وزّعتُ روحي... على السابلةْ
حيث لا تسمع القافلة
هل أكلّمُ داليةَ الروح، كي أنفخَ الروحَ قبلَ الوَهَنْ
أنا الكرمليُّ الذي صاغ هذا الفضاءَ الرضين
أسافرُ ﻓﻲ لُجَّةِ البحرِ كي يهدأ الآخرون
لأشعلَ جمراً على رأسِ بوَّابة البحرِ كي يقبلَ المتعبون.
صيَّفوا ﻓﻲ أريحا، وشَتّيتُ ﻓﻲ برزخٍ من شَجَنْ
لا أنا سيّدٌ ﻓﻲ الخليل، ولا تابعٌ ﻓﻲ اليمنْ.
- صيَّفوا ﻓﻲ أريحا، ورَبْعَنْتُ ﻓﻲ غيمةِ العشبِ
حين ارتدتْ أرجوانَ الصلاة
كنت أركبُ مهري الجميل
لأرضعه خُطَباً من حليبِ السباع
صَفَنْتُ على جبلٍ، رفضَ الإنحناء، وفتشتُ عنه، فضاعْ
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ المدى، غيرُ هذا الشرقرق، يصفعُ وجهَ المدى
الوحوشُ تحاصرني ﻓﻲ ثقوبِ الحَرَمْ
وأنا سَيِّدٌ، أشعلَ الكائناتِ ونام.
كنت أمسكُ عكازتي قربَ نهرٍ يسيلُ على الفاتنات
عندما هاجمتني زواحفُ هذا الزمان
كنت أحكي لداليةِ الأرجوان
أُوَشْوِشُها، كي تفيقَ من الورطةِ النازلة
كنت أُقْلّبُ أقراطَها، كي أغيظَ الغجر.
- أيها البدويُّ الذي قد توسَّدَ عشبَ الحريرْ
تشككتُ لما رأيتُ قماشَ العَلَمْ
باهتاً مثلَ هذا الضجيجِ الذي لا يهزُّ القبور
أين عُروةُ مخلاتهمْ والشعير
إذا نامَ مهري وناموا على طاولاتِ المدى
وأنا ﻟﻢ أنَمْ
إذا غرّبوا دونما فَشَكٍ أو هدير.!!!

- لن أصافحَ تلك الخرافْ
لن أصافحَ طاقيَّةً أو نجوماً تذكرني بنجيعِ الدماء
فاعِلُنْ بنتُ أختِ فعولنْ، لماذا
نُفرّقُ بينهما ﻓﻲ الزحافْ ؟!!
يا قراصنةَ البرِّ والبحرِ، هذي يدي
سأشلخُها قطعةً قطعةً، دون أن يتبلّلَ سطحُ غليلي
سأخلعُ كرمي وعشبَ نجيلي
إذا صافحتْ قاتلاً أو قتيلاً،
هوى، ﻓﻲ هوى المُلْكِ والصولجان.

- صَيَّفوا ﻓﻲ أريحا وشتّيتُ ﻓﻲ غيمةٍ من دمِ المذبحة
قال ﻟﻲ: سوف يقتسمون السماء
سوف يقتسمون الهواءَ ولن يتركوا الميجنا يا حزينْ
قلت: هل يتركون لك الدالية ؟!!!
نحن نسلُ المذابحِ من عهدِ عاد
فهل تلدُ النائِحاتِ سوى النائحة!!!

أخيراً بكى صاحبي حين عزَّ الصديقْ
عندما شافَ (كرسيَّهُ) شبهَ مشروخةٍ
ﺛﻢ قال: أموتُ أنا... أو تموتْ
قلت: خُذُهُ... لكي لا يموتَ رفاقُ الطريق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق